دراسات تحسم الجدل.. هل الجينات الأسرية تلعب دوراً في إصابتنا بالأمراض؟
الأربعاء، 08 ديسمبر 2021 10:00 م
تتحدثت تقارير يومية عن اكتشاف جينات لها علاقة بالإصابة بأمراض منتشرة مثل السرطان وأمراض القلب والسكري واضطرابات مناعية ونفسية، مما يعلل اعتبار التاريخ المرضي للأسرة من العوامل الرئيسية والمهمة لتحديد قابلية أفرادها للإصابة بالأمراض.
ولكن من الخطأ ربط المرض بالوراثة فقط، لأن الدراسات بينت أنها ليست السبب الوحيد، حيث أثبتت دراسات علم الجينات أن الجينات والتحورات الجينية لا تسبب الإصابة بالمرض، بل «قابلية جينية» للإصابة بالمرض، بمعنى أن الشخص يبقى سليماً ما دام بعيداً عن التعرض لمحفزات ومثيرات بيئية تسبب نشاط الجين أو الطفرة الوراثية. لذا، فبدء الإصابة بالمرض يعزى إلى تفاعل الجينات بعضها مع بعض ومع عوامل بيئية. وعليه، فإن وجود إصابات عائلية بالمرض، سببه ليس الجينات فقط، بل أيضاً التعرض إلى ذات الملوثات البيئية واتباع عادات وأسلوب حياة متشابهة.
علاقتها بالمرض
لأن كل خلية في الجسم تحمل جينات وراثية، فللجينات تأثير على طبيعة عمل وصحة كل خلايا الجسم وعلى قابليتها للمرض وتأثرها بالعوامل الخارجية والداخلية وحتى على موعد موتها. وقد ركزت دراسات كثيرة على فهم علاقة الجينات بالاصابة بالأمراض الشائعة مثل أمراض القلب والشرايين، ارتفاع ضغط الدم، السرطان، السكري وكثير من الأمراض النفسية، وكشفت عن التالي:
- هناك تسلسلات جينية تسبب زيادة في قابلية الإصابة بمرض معين، وجينات اخرى تسرع وتيرة الأعراض.
- للجينات دور في تحديد ردة فعل الجسم للعلاج العقاقيري للمرض. فهي الفيصل ما بين جسم يستجيب جيدا للعلاج وآخر لا يستجيب للعلاج.
- مسؤولة عن التحكم في ردة فعل الجسم للعوامل البيئية التي لها علاقة بالإصابة بمرض معين.
- تلعب دوراً كبيراً في تحديد العمر وأعراض الشيخوخة. لذا، فهي تتفاعل مع الجينات الاخرى لتزيد قابلية الإصابة بالمرض عند سن معينة وزيادة شدة الامراض.
السرطان:
رغم اثبات دور الجينات، لكن الدراسات تؤكد أن السبب الأهم لانتشار الإصابة بالسرطان يعزى الى تأثير بعض العوامل، منها ما يلي:
- العوامل البيئية
- أسلوب الحياة، مثل التدخين والتغذية
- قلة النشاط البدني
- التلوث البيئي
- العدوى
وتشير التقارير الى ان نسبة حالات السرطان عامة التي تنسب الى الجينات الوراثية المرضية تتراوح ما بين 5 و%10، بينما تنسب معظم حالات السرطان الى مسببات بيئية وحياتية. فعلى سبيل المثال، ينسب أقل من %10 من حالات سرطان الثدي والمبيض الى وجود جينات براكا في الجسم، وقد حددت الدراسات عاملاً مهماً يسمى «اختلاف آلية الأيض وتحليل الكيميائيات المسرطنة»، وهي تفسر الاختلاف في قابلية الاصابة ببعض انواع السرطان، حيث وجد انها تسبب انخفاض قدرة الخلايا في التعامل مع المواد المسرطنة مثل التبغ وكيميائيات المواد الغذائية والتغذية السيئة وللعوامل البيئية الضارة. وتركز الدراسات المستقبلية على تحديد الجينات المسؤولة عن ذلك وتقييم عملها.
السكري:
تلعب عدة عوامل جينية وبيئية دوراً في الإصابة بمرض السكري، من أهمها:
- السمنة
- قلة النشاط البدني
- التغذية غير الصحية
لكنها ترتبط أيضاً بالقابلية الجينية. وعليه، فحتى لو كان لدى الشخص قابلية جينية، يمكنه الوقاية من الاصابة بهذا المرض عبر اتباع أسلوب حياة صحي (تغذية صحية وممارسة الرياضة)، إلا أنه يوجد استثناء، وهو الإصابة بالسكري من النوع الأول الذي ينسب الى حدوث اضطراب مناعي ومهاجمة خلايا المناعة لخلايا البيتا في البنكرياس، حيث بينت الدراسات أن سببه غالباً يعزى الى وجود تحور جيني وتفاعله مع عوامل بيئية مثل عدوى فيروسية.
أمراض القلب والشرايين:
قيمت الدراسات آلية الإصابة بأمراض القلب والشرايين وعلاقتها بالجينات حتى تتمكن من تحديد الفئة الاكثر عرضة للإصابة، وخلصت الى ان قابلية الاصابة بهذه الامراض له علاقة بعدد يصل الى 100 جين. لذا، يعتقد أن للأمر علاقة بسلسلة من الجينات. لكن الجينات لا تتحمل لوحدها ذنب الاصابة بالامراض، بل يشاركها في ذلك أسلوب الحياة وعوامل بيئية. على سبيل المثال، اثبت ارتباط جينات معينة مع زيادة ترسب الكوليسترول في الشرايين، لكن الامر لن يتطور ليسبب امراض القلب إلا إذا رافقته عوامل بيئية مثل:
- سوء التغذية
- الخمول
- التدخين
- السمنة
- فرط التوتر والقلق
- الاصابة بالسكري
- ارتفاع ضغط الدم
- الاكتئاب
المدخنون
من الدراسات المميزة في مجال الجينات، تلك التي فسرت سبب إصابة بعض المدخنين بالسرطان، ومناعة آخرين تجاهه، حيث ربطت بعض التغيرات الجينية بالتدخين ودورها في الاصابة بسرطان الرئة. وللتوضيح، يحتوي دخان السجائر على مجموعة كبيرة من الكيميائيات المسرطنة التي تسبب تلفا في الـ DNA (أي الجينات). وهناك طرق عديدة يتمكن فيها مركب DNA من ترميم نفسه، لكن الجينات التي تمهد لآلية هذا الترميم تختلف من شخص لآخر. وفهم هذا الامر هو الخطوة الاولى لفهم سبب اصابة البعض بسرطان الرئة. فقد كشفت دراسة أن وجود تحورات في الجينات المسؤولة عن ترميم DNA هو سبب الاصابة بسرطان الرئة (حتى بين غير المدخنين). وترتفع فرصة اصابة المدخنين الشرهين الذين لديهم هذه التحورات بمعدل الضعفين مقارنة بالمدخنين الذين لديهم جينات طبيعية. ومن جهة أخرى، وجد أن بعض الطفرات الوراثية توفر وقاية للمدخن من سرطان الرئة، بحيث تخفض فرصة اصابته الى %70 مقارنة بمن لديه جينات طبيعية.