المهمة المقدسة.. إحياء هوية مصر الوطنية
السبت، 04 ديسمبر 2021 05:44 ممصطفى الجمل
الجمهورية الجديدة تعيد الحياة للكنوز المهملة.. والعالم منبهر بعودة كنانة الأرض لمكانها الطبيعي كمتحف كبير مفتوح أمام الزوار
جمال حمدان عثر على مفاتيح الشخصية المصرية ووصف المحروسة بـ"ملكة الحد الأوسط".. وشعبها يمتلك قدرة عجيبة على الامتصاص
جمال حمدان عثر على مفاتيح الشخصية المصرية ووصف المحروسة بـ"ملكة الحد الأوسط".. وشعبها يمتلك قدرة عجيبة على الامتصاص
"فرعونية عربية أفريقية"، هذه هي المكونات الرئيسية للهوية المصرية، والتي لا يمكن فصل واحدة منهم عن الأخرى، ولا يمكن التمسك بواحدة على حساب الباقي، نحن فراعنة بحكم الأصل الضارب في جذور التاريخ، وعرب بحكم اللسان، وأفارقة بحكم الجوار والموقع الجغرافي، وهنا لا تعارض يحتاج للتساؤل المثير للجدل دوما بين المثقفين إلى أي منهم ننتمي؟!، وأيهم أحق بالولاء والانتماء؟!
وفي حقيقة الأمر أن كلمة الهوية مطاطة بطبعها، وهي لا تعني كما يعتقد كثيرون الانتماء فقط، فهي تعني عند بعض علماء الاجتماع إدراك كل فرد نفسيًا لذاته، لتمتد بعد ذلك إلى الجماعة، وبمعنى أكثر بساطة هي إدراك لفرد في ذاته وسط جماعة تربطهم ولاءات وانتماءات ومصالح واحدة.
المفكر المصري الراحل جمال حمدان، حاول العثور على مفاتيح الشخصية المصرية، التي فندها تاريخيًا وثقافيًا واجتماعيًا عبر صفحات كتابه «شخصية مصر»، فوصف المحروسة بأنها ملكة الحد الأوسط، حيث يمتلك شعبها قدرة عجيبة على الامتصاص، فرغم كل المحتلين الذين عبروا في تاريخها وكل الثقافات التي وردت عليها، إلا أن الشعب المصري بموهبته الفريدة صهر كل ما قابله من ثقافات ولغات وخرج بها في نسيج جديد يحمل طابعه هو الخاص.
وتابع حمدان: «هذا ما مكن الشخصية المصرية من الاستمرار عبر العصور دون أن تتأثر بثقافة معينة، أو عقيدة فكرية ما، صمدت الشخصية المصرية منذ عهد مصر القديمة وطابعها الفرعوني، ثم البطلمي والقبطي فالعربي الإسلامي، فضلا عن انتمائها الإفريقي بحكم الجغرافيا، ليتغير الشكل لكن المضمون يظل ثابتا في جوهره».
الجدل حول هوية مصر حديث قديم، ففي عهد محمد علي، جاءت البعثات بثقافات جديدة، إلا أن الشخصية المصرية أخذت خلاصة تجربتهم، ومع زيادة وعيه من ازدياد نسبة التعليم وانتشار الصحف، بدأ الشعب يبحث عن ذاته، وكانت الإمبراطورية العثمانية انتهت بنهاية الحرب العالمية الأولى، وبدأ المفكرون المصريون في التساؤل إلى أي هوية ننتمي: «الإفريقية أم العربية أم الإسلامية أم الفرعونية».
في تلك الفترة كان لإعلان بريطانيا، أن مصر دولة مُستقلة ذات سيادة عام 1922، وكتابة دستور مصري، ثم اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون على يد البريطاني هوارد كارتر عام 1923، وقعًا كبيرًا على نفوس المصريين الذين شعروا بالفخر أولًا لكونهم أصبحوا أمة مستقلة، وثانيًا لإدراكهم بامتلاك حضارة كبيرة قادرة على خلق كل هذا الجمال والجلال، وهو ما جعل الجميع يتجه صوب اختيار الفرعونية كهوية مصرية.
بدأت الأيقونات الفرعونية، تُعبر عن المصريين في شعارات المجلات والصحف، وطوابع البريد، وامتدت إلى غيرها من مظاهر الحياة في مصر، وكأن هذه الأيقونات رمزًا للسيادة المصرية في وقت يحكم فيه الأجانب البلاد فعليًا.
أتى الرئيس عبد الفتاح السيسي في 2014 وهو يعي أن بمصر كنزٌ يجب إزاحة التراب عنه وإتاحته أمام العالم، لتعود مصر مجدداً وترتكز على آثارها ومواقعها الأثرية السياحية لدعم اقتصادها الوطني.
مخطئ من يظن أن اهتمام الرئيس السيسي بأمر إعادة الهوية المصرية وليد هذه اللحظة أو حتى هذا العام أو حتى العام الماضي، بل الأمر ممتد لسنوات ماضية، بما يشير إلى أن الرئيس دارس لهذا الملف بشكل متعمق، مكنه بترجمة هذه الراسة لخطوات تنفيذية حقيقية، أبهرت العالم أجمع، وأعادت لمصر مكانتها بالمنطقة.
في 2018، عندما كان يؤدي الرئيس عبد الفتاح السيسي اليمين الدستورية رئيسا للبلاد لولاية ثانية، واستعرض جزءا من رؤيته التي تضمنت التأكيد على العمل من أجل بناء الإنسان المصري، قال: «يقينا مني بأن كنـز أمتنا الحقيقي هو الإنسان والذي يجب أن يتم بناؤه على أساس شامل ومتكامل بدنيا وعقليا وثقافيا بحيث يعاد تعريف الهوية المصرية من جديد بعـد محاولات العبث بهـا».
وقتها كانت البلاد والأحوال الاجتماعية في أمس الحاجة إلى أمر إعادة الهوية، وإحيائها من أجل مواجهة الفكر والمتطرف، وأي محاولات لتفكيك هويتنا.
ورأى وقتها كثير من المحللين والخبراء أن رؤية الرئيس لإحياء الهوية المصرية، تحتاج لمقومات رئيسية حققها الرئيس كاملة فيما بعد، ألا وهي إحياء المقومات الثقافية الحضارية وكل ما تشكلت منه الشخصية المصرية عبر تاريخها، وتعريف الأجيال الجديدة بتاريخها لتدرك معنى هذا الوطن وتفهم أسرار قوته وتدرك ما مر به من انتصارات وانكسارات وأن تكون اجيال تعرف ما معنى الوطن بحب وإيمان وفهم له.
عندما تحدث الرئيس في بداية ولايته الثانية عن ضرورة استعادة الهوية، كان يستهدف أن تكون الأجيال الجديدة على استعداد للتضحية من أجل الوطن وليس الفرار منه لغرض التعلم أو العمل، وكان يرى الرئيس أن ملف الثقافة من أخطر الملفات التى تشارك فى دعم أو تفهم هذه المقومات وإدراكها، وهو ما يستدعى ضرورة تنشيط دورها فى الفن وبيوت الثقافة والأغاني الوطنية والدراما الفنية، فلا يمكن أن تكون جزء من بناء الشخصية المصرية فى الأعمال الدرامية أنماط ومشاهد العنف التي كانت منتشرة قبل 2014.
ركيزة رئيسية من الركائز التي اعتمدها الرئيس لإعادة تكوين الإنسان وربطه بتاريخه ومحيطه الجغرافي وإنجازات آبائه وأجداده وتضحياتهم من أجل الوطن، هو التركيز على عدم إحساس الطفل والشاب المصري بالفرق بينه وبين غيره وعدم التمييز بل المساواة بين الجميع.
بعد 4 شهور من حديث الرئيس عن رؤيته في بداية الولاية الثانية، كرر التشديد على أمر بناء الإنسان واستعادة هوية الدولة المصرية بعدما حاولت بعض الأيادِ طمسها، فقال: «عملية صياغة الإنسان المصري ستكون شاملة وتعتمد على الأبعاد الفكرية والاجتماعية والثقافية».
عالج الرئيس خلال السنوات الماضية، الآثار السيئة التي ترتبت على توقف حركة العمل بالبلاد خلال عام 2011، وما تعرض له المواقع الأثرية من تعديات وسرقات وتوقف المشروعات الكبرى للاكتشافات الأثرية كمشروع طريق الكباش الذي بدأ الحديث عنه عام 1949 وتوقف قبل 2011 وبعدها أتى حكم الإخوان وصرح وزير الآثار محمد إبراهيم أنه من المستحيل افتتاحه بسبب العقبات التي تواجه المشروع، ليأتي الرئيس في 2017 ويوجه بضرورة افتتاح الطريق واستكمال المشروع مهما كانت المعوقات وقد كان وأبهرت مصر العالم بافتتاحه في 2021، لتصبح الأقصر معبداً كبيراً مفتوحاً أمام زوار المدينة الأثرية.
قبل تولي الرئيس السيسي أمر البلاد، عانت الآثار من توقف لأعمال فى المشروعات الكبرى مثل المتحف القومى للحضارة المصرية، والذي تم افتتاحه في احتفالية موكب المومياوات الذي قدم مصر من جديد للعالم كدولة تحتضن أكثر من ثلث آثار الدنيا.
كما كان العمل متوقف قبل الرئيس السيسي في مشروع تطوير منطقة آثار الهرم والمتحف المصرى الكبير الذي انتهى معظم العمل به، ومن المقرر افتتاحه في 2022.
عندما تولى الرئيس السيسي أمر البلاد منح المشروعات الكبرى بالآثار قبلة الحياة وفتح الميزانيات لمشروع القرن الثقافي، واستأنفت الأعمال فى المشروعات القومية بالآثار وعلى رأسها المتحف المصرى الكبير والمتحف القومى للحضارة المصرية ومنطقة الأهرامات التى شهدت تطويراً غير مسبوق، كما تم نقل المومياوات الملكية فى موكب مهيب انبهر به العالم رغم جائحة كورونا التى عانى منها العالم وما زال.
إرادة القيادة السياسية كانت قوية بتوجيهات صارمة بأن يتم الانتهاء من تنفيذ جميع المشروعات فى الفترة الزمنية المحددة لها، كما شهدت مصر عشرات الاكتشافات الأثرية خلال تلك الفترة منها اكتشاف خبيئة الأقصر ومئات الأبيار التى تحتوى على مئات التوابيت والقطع الأثرية بمنطقة آثار سقارة والاسكندرية وكفر الشيخ وغيرها, وهو ما روج له بواسطة الصحافة المصرية فضلاً عن الأعلام الأجنبى مما أدى لانعاش السياحة، وأصبحت محافظة الأقصر على سبيل المثال تعج بالسياح من كل دول العالم ليشاهد السائح كل جديد فى مصر العتيقة من كشوف أثرية جديدة لمتاحف عديدة افتتحت خلال هذه السنوات كانت قد توقفت أثناء الثورة بل وقبلها.
ويترقب العالم نقل مركب خوفو من منطقة آثار الهرم إلى متحف مراكب الشمس بالمتحف المصرى الكبير.
خلال الـ 7 سنوات الماضية، ورغم كل المعوقات كمحاربة الإرهاب والوضع الاقتصادي العالمي المتأزم وجائحة كورونا، شهدت مصر تقدماً كبيراً فى مشروعات مصر القومية فى مجال الآثار فلم يمر عام خلال السنوات السبع الماضية إلا وقد حققت وزارة السياحة والآثار عدد كبير من الإنجازات، فشهد الرئيس السيسى افتتاح قصر البارون بمصر الجديدة بعد الانتهاء من أول مشروع متكامل لترميمه، بالإضافة إلى قيامه بافتتاح متحف شرم الشيخ، ومتحف كفر الشيخ ومتحف المركبات الملكية.
كما قام الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء بافتتاح متحف الغردقة، أول متحف بالتعاون مع القطاع الخاص، بمحافظة البحر الأحمر وافتتاح هرم الملك زوسر بسقارة بعد الانتهاء من مشروع ترميمه الذي استمر 14 عاماً، إلى جانب افتتاح متحف سوهاج القومى وجامع الفتح الملكى بقصر عابدين بالقاهرة، وكذلك المعبد اليهودي الأثري إلياهو هانبي بالأسكندرية, وثلاثة سراديب وبانوراما سطح معبد دندرة بمحافظة قنا, وأول مطعم واستراحة داخل منطقة الأهرامات الأثرية، بالتعاون مع القطاع الخاص، والتشغيل التجريبي لأول حافلة كهربائية صديقة للبيئة بهضبة الأهرامات, كما تم افتتاح قلعة شالي وجامع أغورمي بواحة سيوة بعد الانتهاء من ترميمهما, وقاعة «الخبيئات ..كنوز خفية» بالمتحف المصري بالتحرير في ذكرى تأسيسه، والتي أقيمت فى قاعة المومياوات الملكية بعد نقلها, ومسجد الأمام الشافعى بعد الانتهاء من ترميمه.
وعن مشروعات الآثار الجارية وصل إنجاز 99% تقريبا من إجمالي حجم الأعمال فى المتحف المصرى الكبير ، حيث تم الانتهاء من 100% من الهيكل الخرساني والمعدني لمباني المتحف و 99% من أعمال التشطيبات الداخلية و99% من أعمال أرضيات الساحات الخارجية والزراعات و 99% أعمال أنظمة الإلكتروميكانيك و 99% من أعمال الطرق الخارجية المحيطة بالمشروع, وزاد إجمالي عدد القطع الأثرية المنقولة للمتحف عن 6 آلاف قطعة, كما بلغ إجمالي ما تم ترميمه وصيانته حوالى 5400 قطعة أثرية, ويستعد المتحف المصرى الكبير لافتتاح عالمى فى أكتوبر المقبل.
والانتهاء من مشروع تطوير وترميم ومعبد ايزيس بمدينة اسوان, واقتراب افتتاح مشروع طريق المواكب الكبرى، والانتهاء من مشروعي تطوير منطقتي شيخ حمد والحواويش الأثريتين بسوهاج، وكذلك تطوير ميدان التحرير بالتعاون مع وزارات الاسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية وقطاع الأعمال العام والتنمية المحلية ومحافظة القاهرة، والانتهاء من إقامة مسلة رمسيس الثاني بالميدان ونقل أربعة تماثيل للكباش من الأقصر, ورفع كفاءة واجهة المتحف المصري بالتحرير والحديقة والأسوار وأعمال الإنارة، وإنتهاء أعمال متحفى صالة 3 بمطار القاهرة الدولى, والإنتهاء من أول مصنع للمستنسخات الأثرية بالمشاركة مع شركة كنوز، وتقدم الأعمال بمتحف عواصم مصر بالعاصمة الإدارية الجديدة، والانتهاء من الأعمال بمشروع ترميم قصر محمد على بشبرا. وتقدم الأعمال بمشروع تطوير المتحف اليوناني الروماني بالأسكندرية, وتقدم الأعمال بمشروع خفض المياه الجوفية بمنطقة أبو مينا الأثرية, ومن أبرز الاكتشافات الأثرية الإعلان عن الكشف عن 16 مقبرة عائلية بداخلها 30 تابوت تخص كبار كهنة المعبود جحوتي بمنطقة آثار الغريفة, واكتشاف مقابر وعدد من التوابيت الحجرية وتماثيل الأوشابتى والتماثيل الخشبية والأوانى الكانوبية والتمائم بمنطقة الغريفة بتونا الجبل بالمنيا، والكشف عن مقبرة فريدة ترجع للعصر الصاوي بمنطقة البهنسا، كما تم الإعلان عن الكشف عن مجموعة من التوابيت الحجرية والخشبية والأثاث الجنائزي بموقع جبانة الحيوانات والطيور المقدسة بمنطقة آثار سقارة، والإعلان عن الكشف عن 59 تابوتاً خشبياً ملوناً ومغلقاً داخل آبار للدفن بمنطقة آثار سقارة، كما تم الإعلان عن أكثر من 100 تابوت خشبي ملون و40 تمثالاً خشبياً للإله بتاح سوكر وعدد من تماثيل الأوشابتي والتمائم، و 4 أقنعة من الكارتوناچ المذهب.
وفي مجال الآثار المستردة نجحت الوزارة فى وقف عملية بيع إلكترونية لآنية أثرية مصرية من الفخار، كان يعرضها أحد المواطنين للبيع في دولة التشيك، وتم التواصل مع السلطات وإيقاف البيع وتم تسليم الآنية للسفارة المصرية في التشيك، كما تم افتتاح عدد من المعارض الخارجية المؤقتة للآثار من بينها افتتاح معرض للمستنسخات الأثرية في إيطاليا. وافتتاح معرض «المدن الغارقة: عالم مصر الساحر» في متحف فيرجينيا للفن في محطته الرابعة بالولايات المتحدة الأمريكية. وافتتاح معرض «ملوك الشمس» بالمتحف القومي بالعاصمة التشيكية براغ.