لماذا يضعون التراب فوق التورتة؟
الأحد، 05 ديسمبر 2021 10:00 ص
مصر دولة عريقة جدًا، وقد عرفت وحدة التراب والحكومة المركزية قبل آلاف السنوات، ولذا فمن الطبيعي أن تكون شاهدة على التاريخ وأحداثه، عراقة مصر التي لا تحتاج لدليل إثبات لا تروق لبعضهم، ولذا يسارعون إلى انتهاز أي فرصة بل أدنى فرصة لطرح سؤال لم يقدموا يومًا إجابة، إنه سؤال الهوية!
يظهر السؤال مع كل حدث له علاقة بتاريخنا القديم، إنه يظهر بإلحاح يعد جالبًا للريبة والشك، فعندما تنجح الدولة في إقامة حفل عالمي لنقل مومياوات الملوك القدامى من المتحف القديم إلى متحف الحضارة يظهر سؤال الهوية، ثم عندما تحتفل الدولة المصرية بافتتاح طريق الكباش يعود السؤال للظهور والطفو فوق سطح الأحداث بإلحاح عجيب وبنغمات ولهجات فوق الحصر.
طبعًا طرح سؤال واحد بكثافة منقطعة النظير يجلب ردود أفعال من أطراف أخرى وهكذا ندخل دوامة الكلمة والكلمة المضادة والموقف ونقيضة والرؤية وعكسها، وتفر من قلوبنا لحظة الاستمتاع بإنجاز ما، لقد طرحوا سؤالهم يوم تعويم السفينة التي أعاقت الملاحة في قنال السويس، ويومها تعجبت لأني لم أجد أدنى رابط بين الهوية وبين نجاح هيئة القناة في تعويم سفينة كأنها بلدة عائمة توشك على الغرق!
وقد جعلني إلحاحهم أضعهم في خندق واحد مع الذين يتفننون في وضع التراب فوق تورتة الاحتفال.
معروف أن الذي يهيل التراب على التورتة لا يريد أن يحتفل ولا يريد لغيره الاحتفال، هو يبغي إفساد الحفل لوجه الشيطان أو لأي وجه في باله هو وفي قلبه هو.
طارحو السؤال لا يملون ولا يكلون وهم أيضًا لا ترضيهم إجابة لا توافق هواهم، وللحق والإنصاف فأنا لا أعرف ما هواهم، ماذا يريدون؟ وأي هوية يقترحون؟
لا أحد يقدم إجابة جامعة مانعة، فقط هي الجعجعة.
لقد مرت على مصر حضارات وأمم، ثم ماذا بعد مرورهم؟
لقد تركوا أثرًا لا شك في ذلك، وبعضهم ترك بصمات واضحة جلية، ولكن ما الحل؟
إذا قلت لي هويتنا إغريقية؟
سأقول لك: لماذا لا تكون فرعونية.
وإذا قلت: هويتنا رومانية
سأرد عليك: لماذا لا تكون فارسية.
وإذا قلت أنا: إن هويتنا عربية إسلامية، ستتهم أنت بمدح الاحتلال العربي لأرض كميت!
أصبح يطيب لبعضهم جلب اسم كيمت من دهاليز التاريخ ومن أطلال الزمن وإطلاقه على مصر، هذا ولله في خلقه شئون.
الصراخ والكتابة على الفيس بوك لن يكونا جزءًا من الحل، بل سيكونان جزءًا من المشكلة، وما دام الأمر مهمًا عند بعضهم، فهيا نبحث عن إجابة.
الدستور المصري الذي وافقت عليه أغلبية الناخبين قدم في أولى مواده إجابة للسؤال العجيب.
لقد قطع نص المادة الأولى من دستورنا قول كل خطيب.
يقول نص المادة:" جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ولا ينزل عن شيء منها، نظامها جمهوري ديمقراطي، يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون.
الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها، ومصر جزء من العالم الإسلامي، تنتمي إلى القارة الإفريقية، وتعتز بامتدادها الآسيوي، وتسهم فى بناء الحضارة الإنسانية".
وتقول المادة الثانية:" الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع".
وتقول المادة الثالثة:" مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية".
لماذا لا نعتقد في صحة تلك المواد التي لا لبس فيها ولا غموض ونكف عن حرث البحر؟
وأنا أكتب سطوري هذه وجدت كلامًا في غاية الأهمية كتبته الدكتورة إلهام سيف الدولة حمدان ونشرته الأهرام.
قالت الدكتورة إلهام:" والهوية لغويًا مأخوذة من” هُوَ.. هُوَ “بمعنى أنها جوهر الشيء، وحقيقته، وثوابته التي تتجدد لا تتغير، تتجلى مفصحة عن ذاتها، دون أن تخلي مكانها لنقيضها، وتتشكل هوية أي أمة من مجموع صفاتها التي تميزها عمَا عداها تعبيرًا عن شخصيتها الحضارية.
وتنطوي على ثلاثة عناصر: العقيدة، واللغة والموروث الثقافي التاريخي، ويعد الدين أهمها على الإطلاق؛ حيث في الحروب تذوب الهويات المتعددة العناصر، وتصبح الهوية الأكثر معنى بالنسبة للصراع هي السائدة، وهذا ما أدركه الأعداء اليوم فيرون أن استعادة المسلمين هويتهم الإسلامية وانتماءهم القرآني هو أكبر الأخطار، ومن ثم فإن كل قوى التغريب والغزو الثقافي ستطلق في هذا الاتجاه، متكئين على الاستشراق.
والغربيون أحرص ما يكونون على هوياتهم، وعلى ذوبان المسلمين المهاجرين في مجتمعاتهم، بل إن هناك مؤسسات ووزارات خاصة للاندماج وتذويب الهويات، وأوروبا ترفض تركيا بسبب الهوية ليس إلا، وكما قال الرئيس أوزال في سنة 1992م: سجل تركيا بالنسبة لحقوق الإنسان سبب ملفق لعدم قبول طلب انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، السبب الرئيس هو اختلاف الديانة، فالقوى الأوروبية تعلنها مدوية أنهم لا يريدون دولة إسلامية (تركيا) في الاتحاد الأوروبي، ولا يرحبون بوجود دولة إسلامية أخرى (البوسنة)، إذن، إنهم يعلنونها حرب هويات!".
كلام الدكتورة إلهام واضح ويضع ملحًا على الجرح، فليتحلى صاحبو السؤال العجيب بالشجاعة وليكشفوا الحجاب عن الإجابة التي يريدونها!