يوسف أيوب: مصر دوماً السند القوى للأشقاء الليبيين
السبت، 20 نوفمبر 2021 04:55 م
"إعلان القاهرة" و"بيان مؤتمر باريس" حددوا عوامل مساعدة لإنجاح الانتخابات الليبية
خط "سرت-الجفرة" وضع ليبيا على المسار الصحيح.. وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة شرط النجاح
24 ديسمبر المقبل، هو الموعد المحدد لإجراء الانتخابات للانتخابات الرئاسية والبرلمانية الليبية، والتي يعول عليها الكثيرون لإنقاذ ليبيا من الوضع الذى تعيشه في الوقت الراهن، والذى بدأت تخرج منه رويداً، لكن بلاشك ستكون هذه الانتخابات ونتائجها العامل الرئيسى في خروج ليبيا من شرنقة التجاذبات السياسية سواء الداخلية أو الخارجية.
لكن المؤكد أيضاً أن هذه الانتخابات أيا كانت النتيجة التي ستفرزها، ودون الحاجة إلى الحديث عن أسماء المرشحين لهذه الانتخابات وما أثاروه وسيثيروه من جدل، بحاجة إلى عوامل أخرى لمساعدة الليبيين على الانتقال إلى السيطرة التامة على بلدهم، وهذه العوامل حددها الرئيس عبد الفتاح السيسى، خلال كلمته الحمعه الماضية أمام مؤتمر باريس حول ليبيا، فقد قال الرئيس السيسى إن استعادة الاستقرار الدائم، وتحقيق السلم الاجتماعي، والحفاظ على الهوية والنسيج الوطني في ليبيا، له متطلبات لا يمكن تجاوزها، تتمثل في إتمام المصالحة الوطنية الشاملة بين جميع أبناء الشعب الليبي، وإيلاء الاهتمام للتوزيع العادل للثروات لتحقيق التنمية الشاملة في سائر أقاليم ليبيا دون استثناء، وصولاً إلى دفع عجلة الاقتصاد وضمان الاستفادة المثلي من موارد ليبيا تلبيةً لآمال أبناء شعبها.
وفى هذه الكلمة كان الرئيس السيسى حريصاً على تأكيد مجموعة من الحقائق، بل الثوابت التي تنتهجها الدولة المصرية تجاه الوضع في ليبيا، خاصة حينما أشار إلى قمة برلين حول ليبيا التي عقدت قبل عامين، وخلالها تعهد المشاركين بحماية سيادة ليبيا واستقلالها وسلامتها الإقليمية، والالتزام بدعم جهود الأمم المتحدة لإطلاق عملية سياسية شاملة ومستدامة بقيادة وملكية ليبية من أجل إنهاء حالة الصراع واستعادة الاستقرار الذي ينشده الشعب الليبي أجمع، وقال الرئيس السيسى أن مصر وجهت حينئذ رسالة واضحة إلى كافة أطراف المعادلة في ليبيا، مفادها أن الوقت قد حان للبدء في إجراءات محددة للوصول إلى حل سياسي شامل للأزمة الليبية، محذرةً من خطورة استمرار الصراع المسلح على الأمن القومي الليبي، وعلى دول جوارها العربي والأفريقي والأوروبي عموماً، وأننا قد نضطر لاتخاذ إجراءات لحماية أمننا القومي وحفظ ميزان القوة في حالة الإخلال به.
وكان للموقف المصرى خلال قمة برلين أثره الواضح والفعال على مختلف الأطراف للانخراط بجدية في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، خاصة أن الجهود المصرية السابقة والتالية لهذه القمة مدفوعة بما يربطها بليبيا من أواصر متعددة، تركزت على إيجاد أرضية مشتركة بين الأشقاء الليبيين لإطلاق حوار وطني يعالج جذور الأزمة سياسياً واقتصادياً وأمنياً، بالتنسيق مع الدول الشقيقة والصديقة والأمم المتحدة، وكانت النتيجة أن مؤتمر باريس حول ليبيا عقد في وقت يشهد الوضع الليبيى اتجاها للأفضل، من خلال التزامن مع مرور العملية السياسية الليبية بمرحلة حاسمة تستهدف تتويج الجهود الدولية والإقليمية بإجراء الانتخابات في موعدها المقرر يوم 24 ديسمبر المقبل.
وكان الرئيس السيسى واضحاً وصريحاً حينما أكد للمجتمعين في باريس أنه لا يمكن لليبيا أن تستعيد سيادتها ووحدتها واستقرارها المنشود إلا بالتعامل الجاد مع الإشكالية الرئيسية التي تعوق حدوث ذلك، والمتمثلة في تواجد القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب على أراضيها، على نحو ينتهك ما نص عليه قرارا مجلس الأمن رقما 2570 و2571، والمخرجات المتوافق عليها دولياً وإقليمياً الصادرة عن مؤتمر برلين 2، ومقررات جامعة الدول العربية، والاتحاد الأفريقي، ودول جوار ليبيا، بشأن ضرورة انسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب من البلاد بدون استثناء أو تفرقة أو المزيد من المماطلة، لذلك لابد من التأكيد الواضح والصريح على رفض بقاء الوضع على ما هو عليه، وإدانة استمرار مخالفة المقررات الدولية ذات الصلة بإنهاء كافة أشكال التواجد العسكري الأجنبي في ليبيا، داعياً إلى تدشين آليات وضمانات لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، وما تسعي لجنة 5 + 5 العسكرية المشتركة بصدق ووطنية إلى تحقيقه من خلال خطتها ذات الصلة، وأن يتم تحديد مدي زمني واضح وملزم لتنفيذ خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب الذين دخلوا إلى ليبيا بعد عام 2011، حتى لا تعود الأمور إلى الوراء كما حدث في مراحل عديدة سابقة، محذراً في الوقت نفسه من محاولات بعض الأطراف داخل وخارج ليبيا تقويض أي تقدم على صعيد هذا المسار تحت حجج وذرائع واهية ظناً بأنه يمكن المحافظة على وضع لا يمكن لأي ليبي حر معتز بوطنيته وسيادة بلاده القبول باستمراره.
وكانت دعوة الرئيس السيسى لجميع الأطراف الفاعلة داخل ليبيا وخارجها إلى الارتقاء لمستوى الحدث، والتصرف بمسئولية وبمنطق رشيد، والكف عن أوهام التمدد وبسط النفوذ والعبث بمقدرات وأمن الغير، والتوقف عن سياسة فرض الأمر الواقع باستخدام القوة العسكرية أو المادية، فضلاً عن عدم توفير ملاذات آمنة أو أي شكل من أشكال الدعم للجماعات الإرهابية والمتطرفة أو نقل عناصرها من دولة إلى أخرى، بما يخرج ليبيا من أزمتها ويرفع المعاناة عن شعبها الشقيق، دعوة نابعة من الشعور بالمسئولية المصرية الخالصة تجاه الأشقاء الليبيين الذين يرتبطون معنا باواصر عتيدة وقديمة، جعلت مصر دوماً دعماً وسنداً قوياً للشعب الليبي.
ولم تكن رسالة الرئيس السيسى التى وجهها من على منصة مؤتمر باريس للشعب الليبى الا معبرة عن الرغبة المصرية الأكيدة في أن تتخلص ليبيا من أوجاع الماضى للانطلاق إلى مستقبل يستحقه الليبيين، فقد قال الرئيس السيسى: "اسمحوا لي أن أخاطب أشقاءنا في ليبيا مباشرة من القلب، فأقول لهم: يا أحفاد عمر المختار، لقد حان الوقت لكي تستلهموا عزيمة أجدادكم الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل الحرية واستقلال القرار الوطني، وأن تلفظوا من بلادكم كل أجنبي ودخيل مهما تغني بأن في وجوده خيراً لكم، فالخير في أياديكم أنتم إن تجاوزتم خلافاتكم وعقدتم العزم على بناء بلادكم بإرادة ليبية حرة. وفي هذا، ستجدون في مصر سنداً لكم وقوة متى احتجتموها، دعماً لأمنكم ولخياراتكم وطموحاتكم المشروعة في غد أفضل، وإعلاءً لمصالح بلادكم العليا، ويداً تمد العون لنقل الخبرات من أجل تعظيم مصالحنا المشتركة، إيماناً من مصر بوحدة الهدف على طريق البناء والتطوير والتنمية، بما يحقق آمال شعبينا الشقيقين في ظل ما يربطهما من أواصر الأخوة والجوار والانتماء العربي والأفريقي والمصير المشترك".
الشاهد في كل ذلك أن القاهرة لعبت ولا تزال تلعب دورا بارزا ومحوريا فى وضع أسس حل الأزمة الليبية، وإذا عدنا للوراء عامين وتحديداً يونيو 2020 حينما صدر "إعلان القاهرة" بحضور رئيس مجلس النواب الليبى المستشار عقيلة صالح، وقائد الجيش الوطنى المشير خليفة حفتر، سنجد أن هذا الإعلان كان نقطة الإنطلاق لدفع كل الأطراف للقبول بوقف إطلاق النار والشروع فى عملية سياسية شاملة، مكنت من عقد اجتماعات للأطراف الليبية فى جنيف، أفضت لتشكيل سلطة تنفيذية جديدة ممثلة فى مجلس رئاسى من رئيس ونائبين ورئيس حكومة.
وسبق هذا الإعلان رسم الخطوط الحمراء «سرت - الجفرة»، التى كانت بداية لطريق السلام بين الفرقاء الليبيين، خاصة أبناء المؤسسة العسكرية الذين اجتمعوا فى جنيف وحققوا إنجازا كبيرا بالتوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار بشكل كامل فى البلاد 20 أكتوبر الماضى، والتشديد على خروج القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب.
فقد مهدت المبادرة المصرية، التى طرحها الرئيس السيسى، للحل السلمى للأزمة الليبية المتمثلة فى «إعلان القاهرة»، الطريق إلى العودة لطاولة الحوار لإجراء حوار سياسى مثمر، كما شكلت طريق اللا عودة للمرتزقة والميليشيات المسلحة التى أدخلتها أطراف إقليمية لتأجيج الوضع فى ليبيا.
والحاصل في إعلان القاهرة أنه كان بمثابة رؤية شاملة للحل قابلة للتطبيق، من خلال التأكيد على عدد من الثوابت المصرية فى التعامل مع أزمة ليبيا، والتأكيد على وحدة وسلامة الأراضى الليبية واستقلالها، واحترام كل الجهود والمبادرات الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وبناء عليه التزام كل الأطراف بوقف إطلاق النار.
وإذا ربطنا ما صدر عن مؤتمر باريس الجمعه الماضية بـ"إعلان القاهرة" سنجد أن النص لم يخرج كثيرا عما طرحته مصر قبل عامين، فقد أكد البيان الختامى لمؤتمر باريس حول ليبيا على الاحترام الكامل لسيادة ليبيا واستقلالها ووحدة أراضيها، ووحدتها الوطنية، وكذلك "رفض جميع التدخلات الأجنبية في الشؤون الليبية"، لضمان إنجاح عملية الانتقال السياسي عن طريق إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 24 ديسمبر، وبتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار عبر خطة العمل الشاملة لسحب المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوى الأجنبية من الأراضي الليبية، مع "حثّ البرلمان الجديد فور انتخابه على التركيز على صياغة دستور دائم يحظى باستحسان الجميع في مختلف أرجاء ليبيا".
ويمكن تلخيص أهم نقاط مؤتمر باريس في الأتى:
-الدعوة إلى إنشاء هيئة المصالحة الوطنية العليا برعاية المجلس الرئاسي الانتقالي.
-التأكيد على أن الأفراد أو الكيانات داخل ليبيا أو خارجها التي قد تحاول أن تعرقل العملية الانتخابية وعملية الانتقال السياسي أو تقوّضهما أو تتلاعب بهما أو تزوّرهما ستخضع للمساءلة وقد تُدرج في قائمة لجنة الجزاءات التابعة للأمم المتحدة.
-دعم خطة العمل الشاملة لسحب المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوى الأجنبية من الأراضي الليبية، التي أعدّتها اللجنة العسكرية المشتركة التابعة للحوار 5+5.
-دعوة جميع الجهات الفاعلة المعنية بتطبيق وإنفاذ الجزاءات الصادرة عن مجلس الأمن في ما يخص خرق حظر توريد الأسلحة واتفاق وقف إطلاق النار، بما في ذلك عن طريق تدابير التنفيذ الوطنية والدولية.
-دعم المبادرات الحالية التي يقوم بها الليبيون من أجل نزع سلاح أفراد المجموعات المسلحة والأطراف غير التابعة للدولة وتسريحهم وإعادة إدماجهم في المجتمع، بمشاركة جميع المؤسسات الليبية.
-دعم إصلاح القطاع الأمني ونشدد على أهمية إنشاء هيكلية عسكرية وأمنية موحّدة وجامعة وخاضعة للمساءلة بقيادة مدنية.
-المطالبة بمحاربة الإرهاب في ليبيا بشتى السبل، ودعوة جميع الأطراف إلى الانفصال عن المجموعات والأفراد المدرجة في قائمة الأمم المتحدة للإرهاب.
-التأكيد على أهمية أن تقوم ليبيا بالمزيد من الخطوات سعيًا إلى توحيد مصرف ليبيا المركزي وتنفيذ توصيات تقرير مراجعة الحسابات المالية الدولي، من دون تأخير.
-دعوة جميع الجهات الفاعلة إلى احترام نزاهة ووحدة المؤسسات المالية الليبية والمؤسسة الوطنية للنفط والحفاظ عليهما، والاعراب عن القلق إزاء استمرار المجموعات المسلحة في محاولة فرض سيطرتها على المؤسسة الوطنية للنفط وعلى تصدير النفط، ونؤكّد أن هذه الأعمال من شأنها أن تهدد السلام والأمن والاستقرار في ليبيا.
-التأكيد مجدداً على أنّ جميع الأشخاص الذين يقومون بانتهاك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان ومخالفته، سواء كانوا ليبيين أم أجانب، سيخضعون للمساءلة.
هذه النقاط هي محور ما تنادى وتسعى له مصر، وهو ما يؤكد أن الرؤية المصرية منذ البداية هي الأصوب، كونها الأكثر اهتماما بمصالح الشعب الليبيى، والأكثر حرصاً على أنم يكون القرار بيد الليبيين وليس غيرهم، لذلك استضافت القاهرة قبل أيام اجتماع مجموعة 5+5 التي استكملت النقاش حول البرنامج الزمني لخروج القوات الأجنبية من ليبيا وتوحيد المؤسسات العسكرية الليبية، وسبق هذا الاجتماع الاتصال الذي أجراه الرئيس السيسى يوم 9 نوفمبر الجاري برئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، والذى أكد خلاله الرئيس السيسي على مجموعة من المبادئ الرئيسية لحل الأزمة الليبية من بينها ضرورة توحيد المؤسسات الليبية مع التأكيد على الدعم المصري الكامل للمسار السياسي وإتمام الانتخابات الوطنية في موعدها.
المحصلة النهائية لكل ما حدث ويحدث أننا امام تحركات مصرية واعية لخطورة ما يحدث فى الملف الليبى، لذلك فإنها تعمل على مسارين، الأول شحذ همم الليبيين ليكونوا في مقدمة المطالبين بفرض السيادة على أراضيهم، وتنظيف الاراضى الليبية من المرتزقة والميلشيات المسلحة، والمسار الثانى في اتجاه العمل الدولى واسع النطاق لتحقيق أمال وطموحات الليبيين، فالمؤكد أن مصر ستستثمر كل المخرجات الإيجابية التي نجمت عن مؤتمر باريس وتتواءم مع الرؤى المصرية والدولية لحل الأزمة الليبية من أجل الحفاظ على قوة الدفع التي سوف تتولد بعد المؤتمر، التي تتطلب الدفع بقوة في اتجاه تنفيذ الاستحقاقات السياسية وذلك في مواجهة بعض القوى والمؤسسات التي بدأت تتحرك من أجل إلغاء الانتخابات أو تأجيلها إلى أجل غير مسمى خوفا من أن تأتي الانتخابات بنتائج تؤثر على مصالحها.