كيف استعدت مصر لسؤال.. هل تختفى الإسكندرية؟
السبت، 13 نوفمبر 2021 10:00 م
بناء 69 كم من السدود الرملية على سواحل 5 نقاط ساخنة معرضة للخطر
زيادة المشروعات الخضراء والتحول إلى النقل النظيف
الانتهاء من الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050
ارتفاع سطح البحر نصف متر يؤدي لغمر 1800 كم² من الأراضي الزراعية المنخفضة بالدلتا
هل تختفى مدينة الإسكندرية؟.. سؤال قديم يتردد منذ سنوات حينما حذر عدد خبراء من التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية على المدن الساحلية، وفى مقدمتها الإسكندرية، لكن الأسبوع الماضى أعاد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون السؤال للواجهة مرة أخرى، حينما تحدث في قمة جلاسكو للمناخ، عن غرق بعض المدن الساحلية منها الإسكندرية، بسبب تغيرات المناخ وارتفاع مستوى سطح البحر.
الدكتور محمد عبد العاطي، وزير الموارد المائية والري، قال أن "الحديث عن احتمالية غرق مدن حول العالم فى عام 2100 بسبب تغير المناخ ليست جديد، بل بمثابة مصباح أحمر مضئ لدينا منذ فترة، لكن الدولة تنفذ نظم حماية"، مشيرا إلى أن الدولة تعرضت خلال السنوات الماضية لسيول يمكن وصفها بـ"حدث متطرف"، واتخذت الدولة إجراءات على مدار السنوات الماضية، لحماية للشواطئ، مع صيانة مخار السيل بشكل سنوى، مشيرا إلى أن الدولة تتعامل مع الأحداث المتطرفة الخاصة بالمناخ بأسلوب الإنذار المبكر.
وحاولت "صوت الأمة" رصد كل تحركات الدولة المصرية لمواجهة الأثار السلبية للتغيرات المناخية على المدن الساحلية المصرية، حيث تشير الأرقام إلى أن نحو 15% من إجمالي سكان مصر يعيشون في المناطق الساحلية، التي تتميز بتنوع مواردها ووفرة إمكاناتها للتنمية؛ وتمثل تلك المناطق أحد مصادر التنوع البيولوجي والموارد المعدنية؛ كما أنها حيوية للنقل البحري والتجارة؛ وذلك، وفقاً لما ورد في تقرير التنمية البشرية في مصر 2021، «التنمية حق للجميع.. مصر المسيرة والمسار»؛ الذى لفت إلى أن الاستراتيجية الوطنية للتكيف مع تغير المناخ، تستند إلى وجود إجماع دولي، يتوقع ارتفاع درجات الحرارة، والاحترار العالمي، بمقدار درجتين مئويتين، بالإضافة إلى أن توقع سيناريوهين عند ارتفاع مستوى سطح البحر، بمقدار نصف متر حتى عام 2100؛ كما ترتكز الاستراتيجية على القطاعات الأكثر تعرضاً للخطر، وهي على نحو رئيسي، المناطق الساحلية والمناطق الحضرية، وكل من: موارد المياه، الزراعة، الصحة، والسياحة.
وخلال كلمته باجتماع الشق رفيع المستوى من قمة الأمم المتحدة للتغيرات المناخية (كوب 26) بجلاسكو، قبل أيام حدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، الإجراءات والخطوات التي قامت وتقوم بها مصر لمواجهة هذه التأثيرات السلبية، منها أن مصر بادرت باتخاذ خطوات جادة لتطبيق نموذج تنموي مستدام، يأتي تغير المناخ والتكيف مع آثاره في القلب منه، ويهدف إلى الوصول بنسبة المشروعات الخضراء الممولة حكومياً إلى 50% بحلول 2025 و100% بحلول 2030، لافتاً إلى أن مصادر الطاقة المتجددة تمثل اليوم نحو 20% من مزيج الطاقة في مصر، ويتم الععمل على وصولها إلى 42% بحلول 2035 بالتزامن مع ترشيد دعم الطاقة، كما تعمل مصر على التحول إلى النقل النظيف من خلال التوسع في شبكات المترو والقطارات والسيارات الكهربائية وتجهيز البنية التحتية اللازمة لذلك، فضلاً عن إنشاء المدن الذكية والمستدامة، كما تنفذ مصر مشروعات لترشيد استخدامات المياه وتبطين الترع، والإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية. ولتمويل تلك المشروعات، أصدرت مصر مؤخراً الطرح الأول للسندات الخضراء بقيمة 750 مليون دولار.
كما انتهت مصر من إعداد الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، التي ستفتح الطريق أمام تحديث مصر لمساهماتها المحددة وطنياً، بحيث تكون السياسات والأهداف والإجراءات المتضمنة بهذه المساهمات مكملة لجهود الدولة التنموية ولمساعيها للتعافي من آثار جائحة كورونا، لا عبء عليها.
وأشار الرئيس إلى جزء من الاستراتيجية المصرية العابرة للحدود، حينما أكد أن "تنفيذ الدول النامية لالتزاماتها في مواجهة تغير المناخ مرهون بحجم الدعم الذي تحصل عليه، خاصةً من التمويل الذي يعد حجر الزاوية والمحدد الرئيسي لقدرة دولنا على رفع طموحها المناخي، في إطار التوازن الدقيق الذي مثله اتفاق باريس، والذي يتعين الحفاظ عليه لضمان تعزيز جهود خفض الانبعاثات والتكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ على قدم المساواة"، معرباً عن قلقه "إزاء الفجوة بين التمويل المتاح وحجم الاحتياجات الفعلية للدول النامية، علاوةً على العقبات التي تواجه دولنا في النفاذ إلى هذا التمويل، ومن ثم فلا بد من وفاء الدول المتقدمة بتعهدها بتقديم 100 مليار دولار سنوياً لصالح تمويل المناخ في الدول النامية، ونؤكد على دعمنا لما نادى به السكرتير العام للأم المتحدة من ضرورة ألا يقل حجم التمويل الموجه إلى التكيف عن نصف التمويل المتاح، وعلى أهمية بدء المشاورات حول الهدف التمويلي الجديد لما بعد 2025".
31 مليون دولار من صندوق المناخ الأخضر لتعزيز التكيف مع التغيرات المناخية المحتملة في الساحل الشمالي الغربي
ونجحت مصر، في الحصول على تمويل، مقداره نحو 31 مليون دولار، من صندوق المناخ الأخضر، لتعزيز التكيف مع التغيرات المناخية المحتملة في الساحل الشمالي الغربي ودلتا النيل، من خلال مشروع يتم تنفيذه، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، كواحدة من 3 مناطق ساخنة شديدة في العالم، حددها الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، بحسب ما أورده تقرير التنمية البشرية في مصر 2021.
ويهدف المشروع إلى الحد من مخاطر الفيضانات الساحلية، في الساحل الشمالي، بسبب الجمع بين ارتفاع مستوى سطح البحر المتوقع، ومزيد من تكرار العواصف الشديدة؛ ويركز المشروع على بناء 69 كم من السدود الرملية، على طول 5 نقاط ساخنة، معرضة للخطر، داخل دلتا النيل، ووضع خطة متكاملة لإدارة المناطق الساحلية بالساحل الشمالي بأكمله، لإدارة مخاطر تغير المناخ، على المدى الطويل، وتزويد مصر بالقدرة على التكيف مع مخاطر الفيضانات المحتملة، عن طريق إدماج المخاطر الإضافية لتغير المناخ في إدارة السواحل وتخطيطها ووضع ميزانياتها، وتنفيذ تدابير الحد من المخاطر.
توقعات بزيادة الأضرار من الفيضانات الساحلية السنوية مرتين إلى ثلاث مرات بحلول 2100
وفي ملخص حول التقرير الخاص للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، بعنوان: «المحيطات والغلاف الجليدي في ظل مناخ متغير»، في يونيو 2020، لإفادة مقرري السياسات، تطرقت الهيئة الحكومية الدولية، إلى أن الآثار الساحلية الحالية على الأشخاص، لا يمكن قصرها على ارتفاع منسوب سطح البحر، وإنما تفاقمت تلك الآثار، بسبب العوامل غير المناخية التي يسببها الإنسان، من قبيل هبوط الأرض ، ومن تلك العوامل، على سبيل المثال: استخراج المياه الجوفية، التلوث، تدهور البيئة والموئل، واستخراج الشعاب المرجانية والرمال.
ارتفاع سطح البحر نصف متر يؤدي لغمر 1800 كم² من الأراضي الزراعية المنخفضة بالدلتا
يتوقع تقرير التنمية البشرية في مصر 2021، «التنمية حق للجميع.. مصر المسيرة والمسار»، أن تتعرض المناطق الساحلية، في دلتا النيل، في مصر، للغمر بشدة، نتيجة ارتفاع مستوى سطح؛ وقد يتوافق ذلك مع هبوط التربة بمعدلات متفاوتة، بحسب السمات التضاريسية والجيولوجية للأرض.
وتشير التقديرات إلى أن ارتفاع مستوى سطح البحر، بمقدار نصف متر، سيؤدي إلى الغمر الدائم لمساحة 1800 كم² من الأراضي الزراعية، في المناطق المنخفضة من دلتا النيل، كما بسرعة من وتيرة ملوحة التربة في الأراضي المتبقية.
ونقل تقرير التنمية البشرية، عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، توقعها بأن يشهد عام 2050، ارتفاع منسوب مياه سطح البحر، بمقدار متر واحد، نتيجة الاحترار العالمي، وينتج عن ذلك خسارة ثلث الأراضي الزراعية عالية الإنتاجية، في الدلتا؛ كما يتوقع غمر بعض المدن الصناعية والمدن ذات الأهمية التاريخية، مثل: الإسكندرية، رشيد، دمياط، وبورسعيد؛ كذلك تهديدات للأمن الغذائي، وأضرار للاستثمارات الكبرى، في قطاع السياحة، على طول الساحل الشمالي الغربي، وانتقال ما يتجاوز 10 مليون شخص إلى منطقة وادي النيل المكتظ بالسكان بالفعل؛ وتشير الدراسات إلى أن مدينة الإسكندرية، وفي حالة قابليتها للتضرر، من ارتفاع سطح البحر، بمقدار نصف متر، سيتم غمر 30% منها، مما يؤدي لنزوح ما يقرب من 1.5 مليون شخص أو أكثر، مع فقدان 196 ألف وظيفة؛ كما من المتوقع حدوث خسائر في الأراضي والممتلكات بقيمة 30 تريليون دولار.
تصنيفات لسواحل مصر الشمالية بين عالية المخاطر وآمنة نسبياً ومحمية
تجدر الإشارة إلى أن تقرير وكالة البيئة الأوروبية، رقم 4 لسنة 2005، حول: «القضايا البيئية ذات الأولوية في منطقة البحر المتوسط»، يشير إلى أن مياه الصرف الصحي والصناعي، غير المعالجة، تعد من أهم المشكلات البيئية؛ كما أدى التوسع الحضري المكثف إلى تآكل خط الساحل، خاصة بمدينة الإسكندرية، بسبب التضخم السكاني والنمو الصناعي المتسارع؛ وتطرق التقرير إلى سببين من أسباب تآكل وانخفاض الشواطئ والسواحل الشمالية المصرية، هما: ما كان قائماً في الفترات السابقة، من البنايات الاستجمامية على شريط ضيق من الأرض، لا يتعدى عرضه بضعة مئات من الأمتار، من الطريق الساحلي وخط الساحل، وبناء منتجعات سياحية على حيود كلسية متوازية على خط الساحل، وأدت إزالة تلك الحيود، في الكثير من الأحيان، إلى تدمير النباتات الطبيعية، مثل التين والزيتون؛ كما أن أنشطة المحاجر، اللازمة لأغراض البناء، تقضي على حيود الحجر الجيري الساحلية، وتدمر البيئة الساحلية بشكل لا يمكن إصلاحه، مع الضغط على المنطقة الساحلية، بسبب التعديلات على خط الساحل؛ أما السبب الثاني: بناء السدود بطول النيل، والتي أدت إلى انخفاض كبير في كميات الترسيبات التي كان ينقلها النهر، حتى وصلت معدلات التعرية في الجزء الشمالي من الدلتا، إلى درجات رهيبة، بوصف التقرير، المنوه عنه؛ وفي بعض الأماكن، انحسر خط الساحل إلى أكثر من مائة متر، خاصةً عند مصب فرع النيل في رشيد.
وتشير التقديرات إلى أن المنطقة الساحلية لدلتا النيل، معرضة بشدة للفيضانات، نتيجةً لارتفاع منسوب سطح البحر، ويمكن أن يرافق ذلك هبوط التربة بمعدلات متفاوتة، تبعاً للخصائص الطبوغرافية والجيولوجية، ويمكن تقسيمها إلى ثلاث مناطق فرعية، استناداً إلى درجة ضعف الموقع، بالنسبة لتآكله وارتفاع سطح البحر، ويصنفها التقرير الأول المحدث كل سنتين، لجمهورية مصر العربية، المقدم إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، إلى: المنطقة الفرعية الأولى: عالية المخاطر، عادةً ما تكون منخفضةً، عرضةً لارتفاع منسوب سطح البحر والتآكل، وتشمل «شاطئ بحيرة المنزلة، منطقة الطرح، شرق وغرب مدينة رشيد، المنطقة الواقعة بين جمصة وميناء دمياط، الجميل وسهل الطينة في سيناء»؛ المنطقة الفرعية الثانية: آمنةً نسبياً، ويقل خطر الغمر، لوجود حواجز طبيعية كالكثبان الرملية، وتتراوح معدلات الترسيب فيها، من 3 إلى 10 أمتار سنوياً، كدفاع طبيعي ضد التعرية والفيضانات؛ أما المنطقة الفرعية الثالثة: إما محمية طبيعية أو بشكل اصطناعي؛ في حين 17% من سواحل الدلتا، محمية بهياكل خرسانية أو صلبة، مثل جدران البحر، التي ترتفع ما بين 6 و8 أمتار، فوق مستوى سطح البحر.