طلال رسلان يكتب: خريف آبى أحمد

السبت، 13 نوفمبر 2021 06:01 م
طلال رسلان يكتب: خريف آبى أحمد

صارت إثيوبيا قريبة من الانهيار المحتوم أكثر من أي وقت مضى، بعدما تصاعدت حدة الاشتباكات العنيفة بين قوات الحكومة الاثيوبية ومقاتلي التيجراي وآخرين على بعد كيلومترات من العاصمة أديس أبابا.
 
على أرض الواقع، نقلت وسائل إعلام أفريقية وعالمية مشاهد من اقتراب مقاتلي جيش تحرير أورومو من العاصمة، ورُصدت صور أخرى من تحضيرات هذه القوات لشن هجوم آخر لإنهاء الحرب لصالحهم.
 
وتنذر هذه الأنباء عن حصار مؤكد لقوات حكومة إثيوبيا، ما يضع رئيس الوزراء آبي أحمد في مأزق لم يبد له مخرج كالمرات السابقة على مدار العامين الماضيين، خاصة بعدما أعلن جال مورو، قائد جيش تحرير اورومو: أن المقاتلين الموالين للحكومة بدأوا بالانشقاق وإن المعارضين لآبى أحمد أصبحوا قريبين للغاية من النصر في وقت قريب لا محالة.
 
الأخطر في الحرب بين الحكومة الإثيوبية ومعارضي رئيس الوزراء، أن الأخير لم يجد أمامه سوى اللجوء إلى ورقة إشعال الحرب الأهلية ودعوة الشعب إلى القتال للحفاظ على مقدراته وحقوقه، وهذا ما كشفه قائد جيش تحرير أورومو في تصريحاته لوسائل الإعلام العالمية بقوله أن "الحكومة تحاول فقط كسب الوقت ويحاولون إثارة حرب أهلية في البلد ولهذا يدعون الشعب للقتال.. ما نحن متأكدين منه هو اقتراب نهاية الحرب بنصر محتوم لصالحنا".
 
ووفقا لتصريحات جال والتي أكدها مراقبون، فإن مقاتليه باتوا أقرب- نحو 40 كم عن العاصمة أديس أبابا، و"لم يتراجعوا حتى مسافة شبر واحد" من الأراضي التي يسيطرون عليها.
 
أمام ذلك اضطر آبي أحمد إلى المراوغة بشأن حصار قوات الحكومة الاثيوبية في العاصمة، قائلا "إن أعداء بلاده روّجوا لانهيار العاصمة أديس أبابا وهروب المسؤولين إلى دول الجوار بهدف إثارة الذعر المصطنع في صفوف الشعب، وإرباك المجتمع الدولي".
 
لكن آبي أحمد الذي ظهر بشكل مهزوز تتكالب الأفكار في رأسه دعا الشعب إلى جمع التبرعات لقوات الدفاع الاثيوبية بعدما باءت كل محاولاته بالفشل في توفير الدعم اللازم للمقاتلين باسم الحكومة.
 
وتجاهل آبي أحمد الحالة الصعبة والظروف الطاحنة التي يعيشها الشعب الاثيوبي كنتيجة متوقعة لسياساته التعنتية التي فرضت القتال والحرب الأهلية والصراعات المسلحة، بل وقف أمام الشعب متحدثا بعبارات وصفها مراقبون بالخيالية عندما قال "نتعرض لمحاولات من الإخضاع والتركيع وسلب للحرية وضرب للاقتصاد، من قبل قوى أجنبية متعددة تدعم أعداءنا على أرض المعارك الجارية".
 
قبل حديث آبي أحمد بساعات حذر الاتحاد الأفريقي من خطورة الوضع في أديس أبابا، وقال انه "لا توجد فرصة كبيرة لإنهاء القتال في إثيوبيا"، وذلك بعد عام من النزاع وبعد أن أصبحت القوات على أبواب العاصمة أديس أبابا تهدد بالاستيلاء عليها واسقاط رئيس الورزاء آبى أحمد الذى تتهمه بجرائم حرب فى تيجراي.
 
وقدم كل من مبعوث الاتحاد الأفريقي للقرن الأفريقي الرئيس النيجيري الأسبق أولوسيجون أوباسانجو، ومنسقة الشؤون السياسية بالأمم المتحدة روزماري ديكارلو، إحاطة لمجلس الأمن الدولي، وقال أوباسانجو متحدثا من إثيوبيا، إنه بحلول نهاية الأسبوع "نأمل في التوصل إلى برنامج يوضح" كيف يمكنهم السماح بوصول المساعدات الإنسانية وانسحاب للقوات يرضي جميع الأطراف، كما أبلغ أوباسانجو مجلس الأمن أن "كل هؤلاء القادة هنا في أديس أبابا وفي الشمال يتفقون على نحو فردي بأن الخلافات بينهم سياسية وتتطلب حلا سياسيا من خلال الحوار"، لكن أوباسانجو أكد أن "الفرصة التي لدينا ضئيلة والوقت قصير".
 
فيما حذرت روزماري ديكارلو وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام من أن الصراع المستمر منذ عام في منطقة تيجراى يضع مستقبل البلاد وشعبها أمام أبعاد كارثية، ستؤثر بدورها على استقرار منطقة القرن الأفريقي برمتها، في حالة من عدم اليقين، مشيرة إلى أن تصاعد العنف سيكون له تداعيات سياسية هائلة في المنطقة، ما يؤدي إلى تفاقم الأزمات العديدة التى تعصف بالقرن الأفريقى، على حد تعبيرها جاء ذلك خلال جلسة لمجلس الأمن عن الوضع في إثيوبيا.
 
وأكدت ديكارلو التزام الأمم المتحدة الثابت بالبقاء في إثيوبيا وتقديم الدعم لكافة الناس في البلاد، مشددة على أهمية أن توفر لهم السلطات الوطنية الحماية الكاملة، بغض النظر عن خلفيتهم. وحثت الإثيوبيين على العمل معا لبناء مستقبل مشترك ومزدهر قبل فوات الأوان.
 
سبق تلك التحركات، طلب شديد اللهجة من مجلس الأمن الدولي بإنهاء القتال في إثيوبيا وإعلان وقف دائم لإطلاق النار، والشروع في المفاوضات بين طرفي النزاع المسلح، قبل أن يعبر المجلس عن قلقه البالغ إزاء احتدام الاشتباكات المسلحة واتساع نطاقها في شمال إثيوبيا، دفع ذلك المجلس إلى الدعوة للكف عن خطاب الكراهية والتحريض على العنف والانقسامات.
 
وتشير تصريحات الأمم المتحدة إلى خطابات رئيس الوزراء الاثيوبي آبي أحمد إلى الشعب والتي أجج فيها الصراع ودعا إلى الحرب، وهذا ما ظهر جليا عندما أزال موقع فيسبوك منشورا لرئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد، لانتهاكه سياسات الموقع التي ترفض التحريض على العنف، بعدما دعا المواطنين إلى حمل السلاح لوقف تقدم جبهة تحرير شعب تيجراي نحو العاصمة أديس أبابا.
 
ولم توقف كل المحاولات الدولية والضغوطات على آبي آحمد في إيقاف الصراع المشتعل من العام الماضي حتى الآن، ومنذ نوفمبر 2020 اندلعت الحرب في اقليم تيجراي، بين الجيش الأثيوبى بقيادة أبى أحمد، وقوات الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، واستولت قوات الدفاع الوطنى الإثيوبية الحكومية بسرعة على العديد من المدن الرئيسية فى تيجراى، بما فى ذلك ميكيلى العاصمة، وعقب ذلك أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي انتهاء المرحلة الرئيسة من الصراع، لكن سرعان ما نجحت الجبهة في ضرب قوات الجيش الإثيوبي ودخول عاصمة الإقليم وخلصت أهاليها من جرائم الجيش الأثيوبى وعادت بنسبة 100% تحت سيطرتها.
 
وفى أغسطس، استولى مقاتلو جبهة تحرير شعب تيجراي  على موقع لاليبيلا التاريخي في أمهرة المدرج على لائحة اليونسكو للتراث العالمي بدون قتال، إذ انسحبت قوات الأمن قبل تقدمهم، ووفى اكتوبر الماضى، أعلنت قوات جبهة تحرير تيجراي، إنها سيطرت على بلدة دسي الاستراتيجية في إقليم أمهرة، كما سيطرت "جبهة تحرير شعب تيجراي" على بلدة كومبولشا الإثيوبية.
 
وتواجه حكومة آبي أحمد حاليا ضغوطات دولية كبرى لإيقاف الصراع المشتعل بسبب التعنت والإصرار على الحرب الأهلية، وتعاقبت الدول في الإعلان عن القلق البالغ من تأجيج الصراع في المنطقة، وبدأت في سحب دبلوماسيها في العاصمة الإثيوبية وتحذير رعاياها في البلاد من الحرب المسلحة، وبدأ الأمر بالولايات المتحدة الأمريكية، التي وصفت الإدارة الأمريكية تقريرًا سابقا كشف عن أن الخطوط الجوية الإثيوبية نقلت أسلحة إلى إريتريا بأنه «خطير للغاية» وحذرت من أنها مستعدة لفرض عقوبات على إثيوبيا وأي أطراف أخرى أطالت أمد الصراع في تيجراي.
 
قبل الإعلان الأمريكي بساعات كشف التقارير الصحفية المؤكدة بالصور والتحليلات والبيانات، عن أن الحكومة الإثيوبية استخدمت ناقلتها التجارية المملوكة للدولة لنقل الأسلحة من وإلى إريتريا المجاورة خلال الأسابيع الأولى من الصراع في تليجراي.
 
اضطر التعنت الاثيوبي الإدارة الأمريكية إلى القول بأن «هذه المزاعم خطيرة بشكل لا يصدق؛ لا يمكن أن تشكل فقط انتهاكًا محتملاً لاتفاقية شيكاغو بشأن الطيران المدني الدولي. حيث أن استخدام الطائرات المدنية لنقل المعدات العسكرية يقلب القواعد والأعراف. وتهدد مركبات الركاب حول العالم»، جاء ذلك على لسان مسؤول أمريكي وصفته وسائل إعلام دولية بالكبير، وأضاف أن الولايات المتحدة لن تتراجع عن استخدام جميع الأدوات المتاحة لها لوضع حد للصراع الذي تسبب في مجاعة وترك الملايين في حاجة ماسة للمساعدة- بما في ذلك معاقبة المسؤولين المسؤولين عن استمرار هذا الصراع.
 
وقال المسؤول «لدينا القدرة على فرض عقوبات ومستعدون لاستخدامها والأدوات الأخرى المتاحة لنا ضد أولئك الذين يطيلون المأساة في تيجراي»، فيما وقال مسؤول كبير آخر «إن البيت الأبيض يبحث في المزاعم المفصلة في تقريره. وقال المصدر:»إذا كان هذا صحيحًا، فسيكون ذلك مقلقًا للغاية، حيث تخاطر إثيوبيا بجدية بسمعة شركة الطيران الوطنية من خلال تجنيدها في العمليات العسكرية التي أطلقت العنان لواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم".
 
وتبعت كل من بريطانيا ودول أخرى في المنطقة على رأسها المملكة العربية السعودية، أمريكا، بدعوة مواطنيها إلى عدم السفر إلى إثيوبيا بسبب الاشتباكات المسلحة في البلاد.
 
وحثت وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث والتنمية الرعايا البريطانيين على مغادرة إثيوبيا فى الوقت الذى تتاح فيه الطرق التجارية، حسبما ذكرت وكالة الأنباء البريطانية (بي ايه ميديا).
 
وتأتي هذه الدعاوى وسط صراع مستمر في ولايات تيجراي وأمهرة وعفر الإقليمية في إثيوبيا، وقالت وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث إن الصراع "يمكن أن يتصاعد وينتشر بسرعة ودون سابق إنذار"، وذكر بيان على موقع الوزارة عبر الإنترنت: "ينصح مكتب وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث والتنمية الآن بعدم السفر بأي طريق إلى إثيوبيا، باستثناء مطار أديس أبابا بولي الدولي (حيث تظل النصيحة قائمة ضد السفر باستثناء الرحلات الضرورية). كما تنصحكم وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث والتنمية بمغادرة إثيوبيا أثناء توافر الطرق التجارية".
 
وتشير الدلائل والمؤشرات إلى سيطرة قوات التيجراي على الطرق المؤدية إلى العاصمة، لتعيد مشهد استعراضها آلاف الأسرى من الجيش الإثيوبى بعدما أعادت السيطرة على الإقليم بأكمله من جديد، على نقالات والبعض الآخر يضع ضمادات ملطخة بالدماء، بينما تم اقتيادهم إلى سجن كبير على الحافة الشمالية للمدينة وهو ما يعد ازلالا كبير لجيش أديس أبابا، حيث سار نحو 7 آلاف جندى إثيوبى أسير، لما يقارب 75 كيلومتراً جنوب العاصمة، لمدة 4 أيام.
 
بدأ المشهد ينكشف أول بأول في منتصف أغسطس من العام الجاري بعدما استولى مقاتلو جبهة تحرير شعب تيجراي  على موقع لاليبيلا التاريخي في أمهرة المدرج على لائحة اليونسكو للتراث العالمي بدون قتال، إذ انسحبت قوات الحكومة الاثيوبية قبل تقدمهم، فيم في اكتوبر الماضي، أعلنت قوات جبهة تحرير تيجراي، سيطرتها بالفعل على بلدة دسي الاستراتيجية في إقليم أمهرة، كما سيطرت "جبهة تحرير شعب تيجراي" على بلدة كومبولشا الإثيوبية، وتهدد الأن بإسقاط العاصمة أديس أبابا والإطاحة برئيس الوزراء آبى أحمد الذي أجج الحرب التي تسببت في خسائر بشرية هائلة وبأزمة إنسانية مروعة.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق