يوسف أيوب يكتب: الإرهاب لن يوقف مسيرة دولة العراق الوطنية
السبت، 13 نوفمبر 2021 05:58 م
الطائرات المسيرة التي حاولت الأسبوع الماضى اغتيال رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمى، لم تكن تستهدف شخص الكاظمى، بقدر استهدافها مشروع العراق الجديد، الذى بدأ العراقيين في بناءه بعيداً عن التعصبات القبلية أو المذهبية.. مشروع دولة قوية توفر احتياجات مواطنيها الأمنية والاقتصادية، تعيش وسط محيطها العربى والأقليمى ولديها القدرة على العمل المشترك والمؤثر، لأن أن تكون خاضعة لهذا النظام أو تلك الدولة.
نعم.. من أطلقوا الطائرات المسيرة والصواريخ أخذوا الأوامر باغتيال الكاظمى، لكن في الخلفية هناك هدف أكبر لدى من يقفون خلف هذه العملية الغادرة، أنه العراق القوى الذى بدأ يستعيد عافيته، وهو ما يقلق أطراف دولية وإقليمية تريد للعراق قابعاً وسط أزماته وصراعاته العقائدية والمذهبية، لا أن يعود قويا ومؤثراً في محيطه وأقليمه.
فمنذ أن تولى مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة العراقية فى مايو 2020، خلفا لحكومة عادل عبد المهدي، الذي استقال أواخر 2019 تحت وطأة احتجاجات شعبية اتهمت النخبة السياسية الحاكمة بالفساد وانعدام الكفاءة والتبعية للخارج، ومن وقتها وهناك فئة بعينها بالعراق تريد فرض نفسها حتى ولو بإراقة الدماء، وبمساعدة من إطراف خارجية لا يروق لها التوجه العروبى للحكومة العراقية والنجاحات الداخلية التي تحققها كل يوم.
ولنأخذ بعض الأمثلة لما استطاعت حكومة الكاظمى أن تحققه في فترة قليلة لندرك حجم الخطر الذى يحيق بها من أعدائها.
فقد استطاعت هذه الحكومة أن تبدأ خطوات فرض هيبة الدولة وحصر السلاح، وتنفيذ عدة عمليات بحث ومصادرة أسلحة غير مرخصة، والتوصل إلى نتائج متقدمة باتجاه خفض عدد القوات الأجنبية، وانجاز ملف تسليم أمن المناطق المدنية لوزارة الداخلية، واقتصار انتشار الجيش خارج المدن وعلى الحدود، وإيقاف الهجمات على البعثات الدبلوماسية واعتقال المتورطين فيها، بالإضافة إلى تأهيل طائرات القوات الجوية وطيران الجيش، وشراء 4 رادارات فرنسية ومراكز سيطرة وقيادة لصالح الدفاع الجوى، وإطلاق لاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب 2021/2025، وتنفيذ أكثر من 1700 عملية نوعية ضد داعش الإرهابى، وتعزيز الرقابة على المنافذ الحدودية ونصب أجهزة تفتيش متطورة.
وقرر مصطفى الكاظمي، مواجهة العناصر الإرهابية منذ أول يوم توليه السلطة في مايو 2020، ودعم جهاز مكافحة الإرهاب لمواجهة الفصائل المسلحة والجماعات التي تتحدى الدولة، وأمر بتصعيد الحرب والعمليات العسكرية ضد تنظيم داعش الإرهابي والقضاء على قياداته، كما تمكنت القوات العراقية من القضاء على "أبو سعد السمين" أحد قيادات التنظيم الإرهابي، ونجحت العراق في كسب الدعم الدولي في حرب العراق على العناصر الإرهابية، وأعلن "الناتو" دعمه الكامل لبغداد.
كما قاد الكاظمى مسيرة الإصلاح الاقتصادي في العراق، حيث تقدم بخطة طموحة تساعد على خروج الاقتصاد العراقى من أزمته، وتعيد له دوره الإقليمى وتحسن من إدارة الوضع المالى، واتخذ الكاظمى خطوات واثقة لتنفيذ برنامج "الورقة البيضاء" لخفض النفقات العامة، يقوم هذا البرنامج على إعادة هيكلة الدين الحكومى والمحلى والخارجى، كما يستند هذا البرنامج أيضا على تخفيض الأجور والرواتب وإعادة هيكلة سلم الرواتب العامة في الدولة، وإيقاف تمويل صندوق التقاعد من الموازنة بشكل تدريجى، بالإضافة إلى خفض الدعم للشركات المملوكة للدولة بنسية 30 % سنويا مدة 3 سنوات، ومواصلة محاربة الفساد بتفعيل برنامج استرداد الأموال المهربة والمسروقة.
وتقدم العراق فى مؤشرات الرخاء بعد الإصلاحات الاقتصادية التى أتت بثمارها، حتى على المستوى الصحى، فقد أشادت منظمة الصحة العالمية بقدرة الحكومة العراقية على إدارة أزمة كورونا بامتياز، حيث قامت الحكومة بتعبئة الموارد لاحتواء الجائحة، ومحاصرة تفشى الوباء.
وقاد الكاظمى منذ توليه رئاسة الحكومة العراقية التوجه العروبى لدولة العراق، من خلال الانفتاح الكبير الذى شهدته على الدول العربية، وظهر ذلك جليا فى العديد من المشاهد، أبرزها الزيارات العربية المتكررة، ولنأخذ مثالا على ذلك حينما استقبل الكاظمى الرئيس عبد الفتاح السيسى فى أول زيارة لرئيس مصرى إلى العراق بعد جمود دام 30 عاما، كما تمكن الكاظمى بالتعاون مع المملكة العربية السعودية في افتتاح معبر عرعر بعد توقفه مدة 30 عاما أيضا، ودخل الكاظمى فى تحالف يهدف إلى التكامل الاقتصادى مع مصر والأردن، ومنح الأولوية للاستثمارات العربية التى شهدت تدفقا على العراق، كما أعلن الكاظمى عن حاجة الأمة العربية للعمل المشترك وتوحيد المواقف، والاستفادة من الإمكانيات العربية فى كافة المجالات.
هذا جزء مما استطاعت العراق ان تحققه في شهور قليلة، وهو ما أثار غضب أطراق لا تريد للعراق أن تنهض مجدداً، فاستغلوا الانتخابات الأخيرة لتأليب الأوضاع الداخلية ضد الكاظمى وحكومته، من خلال التحريض للخروج في مظاهرات واحتجاجات بالمنطقة الخضراء، وهي التظاهرات التي وصلت ذروتها الجمعة قبل الماضيىة، لكن بحكمة واقتدار استطاع الكاظمى احتواء هذه المظاهرات والاحتجاجات بإصداره توجيهات عاجلة باحترام سلمية التظاهر، داعياً كافة مكونات المشهد السياسي في العراق إلى الحوار، وحينما اشتبك المحتجون مع قوات الامن ما خلف إصابة 125 شخصًا، فتح رئيس الوزراء تحقيق شامل في هذه الاحداث، موجها دعوة للأطراف السياسية للتشاور والتحاور، وهو ما هدأ من وتيرة الاحتجاجات، فلم يجد المتآمرون من حل سوى استهداف الكاظمى نفسه ومحوه من على الساحة بالاغتيال، فكان القرار بتوجيه صواريخ وطائرات مسيرة مفخخة ناحية منزل الكاظمى، لكن العناية الإلهية أنقذت رئيس الوزراء العراقى، الذى خرج مباشرة مؤكداً للجميع مواصلة مشروع الإصلاح لتعزيز قوة الدولة ومؤسساتها، داعياً إلى التهدئة وضبط النفس من الجميع من أجل مصلحة الدولة العراقية.
ووجه الكاظمى رسالة شديدة القوة، بقوله "منعنا انزلاق العراق إلى حرب إقليمية، لكن هناك من يعبث بأمن العراق ويريدها عصابات، ونمر بتحديات عديدة ليست وليدة اليوم، ولكننا لن نسمح بتقزيم العراق أو أن يكون عرضة لمغامرات طائشة"، مؤكداً نجاح الحكومة في تلبية مطلب الشعب والمرجعية والمتظاهرين بإجراء انتخابات مبكرة، "ووفرنا كل ما طلبته المفوضية"، مشدداً على وجود من يحاول أن يعبث بأمن البلاد ويريدها دولة عصابات، "ونحن نريد بناء دولة".
الشاهد فيما حدث أن محاولة اغتيال الكاظمى ما هي الا محاولة لتعطيل مسيرة الدولة العراقية، خاصة أن الكاظمى يمتلك مشروعا قويا لبناء دولية وطنية، لكن ما حدث في أعقاب هذه المحاولة الفاشلة أن الأية انقلبت على المتأمرين، فالحادث زاد من تماسك الشعب العراقى ومؤسساته، بل أنه استطاع أن يوحد الشعب العراقى من أجل الحفاظ على معادلته الأمنية، خاصة ان العراقيين باتوا اليوم أكثر إدراكاً لحقيقة مهمة وهى أنه لا يمكن أن يكون الإرهاب والطائرات المفخخة وسيلة بناء للمستقبل، لأن المستقبل يبنى بيد شعب العراق ومؤسسات دولته فقط.