يوسف أيوب يكتب: الزيادة السكانية خطر أيضا على المياه
السبت، 06 نوفمبر 2021 07:00 م
المعادلة الصعبة.. مصر من أكثر دول العالم تعاني الشح المائي.. والأكثر نمواً سكانيا
نصيب المصرى من المياه 570 مترا مكعبا في السنة.. والنمو السكانى يفوق العالمى بمعدل 2.6 سنويًا
استمرار معدل الانجاب بنفس الوتيرة سيزيد سكان مصر 10 مليون خلال 10 أعوام فقط
كثير من الموضوعات التي كانت مطروحة للنقاش خلال أسبوع القاهرة للمياه، الذى انتهت فعالياته قبل أيام وشهد مشاركة دولية رفيعة المستوى، لكن ما استوقفنى حديث كثير من المشاركين حول نقطة غاية في الأهمية، ربما كانت غائبة عن اذهاننا، لذلك كان من المهم الالتفات إليها، عقب الإشارة إليها في أسبوع المياه، وهى قضية تأثير الزيادة السكانية على استخدامات المياه النظيفة، فكثير منا لم يلتفت لهذه النقطة، ونحن نتحدث عن التأثيرات السلبية للزيادة السكانية.
فمن المعتاد ونحن نتحدث عن الزيادة السكانية وتأثيراتها السلبية أن نركز على تأثيراتها الاقتصادية، لكن أن يكون لهذه الزيادة تأثير أخر لا يقل خطورة عن التأثيرت الاقتصادية، ويتمثل في تقليل نسب كل فرد في الحصول على حصته من المياه النظيفة، فهذا أمر يجب أن نتوقف أمامه كثيراً.
وفى أسبوع القاهرة للمياه قال سيرين مباى ثيام وزير المياه والصرف الصحى بدولة السنغال أن قضية الحفاظ على الموارد المائية بالتزامن مع الزيادة السكانية والتغيرات العالمية يمثل تحديًا كبيرا للسكان الذين يعيشون فى المناطق الجافة وشبه الجافة، مؤكدا على دور الأمن المائى فى التنمية وبناء السلام، حيث يعد ضمان الأمن المائى شرطا أساسيا للتنمية المستدامة ومكافحة الجوع والفقر وتحقيق خطة عام 2030، كما أشار إلى اعتزام السنغال والمجلس العالمى للمياه تنظيم المنتدى التاسع للمياه، وإعطاء بُعد سياسى خاص للمياه لتحقيق السلام والتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
كما قال روبك فوشن رئيس المجلس العالمي للمياه، أن الزيادة السكانية التي يواجهها العالم حاليا تتطلب التوسع في المزيد من الأراضي وتوفير المياه للاستخدامات المنزلية وتحقيق الأمن الغذائي، موضحاً أن العالم حاليا يشهد زيادة سكانية هائلة، وأصبحت المدن مكتظة أكثر بالسكان، ولكنها ليست مدنا ذكية، يعاني فيها البشر من قلة توفر المياه النظيفة، والتغيرات المناخية أصبحت أكثر حدة واتساعا وتهدد الملايين سنويا.
هذا جزء مما قيل في الارتباط الوثيق بين الزيادة السكانية وتناقص حصة كل فرد في كوب مياه نظيف، وكلها تعتمد في الأساس على قاعدة أن المياه هي الحياة وعماد التنمية المستدامة.
وخلال مشاركته السبت الماضى عبر تقنية الفيديوكونفرانس، في جلسة رفيعة المستوى بعنوان "الأمن المائي في إطار تغير المناخ"، التي عقدت على هامش مؤتمر التغيرات المناخية (COP26) برعاية جامعة جلاسكو بالمملكة المتحدة، ألقى الدكتور محمد عبدالعاطي وزير الموارد المائية والري محاضرة عن الوضع المائي في مصر، ومن ضمن ما قاله أن قطاع المياه في مصر يواجه عدة تحديات، وعلى رأسها محدودية الموارد المائية، والزيادة السكانية، والتأثيرات السلبية للتغيرات المناخية.
وضع وزير الموارد المائية للزيادة السكانية ضمن التحديات التي تواجه قطاع المياه في مصر يؤكد الانتباه المبكر من جانب الدولة المصرية لهذا الجانب الذى كان بعيداً عن تصوراتنا، وهو ما يفسره المشروعات التي عمل الدولة على تنفيذها لزيادة قدرة المنظومة المائية على التعامل مع مثل هذه التحديات بدرجة عالية من المرونة والكفاءة، وتحقيق العديد من الأهداف منها ترشيد استخدام المياه، وتعظيم العائد من وحدة المياه، وتحسين إدارة المنظومة المائية.
وليس بعيداً عن هذا الموضوع، قضية سد النهضة، التى حددت الدولة استراتيجية التعامل تجاهها، والتي تتلخص في أن مصر ليست ضد التنمية في دول حوض النيل، بل على العكس، فهى تدعم التنمية في دول حوض النيل والدول الأفريقية من خلال العديد من المشروعات التي يتم تنفيذها على الأرض، وخير دليل على ذلك أن مصر أنشأت العديد من سدود حصاد مياه الأمطار، ومحطات مياه الشرب الجوفية مع استخدام الطاقة الشمسية في عدد كبير من دول حوض النيل، بالإضافة إلى تنفيذ مشروعات لتطهير المجاري المائية، والحماية من أخطار الفيضانات، وإنشاء العديد من المزارع السمكية والمراسي النهرية، ومساهمة الوزارة في إعداد الدراسات اللازمة لمشروعات إنشاء السدود متعددة الأغراض لتوفير الكهرباء ومياه الشرب للمواطنين بالدول الأفريقية، بالإضافة لما تقدمه مصر في مجال التدريب وبناء القدرات للكوادر الفنية من دول حوض النيل، ومؤخراً وافقت مصر على إنشاء العديد من السدود بدول حوض النيل مثل خزان "أوين" بأوغندا الذي قامت مصر بتمويله، والعديد من السدود في إثيوبيا مثل سدود "تكيزي" و"شاراشارا وتانا بلس التى لم تعترض مصر على انشائه، وهو ما يؤكد ان الموقف المصرى من سد النهضة ليس وليد "العند" مع إثيوبيا، لكنه مرتبط بالبحث عن تحقيق المصالح المشتركة لشعوب المنطقة، خاصة أن إنشاء سد بهذا الحجم الضخم، وبدون وجود تنسيق بينه وبين السد العالي هو سابقة لم تحدث من قبل، وهو ما يستدعى بل يستلزم وجود آلية تنسيق واضحة وملزمة بين السدين.
والغريب في هذا الامر أن إثيوبيا ترفض دوماً كافة المقترحات المصرية، وكذلك المقترحات الدولية التي كلها تسير في اتجاه تحقيق التنمية لإثيوبيا وعدم الإضرار بمصالح مصر والسودان المائية، ومنها السيناريوهات الذى عرضته مصر مؤخراً على إثيوبيا وتضمن قدرة السد على توليد الكهرباء بنسبة تصل إلى 85% في أقصى حالات الجفاف، بالإضافة إلى وجود آلية تنسيقية في إطار اتفاق قانوني عادل وملزم يعد ضمن إجراءات التكيف مع الآثار السلبية للتغيرات المناخية، لكن للأسف الشديد رفضت إثيوبيا كل هذه السيناريوهات والمقترحات دون سبب مقنع.
ولا ننسى هنا الأحاديث الدائرة أيضاً حول وجود دراسات حديثة تطرح العديد من علامات استفهام حول أمان سد النهضة، في الوقت الذي يعد الاطمئنان على أمان السد مطلبا مشروعا لدول المصب، وهو ما يؤكد أن عدم وجود اتفاق قانوني عادل وملزم لملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، وإدارته بشكل منفرد من جانب إثيوبيا، مع قيام الجانب الإثيوبي بإصدار العديد من البيانات والمعلومات المغلوطة، سيسبب أضرار كبيرة على دولتي المصب، والتأثير على النظام البيئي والمجتمعي، مثل حالات الجفاف والفيضان وتلوث المياه التي عانت منها السودان، حيث تتكلف دول المصب مبالغا ضخمة تقدر بمليارات الدولارات لمحاولة تخفيف الآثار السلبية الناتجة عن هذه الإجراءات الأحادية.
وهنا يجب الإشارة إلى مجموعة من الأرقام الضرورية ونحن نتحدث عن سد النهضة، ومنها أن مصر تعتمد بنسبة 97% على المياه المشتركة من نهر واحد فقط هو نهر النيل، في حين تتمتع دول منابع النيل بوفرة مائية كبيرة، حيث تصل كمية الأمطار المتساقطة على منابع النيل الى (1600 - 2000) مليار متر مكعب سنويا من المياه، كما تمتلك بعض هذه الدول أنهارا أخرى غير نهر النيل مثل إثيوبيا التي يوجد بها 12 نهرا، كما تمتلك هذه الدول عشرات الملايين من الأفدنة التي تروى مطريا، وفي المقابل تتكلف مصر مبالغا طائلة للاستفادة من كل قطرة مياه وإعادة استخدام المياه، حيث قامت مصر بإعداد استراتيجية للموارد المائية حتى عام 2050، ووضع خطة قومية للموارد المائية حتى عام 2037 بتكلفة تصل إلى 50 مليار دولار من المتوقع زيادتها إلى 100 مليار دولار، كما تعد مصر من أكثر دول العالم التي تعاني من الشح المائي، حيث يصل نصيب الفرد من المياه في مصر إلى 570 مترا مكعبا في السنة، وهو ما يقترب من خط الفقر المائى.
بالإضافة إلى ذلك فإن حجم المياه الخضراء (مياه الأمطار) في إثيوبيا، يصل إلى أكثر من 935 مليار متر مكعب سنويا من المياه، وأن 94% من أراضي إثيوبيا خضراء، في حين تصل نسبة الأراضي الخضراء في مصر إلى 6% فقط، وأن إثيوبيا تمتلك أكثر من 100 مليون رأس ماشية تستهلك 84 مليار متر مكعب سنويا من المياه وهو ما يساوي حصة مصر والسودان مجتمعين، كما تصل حصة إثيوبيا من المياه الزرقاء (المياه الجارية بالنهر) حوالي 150 مليار متر مكعب سنويا منها 55 مليارا في بحيرة "تانا" و10 مليارات في سد "تكيزي" و3 مليارات في سد "تانا بالس" و5 مليارات في سدود "فنشا" و"شارشارا" ومجموعة من السدود الصغيرة بخلاف 74 مليارا في سد النهضة، كما تقوم إثيوبيا بالسحب من بحيرة "تانا" للزراعة دون حساب، بالإضافة لإمكانيات المياه الجوفية في إثيوبيا بإجمالي 40 مليار متر مكعب سنويا، والتي تقع على أعماق من (20 - 50) مترا فقط من سطح الأرض، وهي عبارة عن مياه متجددة، في حين تعتبر المياه الجوفية في صحاري مصر مياه غير متجددة وتقع على أعماق كبيرة تصل لمئات الأمتار.
أعتذر عزيزى القارئ للخروج عن الموضوع الاساسى للمقال والمتعلق بالربط بين الزيادة السكانية وتوفير المياه النظيفة، لكن هذا الخروج كان في سياق الموضوع، خاصة ان الرابط الاساسى هو موضوع المياه، وكلنا ندرك ان قضية سد النهضة لا تقل خطورة عن الزيادة السكانية، فكلها تحديات تواجهها الدولة المصرية وتعمل على حلها بطرق مختلفة ومتعددة.
وإذا عدنا إلى قضية الزيادة السكانية، أشير هنا إلى دراسة للمركز المصرى للفكر والدراسات أشارت إلى الإحصائيات السكانية، وقالت ان عدد سكان مصر عام 1800 كان نحو 5.2 مليون، ووصل إلى 5 ملايين عام 1850 وفى ظل الزيادة السكانية تضاعف العدد من 20 مليون عام 1950 إلى 40 مليون عام 1978، وفى عام 2005 نحو 70 مليون نسمة، إلى أن بلغ عدد سكان مصر فى الداخل 87.9 مليون نسمة فى عام 2015، وفى عام 2016 وصلوا إلى 92 مليون نسمة، فى حين وصلوا 94.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد 2017، وفى بداية عام 2018 وصل عدد السكان إلى 96.3 مليون نسمة، وفى عام 2019 وصلوا إلى 98 مليون نسمة، أما عام 2020 فوصلوا 100 مليون نسمة فى الداخل، والآن تخطى عدد سكان مصر أكثر من الـ 101,530,411 نسمة.
وطبقا لهذه الإحصائيات نجد أن النمو السكانى فى مصر يفوق النمو السكانى فى العالم بمعدل 2.6 سنويًا مقابل 1.2%، وتتيح النظرة المتعمقة للوضع السكانى فى مصر أن زيادة عدد المواليد هى المسئولة عن النمو السكانى المرتفع فى مصر ليصل إلى طفل كل 15 ثانية؛ مما يعنى 2.5 مليون مولود سنويًا، وأن استمرار معدل الانجاب على هذه الوتيرة سيصل بسكان مصر عام 2030 إلى نحو 132 مليون نسمة، أى بزيادة قدرها 31 مليون نسمة فى غضون 10 أعوام فقط، وهنا تتعدد المخاطر على كل من الأفراد والأسر والفئات خاصةً الأكثر إنجابًا وحرمانًا، والأقل قدرة على مواجهة متطلبات هذه الزيادة المستمرة في الحمل والإنجاب وما يترتب عليها من مخاطر، مثل صعوبة الوصول للخدمات اللازمة بسهولة، وانعدام الدخل المناسب.
ما سبق هو توضيح لبعض من المخفى علينا، سواء المتعلق بالارتباط الوثيق بين الزيادة السكانية غير المخططة وتوفير كوب مياه نظيف لكل فرد، بالإضافة إلى التحدى الأخر الذى يواجه الموارد المائية المصرية، والمتعلق بأزمة سد النهضة الإثيوبى.
بعد هذا التوضيح يبقى سؤال.. ما الحل؟
هذا السؤال مرتبط بتأثير الزيادة السكانية على الموارد المائية، لإن أزمة سد النهضة، الحل بالنسبة لها واضح وضوح الشمس، ومتعلق بالإجراءات والتحركات التي تقوم بها الدولة المصرية لمواجهة التعنت الإثيوبى.
والحل فيما يتعلق بالزيادة السكانية يقع على عاتق طرفين لا ثالث لهما، المواطن والدولة، اما المواطن فعليه الكثير من الجهد لضبط وتيرة الزياد السكانية بما يعود بالنفع عليه وعلى افراد أسرته، أما الدولة فإنها بالفعل تقوم بجهود كبيرة في هذا الشأن، جهود توعوية وأخرى تحفيزية، ومؤخراً أطلقت وزارة التضامن الإجتماعى حملة "بالوعى مصر بتتغير للأفضل"، استهدفت من خلالها قرى المبادرة الرئاسية حياة كريمة " بهدف نشر الوعى بخطورة الزيادة السكانية والزواج المبكر، وكذلك العمل التمكين الاقتصادى للمرأة فى المناطق الريفية وتنمية الطفولة المبكرة من خلال التوسع فى إنشاء حضانات الأطفال بهذه القرى كذلك توفير وسائل تنظيم الأسرة مجانا، وتستهدف الحملة 4 محافظات بالمرحلة الأولى، هى "بنى سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج"، حيث بدأت الوزارة فى إطلاق الحملة فى محافظتى بنى سويف والمنيا، على أن يتم إطلاق الحملة فى أسيوط وسوهاج خلال الفترة المقبلة، ثم تعميمها فى المحافظات الأخرى فيما بعد .
لكن جهود هذه الحملة وغيرها سيبقى متوقفاً على مدى اقتناع المواطنين بخطورة الوضع القائم، وإن الزيادة السكانية غير المخططة، بمثابة غول يلتهم كل مقومات التنمية، وأكثر المتضررين منها المواطنين أنفسهم.