لا تهتموا بالمتنطعين
السبت، 30 أكتوبر 2021 06:47 م
أعرف كغيري النكتة المصرية التي تحكي عن الصديقين حسنين ومحمدين اللذان يعملان في نقل مواد بناء من الأرض إلى الدور الأخير ببرج شاهق.
تقول النكتة: إن حسنين قال لمحمدين: لدي خبران، خبر سار وخبر محزن.
فرد محمدين: قل الخبر السار أولًا.
فقال حسنين: المفرح أننا قد وصلنا إلى الطابق التاسع عشر بعد المئة، وبعد قليل سنصعد إلى الطابق العشرين بعد المئة فنرتاح من أعباء ما نحمل.
قال محمدين: هات الخبر المحزن.
فقال حسنين: المحزن أننا قد صعد إلى البرج الخطأ.
كنت أظن أن ما سبق هو طرفة من الطرائف التي يضحك لها الناس، وكنت أتخيل ما فعله حسنين بصاحبه محمدين واحدة من الطرائف الثقيلة، وكنت أتخيل رد فعل محمدين، هل ألقى بصاحبه من ذلك الارتفاع الشاهق أو مات كمدًا لأن جهدهما قد ذهب هباءً منثورًا؟
تواصل ظني الحسن بتلك النكتة الشعبية حتى وصلني خبر منسوب إلى كتاب نثر الدر للرازي، وقد جاء في الخبر، أن الخليفة العباسي المتوكل كان له نديم يدعى عبادة المخنث، وفي يوم من الأيام قال الخليفة المتوكل لنديمه عبادة: بلغني يا عبادة أنك قد ضربت إمام مسجد، وإن لم تأتِ بعذرٍ أدّبتُك.
فقال عباده: يا أمير المؤمنين، مررتُ بمسجد، فأقام المؤذن، ودخلنا في الصلاة، فابتدأ الإمام فقرأ الفاتحة، وافتتح سورة البقرة، فقلت: لعله يريد أن يقرأ آياتٍ من هذه السورة، فانتهى إلى آخرها في الركعة الأولى!
ثم قام إلى الثانية، فلم أشك في أنه يقرأ مع الفاتحة سورة الإخلاص. فافتتح سورة آل عمران حتى أتمها، ثم أقبل بوجهه على الناس، وقد كادت الشمس تطلع.
فقال: أعيدوا صلاتكم -رحمكم الله-، فإني لم أكن على طهارة، فقمتُ إليه وصفعتُه.
فضحك المتوكل من ذلك!
أخبار أمثال عبادة من المخنثين والندماء تملأ بعض كتب التراث، ونحن لا نستطيع إثباتها أو نفيها، فبعضها وضع للتسلية وليس للتاريخ الثابت المؤكد، ومع ذلك فأنا أميل لتصديق تلك الواقعة التي تتجاوز كونها نكتة وضعت للضحك أو طرفة وضعت للتسلية.
الحق أننا أمام رجل متنطع يؤمن أنه يصنع صنعًا، والحقيقة أن عمله سيذهب هباءً منثورًا لأنه لم يحترم ألف باء صلاة، وتقدم للإمامة وهو يعلم يقينًا بأنه على غير طهارة، ثم رأى أن يخدع نفسه والمصلين فراح يتلو أطول سورتين في القرآن الكريم، حتى كادت الشمس أن تشرق فتصبح صلاته وصلاتهم في غير موعدها المحدد المقرر المتفق عليه!
في حياتنا اليومية نجد أمثال هذا المتنطع الذاهل عن أبسط وأهم قواعد دينه وعبادته، ورغم ذهوله تجده لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب كما يقولون، فهو لا يعجبه عالم بالدين أو الدنيا، وهو يعرف كل شيء ويعرف ما هو فوق العرش وما هو تحت الثرى، وهو خبير عالم بصير بكل الكون ومجراته، وهو الأستاذ في كل فن والرائد في كل علم.
راجع موقف هؤلاء من قرار مصيري مثل قرار التلقيح ضد وباء كورونا، يتحدث الواحد منهم كأنه من علماء الأوبئة والأدوية ثم يقول بحسم: لا تعرضوا أنفسكم لعملية التطعيم، لأنها ستفسد كذا وكذا من أجسادكم!
هؤلاء مثلهم كمثل الذي تقدم للإمامة وهم يعلم أن صلاته باطلة، بل هؤلاء أسوأ فهم لا يبطلون صلاتهم فحسب بل يدمرون حياة من يستمع إليهم ويأخذهم على محمل الجد.