لازالت الإشادات تتوالى بشأن قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي بإلغاء حالة الطوارئ، بعدما استمر فرضه وتجديده لعشرات السنين، لمواجهة العمليات الإرهابية، الأمر الذى يؤكد معه أن الدولة المصرية تسير بخطى ثابتة، فضلاَ عن انتصارها بشكل حاسم في معركتها ضد غياب الأمن وعدم الاستقرار، ودخول مصر إلى مرحلة جديدة على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وفى الحقيقة إلغاء مد حالة الطوارئ لا تعني إلغاء القانون ذاته كما يظن البعض، إنما هو فقط إلغاء الإجراءات الاستثنائية التي تفرضها مد حالة الطوارئ، انما جائز للقيادة السياسية وفقآ للدستور أن تعلن حالة الطوارئ لظروف امنية أو صحية، وقرار الغاء اعلان الطوارئ يعني أننا وصلنا لحالة من الاستقرار الأمني، ونصر على الحروب الداخلية قبل الخارجية التي مرت بها البلاد في ظروف عصيبة وينعكس وراء ذلك القرار رواج اقتصادي، وقد يكون ذات تأثير فعال على البورصة المصرية والسياحة بالبلاد.
بعد إلغاء حالة الطوارئ.. ما هو موقف الدعاوى المتداولة ؟
ولكن السؤال الذي لا يزال يطرح نفسه بعد إلغاء حالة الطوارئ من الناحية القانونية والقضائية، ما هو موقف الدعاوى المتداولة بعد عملية الإلغاء؟ وما هي الجرائم التي ستحال إلى المحاكم العادية بدلا من أمن الدولة طوارئ؟ وذلك في الوقت الذي تعتبر فيه حالة الطوارئ استثناء من الأصل تفرضها الحكومات لحماية ظرف أمني أو صحي تمر به البلاد ويستتبع إلغاء حالة الطوارئ إلغاء الرقابة على الرسائل والصحف والنشر وعودة العمل بقانون الإجراءات الجنائية وإلغاء دور الحاكم العسكري في التصديق على الأحكام والعودة لطرق الطعن الذي رسمها القانون – بحسب الخبير القانوني والمحامي بالنقض ميشيل إبراهيم حليم.
في البداية – منذ إعلان إلغاء حالة الطوارئ ومن تاريخه تحال جرائم البلطجة والغش والتموين والمباني وجرائم التظاهر والتجمهر والتعدي علي حرمة أماكن العبادة والتعدي علي الآراض الزراعية إلي محكمه الجنح العادية، ويحق الطعن عليها بالمعارضة والاستئناف، كما تحال جرائم الإرهاب وحيازة وإحراز الأسلحة النارية إلي محكمة الجنايات، وللمتهم حق الطعن بالنقض، كمثل باقي الجرائم المنظورة أمام محكمة الجنايات والجنح العادية، ولكن يستمر عمل محكمة الطوارئ في الجنح والجنايات التي آحيلت قبل قرار إلغاء حالة الطوارئ، ويستمر عمل الحاكم العسكري للتصديق علي أحكام الجنايات والجنح التي أحيلت اليه من قبل ويكون قرار الحاكم العسكري بالتصديق أو الالغاء أو تخفيف العقوبات أو تشديد، وذلك طبقا لنص المادة 19 من 162 لسنة 1958 وقد تم فرض ذلك القانون منذ حالة الحرب بالعدوان الثلاثي علي مصر ثم تم إلغاء حالة الطواري وعودة العمل بها من بعد مقتل الرئيس السادات – وفقا لـ"حليم".
هل تُصدر أحكام بالإفراج عن محبوسين بعد إلغاء حالة الطوارئ؟
كما إلغاء حالة الطوارئ يؤدي إلى عودة القانون العادي والضمانات والإجراءات المطبقة على المتهمين وغير المتهمين لطبيعتها، حيث أن الإلغاء يعني وجود ضمانات أكبر للحريات والحقوق التي يتمتع بها المواطنون، وبالنسبة لصدور قرارات بالإفراج عن بعض المحبوسين بعد إلغاء حالة الطوارئ، فإن الأمر يكون حسب الأحكام والأسباب التي استندت فيها المحكمة إلى حكمها، وهل بنت الحكم بالإدانة أو الحبس أو تقييد الحرية على قانون الطوارئ فقط أم القانون ومجموعة من النصوص الأخرى، فلابد من الرجوع للأحكام وما استندت إليه في أحكام الإدانة للمتهمين، حيث أن الكيانات الإرهابية التي ظهرت خلال الـ 10 سنوات الماضية هي التي استدعت ودفعت الرئيس السيسي لإعلان حالة الطوارئ في الماضي، لمواجهتها بإجراءات القانون وبكل الطرق الممكنة، حيث أن إعادة تلك الكيانات نشاطها، مبرر جديد لإعلان حالة الطوارئ مرة أخرى وتطبيق القانون على أي كيان إرهابي يؤدي إلى زعزعة أمن واستقرار الدولة – الكلام لـ"حليم".
مقارنة في المنظومة القضائية قبل الإلغاء وبعده
قبل إلغاء حالة الطوارئ
بموجب قانون الطوارئ، فإنه بمجرد إعلان حالة الطوارئ يتم اتباع منظومة قضائية خاصة، تتمثل في محاكم أمن الدولة الجزئية "للجنح" ومحاكم أمن الدولة العليا "للجنايات".
ولهذه المنظومة قواعد خاصة منها الآتي:
1- يجوز لرئيس الجمهورية أو لمن يقوم مقامه أن يحيل إلى محاكم أمن الدولة الجرائم التي يعاقب عليها القانون العام "مادة 9".
2- لا يجوز الطعن على أحكامها، بأي وجه من الوجوه، ولا تكون هذه الأحكام نهائية إلا بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية "مادة 12".
3- يجوز لرئيس الجمهورية حفظ الدعوى قبل تقديمها إلى المحكمة "مادة 13".
4- يجوز له الأمر بالإفراج المؤقت عن المتهمين المقبوض عليهم قبل إحالة الدعوى إلى محكمة أمن الدولة "مادة 13".
5- يجوز لرئيس الجمهورية أن يخفف العقوبة المحكوم بها أو أن يبدل بها عقوبة أقل منها أو أن يلغي كل العقوبات أو بعضها أيا كان نوعها "مادة 14".
كما يجوز له بعد التصديق على الحكم بالإدانة أن يلغي الحكم مع حفظ الدعوى أو أن يخفف العقوبة أو أن يوقف تنفيذها وفق ما هو مبين في المادة السابقة، وذلك كله ما لم تكن الجريمة الصادرة فيها الحكم جناية قتل عمد أو اشتراك فيها "مادة 15".
الوضع بعد إلغاء حالة الطوارئ
يقول "حليم": تنص المادة 19 من قانون الطوارئ على أنه عند انتهاء حالة الطوارئ، تظل محاكم أمن الدولة مختصة بنظر القضايا التي تكون قد أحيلت إليها فعلا، وتتابع نظرها، وفقاً للإجراءات المتبعة أمامها "أي استمرار تلك المحاكم في نظرها دون أي تغيير في إجراءات النظر وعدم جواز الطعن والتصديق وغيرها".
- أما الجرائم التي تكون قيد التحقيق ولم يحل المتهمون فيها إلى المحاكم، فستحال من الآن إلى المحاكم العادية المختصة وتتبع في شأنها قواعد قانون الإجراءات الجنائية.
- أما بالنسبة لقضايا الطوارئ التي قرر رئيس الجمهورية إعادة المحاكمة فيها، فتنص المادة 20 من قانون الطوارئ على أن تعاد المحاكمة فيها وفقا لهذا القانون، أي أمام محاكم أمن الدولة طوارئ، كما حدث في مرحلة التقاضي الأولى.
- كما يكون لرئيس الجمهورية جميع السلطات "السابق ذكرها تفصيلا" بالنسبة للأحكام التي صدرت من محاكم أمن الدولة قبل إلغاء حالة الطوارئ ولم يتم التصديق عليها، وكذلك الأحكام التي تصدر من هذه المحاكم بعد ذلك "أي أن الأحكام الصادرة من تلك المحاكم بعد إلغاء حالة الطوارئ تظل تتطلب تصديق رئيس الجمهورية عليها، كما يملك رفض التصديق وتقرير إعادة المحاكمة فيها".
ماذا يعني قرار إلغاء حالة الطوارئ في جميع أنحاء الجمهورية؟
1- تحال جميع القضايا الجديدة ومنذ تاريخ اليوم إلى محاكم الجنايات والجنح العادية حسب نوعها، ويجوز من ثم الطعن في أحكامها بالنقض بالنسبة للجنايات، والمعارضة والاستئناف والنقض بالنسبة للجنح.
2- تستمر محاكم أمن الدولة طوارئ بنظر القضايا المحالة إليها سابقا في ظل إعلان حالة الطوارئ، وذلك حتى تفصل فيها باعتبارها محكمة طوارئ ويتبع في شأن هذه القضايا جميع أحكام الطوارئ من عدم جواز الطعن في أحكامها وخضوعها للتصديق وذلك عملا بنص المادة 19 من قانون حالة الطوارئ رقم 162 لسنة 1958.
الخلاصة: إلغاء حالة الطوارئ
1- مفيش حكم نهائى من محكمة جنح قابل للطعن وإن كان غيابيا.
2- مفيش إحالات إلي الحاكم العسكري وتظلمات.
3- مفيش أحكام من محاكم أمن دولة عليا "للجنايات" غير قابلة للطعن وإن كانت غيابية، ولا أحكام من جنح أمن دولة غير قابلة للطعن وإن كان غيابى.
4- مفيش إستيقاف بدون مبرر.
5- أي حكم قابل للطعن عليه بالطرق العادية "الاستئناف والنقض".
6- مفيش تعطيل بالشهور للموافقات الامنية عشان تأسس شركة.
7- يعنى المتهم بجرائم "التموين - البلطجة - مخالفات المباني - الاعتداء على الأراضي الزراعية - التدليس والغش - جرائم قانون التظاهر والتجمهر - الاسلحة والذخيرة - الاعتداء على حرمة أماكن العبادات - جرائم القتل الخطأ أو الاصابة الخطأ او التزوير في محررات السكك الحديدية أو الاضرار بأموال هيئة سكك حديد مصر - جرائم الاعتداء على حرية العمل وتخريب المنشئات - قانون الإرهاب"، يتم محاكمته أمام القضاء العادي وليس أمام محاكم أمن الدولة".
8- جميع القضايا المنظورة أمام محاكم أمن الدولة تظل محاكم أمن الدولة مختصة بنظرها وفقاً للمادة 19 من قانون الطوارئ.
9- بالنسبة للجرائم قيد التحقيق ولم يحل المتهمون فيها إلى المحاكم، فتحال إلى المحاكم العادية المختصة وتتبع في شأنها قواعد قانون الإجراءات الجنائية.
10- أن الأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة بعد إلغاء حالة الطوارئ تظل تتطلب تصديق عليها 1958.
المراحل التاريخية لفرض حالة الطوارئ في مصر
يشار إلى أن حالة الطوارئ مفروضة في مصر منذ عام 1967، فقد فرضت للمرة الأولى أثناء حرب يونيو 1967، وكان مقرراً إنهاء العمل بها عقب انتهاء الحرب عام 1973 إلا أن الرئيس السادات قرر مد العمل بها حتى عام 1980، وتم إلغاء حالة الطوارئ عام 1980 لمدة شهور قليلة عادت بعدها عقب اغتيال الرئيس السادات في 6 أكتوبر عام 1981 بقرار من الرئيس المؤقت الدكتور صوفي أبو طالب "رئيس مجلس الشعب وقتها".
واستمرت حالة الطوارئ طوال فترة حكم الرئيس مبارك كاملة وحتى تنحيه عن الحكم، وفي يناير عام 2012 أعلن المشير محمد حسين طنطاوي إلغاء العمل بحالة الطوارئ بدءاً من مايو 2012، ولكن حالة الطوارئ أعيد العمل بها بعد الجرائم التي ارتكبتها جماعة الإخوان عقب فض بؤرتي اعتصام رابعة والنهضة الإرهابيتين في 14 أغسطس عام 2013، واستمرت ولكن مع تقييد استخدام قانون الطوارئ أثناء قيام حالة الطوارئ ومد العمل بها كل 3 شهور وليس كل 3 سنوات كما كان يتم في عصر الرئيس مبارك، وفى الوقت الراهن قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي إلغاء مد العمل بحالة الطوارئ لأول مرة بعد ثورة 30 يونيو 2013 وبعد قرابة 54 سنة طوارئ في مصر.