"عليا الطلاق".. ورم خبيث يهدد المجتمع
السبت، 18 سبتمبر 2021 08:30 م
زيادة حالات الطلاق 40% يفجر الأزمة.. ودعوات لإجراء حوار مجتمعي ديني سريع لإنقاذ المصريين من "الطلاق الشفهى"
دار الإفتاء ترد على هيئة كبار العلماء: الطلاق الشفهى مشكلة كبيرة تحتاج لعناية خاصة من المؤسسات الدينية ومراكز الأبحاث
علماء: الإقرار بوقوع الطلاق الشفهي خلل في الفتوى ولا تترتب عليه أية حقوق.. خالد الجندي: أكذوبة ويجب حماية المجتمع فورا
أعادت تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن الطلاق الشفهي في مؤتمر إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، مسألة توثيق الطلاق إلى الواجهة من جديد على مدار الأيام الماضية، رغم أنها لم تغب عن الأوساط المجتمعية والمؤسسات الدينية منذ طرحها في المرة الأولى قبل أعوام.
وسبق أن فتح الرئيس السيسي النقاش المجتمعى حول هذه القضية المجتمعية خلال مشاركته في احتفالية "عيد الشرطة" في 2017، بقوله أنه طبقا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإن 40% من المتزوجين يطلقون خلال السنوات الخمس الأولى للزواج، معتبرا أن هذه "نسبة كبيرة ويكون لها سلبيات على الأسرة والأجيال" المقبلة، لافتاً إلى أن مثل هذا القانون سيكون الهدف منه "إعطاء الناس فرصة لمراجعة نفسها بدلا من أن يتم الطلاق بكلمة يقولها (الزوج) هكذا" في أي لحظة.
وفى هذه الاحتفالية توجه الرئيس السيسى إلى شيح الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب الذي كان يحضر الاحتفال قائلا بالعاميه "ولا إيه يا فضيلة الإمام؟" ثم أردف "تعبتني يا فضيلة الإمام"، أي أرهقتني.
ما قاله الرئيس حينها، كان تعبيراً عن رغبة مجتمعية في أحداث تحرك في الملف الأكثر الحاحاً، خاصة مع تزايد الأثار السلبية لفكرة الطلاق الشفهى، ومنها على سبيل المثال ظاهرة "المطلقة المعلقة"، التي يكون زوجها طلقها شفهيا، ولم يوثق الطلاق، والزوجة في هذه الحالة تكون بمثابة "المطلقة" لكنها رسمياً لاتزال على عصمة زوجها، مما يمنعها على سبيل المثال من حقوقها، ومنها الزواج مرة أخرى.
ما فتح النقاش حول هذه القضية، أن هيئة كبار العلماء لها رأى أن "ظاهرة شيوع الطلاق لا يقضي عليها اشتراط الإشهاد أو التوثيق، لأن الزوج المستخف بأمر الطلاق لا يعيبه أن يذهب للمأذون أو القاضي لتوثيق طلاقه، علما بأن كافة إحصاءات الطلاق المعلن عنها مثبتة وموثقة سلفا إما لدى المأذون أو أمام القاضي"، مشيرة إلى إن "العلاج الصحيح لهذه الظاهرة يكون في رعاية الشباب وحمايتهم من المخدرات بكل أنواعها وتثقيفهم والفن الهادف والتعليم الجاد والدعوة الدينية الجادة".
ما قالته هية كبار العلماء وجه برفض مجتمعى كبير، خاصة أن هناك رأى بأن الهيئة تجاهلت الظروف الحالة التي تقتضى العمل بفكرة توثيق الطلاق، وعدم الاعتداد بالطلاق الشفهى، بالإضافة إلى ان الشريعة تهدف في الأساس إلى الحفاظ على استقرار الأسرة، وهو ما يقتضى اتخاذ كل ما من شأنه الحفاظ على هذا الاستقرار، ومنها على سبيل المثال توثيق الطلاق، كما هو الحال في توثيق الزواج.
وأمام هذا الرأي الذى واجه "الراى الجامد" لهيئة كبار العلماء، تراجعت الأخيرة، وقال أنه "من حق ولي الأمر شرعا اتخاذ ما يلزم من إجراءات لسن تشريع يكفل توقيع عقوبة تعزيرية رادعة على من امتنع عن التوثيق (للطلاق الشفوي) أو ماطل فيه لأن في ذلك إضرارا بالمرأة وبحقوقها الشرعية".
لكن هذا التراجع من الهيئة لم ينم عن تغيير في الموقف الرسمي لمؤسسة الازهر، التي لاتزال تتمسك برأيها، وهو ما دفع الرئيس السيسى للحديث مجدداً عن قضية الطلاق الشفهى، وقال خلال حلقة نقاشية حول حقوق الإنسان السبت الماضى، إنه لم يصطدم مع المؤسسة الدينية في موضوع توثيق الطلاق.
وقال الرئيس السيسى نصًا: "هل أنا نشفت دماغي مع المؤسسة الدينية .. لا .. انا سيبت الموضوع يتفاعل مع المجتمع ومع المؤسسة الدينية، احتراما لمنطق الزمن وتغيير الناس .. مش بسهولة اننا نخلق ممارسات في فكرة احترام الآخر واحترام الاعتقاد أو عدم الاعتقاد".
وبات واضحا أن الرئيس السيسي يدفع إلى خلق حوار مجتمعي ديني للوصول إلى حلول للمشكلات العالقة في المجتع مثل مسألة الطلاق الشفوي، ولكن مع احترام كافة الآراء المطروحة وثوابت المعتقدات الدينية.
والشاهد الآن أن شيخ الأزهر خرج مدافعا بكل قوة عن هيئة كبار العلماء ورأيها في الطلاق الشفوي، عندما أوضح أن هيئة كبار العلماء تحترم أمانة العلم وتستشعر الخوف من الله، ولا تتأخر على الإطلاق أبدًا في بيان أحكام الشريعة بكل وضوح، مشددًا على أن آراء الهيئة لا تؤخذ تحت سيف التهديد، كما يدعي بعض المنتسبين إلى العلم ويشيعه في القنوات والبرامج ويسمعه الناس.
وقبل تصريحات الرئيس بنحو عام، مع احتدام الجدل وقتها أيضا في مسألة الطلاق الشفوي خرج الدكتور أحمد ممدوح، ممثلا لدار الإفتاء كأمين للفتوى وقال دون مواربة إن الطلاق الشفوى واقع إذا تحققت فيه أركانه وشروطه بعد التحقيق.
وأضاف ممدوح، في بث مباشر أجرته دار الإفتاء عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، أن الخلط يأتى من الخلط بين الإنشاء والتوثيق، فالإنشاء هو إحداث شيء فى الوجود لم يكن موجودا أم التوثيق فهو إثبات ما حدث، قائلاً: "على سبيل المثال إذا اقترضت مبلغا من المال من أحد الأشخاص ولم توثق ذلك كتابة فأنت بالفعل مدين لهذا الشخص بالمنزل وأذا وثقتم ما اقترضته فهذا إثبات ليس أكثر، ولو افترضنا ضرورة توثيق كل شيء يتم من بيع وشراء وغيره فعندما نذهب لشراء خضراوات من السوق يجب توثيقها رسميًا.
وتابع: "عقد الزواج على سبيل المثال يتم بمجرد ولى المرأة للزوج "زوجتك ابنتى" والآخر يقول قبلت، وما يفعله المأذون من كتابة عقد الزواج هو مجرد إثبات لما هو واقع ووقع بالفعل، والطلاق كذلك إذا قال لزوجته "أنت طالق"، وتم التحقيق مع الزوج فى دار الإفتاء ومعرفة حيثيات الطلاق ونجد فى النهاية أنه واقع نقول له أنه وقع وندعوه لتوثيقه لدى المأذون".
وتابع: "محاولة القول بأن ما نشأ بعقد رسمى لا ينحل إلا بعقد رسمى هذا مغالطة لأنه ليس هناك دليل على ذلك، كما أن العقد لم ينشأ بالرسمية، فالعقد نشأ بإنشائه عن طريق الطرفين والرسمية وثقته، حتى أنه من اسمه يسمى "توثيق" أى إثبات".
واختتم أمين الفتوى بدار الإفتاء حديثه قائلا "على كل حال الطلاق الشفوى إذا تحققت فيه أركانه وشروطه بعد التحقيق، وما يؤكد وقوعه المفتى بعد التحقيق من الزوج"، قائلاً:"من كل 3 آلاف حالة 3 حالات فقط يقع فيها الطلاق".
مفتي الجمهورية يبحث عن حل
في مشألة الطلاق الشفهي، قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، «إن نسب الطلاق ارتفعت في الخمسين سنة الماضية من 6% إلى 40% حسب الإحصاءات الرسمية»، لافتا إلى أن هذه النسبة داخل فيها أحكام القضاء في مسائل الطلاق؛ وهي نسبة خطيرة ومزعجة تحتم علينا وضع حلول لها والبحث في أسباب وقوعها؛ وأن قانون الخلع الصادر في عام 2002 من ضمن أسباب زيادة نسب الطلاق.
وأضاف مفتي الجمهورية للتليفزيون المصري، أنه يصل إلى دار الإفتاء المصرية 3200 حالة طلاق شهريًّا، وبدراسة هذه الحالات نجد أنه يقع منها طلاق واحد أو اثنان فقط؛ وذلك لأن الطلاق قد لا يكون معبرًا عن الحقيقة حتى وإن كان رسميًّا، كما يحتاج الطلاق إلى تحقيق من المفتي وقد لا يستطيع الزوج توصيف الحالة للمأذون على حقيقتها، وهذه مسألة نادرة، فيجعل المأذون لا يقف على أسباب الطلاق ويكون الطلاق في هذه الحالة غير حقيقي، ومن ثم فنحن ننصح المأذونين، وهم على دراية كبيرة، أن يبصّروا الناس ويحذروهم من أمر الطلاق.
وأوضح المفتي أن المأذون إذا وجد شكًّا في حالة طلاق فلابد أن يُحيل السائل إلى دار الإفتاء لحل الأمر؛ ونحن من جانبنا إذا وقع الطلاق نقول للزوج لابد من الذهاب إلى المأذون وتوثيق الطلاق، مؤكداً أن تخوف الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن قضية الطلاق الشفوي في محله، لأنها مشكلة كبيرة وتحتاج إلى عناية خاصة من كل الجهات من مؤسسات دينية ومراكز الأبحاث الاجتماعية وعلماء الاجتماع والنفس وكل الجهات المعنية وذلك للبحث عن أسباب الطلاق وطرق علاج هذه الظاهرة.
وبيَّن المفتي أن هناك أسبابًا كثيرة لظاهرة الطلاق منها ما هو اجتماعي وما هو اقتصادي بجانب جهل الزوجين بحقوق وواجبات بعضهما البعض، وبدراسة كل هذه الأسباب والسعي لوضع حلول لها نصل إلى حل لهذه الظاهرة، والدعاة والمشايخ وأمناء الفتوى يقع على عاتقهم مسؤولية تبصير الناس بالأمر الشرعي في مسألة الطلاق.
وبشأن هل الطلاق الشفهي يقع؛ أجاب فضيلة المفتي بأنه يقع وفق القانون المصري، والقانون يلزم أيضًا من يقع الطلاق منه أن يوثقه، والسائل عندما يأتي لدار الإفتاء ونرى أن الطلاق قد وقع منه ننصحه بالذهاب للمأذون وتوثيق الطلاق خلال 30 يومًا.
ونصح: بأننا قبل أن نبحث عن حكم الطلاق الشفهي وقع أم لا؛ يجب أن نعالج أنفسنا أولاً؛ مضيفًا أن كلمة الطلاق أصبحت كلمة سهلة في المجتمع ومنتشرة؛ حتى إن غالبية الطلاق الذي يأتي إلى دار الإفتاء لا علاقة له بالعلاقة الزوجية لأن بعض الأزواج يقحمون الطلاق في أمور التجارة وغيرها.
وأكد المفتي أن الطلاق علاج للحياة الزوجية إذا فشلت سبل العلاج، ويجب أن نمتنع تمامًا عن تكرار كلمة الطلاق على الألسنة، وفيما يتعلق بالرأي المعتمد في زكاة أموال القصر والأيتام أجاب فضيلته بأنها يجب فيها الزكاة، ولذلك حرص الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم والقانون أيضًا على الحث على تنمية أموال القصر حتى لا تأكلها الزكاة، وهذه مسئولية الوصي أو الولي في تنمية هذه الأموال.
خالد الجندي: الطلاق الشفهي لا قيمة له
من جانبه أكد الشيخ خالد الجندى، عضو المجلس الأعلى للشؤن الإسلامية، بأن الطلاق الشفهي لا قيمة له ولا يعتد به ولا يتريب عليه أى حقوق أو أي آثار، ووصفه بأنه أكذوبة ومهزلة، مؤكدا أنه في مثل هذه القاضايا لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل الدين عن الإنسان.
وتابع الجندى بأن الدين جاء ليكون سببا من أسباب الازدرهار الحضارى والسعادة ولابد لأي دين أن يعمل على ازدهار كرامة الإنسانية، وإذا كان الإسلام وهو بهذا أحق أن يسعى لتحرير الانسان ولاثبات الكرامة الإنسانية، فيجب أن تكون المرأة على قدم المساواة فى حريتها.
وعندما سُئل الجندى لماذا يتمسك بعض الأئمة بوقوع الطلاق الشفهى، قال لابد للفقه أن يمر بمرحلتيين ضروريتين، وهم قبل الدولة وبعد الدولة، لأنه يتغير بنشأة الدولة يعني مثلا لم يكن هناك تجنيد أو تحرير عقود بيع وشراء للمتلكات، وقبل الدولة كان عقد النكاح من طرفين زوج وزوجة، بالتأكيد عصر التعاقد الشفهى انتهى ومن كان يبيع أرضا أو بيتا بالتعاقد الشفهى ومنه النكاح والرجعة وغيرها انتهى أيضا، ولا يعترف القانون إلا بشهادة ميلادك، قولا واحد الطلاق الشفهى خلل بالفتوى، ويجب تعديل قانونه فوار إنقاذا للمجتمع ومنع الضرر عن الناس.