كيف نتخلص من التعصب الكروي؟

السبت، 11 سبتمبر 2021 11:00 م
كيف نتخلص من التعصب الكروي؟
محمود علي

مبادرة "لا للتعصب" مثلت فرصة لإعلاء قيم الرياضة والبعد عن الشحن الجماهيري

احتكام إدارات الأندية للعقل يحد من انتشار الظاهرة.. نبش قبور كبار الفنانين والبحث عن انتماءاتهم يسكب الزيت على النار  

 

 

التعصب الكروي، ظاهرة باتت منتشرة بصورة مخيفة داخل المجتمع المصري، خاصة بين جماهير قطبي الكرة المصرية الأهلي والزمالك، اختلفت أسبابها لكن النتائج واحدة، فتنة على مواقع التواصل الاجتماعي، سخرية كل جمهور من الأخر، وصل الأمر إلى توجيه رسائل عنصرية تزيد من الوضع ناراً، فكيف نستطيع القضاء على هذه الظاهرة وإطفاء هذه النار؟.

في أواخر العام الماضي، وتحديداً قبل أيام من مباراة الأهلي والزمالك في نهائي دوري أبطال أفريقيا التي انتهت بفوز الأحمر، أطلق المجلس الإعلى لتنظيم الإعلام مبادرة "مصر أولا/ لا للتعصب" في الوسط الرياضي؟

مبادرة مصر أولا / لا للتعصب لاقت ترحيباً واسعاً من الإعلام المصري، ومثلت فرصة للمصريين لتكون عنواناً عريضاً ودائماً للرياضة المصرية، في إطار إعلاء قيم الرياضة الحقيقية بعيداً عن التعصب والشحن الجماهيري.

ورغم أن هذه المبادرة أطلقت قبل نحو عام من الآن، لكن هناك عدم التزام بها من جميع أطراف اللعبة، مقدمو البرامج الرياضية، الأندية، حتى ممثلو اتحاد الكرة بتعاقب الإدارات لم يتخذوا إجراءات في سبيل الحد من ظاهرة التعصب، ما زاد من إشعال الفتنة وأعطى فرصة للبعض لتأجيجها بين الجماهير.

وتؤكد المبادرة على أهمية تكاتف كل الجهات والمؤسسات لإعلاء قيم الرياضة وتغذية الروح الرياضية لدى الرياضيين والجمهور، والابتعاد عن شحن المشجعين أو اللجوء لممارسات تغذى التعصب الرياضي، وهو ما أكده رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الصحفي الكبير كرم جبر، مطالبا فريقي الأهلي والزمالك ولاعبيهم والإعلام والجماهير بالالتزام بالمبادئ والروح الرياضية، والبُعد عن كل ما من شأنه أن يُثير التعصب أو يؤثر على الأجواء التاريخية للقاء الفريقين الأهم بالكرة المصرية والأفريقية.

ولابد من الاعتراف أن من بين الأسباب الرئيسية التي أدت إلى التعصب الكروي، هما مسؤولي الأندية، الذين بدلاً من أن يساعدوا الدولة في تحجيم هذه الظاهرة القاتلة، باتوا لاعباً رئيسياً في الأزمة بإصدار بيانات وقرارات تعمق من الفتنة بين الجماهير، السماح للقنوات الفضائية والصحف والمجلات التابعة لهم بتصدير لهجة متعصبة تزيد من واقع الأزمة وتشعل الفتنة بين الجماهير.

ووصل الأمر إلى الحديث عن اعتماد بعض الأندية على كتائب الكترونية من أجل توجيه الرأي العام لجمهورها، الالتفاف حول قرار معين أو التهويل لصفقة جديدة، أو التحشيد من أجل الدخول في معركة مع الاتحاد أو نادي آخر، والمهم فقط الفوز بها، حتى لو تسببت في تأجيج الفتنة بين الجمهور، ولنا شواهد عديدة تؤكد على ذلك.

خسارة بطولة أو عدم الوصول إلى الهدف من أي مشاركة محلية أو أفريقية للأندية، ليس مبرراً بتحويل الأمر إلى صراع ومعارك دائمة على السوشيال ميديا بين الجماهير، فالتركيز في الإدارة والبحث عن حلول للمشاكل والأزمات التي تحيط بالنادي، أفضل من أن تدير معركة وهمية من أجل إلهاء الجماهير عن الفشل في بطولة ما.

وهنا الحديث لم يكن موجه فقط لنادي معين، بل يشمل الجميع، فإثارة الفتنة وإشعال معارك قائمة على التعصب، لم تكن حاضرة بين أندية القمة فقط، كانت تشمل أيضاً أندية وسط الجدول في الدوري المصري في القاع أيضاً، تعالت الأصوات من أجل المصلحة الضيقة وتناسوا رؤساء وأعضاء هذه الأندية أن الكرة والرياضة بصفة عامة لم تكن يوماً تدار هكذا، فالتعصب الذي بدأ يتغول في الوسط الرياضي ممكن أن يؤدي إلى كارثة كالتي شهدتها الملاعب المصرية في العقد الماضي في بورسعيد أو الدفاع الجوي والخسائر في الأرواح كانت شاهدة على حجم الفاجعة.

ودفعت ظاهرة التعصب وانتشارها بصورة مؤذية للشارع الرياضي، البعض إلى الدعوة للاحتكام للعقل في التعامل مع الكثير من المواقف في هذا الملف، فحتى وأن صدر من إعلامي أو لاعب أو نادي أو مشجع موقفاً أو رأياً يؤجج التعصب فلا يمكن أن تكون مواجهته باللغة نفسها من الطرف الأخر.

هذه الحكمة والعقل التي ينادي بها كثيرون للتعامل مع اللغة المؤججة للتعصب داخل الملعب، وفي برامج الإعلام الرياضي، وبين مسؤولي الأندية، وبين الجماهير على السوشيال ميديا، قد تكون الحل الأمثل للقضاء على الظاهرة، وبدلا من أن يكون الوسط الرياضي وجميع أطرافه جزءا من الأزمة بل ويزيد من إشعالها يساهم ويساعد على حلها، ينهي حالة الاحتقان الكروي بالحوار الهادئ المتزن والتقريب بين وجهات النظر خاصة بين الأندية الشعبية.

وتلتزم كل أطراف اللعبة بتأدية عملها التركيز فيما هو مطلوب منها، مسؤولي الأندية يؤدون ما عليهم لتحقيق أهدافهم، اللاعب يركز في الملعب للنجاح فيما هو مطلوب منه، مقدمو البرامج ينقلوا الصورة والخبر بدون توجيه، الجماهير تشجع ناديها فقط، اتحاد الكرة عليه هو الآخر أن ينظم بطولات ناجحة وعادلة؛ هذا أن أرادت كل المنظومة النجاح للكرة المصرية والقضاء على هذه الظاهرة القاتلة.

ولم يتوقف في الفترة الأخيرة التعصب الكروي على الاستشهاد بأحداث حاضرة في الوقت الراهن، بل استدعى البعض انتماءات فنانين رحلوا عن عالمنا منذ عقود، بالنبش في قبورهم بالحديث عن تاريخهم ومواقفهم ومدى درجة انتمائهم لأحد قطبي الكرة المصرية.

أم كلثوم، عبد الحليم حافظ، فاروق الفيشاوي، عبد الوهاب، ما الذي سيمثله انتماء هؤلاء للأهلي أو الزمالك لمشجعي الفريقين في الوقت الراهن؟، ما الأهمية في أن ننبش في قبورهم وندعي دون وثائق أو دلائل انتماء نور الشريف أو محمود عبد العزيز أو أيا كان اسم الفنان أو الشخصية المشهورة لجمهور الجزيرة أو ميت عقبة؟، فلا استفادة تذكر سوى أن الأمر قد يزيد من التعصب وإشعال الفتن بين الجمهور.

ومؤخراً عاشت صفحات على السوشيال ميديا ساعات بل وأيام من أجل الحديث عن تاريخ انتماء الفنانين، وبدلاً من أن يتم استخدام هؤلاء وتعاملاتهم فيما بينهم بغض النظر عن انتماءاتهم؛ لبث الروح الرياضية بين الجمهور، جعل البعض منها مادة دسمة لتذكية التعصب، وفتح معركة أخرى بين الجماهير ليدافع جزء عن انتماء البعض لناديه والآخر يصارع من أجل إثبات العكس.

وفي وقت نحتاج إلى الالتفاف بالفعل لمبادرة تنجح في إعادة المسار الرياضي، وتجنب أيا من الملفات التي تشعل التعصب والصراع الدائر بين جماهير الكرة المصرية، فأن هذا لا يخفى ما اتخذته الدولة والسلطة التشريعية في إصدار قوانين من أجل تحجيم ظاهرة التعصب الكروي والرياضي في العموم، حيث نجح قانون الرياضة في فرض عقوبات رادعة للتصدي لكل أشكال التعصب الكروي، والمتعصبين ممن تسول لهم نفسهم التحريض على الكراهية عن طريق ملف كرة القدم.

في قانون الرياضة رقم 71 لسنة 2017 نصت المادة 84 علي أن مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في قانون العقوبات أو أي قانون آخر، يعاقب على الجرائم المنصوص عليها في المواد التالية بالعقوبات المقررة فيها، ونصت المادة 85 على أن: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 1000جنيه ولا تزيد على 3 آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من سب أو قذف أو أهان بالقول أو الصياح أو الإشارة شخصا طبيعيا أو اعتباريا أو حض على الكراهية أو التمييز العنصرى بأي وسيلة من وسائل الجهر والعلانية في أثناء أو بمناسبة النشاط الرياضي، وتضاعف العقوبة إذا وقعت الأفعال السابقة على إحدى الجهات أو الهيئات المشاركة في تأمين النشاط الرياضي أو أحد العاملين به".

ونصت المادة 89 على أن: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل على 50 ألف جنيه ولا تزيد عن 100 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من استخدم القوة أو العنف أو التهديد أو الترويع ضد لاعب أو حكم أو أحد أعضاء الأجهزة الفنية أو الإدارية للفرق الرياضية أو أحد أعضاء مجالس إدارة الهيئات الرياضية".

ونصت المادة 91 علي أن: "يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل 50 ألف جنيه ولا تزيد عن 200 ألف جنيه كل من أنشأ أو نظم روابط رياضة بالمخالفة للنظم الأساسية للهيئات الرياضية وفقا لأحكام هذا القانون، وتكون العقوبة الحبس الذى لا يقل عن 3 سنوات والغرامة لا تقل عن 100ألف جنيه ولا تزيد على 300 ألاف جنيه إذا باشر أي من المنتميين لهذه الكيانات غير المشروعة نشاطا يعبر عن وجودها أو ينشر أفكارها بأية صورة كانت.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق