أكسروا المسطرة الأخلاقية المعوجة
الأحد، 12 سبتمبر 2021 09:10 ص
النظر من ثقب عدد البطولات سيجعلك لا ترى منافسك ولا تعترف بحقه في الاختلاف معك
تجتمع في بعض المعارك، خصال سوء، من زعيق وضجيج وتكفير وتخوين وسباب وخوض في الأعراض والذمم وتفتيش في النيات وشق للصدور وتكذيب لحقائق راسخة واختلاق أكاذيب والباسها ثوب الحقائق.
خصال السوء تلك تجعل بعضنا يترفع ويتعالى عن الخوض في مجريات تلك المعارك لكيلا يلحق بذيل ثوبه بعض الأذى.
وأنا أتفهم موقف المترفعين، وبالحق أحترمهم وأحترم ترفعهم، ولكن تركهم لنار خبيثة تسري بين فئات وطوائف المجتمع سيكون ضدهم وليس لصالحهم.
من تلك المعارك التي أعنيها، معركة كرة القدم بين مشجعي نادي الزمالك والأهلي.
مضى زمان استهجان نشوب تلك المعركة، فقد اندلعت نيرانها وانتهى الأمر، ولأن النيران تسري بخبثها ونتن رائحتها فحتمًا يجب تدخل الإطفاء.
ولن يكون هناك إطفاء بغير سرد حقائق، تجاهلها لن يكون جزءًا من الحل بل سيسعر نيران المشكلة.
الحقيقة الأولى: تتمثل في أن بعضهم يحلو له البدء من ثانيًا، وكأن أولًا لم يكن، يبدأ من ثانيًا فيصبح الجلاد ضحية والضحية تصبح جلادًا.
فأي إنصاف هذا؟ وأي منطق هذا؟ وأي عدل هذا؟
البدء من أولًا، يحتم علينا الإقرار بأن شتائم كرة القدم قديمة جدًا ولم تجد من يردعها، ولأن من أمن العقاب أساء الأدب، بل تمادي في إساءة الأدب، فقد تدهور الوضع من هتاف كان يتحدث عن "ذمة الحكم المطاطية"، إلى الوصف التفصيلي لأعضاء أم الحكم الحميمة وأعضاء أمهات اللاعبين!
لو ضرب أول هاتف بيد حديدية لكانت ملاعبنا نظيفة تمامًا أو قريبة جدًا من علامات النظافة والصحة والتنافس الشريف المثمر البناء، ولكن عدم ردع الهاتفين الأوائل أدى إلى ما نحن عليه الآن، من خروج على كل ما يمكننا تسميته أخلاق عامة تحكم أي مجتمع بشري.
الحقيقة الثانية التي يطيب لبعضهم تجاهلها، هي كيف بدأت الأمور في التدهور المرعب بين مشجعي الناديين الكبيرين.
الذي أظنه حقًا أميل إليه، أن القصة بدأت من منظومة النادي الأهلي، المنظومة لا تؤمن بالمنافسة، لأنها لا ترى المنافسين.
وفي هذه الثانية هي محقة، فلو وضعنا في حساباتنا عدد البطولات فقط فلا منافس للأهلي، ولكن هل الرياضة هي عدد البطولات فقط؟، أم هي حمى التنافس الشريف القائم على تكافؤ الفرص؟
صديق من أكابر أعلامي الأهلي قالها مرة لي: "هو لسه فيه حاجة اسمها زملكاوية؟"
الصديق معذور لأنه لا يرى الدنيا إلا من ثقب عدد البطولات، ولا يستسيغ أن يكون هناك مشجعين لفريق لا يربح إلا نادرًا، رغم وجود هذه الظاهرة في العالم أجمع، ويكفي أن نضرب مثالًا بفريق ليفربول الذي يلعب لصالحه نجمنا محمد صلاح، فقد مكث ليفربول قربة الثلاثين سنة لم ير فيها شبح الدوري الإنجليزي، ومع هذا لم ينفض مشجعوه عنه.
فالنظر من ثقب عدد البطولات سيجعلك لا ترى منافسك، ولا تعترف بحقه في الاختلاف معك.
على ما سبق تبادر جماهير الأهلي، في أغلبيتها بالتسفيه من أي منافس، وذلك التسفيه يصل إلى ما يدخل بيوتنا من أبشع السباب ومن الخوض في الأعراض.
ولأن المنظومة لا ترى المنافس فهي تضيق بإصراره على مواصلة التنافس حتى ولو لم يربح، لكن مجرد إصراره على التنافس يجعل المنظومة تنظر إليه بوصفه مارقًا مستباحًا، يجب التنكيل به لكيلا يتشجع غيره ويبدأ في اتخاذ إجراءات تتيح له التنافس.
وهذا يقودنا إلى الحقيقة الثالثة وهي موقف المنظومة الأهلوية من لاعب مثل محمود عبد الرازق شيكابالا.
اللاعب موهوب، وهذا خارج النقاش ولديه بالفطرة حمية التنافس ولذا لم تقبل به المنظومة، فبدأت في سبه لكيلا يواصل العزم على التنافس، من ناحيته فهو شاب كغيره من هؤلاء الذين لا يعرفون السكوت، فقام مرة برفع حذائه في وجوه الجماهير، وهنا بدأت الكارثة، كيف يرفع حذائه؟
ولم يجرؤ أحد على أن يسأل: لماذا رفع حذائه؟
وغياب هذا السؤال الجوهري هو ما قصدته بكارثة البدء من ثانيًا!
تفترض المنظومة أنها محقة دائمًا وأبدًا، لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وهذا افتراض عجيب جدًا وغريب جدًا ومخاصم للطبيعة البشرية جدًا.
ولكنه افتراض متسق جدًا مع عدم الرغبة في رؤية المنافس، فأصبح من البديهي شتم شيكا وغيره مع تحريم وتجريم قيامه وغيره بأبسط الردود.
ما هذه المسطرة الأخلاقية المعوجة؟
إذا فسد الملح فبماذا يملح الناس؟
وإذا أعوجت المسطرة فبماذا سيقيس الناس؟
مسطرة، أنا سيدك وأنا أسبك متى أردت وكيف أردت وليس من حقك الرد، يجب أن يتم تكسيرها أمام عيني مخترعها، لأنها مسطرة باطلة.
تعالوا إلى كلمة سواء نجرم فيها كل تطاول ونعاقب بها أي متطاول، ونحترم بها قواعد التنافس وآلياته، وبغير قانون حاسم صارم يطبق على الجميع دون أي استثناء، فنحن في طريقنا إلى هاوية ما لها من قرار.
يجب الآن وليس بعد دقيقة إيقاف رفع الغطاء عن جوربات وصفحات تشن الغارات على مختلف معها حتى أنها تنادي بمقاطعة فضائية شهيرة لأن أحد برامج تلك الفضائية تجرأ على استضافة نجم الزمالك شيكابالا.
من الذي يحرض على إعلامي شهير لأنه قال كلمة مختلفة عن منظومة الأهلي؟
إنها تلك الجروبات والصفحات التي تحتمي بسطوة المنظومة.
كل الأكاذيب ما هي إلا قصور على رمال، وستنهار يومًا ما، فتعالوا إلى كلمة حق وصدق نجتمع عليها ونحمي بها مجتمعنا الذي لا تنقصه مشاكل قطعة جلد مملؤة بالهواء اسمها في الخارج كرة قدم ولكن اسمها عندنا صانعة الفتن.