مساخيط أون لاين.. آخر تقاليع النصب
السبت، 04 سبتمبر 2021 11:30 م
جروبات مفتوحة على السوشيال ميديا تستغل رغبة البعض في الثراء السريع وتغريهم بعمليات وهمية لبيع وشراء الأثار المسروقة
رئيس الإدارة المركزية للآثار المستردة: نرصد المجموعات الخاصة بتجارة الآثار على وسائل التواصل الاجتماعي ونبلغ الداخلية لمراقبتها
"بيع وشراء الأثار الفرعونية والكشف عنها".. عنوان مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وجدت نفسي أمامها مباشرة، وكأني سقطت في مقبرة فرعونية، وبعيدًا عن المنطق الذي يستدعي أن تكون هذه المجموعات مغلقة، ولا يستطيع أحد خارجها أن يرى المنشورات والتعليقات داخلها، كانت هذه المجموعة عامة، وبإمكان الجميع التفاعل مع المنشورات والتعليقات فيها، بل ومعرفة الأشخاص المشتركين، وهو الأمر الذي يدعو إلى الشك في حقيقة عمليات التجارة المعلن عنها في هذه المجموعة.
اللافت للأمر، أنه بقليل من البحث، وجدنا عشرات المجموعات، وفي كل منها آلاف من المهتمين ببيع وشراء الآثار الفرعونية، وتعددت ألقابهم بين «اللعيب، والدكتور، والجرار، والشيخ»، ولكل منهم دوره في هذه العملية التي قد تكون حقيقية، وقد تكون عملية نصب يتعرض لها «الطماع» الراغب في الاشتراك في عمليات خارج القانون؛ لتحقيق الثراء السريع.
لا يقتصر الطمع، والرغبة في نهب الآثار لتحقيق الثراء السريع على محدودي أو متوسطي الدخل، حيث كشفت القضية الكبرى التي نحن بصدد متابعة تحقيقاتها عن كواليس طمع رجال الأعمال، حيث قد يدفع أحدهم عشرات الملايين، مُمولًا لعميات نهب منظمة في عدد من المحافظات للتنقيب عن الآثار.
في النهب والتهريب.. الفقراء والأغنياء سواء
وتعتبر القضية الكبرى المتهم فيها الدكتور حسن راتب، والنائب البرلماني السابق علاء حسانين، وشقيقه و16 آخرين، هي الثانية من نوعها في حمل لقب "قضية الآثار الكبرى"، حيث سبقتها قضية القنصل الإيطالي السابق "لاديسلاف أوتكر"، الذي تورط في قضية تهريب 21855 قطعة أثرية تنتمي إلى عصور تاريخية مختلفة، في حاوية دبلوماسية من الإسكندرية إلى إيطاليا، وتورط فيها الممثل بطرس رؤوف بطرس غالي، شقيق وزير المالية الأسبق الذي تمت إحالته إلى المحاكمة.
وكانت قد قضت محكمة النقض بقبول الطعن المقدم من رؤوف بطرس، على الحكم الصادر ضده من محكمة الجنايات بالسجن والغرامة، في القضية المعروفة إعلاميًا بـ"تهريب الآثار الكبرى إلى أوروبا"، شكلا وفي الموضوع بتصحيح العقوبة بالسجن 7 سنوات وغرامة 2 مليون جنيه ورد الآثار المضبوطة إلى المجلس الأعلى للآثار، ورفض الطعن فيما عدا ذلك.
وكانت قد عاقبته محكمة جنايات القاهرة، وآخرين بينهم أعضاء سابقين في البعثة الدبلوماسية للسفارة الإيطالية بالقاهرة، بالسجن 30 سنة والغرامة 5 ملايين جنيه، في قضيتي تهريب آثار إلى إيطاليا من ميناء الإسكندرية، إذ عاقبته المحكمة في كل قضية بالسجن 15 سنة.
وطالبت مصر الحكومة الإيطالية بتسليم دبلوماسيين سابقين اتهموا بتهريب آلاف القطع الأثرية المصرية إلى إيطاليا. وتضمنت مذكرة الإنتربول ضبط وإحضار بحق لاديسلاف أوتكر سكاكال، الذي شغل منصب القنصل الفخري السابق لدولة إيطاليا بالأقصر، وماسيميليانو سبونزيللى الملحق الدبلوماسي الاقتصادي والتجاري بسفارة روما بالقاهرة، وأكد الانتربول المصري أن لاديسلاف أوتكر صدر بحقه حكم بالسجن المشدد 15 عاما وغرامة مليون جنيه لقيامه بتهريب عدد ما يقرب من 22 ألف قطعة أثرية من آثار مصر لدولة إيطاليا خلال عامي 2016 و2018.
التنقيب العشوائي عن الآثار
وعلى مدار السنوات الماضية، خاصة بعد يناير 2011، انتشرت عميات التنقيب العشوائية عن الآثار أسفل البيوت المصرية، ولم يكن الأمر عشوائياً بحتاً، بل إن العصابات التي تعمل في هذا الأمر تسير وفق خرائط بحوزتها، بعد إغراء أصحاب البيوت، واستطاعت مباحث الآثار ضبط مئات القضايا قبل الوصول إلى المقابر الفرعونية، كما أن هناك قضايا كُشفت بعد تعرض المنقبين لحوادث سقوط الأعمدة الخشبية المثبت بها البئر، أو تعرض المبنى للهدم، وكانت آخر قضية هي مصرع 4 أشخاص، بمنطقة الواحات، إثر غرقهم بمياه جوفية، أثناء حفرهم العميق بهدف "التنقيب عن الآثار".
وأشارت النيابة العامة بمدينة "6 أكتوبر"، إلى أن تحرياتها استطاعت أن تكتشف حيثيات الواقعة، حيث إن 4 عمال توفوا بالواحات البحرية، بعد أن غرقوا بالمياه الجوفية، التي تدفقت إلى الحفر، بعد أن انهارت عليهم أعمال الحفر، أثناء التنقيب عن الآثار، وصرحت النيابة بدفن جثث الضحايا وطلبت تحريات الأجهزة الأمنية حول الواقعة، لاستكمال التحقيقات.
وكان الأمن قد تلقى بلاغاً حول مصرع 4 أشخاص بمنطقة الواحات، ما دفع رجال المباحث للانتقال إلى محل الواقعة، حيث جرى الكشف عن أن المتوفيين الـ4 عمال، تعرضوا للغرق بمياه جوفية، وكانوا ينقبون عن الآثار، ونتيجة للحفر العميق ظهرت مياه جوفية بالحفرة، وعقب استمرارهم في أعمال الحفر انهارت عليهم الرمال، مما أسفر عن مصرعهم غرقا بالمياه، كما تم انتشال الجثث، وحرر محضر بالواقعة، وأخطرت النيابة المختصة للتحقيق.
والتنقيب عن الآثار، ونهبها من قبل بعض المواطنين والأجانب على مدار مئات السنين، تسبب في وجود عشرات الآلاف من القطع الأثرية المصرية في متاحف ومزادات بيع الآثار، وتعمل الحكومة المصرية بشتى السبل لاستعادة كل القطع التي خرجت بطرق غير مشروعة.
وللتدليل على هذا الأمر، يستد الباحثون إلى واقعة بيع تمثال آمون المصنوع من الذهب الخالص، والذي يعد قطعة فنية أثرية رائعة الجمال لا تقدر بثمن، حيث إنها القطعة الوحيدة المتبقية من جملة الآثار المصرية المنتمية للأسرة 22، والتمثال اشتراه عالم الآثار "هوارد كارتر" الذي ينسب إليه اكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون بجنيه مصري واحد من فلاح في عام 1917 (5 دولارات حينها)، ثم بعد ذلك قام كارتر بإهدائه إلى اللورد "كارنرفون" في عيد ميلاده في نفس العام، ثم اشتري متحف المتروبوليتان في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية التمثال بسعر وصل إلى 83 مليون دولار.
مواكبة التكنولوجيا.. شعار العصابات الوهمية
"يا محمد أنزل بسرعة البلد، أبوك لقى حتة أثار وعاوزين حد أمين يصرفها".. لا شك أن مواطنًا مصريًا لم يتلق هذه الرسالة، في وقت كانت الرسائل النصية واحدة من أهم طرق التواصل قبل توغل "السوشيال ميديا"، منهم من كان يتجاهلها، ومنهم من كان يحركه الطمع فيقرر التواصل مع الرقم الذي أرسل الرسالة، محاولا البحث عن أي دور في هذه العملية التي قد تكون بالنسبة له "خاتم سليمان"، إلا أنه بالطبع كان يقع في شباك عصابة محترفة، إن خرج سليمًا من بينها فقد فاز.
وفي الآونة الأخيرة، بدأت العصابات في استغلال منصات التواصل الاجتماعي، حتى باتت مسرحًا لممارسة الجرائم، وتعمل العصابات على بيع الآثار المقلدة، لبعض المواطنين على أنها حقيقية، وذلك بعد الترويج لها، كما تعمل على الترويج لعمليات التنقيب التي تحدث في المحافظات المختلفة، والتي قد تنتشر فيها عمليات التنقيب.
العصابات تعمل وفق نظار يسمح لهم بالوصول إلى الأماكن التي قد يكون أسفلها مقابر أثرية، معتمدين على خرائط، ويمتلكون من الأدوات والآلات ما يسمح لهم بالتنقيب لمدة قد تصل إلى شهور، دون أن يتكلف صاحب المكان أي أموال، إلا في حالة أنه الذي طلب إجراء التنقيب.
وزارة الآثار: نرصد هذه المجموعات ونتدخل في الوقت المناسب
من ناحيته قال شعبان عبد الجواد رئيس الإدارة المركزية للآثار المستردة، إن الوزارة تتابع وترصد المجموعات الخاصة بتجارة الآثار على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعمل على إبلاغ السلطات المختصة في وزارة الداخلية، وكذلك مباحث الإنترنت لمراقبتها، والوقوف على حقيقة القائمين على الترويج لهذه الآثار، مشيرًا إلى أن أغلب هذه الحسابات، هي حسابات وهمية، وتقوم بالنصب على المواطنين الراغبين في لعب دور الوسيط، أو الشراء لإعادة البيع.
وأكد عبدالجواد في تصريح خاص لـ"صوت الأمة" أن تجارة الآثار محرمة وغير قانونية، والعقوبات فيها مشددة وقد تصل إلى 25 سنة سجن، وهو الأمر الذي يستدعي من الوزارة متابعة هذه المجموعات حتى وإن كانت أغلبها يعمل في شق آخر وهو النصب على المواطنين، حيث إنه قد تتواجد قضية حقيقة واحدة من بين كل هذه القضايا، تتطلب تدخل الوزارة، لافتا إلى أن تجارة الآثار لا تقل بشاعة عن تجارة المخدرات والسلاح، ولا يمكن لتاجر لمخدرات أو السلاح أن يعلن عن نفسه على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي يؤكد أن الحسابات في هذه المجموعات تعمل من أجل النصب على المواطنين.
وشدد رئيس الإدارة المركزية للآثار المستردة على أن وعي المواطنين يساهم في مكافحة هذه الظاهرة.
5052c5c0-873b-4581-a55d-0c3511b0699c
2beed766-7843-411f-a4e4-54ac29007b23
3c243f3a-5870-41b2-8d34-8d2d052c4593