مظاهرات ضد الحياة
الأحد، 05 سبتمبر 2021 10:00 ص
كان صراع البشرية ضد وباء كورونا قد شهد حالة من الهدوء بدأت مع بدايات فصل الصيف، فقد تراجعت أعداد المصابين والضحايا، ومع ذلك التراجع عاد الإنسان سيرته الأولى، تلك السيرة القائمة على خداع النفس والكذب على الذات، فهو قد تعجل في قراءة الخارطة ولم يمعن النظر في حقيقتها، ظنًا منه مع بدء تدفق شحنات اللقاح أنه قد أعلن انتصارًا حاسمًا ونهائيًا على وباء جعل أقوى الدول تجثو على ركبتيها.
وليت الإنسان ما تعجل وليته صبر وقاوم حتى يتم الاستئصال الحقيقي لذلك الوباء القاتل، ولكنها العجلة التي هي من خلق الإنسان. وقد جاء الرد بأسرع مما توقع أحد، لقد تحور فيروس كورونا وأصبحنا نعرفه باسم دلتا، وهذه الدلتا تحتاج إلى إجراءات احترازية أشد تعقيدًا من تلك التي حاولها العالم مع كورونا ولكنه سرعان ما تركها.
نعم المشكلة لدينا نحن، أعني المواطنين، في جميع دول العالم، الكل متعجل متسرع، يظن في نفسه القدرة على قهر فيروس لا يعرف أحد له رأسًا من قدمين حتى اللحظة.
تركنا جميعًا وبحالات ظاهرة جدًا كل الإجراءات الاحترازية، ثم تحور الفيروس فماذا كانت النتيجة.
النتيجة نقرأها في تقرير بثته وكالة رويترز قبل أيام قلائل وجاء فيه: "سجلت الولايات المتحدة أكثر من 1000 حالة وفاة بكوفيد-19 يوم الثلاثاء 17 أغسطس، أي ما يعادل نحو 42 وفاة في الساعة، يأتي ذلك بينما تواصل سلالة دلتا المتحورة من فيروس كورونا التفشي بسرعة في أجزاء من البلاد تشهد معدلات تطعيم منخفضة.
وارتفعت الوفيات المرتبطة بفيروس كورونا في الولايات المتحدة خلال الشهر الماضي وبلغت في المتوسط 769 حالة يوميا، في أعلى معدل منذ منتصف أبريل نيسان، وفقا للإحصاء.
وأظهرت حصيلة "رويترز" التي تستند إلى بيانات رسمية، تسجيل 1017 وفاة يوم الثلاثاء، مما يرفع عدد الوفيات بسبب الجائحة إلى أقل بقليل من 623 ألفا، في أكبر عدد من الوفيات تعلن عنه أي دولة رسميا في العالم.
وأكدت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مساء الثلاثاء أنها تعتزم تمديد إلزام المسافرين بارتداء الكمامات على الطائرات والقطارات والحافلات وفي المطارات ومحطات القطارات حتى منتصف يناير المقبل.
تلك كانت النتيجة المباشرة لتعجل الناس وتسرعهم.
والعجيب أن الإنسان لم يتعظ رغم رؤيته لأحبائه وهم يرحلون ورؤيته لهم وهم يتعذبون أثناء مرضهم بهذا الفيروس القاتل، فعندما فكرت دولة قارة مثل استراليا في فرض إغلاق مؤقت للحد من توحش الفيروس قامت قيامة المواطنين لتشهد مدن أسترالية مظاهرات حاشدة ضد الإغلاق.
وقد بث موقع البي بي سي خبرًا عاجلًا جاء فيه: "تجمع الآلاف في سيدني بينما خرج عدد أقل من المحتجين في ملبورن وبريزبان.
وردد المحتجون شعارات تطالب بـ"الحرية"، بينما ساروا بوسط مدينة سيدني. وقالت الشرطة إنها اعتقلت 57 شخصا".
أي حرية يطالب بها هؤلاء؟
إنها حرية الموت والخراب، فتلك المظاهرات هي ضد الحياة وليس لدعم الاقتصاد أو الحرص عليه، فالإنسان هو الذي يبني الاقتصاد، فكيف نتركه للموت ونحن نردد شعارات الحرية؟
أما الأعجب من مظاهرات استراليا فقد كانت مظاهرات فرنسا وبريطانيا، فالفرنسيون والإنجليز خرجوا في مظاهرات حاشدة لرفض التطعيم الإجباري؟
والله هذا لا يسمى إلا ببطر النعمة، فهؤلاء لديهم وفرة في اللقاحات وتريد حكوماتهم تطعيم كل الشعب ومع ذلك يرفض الشعب، بينما دول وأمم أخرى تشقى لتوفير الحد الأدنى من اللقاحات.
هل أصاب الجنون عقلاء العالم؟
الأمور أصبحت غامضة الغموض كله، كأن العالم بأكمله يستعذب المرض والموت وخراب البشرية، ولا أجد تفسيرًا مقنعًا لحالات الفوضى التي تسود العالم كله من خلال مظاهرات مجنونة تحرض على تحدي قرارات الإغلاق بل تتحدى الإجراءات الاحترازية البسيطة.
هل مل الإنسان من الحياة ويريد تنظيم أكبر حفلات الانتحار الجماعي؟