طلال رسلان يكتب: شوقي علام.. المجدد في صمت
السبت، 21 أغسطس 2021 10:00 م
دون ضجيج، تحرك أحد أبرز أعمدة الدولة في تجديد الخطاب الديني، بفكر وسطي لتحويل قاعدة العمل بدار الإفتاء من الفردية والآراء الشخصية إلى العمل المؤسسي، فحاز على لقب المرجع الفقهي الرائد في صناعة الفتوى والعلوم الشرعية، وملجأ الأفراد والمؤسسات محليا وإقليميا وعالميا دون مواربة.
لم يكن قرار رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي بمد خدمة الدكتور شوقي إبراهيم علام مفتي الجمهورية لمدة عام، اعتبارًا من الـ12 من أغسطس الجاري، مفاجئا لأحد، حيث قدم المفتي علام كرامات في مسألة الخطاب الديني ما يبيض عمامته ويرفع شأنه.
«الأكثر إنجازا».. هذه بلا شك حصيلة كشف حساب الدكتور شوقي علام منذ توليه مسؤولية دار الإفتاء المصرية في مارس 2013، حيث قاد دار الإفتاء إلى كثير من الإنجازات لم يسبقه إليها غيره وبشهادة المؤسسات الدينية في مصر جميعها.
بنظرة داخلية على الوضع الحالي في مؤسسة دار الإفتاء، فلا شعار يعلو على أهمية التطوير بصفة عامة والتطوير الإداري بصفة خاصة، والعناية بالعنصر البشري، وضمان تلبية حاجة المستفتين، ولذلك فقد وجه المفتي بالتوسع في إنشاء مجموعة من الإدارات والأقسام الجديدة لضمان الوصول إلى كافة شرائح الأمة داخليًّا وخارجيًّا، فأنشأت مجموعة من الإدارات لضمان وصول رسالتها لأكبر شريحة ممكنة من المسلمين؛ منها إدارة (الفتاوى الشفوية – الفتاوى الهاتفية – الفتاوى المكتوبة – الإلكترونية بعشر لغات – إدارة الحساب الشرعي – إدارة التعليم عن بعد لتدريب المبتعثين على الفتوى – الترجمة – الموقع الإلكتروني – مجلة دار الإفتاء- إدارة فض المنازعات).
ما يقارب 10 ملايين فتوى في مختلف الفروع والقضايا التي تهم المسلمين في الداخل والخارج، تداخلت فيها دار الإفتاء مع قضايا مثارة في الأوساط الاجتماعية وخاطبت بها جميع الفئات على مواقع التواصل الاجتماعي، وضعت الدكتور شوقي علام كرأس حربة للمؤسسات الدينية في قطع الطريق أمام فتاوى التطرف ومنهجية العنف.
على مدار سنوات، قدم المفتي علام مثالا واضحا لرجل الدين الذي يقدم خطابا علميا رصينا وأمينا نسجه من خلال الفهم الصحيح والإدراك العميق لمعطيات الواقع المعاش ومقاصد وغايات الفقه الصحيح، كان أساسا ينطلق منه علماء دار الإفتاء إلى مختلف البلدان المعمورة لتقديم صورة حقيقية عن منهجية التواصل والحوار مع غير المسلمين، وفتح آفاق التعاون والتآلف والتعايش بين أبناء الحضارات والأمم المختلفة.
18 صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي بعدة لغات تعدى المتابعين فيها 12 مليون متابع، اشتبكت مع الفكر التكفيري وفككت مرجعيات الجماعات الإرهابية ووضعتها تحت المجهر.
منتصف ديسمبر 2015، كان شاهدا على إحدى التحركات القوية من جانب المفتي شوقي علام، حيث أنشأت أنشأت دار الإفتاء الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم بالقاهرة، بحضور أكثر من 80 دولة من مختلف دول العالم، لبناء استراتيجيات مشتركة بين دور الإفتاء الأعضاء لمواجهة التطرف في الفتوى وصياغة المعالجات لمظاهر التشدد في الإفتاء، والتبادل المستمر للخبـرات بين دور الإفتاء الأعضاء والتفاعل الدائم بينها، ووضع معايير وضوابط لمهنة الإفتاء وكيفية إصدار الفتاوى تمهيدًا لإصدار دستور للإفتاء يلتـزم به المتصدرون للفتوى ووصل أعضاء الأمانة إلي الان ستين دولة.
صدر عن دار الإفتاء في عهد الشيخ شوقي علام مجموعة من الإصدارات زادت عن 300 إصدارا، أثرت المكتبة الإسلامية وساهمت في بناء خطاب إفتائي رصين متصل بالأصل ومرتبط بالعصر يأتي في مقدمتها موسوعة فتاوى الدار في 46 مجلدًا، والفتاوى المؤصلة، وأخرى عن الحج والعمرة، والصيام، وفقه الأقليات الإسلامية، والجهاد، وفتاوى الشباب، وفتاوى المرأة المسلمة، وأحكام الأسرة وغيرها الكثير باللغات المختلفة، ثم إعداد أكثر من 150 من الدورات التدريبية للمبعوثين لتدريبهم على مهارات الإفتاء والعلوم الإفتائية والأدوات اللازمة من أجل نشر صحيح الدين بمنهجية علمية وسطية منضبطة وذلك تلبية للاحتياجات المتزايدة للجاليات المسلمة حول العالم.
علامة واضحة لا يمكن إغفالها للشيخ شوقي علام مع تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب، فكانت بصمته في تقديم روشتة العلاج، من خلال إرسال قوافل من علماء الدار لتصحيح الصورة هناك إضافة إلى إطلاق العديد من المبادرات التي تقوم على تصحيح الأفكار، وأنشأت الدار مجموعة من الصفحات باللغات المختلفة لتلقي أسئلة المسلمين بالغرب، والإجابة عنها، وأنشأت مرصد الإسلاموفوبيا الذي يختص برصد ظاهرة الإسلاموفوبيا ومعالجتها ، وتقديم كافة التصورات والتقديرات الضرورية لمواجهة هذه الظاهرة، والحد من تأثيرها على الجاليات الإسلامية في الخارج، وتصحيح المفاهيم والصور النمطية المغلوطة عن الإسلام والمسلمين في الخارج.
ولا يمكن النظر إلى إنجازات حقبة شوقي علام في دار الإفتاء بمعزل عن تأسيس مركز سلام لدراسات التشدد وهو مركز بحثي لإعداد الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، يعالج مشكلات التشدد والتطرف ويقدم توصيات وبرامج عمل لكيفية مواجهتها، وهذا المركز يمثل أحد أهم أذرع دار الإفتاء التي تستطيع من خلالها التعامل مع الافكار المتشددة تفكيكا وتحليلا، لتتمكن فيما بعد من القدرة على إعادة صياغة عقول الشباب حماية لهم من هذا الفكر التدميري.
ثم إنشاء مرصد المستقبل الإفتائي بهدف إنارة الطريق للباحثين داخل المركز وفي الأكاديمية لما يمكن أن تكون عليه قضايا الإفتاء في المستقبل، والغرض منه اختصارا هو استشراف المستقبل للتنبؤ بمآل حركة الإفتاء فيه وكيفية إدارة التعامل معهن ويتم قياسه مؤشرات عديدة منها نسبة التعاطي مع تقاريره التي يصدرها داخل أروقة الرسائل العلمية الاكاديمية.
وتتضمن الإنجازات إنشاء مرصد الجاليات المسلمة وهدفه إنشاء آلة بحثية لتحقيق الرصد والمتابعة الرصينة لأوضاع الجاليات الإسلامية في الخارج..وتهدف الدار من خلاله إلى القضاء على حالة الفوضى الإفتائية بين الأقليات المسلمة في الغرب والتي تتسبب في موجات من التعصب ضد الإسلام، وإنشاء منصة هداية الإلكترونية وهي منصةٌ إلكترونيةٌ متعددة المهامِ والتخصُّصاتِ، تقدِّمُ مجموعةً من البرامج التعليميةِ والثقافيةِ والسلوكيةِ، والدوراتِ التدريبيةِ بها الآن 10 الاف ساعة صوتية ومرئية لنشر المنهج الصحيح في العالم.
ويأتي بعد ذلك من ضمن إنجازات دار الإفتاء المصرية، تأسيس برنامج التأهيل الإفتائي للمتصدرين للفتوى عبر الفضاء الإلكتروني يمنح المتدربين علي الفتوي المعرفة العلمية والتطبيق العملي والعلوم اللازمة للربط بين المعرفة الشرعية والواقع.
ولم تغفل دار الإفتاء دورها المجتمعي، حيث عززت من دورها في مجال الإرشاد الأسري وتأهيل المقبلين على الزواج، واستطاعت دار الإفتاء من خلال برنامج تأهيل المقبلين على الزواج أن تقدم للمتدربين معارف وخبرات تساعدهم في كافة أمور حياتهم الزوجية مع فريق متخصص من علماء الشريعة والنفس والاجتماع وخصصت دار الإفتاء في الأعوام الماضية بثا مباشرا لاستقبال الأسئلة المتعلقة بالمجال الأسري لتقديم النصح والإرشاد في المجال الأسري حيث يجلس أمين الفتوي جنبا إلي جنب مع متخصص في عام النفس والاجتماع.
وانتهت دار الإفتاء في حقبة شوقي علام من مشروع "محرك البحث الإلكتروني للمؤشر العالمي للفتوى"، كأول محرك بحث متخصص في رصد وتتبع الفتاوى وتحليها عالميًّا، ويعد نواة لأكبر قاعدة بيانات للفتوى المصنفة بالعالم، وهو برنامج إلكتروني في شكل قاعدة بيانات ضخمة تم تطويره لجمع ما تم تصنيفه في الفتوى وعلوم الإفتاء من كتب ورسائل علمية وأبحاث، كما اشتمل على روابط صفحات التواصل الاجتماعي للمفتين ومواقع المؤسسات الرسمية على شبكة المعلومات وصفحات الويب المعنية بالإفتاء؛ مع تصنيف ذلك وتيسير البحث والعرض بما يخدم المتصدرين للإفتاء والباحثين.
أطلقت دار الإفتاء العديد من الحملات العالمية على الفضاء الإلكتروني باللغات الأجنبية لتوضيح الصورة الحضارية للإسلام والتي جذبت أكثر من 20 مليون متفاعل حول العالم، حيث بدأتها بحملة عالمية طالبت فيها وسائل الإعلام العالمية- خاصة الغربية- بعدم إطلاق اسم الدولة الإسلامية على مقاتلي داعش واستبداله بمنشقي القاعدة، وكان هدفها تصحيح صورة الإسلام والمسلمين التي شوهتها داعش وغيرها من التنظيمات المتطرفة، وتعريف الغرب بحقيقة التنظيمات الإرهابية الساعية إلى العنف والترويج للفكر المتشدد.
تم اعتماد دار الإفتاء المصرية كمرجعية للبرلمان الأوروبي فيما يخص الفتوى وقضاياها، لبلورة خطاب إفتائي رصين يلبي متطلبات المسلمين في دول الاتحاد الأوروبي، والتصدي لظاهرة الإسلاموفوبيا، بالتعاون مع الهيئات الإسلامية المعتمدة هناك.
وقبل كل ذلك ومع مطلع العام 2014، وجه شوقي علام دار الإفتاء مبكرًا للتصدي لخطر الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة على المجتمع المصرية بصفة خاصة والعالم بصفة عامة، فتم إنشاء مرصد دار الإفتاء للفتاوي التكفيرية والآراء المتشددة.