ويضيف: "المهم اتصل بنا صلاح خليفة وأخذنا أنا وجمال عبد الناصر إلى بيت قديم فى حى الدرب الأحمر باتجاه السيدة زينب، وهناك قابلنا عبد الرحمن السندى المسئول الأول للجهاز السرى للإخوان فى ذلك الحين، وأدخلونا إلى غرفة مظلمة تماما واستمعنا إلى صوت أعتقد أنه صوت صالح عشماوى ووضعنا فى يدنا على مصحف ومسدس، ورددنا خلف هذا الصوت يمين الطاعة للمرشد العام فى المنشط والمكره (الخير والشر) وأعلنا بيعتنا التامة الكاملة والشاملة له على كتاب الله وسنة رسوله."
ويستكمل فى صفحة 47 من نفس الكتاب علاقتهما مع جماعة الاخوان قائلا: "أعود مرة أخرى إلى علاقتنا بجماعة الإخوان كانت الأحداث السياسية تتسارع وكشفت جماعة الإخوان عن وجهها السياسى وتصرفت كجماعة سياسية وتخلت عن دعاوى النقاء الدينى، ولما كانت بحاجة إلى صحيفة يومية وورق صحف فى ظل أزمة شديدة فى الورق تقاربت من إسماعيل صدقى وحصلت فى مقابل تقاربها هذا على ما أرادت من دعم."
ويضيف: "كذلك وقفت الجماعة ضد اللجنة الوطنية للطلبة والعمال، وحاولت أن تشكل جماعة أخرى بالتعاون مع إسماعيل صدقي وبدأنا نحس أنهم مثل أي سياسيين آخرين يفضلون مصلحتهم ومصلحة جماعتهم على ما ينادون به من مبادئ وعلى مصلحة الوطن وتحادثت طويلا مع جمال عبد الناصر حول علاقتنا بالجماعة وأفضى جمال لى بمخاوفه من أن الجماعة تستخدمنا كضباط لمصالحها الذاتية وليس لمصلحة الوطن وأفضيت له بمشاعرى واتفقنا أننا قد تورطنا أكثر مما يجب مع هذه الجماعة وأنه يجب أن ننسحب منها.
لكنه لا يمكن أن نقول إننا فى يوم كذا انسحبنا من الجماعة، فقط أصبحت الشكوك تملؤنا وأصبحنا على غير وفاق وغير متحمسين وبدأنا نتباعد أنا وجمال وربما بدأت الجماعة هي أيضا تستشعر أننا لا نمتلك الولاء الكافي فبدأت تتباعد عنا.
وتدريجيا يأتي عام 1947 ليجد علاقتنا جمال وأنا وقد أصبحت باهتة تماما مع جماعة الإخوان"
أما أكثر لحظات الدراما فى العلاقة بين ثورة يوليو والإخوان، فقد كانت فى محاولة الجماعة اغتيال جمال عبد الناصر فى المنشية واللافت أن الجماعة ظلت لأكثر من 60 عامًا تصف حادث محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى 26 أكتوبر 1954 بميدان المنشية فى الإسكندرية بأنه مسرحية، من إعداد عبدالناصر نفسه حتى يتمكن من التنكيل بالجماعة وتعليق قياداتها على أعواد المشانق، أو الزج بهم على غيابات السجون، والغريب أن هذا التفسير على سذاجته وجد رواجا بين قطاعات من الشعب المصرى.
تأتى هنا مجموعة شهادات من داخل الإخوان على النقيض تمامًا من هذه الرواية، إحداها ليوسف القرضاوى، الذى تعتبره الجماعة أهم رموزها الدينية على الإطلاق منذ تأسيس الجماعة وحتى اليوم، فماذا قال القرضاوى عن حادث المنشية؟
وبعد فض اعتصام أنصار الإخوان ومحمد مرسى فى ميدان رابعة، حدث أن استضافت قناة الجزيرة القرضاوى فى لقاء كان عنوانه «هل الإخوان إرهابيون؟»، وحاول وقتها القرضاوى أن ينفى تهمة الإرهاب عن الجماعة مستعرضًا تاريخها، وكان من الطبيعى أن يتوقف أمام حادث المنشية فنفى فى البداية علاقة الجماعة به، ثم استدرك قائلا رأيه حول هذه الواقعة، فقال القرضاوى: «الذى أراه أن هذا الأمر مسؤول عنه هنداوى دوير ومجموعته وهم 4 أو 5 فقط».
وأضاف: «أنا أعرف هنداوى دوير وجلست معه مرارًا، وهذا هو تفكيره أن النظام كله قائم على عبدالناصر وإذا زال عبدالناصر انتهى النظام، وأن عبدالناصر يحتاج إلى رصاصة يضربها شخص يجيد إطلاق الرصاص ووقتها ينتهى النظام ويسقط، ثم علق قائلا: «هذا تفكير هنداوى دوير وهو المسؤول عن هذا، أما الإخوان فليس لهم علاقة بهذا الأمر».
تحولت الجماعة إلى العنف بشكل كاملومن بين اعترافات قيادات الجماعة حول العنف ذلك اللقاء المصور الشهير الذى أعدته الجماعة قبل سنوات وقليلة وبثته على شبكة الإنترنت وخلاله يروى فيه عوض عبد العال أحد قيادات تنظيم ١٩٦٥ عن واقعة حدثت عام 1961 أنه كان بحوزته 3 أسلحة وذخيرة من الرصاص تبلغ حوالى 500 طلقة، وأثناء توجهه من دمنهور إلى الإسكندرية فوجئ بكمين شرطة يفتش السيارات بعد ورود معلومات عن سيارة بها حشيش، مشيرًا إلى أنه تخوف من إلقاء القبض عليه والإدلاء بمعلومات عن الإخوان أثناء التحقيق معه.
وقال عوض عبد العال نصًا: "أنا قلت هركب خزنة سلاح وأضربهم وأجرى، إن موتونى خير وبركة، وإن هربت يبقى مقلتش حاجة على الإخوان"، لافتًا إلى أن الضابط المسئول عن الكمين أمر بانصراف السيارة.
اما أهم الوثائق حول تورط الإخوان فى الارهاب من خلال تنظيم ١٩٦٥ فهو ما قدمه سيد قطب فى الوثيقة المسماة بـ«لماذا أعدمونى؟» التى تكتسب أهمية خاصة، لانها تنسب إلى قطب نفسه، رغم أن عددًا قليلاً من قيادات الإخوان شكك فى صحة نسبتها إليه، لكن أسرته الأكثر علمًا بمؤلفاته سمحت بتداول هذا الكتاب ولم تعترض على إعادة طبعه أكثر من مرة، مما يقطع بصحة أن كل ما ورد فيها خطه قطب بيده.
وكما تشير مقدمة الكتاب، فإن هذه الوثيقة هى الإفادة التى قدمها سيد قطب للمحققين فى قضية تنظيم 1965 التى انتهت أحكام القضاء فيها إلى إعدامه، وهذا مما يضاعف من أهميتها، لكن ما يضعها دائمًا فى بؤرة الضوء ويجعلها جديرة بالقراءة اليوم أنها تقطع الصلة بحقيقة اعتقاده بضرورة اللجوء إلى العنف فى مواجهة السلطة، وسعيه بالفعل إلى تكوين خلايا مسلحة تتصدى للدولة، ولا مانع لديه من تدمير المنشآت والمصالح الحيوية «لشل حركة الأجهزة الحكومية عن متابعة الجماعة» – كما ورد نصًا فى الكتاب - وهو سياق لا يختلف عن محاولات التنظيمات المسلحة المنسوبة للإخوان اليوم لتدمير أبراج الكهرباء وغيرها من المرافق المهمة.
ويتحدث قطب عن بعض المناقشات، التى جرت بينه وبين أفراد تنظيم 1965 فيقول: «كنا قد اتفقنا على استبعاد استخدام القوة كوسيلة لتغيير نظام الحكم أو إقامة النظام الإسلامى، وفى الوقت نفسه قررنا استخدامها فى حالة الاعتداء على هذا التنظيم، الذى سيسير على منهج تعليم العقيدة وتربية الخلق وإنشاء قاعدة للإسلام فى المجتمع..
وكان معنى ذلك البحث فى موضوع تدريب المجموعات، التى تقوم برد الاعتداء وحماية التنظيم منه، وموضوع الأسلحة اللازمة لهذا الغرض، وموضوع المال اللازم كذلك.
واعترف سيد قطب فى هذه الوثيقة، بأن مناقشات جرت بين أفراد مجموعة تنظيم 1965، تطرقت إلى فكرة تدمير القناطر الخيرية الجديدة وبعض الجسور والكبارى كعملية تعويق، وأنهم استبعدوا الفكرة، وتم الاتفاق على تدمير بعض المنشآت فى القاهرة لشل حركة الأجهزة الحكومية ويقول: «وكانت تعليماتى لهم ألا يقدموا على أى شىء، إلا إذا كانت لديهم الإمكانات الواسعة».