يوسف أيوب يكتب: هل ينهار سد النهضة؟
السبت، 17 يوليو 2021 07:16 م
قلق سودانى مشروع من سلامة السد الإثيوبى بعدما فضح المكتب الفرنسي افتقاد دراسات أديس أبابا للمعايير الفنية الدولية
الخرطوم تعلنها صراحة: من غير اتفاق حول ملء وتشغيل السد تتحول فوائده إلى مخاطر حقيقية على نصف تعداد سكان السودان
السد يقع فى تصنيف الأكثر خطورة بالنسبة لاحتمالات انهيار السدود.. اللجنة الدولية للخبراء أثارت العديد من النقاط السلبية فى إنشائه
قلق كبير يتاب الأشقاء في السودان من مسألة أمن وسلامة سد النهضة الإثيوبى، عبرت عنه بقوة الدكتورة مريم الصادق المهدي وزيرة الخارجية السودانية، خلال كلمتها الخميس قبل الماضى أمام الجلسة الاستثنائية التي عقدها مجلس الأمن الدولى لمناقشة مسألة السد الإثيوبى بناء على طلب مصر والسودان.
القلق السودانى منبعه الاساسى هو العمل غير المكتمل الخاص بأمان السد، والحاجة إلى تنفيذ جميع تدابير السلامة اللازمة للسدود وفقا للمعايير الدولية قبل بدء الملء، وهو المحور الذى كان ولازال محل نقاش كبير مع الجانب الإثيوبى الذى لازال يحاور ويناور للهروب من الإجابة على الاستفسارات والتساؤلات السودانية المشروعة حول أمان السد، خاصة أن السودان ستكون أول المتضررين حال تعرض السد لأية مشاكل قد تؤدى في أي مرحلة إلى انهياره.
المكتب الفني السودانى يفضح الدراسات الإثيوبية الناقصة
والغريب أن مسالة أمن وأمان السد الإثيوبى كانت مثار انتباه المكتب الفني الفرنسي الذى تم الاتفاق عليه بين الدول الثلاثة لتقييم اعمال السد، فقد أكد المكتب في خطاب للدول الثلاثة، أن كافة الدراسات التي قدمتها إثيوبيا تفتقد لكافة المعايير الدولية الخاصة بعنصر الأمن، وكان تعليق أحد العاملين في المكتب الفرنسي كاشف للقضية برمتها، حينما قال "الدراسات الإثيوبية لا تكفى لبناء جسر على نهر صغير، ولو تمت هذه الدراسات في أوربا لتم محاكمة المسئول عنها".
والسبب في ذلك أن إثيوبيا في تسرعها تجاهلت كل معايير الأمن والسلامة، ويبدو أنه لم يدر بخلدها أن السد قد يتعرض في يوم ما لأزمة فنية تتسبب في انهياره أو انهيار جزء منه، وهو ما قد يسبب كارثة للسودان أولاً، خاصة أن السد يوجد على بعد 40 كيلو متر من الحدود السودانية الإثيوبية، وهو الأمر الذى أثار حفيظة السودانيين، وجعلهم الأكثر تشدداً في طلب المشاركة الفنية في عملية بناء وتشييد السد، لإنهم الأكثر تضرراً حال تعرضه لمشاكل فنية في المستقبل.
وبالعودة إلى ما قالته الدكتورة مريم الصادق، وزيرة الخارجية السودانية أمام مجلس الأمن، سنجد أن القلق السودانى وصل إلى درجة لا يمكن تجاهلها، فقد قالت الوزيرة بلغة حاسمة أنه "من غير اتفاق حول ملء وتشغيل السد تتحول فوائد سد النهضة إلى مخاطر حقيقية على نصف تعداد سكان السودان"، مشددة على أهمية الاتفاق القانوني الملزم على الملء والتشغيل للأسباب التي تعتبرها الخرطوم ضرورية، كونها تمس حماية الأمن البشري السوداني، وحماية السدود السودانية، وحماية الأمن الاستراتيجي للسودان، وقالت "أن وجود سد ضخم مثل سد النهضة بسعة 74 مليار متر مكعب على بعد بضعة كيلومترات من الحدود السودانية ومن غير تنسيق في إجراءات السلامة مع مجتمعات أدنى السد تشكل خطورة مباشرة على هذه المجتمعات".
وأكدت الدكتورة مريم الصادق أن سد النهضة سيغير طرق معيشة هؤلاء الملايين من الناس، وسيقلل مساحة هذه الأراضي الفيضية بنسبة 50%، مضيفة "ما لا يمكننا قبوله أن تستخدم طريقة ملء وتشغيل السد الأحادية في ترويع هؤلاء المواطنين والحط من كرامتهم وإهدار حقوقهم الإنسانية، كما فعلت إثيوبيا قبل شهور متعللة بحقها المنفرد في إقرار كيفية تشغيل السدود، فقد قامت إثيوبيا بإرادتها المنفردة في قفل سد تكزي على نهر ستيت– الذي ينبع من إثيوبيا، منذ نوفمبر الماضي بصورة منفردة مما جفف كثير من الأراضي اسفل النهر".
السد الإثيوبى يقع فى تصنيف الأكثر خطورة بالنسبة لاحتمالات انهيار السدود
القلق من مسألة أمن وامان السد ليس سودانياً فقد، فقد رصد الفريق التفاوضى المصرى مجموعة من الملاحظات الخاصة بهذه الجزئية، وتم رفعها إلى إثيوبيا والسودان، لكن للأسف الشديد تجاهلت أديس أبابا كل هذه الملاحظات ولم تعرها أي اهتمام، ومن هذه الملاحظات ما أكدها الدكتور هشام بخيت أستاذ الوراد المائية فى كلية هندسة جامعة القاهرة وعضو الفريق الفنى التفاوضى لسد النهضة، الذى قال إن السد الإثيوبى يقع فى تصنيف الأكثر خطورة بالنسبة لاحتمالات انهيار السدود، كما أن به العديد من العوامل التى تشعرنا بالقلق من انهياره، خاصة وأن اللجنة الدولية للخبراء أثارت العديد من النقاط السلبية فى إنشاء السد.
وقال الدكتور هشام بخيت، إن أي منشئ له احتمالية انهيار، ولاسيما السدود الكبري، التى يتم تصنيفها إلي 4 تصنيفات، ويقع سد النهضة فى التصنيف الأكثر خطورة، حيث تجري محاكاة تضع فى حسبانها احتمال انهيار النهر، وهنا في السد الإثيوبي مشكلة أكبر من النسب العادية، كما أن هناك تقرير اللجنة الدولية التي أوصت فيه بإعادة دراسات نسب الأمان للسد، فضلا عن أن هناك تغيرات جوهرية ستحدث للسد عند بداية التشغيل، وكل ذلك لم يتم وضعه فى الحسبان.
وأوضح بخيت أن طريقة الملئ للسد تمثل علامات استفهام، وكذلك طريقة وضع الخرسانة، كما أن الوضع الجيولوجي للمنطقة غير مناسب ويتطلب حسابات معينة، وإذا انهار السد فتأثيره سيكون كارثيا لاسيما علي السودان، موضحاً أنه من خلال النظر إلى أخر صورة للسد والتي تم التقاطها الأسبوع الأول من الشهر الجارى تكشف أن الجانب الأيمن للسد أعلي قليلًا والأيسر، أعلي قليلًا والممر الأوسط كما هو منخفض، والوضع المائي في البحيرة 566 متر ما يعادل حوالي 5.2 مليار متر مكعب، وهو أعلي من منسوب العام الماضي، كما أن الجزء الأوسط هو العامل في التخزين طبقًا لمعدلات إنشاء السد التي نراها علي أرض الواقع والمعلن عن أن يصل الجانب الأثيوبي إلي علو 595 متر.
الإعلان الإثيوبى المنفرد
ولكى نقف على الأسباب التي دفعت السودان للقلق من أمان السد الإثيوبى، علينا أن نعود للوراء لنعرف ما هي قصة القلق المشروع من عنصر السلامة في السد.
ففي إبريل 2011 قامت أثيوبيا بالإعلان المنفرد عن اعتزامها بناء سد النهضة بدون الالتزام بمبادئ القانون الدولي الراسخة والمرتبطة باستخدام الأنهار المشتركة، وبعد تواصل تم من القاهرة والخرطوم مع الجانب الأثيوبي تم تشكيل اللجنة الدولية للخبراء التي استمر عملها لمدة عام بهدف مراجعة مستندات ودراسات السد، للوقوف على آثار السد على دولتي المصب، وقد خلص التقرير النهائي للجنة بأن جميع الدراسات التي تم تقديمها عبارة عن دراسات اولية لا ترقي لمستوي دراسات تنفيذ سد بهذا الحجم، وقد احتوت على العديد من الفرضيات الغير مدققة كما لم تشمل الدراسات الخاصة بتقييم الاثار الجانبية (اقتصادية - اجتماعية) علي دول المصب.
وأصدرت اللجنة الدولية للخبراء (IPOE) تقريرها النهائي في مايو 2013 حيث أوصى شروطهما المرجعية التقرير بإجراء تقييم شامل للآثار الواقعة على دول المصب من خلال دراستين، ودخلت الدول الثلاث (مصر- السودان- اثيوبيا" في مايو 2013 في جولات تفاوض للاتفاق على آلية تنفيذ توصيات اللجنة الدولية، وقامت مصر بمساع مكثفة بهدف دفع مسار التعاون، حتى تم الاتفاق على انشاء اللجنة الوطنية الثلاثية (TNC) في أغسطس 2014 وعقب اجتماع وزارى للدول الثلاث في الخرطوم تم إنشاء لجنة ثلاثية (TNC) تضم أربعة أعضاء من كل دولة لمتابعة وإجراء الدراسات التي أوصى بها التقرير النهائي IPOE خلال فترة 6 أشهر .
وشرعت الدول الثلاث في اختيار مكتب استشارى دولى للقيام بالدراسات المطلوبة، حيث تم عقد 14 اجتماعا للجنة الوطنية الثلاثية كانت خلالها المفاوضات شاقة للغاية، إلى أن تم توقيع عقد الدراسات مع الإستشاري في سبتمبر 2016، وقامت الشركة الإستشارية بتقديم التقرير الإستهلالي في مارس 2017، وافقت مصر على التقرير مع طلب بعض الإيضاحات على خلفية أنه جاء متسقا مع مستندات العقد الخاصة بالدراسات التي أقرتها الدول الثلاث، إلا أن أثيوبيا والسودان طالبتا بإدخال تعديلات جوهرية على التقرير تتجاوز مستندات العقد، وتعيد تفسير بنود أساسية ومحورية على نحو من شانه أن يؤثر على نتائج الدراسات ويفرغها من مضمونها.
ومنذ ذلك الوقت ونحن نسير في دوائر مغلقة سببها الرئيسى التعنت الإثيوبى، فهم لا يريدون الاستجابة ليس فقط للمطالب المصرية السودانية، وإنما للمعايير الدولية الخاصة ببناء السدود على الإنهار.
المراوغة أسلوب إثيوبي قديم
ويلاحظ هنا أن مسألة أمن وأمان السد من المسائل المهمة التي لازال الجانب الإثيوبى يتعامل معها بتجاهل شديد، معتمداً على أسلوب المراوغة المستمر، وأخرها ما تابعناه جميعاً في أعقاب الجلسة الإستثنائية لمجلس الأمن الدولى الخميس قبل الماضى، وهى الجلسة التي كانت كاشفة لمحاولات التضليل والمراوغة الإثيوبية، من خلال كلمة وزير الرى الإثيوبى التي لم تأتى بجديد سوى مزيد من التسويف والأكاذيب، فبعدها خرج علينا رئيس الوزراء الإثيوبى أبى أحمد بتغريدة أقل ما توصف بأنها "كذبة جديدة" تضاف لدفتر الأكاذيب الإثيوبية الملئ، هدفها بكل وضوح هو لى الحقائق.
أبى أحمد المأزوم داخلياً، والمحاصر خارجياً، قال في تغريدته " يمكن أن يكون سد النهضة الإثيوبي الكبير مصدرا للتعاون لدولنا الثلاث وأبعد، أود أن أطمئن الشعبين السوداني والمصري بأنهم لن يتعرضوا أبدا لضرر ذي شأن بسبب ملء السد، لأنه لا يأخذ سوى جزء صغير من التدفق".. مضيفاً: "سد الروصيرص سيكون أكثر قدرة على الصمود ولن يخضع لتقلب شديد في التدفق، وبالتالي فإن المجتمعات المحيطة يجب أن تكون مطمئنة بالازدهار المتبادل".
وقد جاءت تغريدة إبى أحمد ومن قبله حديث وزير الرى الإثيوبى أمام مجلس الأمن ضمن سياق المراوغة والتلاعب الإثيوبى الذى يحتاج إلى وقفة أولاً من المجتمع الدولى، قبل أن نتحدث عن وقفة مصرية سودانية.
مصر جاهزة لكل السيناريوهات
وبعيداً عن كل الذى سبق، فإن السؤال الذى يتردد في الأوساط السياسية والشعبية الآن.. ماذا ستفعل مصر إزاء الموقف الإثيوبى المتعنت؟..
للتوضيح فإن مصر موقفها واضح منذ البداية، أنها لا تقف أمام مطالب إثيوبيا في التنمية، لكن شريطة الا تضر بمصالح دولتى المصب "مصر والسودان"، ومن هنا جاءت المطالب المصرية السودانية المدعومة من المجتمع الدولى، والتى تتحدث عن أهمية أن تستوفى الدراسات الإثيوبية كافة المشاغل الخاصة بسلامة السد اولاً، ثم الاتفاق على مواعيد محددة وقواعد خاصة بملء وتشغيل السد.
ومن خلال رصد الموقف المصرى، يمكننا الوقوف أمام تحركين، الأول سياسى والثانىى فنى.
سياسياً، فقد شهدت مصر خلال الأيام الماضية حالة من الاصطفاف السياسى والشعبى الواسع، خلف القيادة السياسية للدولة ممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسى، ومنحه حق اختيار القرار المناسب في الوقت المناسب، وهو ما عبر عنه المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، الذى وجه في كلمة له الأحد الماضى خلال الجلسة العامة التحية للرئيس السيسي عن جهوده الحثيثة فى هذه الأزمة، كما بشر الشعب المصرى بانتصار عظيم يضاف لسجل الوطنية المصرية بقيادة المواطن المخلص عبد الفتاح السيسي، وقال رئيس مجلس النواب :"تواجه الدولة المصرية تحدياً يتعلق بقيام الدولة الإثيوبية بالشروع في الملء الثاني لسد النهضة على النيل الأزرق، بدون التنسيق مع دولتي المصب مصر والسودان، ولعلنا نتابع التطورات التي تشهدها تلك القضية والتي تكشف عن جهود مخلصة يبذلها الرئيس عبدالفتاح السيسي ومؤسسات الدولة المعنية في توضيح عدالة الموقف المصري إزاء حماية حقوق مصر المائية وأمنها المائي، فمصر لم تقف يوماً في وجه أشقائها ولا في حقهم في التنمية، إلا أنها ترفض المساس بحقوقها المائية، وعلى الرغم من ذلك الموقف المصري المتزن والعادل والمستند على مبادئ القانون الدولي، إلا أن السلوك الإثيوبي في تلك القضية يحمل تعنتاً غير مبرر، وهو أمر ترفضه الدولة المصرية جملة وتفصيلاً لتأثيره السلبي على أمن مصر المائي".
وتابع :"إننا في هذه اللحظة نؤكد على وقوفنا جميعاً خلف القيادة السياسية ومؤسسات الدولة وثقتنا التامة ودعمنا المطلق لخطواتها الحكيمة والحثيثة لحماية حقوق الشعب المصري التاريخية والأصيلة في مياه النيل باعتباره شريان الحياة، كما أننا على يقين بأن الدولة المصرية قادرة على تجاوز هذا التحدي بقوة كما اجتازت غيره عبر تاريخها العريق، وبأننا على موعد مع نصر جديد يضاف لسجل الفخر والوطنية المصرية بقيادة المواطن المخلص الأمين الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية".
الدولة لن تسمح بحدوث أزمة مياه فى مصر
فنياً، يمكن هنا العودة إلى ما قاله وزير الموارد المائية والرى الدكتور محمد عبد العاطى، الذى شارك الأسبوع الماضى في حوار مفتوح بالقناطر الخيرية، بدعوة من الكاتب الصحفى كرم جبر رئيس المجلس الإعلى لتنظيم الإعلام، وجه خلال مجموعة من الرسائل الهامة للداخل وللخارج أيضاً.
الدكتور محمد عبدالعاطي، أكد أن الدولة جاهزة للتعامل مع أى طارئ فيما يخص قطاع المياه، مشيراً إلى أن الوزارة تؤمن الاحتياجات المائية لكافة الاستخدامات، وتقوم بإدارة المياه بأعلى درجة من الكفاءة لتحقيق الاستفادة القصوى من كل قطرة مياه، مشدداً على أن مصر جاهزة للتعامل مع كافة السيناريوهات حول سد النهضة، مؤكدا أن المصريين بكل أطيافهم على قلب رجل واحد، وأن الدولة لن تسمح بحدوث أزمة مياه فى مصر أو حدوث ضرر فى المياه التى تصل إلى مصر، و أن مصر تؤمن بالتنمية لمصر ولجميع دول حوض النيل.
ونوه وزير الرى إلى أن هناك تنسيقا كاملا بين جميع أجهزة الدولة للتعامل حول قضية سد النهضة بلا تسرع فى اتخاذ أى قرار، بل يتم دراسة كافة القرارات التى تخص الأمر بتأنى حتى يتم تحديد الوقت لتنفيذ أى سيناريو، مضيفا أن السدود على مجرى النيل لا ترعب مصر، بل إن مصر تقدم يد العون لدول حوض النيل لبناء السدود المختلفة، وأن أزمة سد النهضة بسبب عدم وجود اتفاق أو تنسيق، ونحن ندعو للسلام والتعاون بين كافة الدول.