هشام السروجي يكتب: حماة النيل جاهزون
السبت، 10 يوليو 2021 08:00 م
تنامي القدرات العسكرية المصرية بين الضرورة والأمن القومي وتأكيد التفوق العسكري
قاعدة 3 يوليو البحرية تضاف نقاط ارتكاز ومراكز انطلاق الدعم اللوجستي للقوات المصرية في البحرين الأحمر والمتوسط
يقول «ألفريد ثاير ماهان» أهم استراتيجي أمريكي في القرن التاسع عشر، إن القوة البحرية هي أساس قوة أي دولة، وأن أية دولة تريد السيطرة على العالم يجب أن تتحكم في قوة بحرية كبيرة، تمكنها من السيطرة على البحار.
كما وضع «ألفريد ثاير ماهان» ستة عوامل أعتبرها الأساس في تكوين القوّة البحرية للدول، وهي الموقع الجغرافي (الإطلال على بحار مفتوحة)، ثم شكل الساحل وامتداده، خصائص الظهير القاري (يجب أن يكون غنياً بالموارد)، وأيضًا الصفات القومية للشعب، وشخصية الحكومة وسياستها، وعدد السكان.
السؤال الآن.. هل تغيرت مفاهيم القوة العسكرية الحديثة للقوة البحرية التي نظر لها "ماهان"، بعد تطور سلاح الجو والقدرات الصاروخية طويلة المدى والباليستية؟
المناوشات التي حدثت وفي أغلب الظن لن تنتهي في شرق المتوسط، وكذلك التي تحدث في قارة آسيا وبالتحديد في بحر الصين، وأيضًا في بحر العرب وغرب البحر الأحمر، كلها تدل على أن أهمية القوة البحرية العسكرية تتنامي ولها انعكاسات ليست بالهينة على السياسة الخارجية للدول، بل تعتبر أهم أدوات القوة السياسية التي تمنح ثقل إقليمي في المحافل الدولية للدولة التي تملك أسطول بحري قوي.
ونشرت «صحيفة فوربس» تقريرًا لـ"إتش ساتون» الكاتب المتخصص في شؤون الدفاع عن تطور القوات البحرية المصرية في مايو 2020، بعنوان "الغواصات الجديدة هي رأس الحربة في توسيع قدرات البحرية المصرية"، أشار فيه إلى أن انضمام الغواصات الألمانية الجديدة إلى أسطول يضم أيضًا حاملتي هليكوبتر كبيرتين من طراز ميسترال تم شراؤها من فرنسا، يعد تطورًا سريعًا في القدرات البحرية المصرية.
وأضاف التقرير "ستبقي القطع البحرية المصرية الجديدة مهيمنة في شمال إفريقيا. في الوقت الذي تقوم فيه قوات بحرية أخرى في شمال إفريقيا، ولا سيما الجزائر والمغرب، بتوسيع قدراتها. ورغم ذلك ستظل القوات البحرية المصرية في وضع منافسة وأقرب إلى قدرات التسليح في كل من اليونان، إسرائيل، وتركيا، واليونان، وإيطاليا، وفرنسا التي لديها جميعها قوات بحرية قوية في المنطقة".
على الأرض، وخلال ثماني سنوات مرت على ثورة 30 يونيو، حاصرت مصر خلالها تحديات أمنية وتصاعدت التوترات السياسية بالمنطقة، فكان لزامًا على القيادة السياسية اتخاذ خطوات واسعة، وسلك كل السبل في حماية الدولة وحدودها وتأمين محيطها الإقليمي.
بدأت مصر في أعقاب ثورة 30 يونيو حربًا ضروسًا ضد جماعات الإرهاب التي هددت وجود الدولة، وبالتزامن مع تلك المعركة، كانت هناك معركة بناء الوطن، الذي تأخر عن ركب التقدم عقودًا حتى تقزم وأصبح يسير في ذيل الأمم، وكان من الضروري أن تتنامى القوة العسكرية المصرية وتتطور طرديًا مع النمو والتطور الاقتصادي والسياسي الذي تخطوهما مصر بخطوات ثابتة وواثقة في محيطها الإقليمي، لتحمي مقدرات الشعب المصري وثرواته داخل وخارج الحدود من التحديات والتهديدات التي تتشابك خيوطها لتوقع به في براثن العنف والفقر.
خلصت القيادة السياسية إلى وضع خطة استراتيجية لتطوير القوات وتنمية قدرتها القتالية، سواء بالتدريب ورفع الكفاءة القتالية وتنويع التسليح وبناء عدد من القواعد العسكرية التي تساهم بقوة في تحقيق الأمن والحماية وضمان التواجد الفعلي في دوائر الأمن القومي لضمانة تأمينها من أي مطامع أو تحركات من شأنها تهديد الأمن القومي.
وعلى الرغم من تطور مدى وسرعات المركبات العسكرية الجوية والبحرية إلا أنه مازال إنشاء قواعد عسكرية، تتسع لفرق قتالية برية وبحرية وجوية، هو أحد أهم الوسائل المتبعة عالميا، خاصة من جانب الدول ذات الثقل الاستراتيجي، من أجل حماية السلام من مركز القوة والقدرة على تنفيذ أي مهام توكل إلى أفرع القوات المتعددة بالقواعد العسكرية للتعامل بحسم وسرعة مع الأهداف، أو أي مصدر تهديد محتمل، بالإضافة إلى الفوائد المكتسبة من اختيار مواقع جغرافية مميزة.
الخصوصية الجغرافية لمصر اكسبتها تأثيرًا سياسيًا طبيعيا، حيث تتمتع بشريط ساحلي يبلغ 2936 كيلو متر، شمالًا البحر المتوسط بطول 995 متر، وشرقًا البحر الأحمر بطول 1941 كيلو متر، وتسيطر على مجري ملاحي يعتبر من بوابة التجارة الرئيسية بين أسيا وأفريقيا إلى أوروبا وهي قناة السويس، ولهذا فرضت هذه الجغرافية أن تتواجد القوة العسكرية المصرية بكثافة في تلك المساحة، حماية لمصالحها الاقتصادية والأمنية، ولعل أزمات محاولات بعض القوى الإقليمية السيطرة على مقدرات الشعب المصري من غاز شرق حوض البحر المتوسط، أبرز هذه التحديات التي مازالت قائمة.
قاعدة برنيس.. حصن الجنوب
اعمالًا لكل النظريات العسكرية سابقة الذكر، كان لزامًا على القيادة المصرية مواكبة التحديات التي تتنامى في المنطقة، ولأن البحر الأحمر له خصوصية وموقع جيوسياسي مميز حيث يطل على مضايق بحرية، ويطل عليه عدد من الدول التي تمثل عمق أستراتيجي لمصر، دشنت قاعدة "برنيس" العسكرية المصرية، التي تضم أفرع أسلحة للبر والبحر والجو، مع متغيرات إقليمية ودولية متلاحقة. وتعزز سرعة ودقة التنفيذ والإنشاء مع التنوع والتعدد في الأغراض من التصنيف العالمي للقوات المسلحة المصرية بين مختلف الجيوش العالمية.
وتقع القاعدة على ساحل البحر الأحمر بالقرب من الحدود الدولية الجنوبية، شرق مدينة أسوان، وتضم قاعدة بحرية وقاعدة جوية ومستشفى عسكريا وعددا من الوحدات القتالية والإدارية وميادين للرماية والتدريب لجميع الأسلحة.
ومن بين المميزات الأبرز لقاعدة "برنيس" العسكرية، أنها تضم رصيفاً تجارياً ومحطة استقبال ركاب وأرصفة متعددة الأغراض وأرصفة لتخزين البضائع العامة وأرصفة وساحات تخزين الحاويات، بالإضافة إلى مطار "برنيس" الدولي ومحطة لتحلية مياه البحر.
ويتمثل الهدف الاستراتيجي لإنشاء قاعدة "برنيس" العسكرية في حماية وتأمين السواحل المصرية الجنوبية، وحماية الاستثمارات الاقتصادية والثروات الطبيعية، ومواجهة التحديات الأمنية في نطاق البحر الأحمر فضلاً عن تأمين حركة الملاحة العالمية عبر محور الحركة من البحر الأحمر وحتى قناة السويس والمناطق الاقتصادية المرتبطة بها.
قاعدة 3 يوليو.. أحدث القواعد البحرية المصرية
المؤكد أن ليبيا أحد محاور العمق الاستراتيجي المصري، كما أن التماس الجغرافي جعلها أحد مصادر تأمين أو تهديد الأمن القومي، والحفاظ على أمن دول الجوار يعتبر ثابت من ثوابت النظريات الأمنية والعسكرية الدولية وليس في مصر فقط، بالإضافة إلى جهود الدولة في مكافحة الهجرة غير الشرعية، ومكافحة الإرهاب العابر للحدود، والمحاولات المستمرة في جعل الآراضي الليبية بؤرة تجمع العناصر المتطرفة، فرضت على مصر اتخاذ إجراءات تأمين على أعلى المستويات العالمية من الجهوزية والتطور، لذا كان إنشاء قاعدة عسكرية في منطقة "النجيلة" على مسافة 70 كيلومتراً غرب مدينة مرسى مطروح، ثم تدشين قاعدة جربوب "٣ يوليو" على مساحة 2650 فدان، وهى مساحة تعادل مساحة قاعدة برنيس 4 مرات، وهو ما يجعلها أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط في اتجاه الغرب، حيث ستعمل البحرية غربي مطروح، على تأمين الجزء الغربي من الساحل الشمالي المصري على البحر المتوسط.، وبها 22 كيلو طرق.
السؤال المطروح حالياً، لماذا تلجأ لمصر لبناء وتدشين القواعد البحرية؟.. بالتأكيد أن بناء هذه القواعد يأتي في إطار خطة التطوير الشاملة للقوات البحرية المصرية، وهذه القواعد ستكون نقاط ارتكاز ومراكز انطلاق للدعم اللوجستي للقوات المصرية في البحرين الأحمر والمتوسط.
وتجمع قاعدة 3 يوليو أكبر مجمع للوحدات البحرية وبها أكثر من 70 وحدة بحرية و47 قطعة بحرية كما يوجد بها مزارع مساحتها من 300 إلى 500 فدان تم زراعتها تين وزيتون باعتبارها مورد هام من موارد الدولة، ووفقا لتوجيه القيادة السياسية بتصديرها نظرا لتواجد ميناء تجاري في غرب القاعدة.
وتم تنفيذ القاعدة على 6 محاور رئيسية منها: المحور الأول ومقسوم لـ3 أجزاء يتسع لـ300 مقاتل فرد ضابط وبه وحدة تحكم رئيسي واتصال سلكي ولاسلكي، ومرئية، المحور الثاني: مقسوم ل3 أجزاء بها منطقة لوجستية طبية وميس طعام تسع ل1000فرد مقاتل على جانب مباني تحيا مصر وبها عنابر إعاشة للأفراد على أعلى مستوى، إلى جانب المحاور الباقية تضم 5 منشأت منها فصول تعليمية، ومباني تدريبات مشتركة، مخازن إدارية، مسجد يسع لـ600 مصلي، وفندق كامل يضم كافة الأنظمة الحديثة ويسع لـ1200 ضابط، ويوجد برج مراقبة لمراقبة حركة تحكم السفن في مساحات كبيرة في البحر المتوسط .
كما يوجد داخل قاعدة 3 يوليو البحرية ميناء تجاري ثاني ميناء بحري بعد ميناء قاعدة برنيس البحرية وتعد نقطة ارتكاز لدول شر أوروبا ويصدر منها الملح لأمريكا وكندا بنسبة 30%، وقد استغرق بناء قاعدة 3 يوليو البحرية عامان ونصف بعمق 14كيلو والواجهة في اتجاه الغرب يبلغ مساحتها 2800 كم وفي اتجاه الشرق يبلغ مساحتها 2200كم.
قاعدة محمد نجيب
وسبق أن دشنت القوات المسلحة المصرية قاعدة "محمد نجيب" العسكرية عام 2017، لتحل محل المدينة العسكرية بمنطقة الحمام، التي تم إنشاؤها عام 1993، مع دعمها بوحدات إدارية وفنية جديدة وإعادة تمركز عدد من الوحدات التابعة للمنطقة الشمالية العسكرية بداخلها بما يعزز من قدرتها على تأمين المناطق الحيوية، بنطاق مسؤوليتها غرب مدينة الإسكندرية ومنطقة الساحل الشمالي، والتي من بينها محطة الضبعة الكهروذرية، وحقول البترول وميناء مرسى الحمراء ومدينة العلمين الجديدة وغيرها.
وأنشأت القوات المسلحة المصرية جميع مباني الوحدات المتمركزة بالقاعدة بإجمالي 1155 مبنى ومنشأة، وعملت على تطوير وتوسعة الطرق الخارجية والداخلية بالقاعدة بطول 72 كم، كما تم إنشاء 72 ميدانا متكاملا شملت مجمعا لميادين التدريب التخصصي وميادين الرماية ومجمعا لميادين الرماية التكتيكية الإلكترونية باستخدام أحدث نظم ومقلدات الرماية، وتطوير ورفع كفاءة وتوسعة منصة الإنزال البحري بمنطقة العميد.
قاعدة شرق بورسعيد
تقوم القوات المسلحة المصرية ببناء قاعدة "شرق بورسعيد" البحرية المُطلة على المدخل الشمالي لقناة السويس على البحر المتوسط، وتوفر الحماية والتأمين اللازمين للمنطقة الاقتصادية وميناء ومدينة شرق بورسعيد، إلى جانب تأمين الملاحة في الجزء الشمالي من قناة السويس، والسواحل الشمالية لشبه جزيرة سيناء المصرية حتى ميناء العريش.
قاعدة الإسكندرية
في أكتوبر من العام 2017 قام الرئيس عبد الفتاح السيسي برفع العلم على قاعدة الإسكندرية البحرية بعد تطويرها وفقًا لأحدث معطيات العصر من منظومات قتالية وفنية، كذلك ٤ وحدات بحرية جديدة هى حاملة المروحيات أنور السادات من طراز (ميسترال) والغواصتين ٤١ و٤٢ من طراز (٢٠٩ / ١٤٠٠)، والفرقاطة الشبحية الفاتح من طراز (جوويند) إيذانًا ببدء مهامها فى فرض السيادة المصرية على المياه الإقليمية والاقتصادية، كما تفقد الرئيس مجمع المحاكيات ومجمع الأرصفة وهنجر الغواصات بقيادة القوات البحرية، وشاهد الرئيس فيلمًا تسجيليًا حول بطولات وإنجازات القوات البحرية المصرية، وقام سيادته عقب ذلك بجولة تفقدية بقاعدة الإسكندرية شملت مُجمع المحاكيات، والذي يُعد السابع من نوعه على مستوى العالم، وهنجر الغواصات الذي يمثل الأول في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى المنشآت الجديدة التي تم إقامتها بالقاعدة.
وفي أبريل 2021 وصلت إلى قاعدة الإسكندرية البحرية الفرقاطة «برنيس» من طراز (فریم بيرجامینی)، لتنضم لأسطول القوات البحرية، إذ تم بناؤها بشركة (فينكانتييرى) الإيطالية وفقًا لأحدث النظم العالمية في منظومات التسليح والكفاءة القتالية.
وتعد «برنيس» الفرقاطة الثانية التي تنضم لأسطول القوات البحرية بعد انضمام فرقاطة «الجلالة»، وقد تم التعاقد عليهما بين مصر وإيطاليا، وتتمتع الفرقاطة «برنيس» بالعديد من الخصائص التقنية ومنظومات التسليح الحديثة التي تمكنها من تنفيذ جميع المهام القتالية بالبحر، حيث تتميز بالقدرة على الإبحار لمسافة (6000) ميل بحرى، وتعتبر إضافة تكنولوجية هائلة لإمكانات القوات البحرية لدعم قدرتها على تأمين الحدود وخطوط الملاحة البحرية ومساندة وحماية القوات البرية بطول الساحل خلال العمليات الهجومية والدفاعية، وتأمين مصادر الثروات الطبيعية المختلفة للدولة بالبحرين المتوسط والأحمر، وتم إعداد وتأهيل الأطقم التخصصية والفنية العاملة على الوحدة الجديدة في توقيت قياسى، من خلال برنامج تدريبى متزامن تم تنفيذه على مرحلتين بمصر وإيطاليا، ليكونوا قادرين على تنفيذ كل المهام.
وإضافة إلى القواعد العسكرية السابق ذكرها، فإن مصر لديها العديد من القواعد البحرية، من أهمها قواعد الإسكندرية (راس التين – أبو قير)، وبورسعيد، والسويس، وسفاجا، ومطروح (قاعدة لنشات)، والرصيف الحربي في ميناء دمياط، والرصيف الحربي في ميناء الغردقة، والرصيف الحربي في ميناء شرم الشيخ.