طلال رسلان يكتب: القاهرة ترسم خريطة أفريقيا
السبت، 26 يونيو 2021 10:00 م
التحركات المصرية بالتوازي مع الخطاب السياسي الجديد الذي رسخه الرئيس السيسي أعاد مياه العلاقات مع دول القارة الأفريقية لمسارها الطبيعي
على مدار سبع سنوات ماضية، تحولات كبيرة من التهميش والفتور إلى التقارب والمصالح المشتركة الكبرى، شهدتها العلاقات المصرية الأفريقية، في تحول تام إلى مرحلة العودة إلى العمق الأفريقي، بل رسمت القاهرة خريطة جديدة للقارة السمراء قائمة على التعاون والتنمية والنهوض.
أجندة مصرية جديدة للعلاقات الخارجية كانت أفريقيا أحد أعمدتها الاستراتيجية، وزيارات رئاسية متعاقبة لأول مرة أعادت إلى مصر دورها الريادي في القارة الأفريقية، وقطعت خلالها أشواطا أكثر عمقا بشأن ملف التقارب مع دول أفريقيا، ومن ثم تدشين خريطة تنمية بالتوازي مع بناء العلاقات الثنائية والتعاون المشترك، لتكون القاهرة حاضرة من جديد وبقوة في عشرات المحافل الدولية كممثل لأفريقيا، مستعيدة لميراث قيادة القارة وشعوبها.
أعلنت مصر بداية عهد جديد من العلاقات مع القارة السمراء ومساندة الأشقاء في خريطة التنمية الأفريقية. أكثر من 150 اجتماعا عقدها الرئيس عبد الفتاح السيسي مع مسئولين وقادة أفارقة تبادلوا الزيارات مع القاهرة، لتؤكد على الخطى المصرية الثابتة نحو القارة الأفريقية، أفضت إلى عودة عضوية مصر في الاتحاد الأفريقي تحديدا في يونيو 2014، انتقالا إلى حصولها علي عضوية مجلس السلم والأمن الأفريقي لمدة 3 سنوات، ومع توالي الأحداث ترأست لجنة المناخ في الاتحاد الأفريقي لعامين، إضافة إلي حصول القاهرة على العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي، ومن ثم رسم مسارات لعديد من القضايا والملفات التي تشكل أجندات دول القارة، واستضافتها لوكالة الفضاء الأفريقية، والمركز الإقليمي لإعادة الاعمار بعد النزاعات، وفي 2015 قررت رواندا إعادة فتح سفارتها في مصر بعد إغلاق دام أكثر من 15 عاما.
"عازمون على عودة مصر إلى مكانتها، والإسهام الفاعل مع بقية دول القارة فى مواجهة التحديات المتربصة بنا، لاسيما الإرهاب والجريمة المنظمة والأوبئة وتدهور البيئة".. قالها الرئيس السيسي ليعلن من خلالها الانطلاق على رسم استراتيجية غير مسبوقة لعلاقات مصر الأفريقية، ومن بعدها حرص على تمثيل القارة في المحافل الدولية الكبرى حاملًا هموم وآمال شعوب أفريقيا في حياة كريمة.
محافل دولية كبرى كانت مصر فيها حاضرة وبقوة ممثلة لأفريقيا، نقلت خلالها من القضايا المهمة العالقة في طريق تنمية القارة، وفتحت من خلالها جسورا من الثقة لدفع عجلة الاستثمارات، وحجرا في مياه العلاقات الراكدة، وخططا جديدة في إعادة البناء، بداية من مؤتمر ميونخ للأمن في دورته الـ 55 فبراير، ومنتدي الحزام والطريق، والقمة الصينية الأفريقية، وقمة مجموعة العشرين، إضافة إلى قمة مجموعة الدول السبع الكبرى، وقمة تيكاد 7، مرورا بأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 74، والقمة الروسية- الأفريقية، والقمة الألمانية – الأفريقية، عقد المؤتمر الاقتصادي الأفريقي في مصر ديسمبر 2019، وصولا إلى قمة الاستثمار البريطانية الأفريقية.
في الجانب الاقتصادي، قدمت الحكومة المصرية دعما لشركات كبرى لضخ الاستثمارات القارة الإفريقية، وكانت جسرا للحوار مع حكومات أفريقيا تزامنا مع تفاهمات ومشاورات متواصلة بين الدول الأفريقية للوصول إلى صياغات تشريعية وقانونية وأطر تقوم على أساسها عملية تنظيم الاستثمار الأجنبى، انتقالا إلى لعب دور أكثر عمقا في دعم الاستثمارات من خلال دفع المؤسسات المالية العالمية مثل البنك الدولى وبنك التنمية الأفريقى لتمويل مشروعات داخل بلاد القارة السمراء وعلى رأسها السودان، إلى جانب الخطوات التي اتخذتها القاهرة في فتح أسواق جديدة لتنمية الصادرات المصرية، وتصدرت كل من كينيا وجنوب أفريقيا وإثيوبيا قائمة الدول الأفريقية من حيث التبادل التجاري، بينما تستحوذ الصادرات المصرية لدول أفريقيا على نسبة تتراوح من 5%- 8% سنويًا من إجمالي صادرات مصر، ونظمت مصر العديد من المنتديات والفعاليات الأفريقية، أبرزها منتدى أفريقيا بنسخه الأربعة 2016، 2017، 2018، 2019 الذي تم عقده في مدينة شرم الشيخ المصرية، والذي يمثل فرصة مميزة للمسؤولين الأفارقة والقادة والمؤسسات المالية الدولية لمناقشة التحديات والفرص التي تواجه القارة الأفريقية، وجذب مزيد من الاستثمارات لدول القارة، للمساهمة في تنميتها.
سياسيا وعسكريا، أولت مصر وجهها شطر أمن القارة الأفريقية وتحقيق الاستقرار ومكافحة الإرهاب بالتوازي مع الثورة التنمية الكبرى، ومن ثم لزم الأمر التحرك نحو اتفاقيات السلام بين الأطراف المتنازعة والحد من مخاطر الهجرة غير الشرعية، إلى جانب توفير التدريب الأمني والتدريبات العسكرية المشتركة، بداية من ضمان أمن ليبيا باعتبارها أمنا قوميا مصريا، من خلال دعم القضايا الليبية في كافة المحافل الدولية للتأكيد على الحسل السياسي ووحدة وسيادة الدولة الليبية وتجميع شتات الفرقاء الليبيين، وصولا إلى الزيارة الأخيرة لرئيس المخابرات المصرية، اللواء عباس كامل، إلى العاصمة الليبية طرابلس في زيارة رسمية لبحث العلاقات المشتركة بين البلدين، والتقى خلالها ، برئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبد الحميد دبيبة، حيث تناول اللقاء سبل تعزيز العلاقات المشتركة بين البلدين والتعاون في مختلف المجالات، واطلع رئس المخابرات المصرية، على نتائج زيارة الوفد المصري لطرابلس في مايو الماضي، وآلية التنسيق بشأن تفعيل كافة الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، وذكر المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة أن اللقاء أشار إلى الدور الإيجابي لمصر في تعزيز المصالحة بين الأطراف الليبية بما يُعزّز الأمن والاستقرار في المنطقة، كما تم التنسيق لزيارة رئيس حكومة الوحدة الوطنية إلى مصر؛ لتفعيل اللجنة المشتركة العليا الليبية المصرية واستكمال ما تم الاتفاق عليه في المجالات كافة.
في أبريل 2019 قادت مصر قمة تشاورية للشركاء الإقليمين للسودان وبحثت التطورات في الدولة الشقيقة السودان، في موقف واضح لدعم العملية الشاملة للتحول الديمقراطي السلمي، وأفضت الاجتماعات وقتها إلى تمديد مهلة الاتحاد الأفريقي للمجلس العسكري السوداني، والتأكيد على أهمية رفع اسم السودان من قائمة رعاية الإرهاب، وهو ما نادت به مصر خلال المحافل الدولية.
ومن خلال موقع مصر كعضو غير دائم في مجلس الأمن، شغلته مصر للمرة السادسة وهو المقعد الذي يتم شغله لعامين متتاليين وعملت مصر خلال تلك الفترة على إدراج قضية مكافحة الإرهاب الدولى على قائمة جلسات مجلس الأمن، ونجحت مصر في استصدار القرار رقم 2354 من المجلس بإجماع الآراء حول الإطار الدولي الشامل لمكافحة الخطاب الإرهابي، وقرار رقم 2370 بإجماع الآراء حول منع حصول الإرهابيين على السلاح، واعتماد قرار مجلس الأمن رقم 2286 بشأن الرعاية الطبية خلال النزاعات المسلحة، انتقالا إلى استضافة مصر مؤتمر نواب العموم بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا (فبراير 2019)، وتم فيه توضيح رؤية مصر لمكافحة الإرهاب، والتأكيد على أهمية دور جمعية نواب العموم الأفارقة، في العمل على رفع كفاءة أجهزة الادعاء في القارة وبناء قدرات أعضائها، والدعم المصري لدور الجمعية.
انتقالا إلى عقد ولأول مرة في القاهرة اجتماعات خبراء اللجنة الوزارية للدفاع والأمن والسلامة الأفريقية في ديسمبر 2019، بهدف توحيد القرارات لإيقاف أية تهديدات وبحث قضايا السلم والأمن وتطوير القوة الأفريقية الجاهزة، وقدرتها على الانتشار السريع، لتنفيذها من قبل الدول الأعضاء، والمجموعات الاقتصادية الإقليمية، والآليات الإقليمية ومنع النزاعات وادارتها وتسويتها، واستضافة المركز الإقليمي لإعادة الإعمار بعد النزاعات، ووقعت مصر الاتفاقية في ديسمبر2019، والذي اقترحت مصر إنشاؤه في فبراير من نفس العام، ويهدف إلى إعداد برامج مخصصة للدول الخارجة من النزاعات تتفق وخصوصية كل دولة، الحفاظ على ملكيتها، وبناء قدرات مؤسسات الدول.
وقدمت القاهرة اقتراحا بشأن إنشاء قوة أفريقية لمكافحة الإرهاب، وهو الأمر الذي لقي ترحيبًا من القادة الأفارقة، كما استضافت القاهرة اجتماع رؤساء أركان جيوش دول الساحل الخمس “موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو” يوم 9 فبراير 2020، وناقش الاجتماع آليات تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب وتبادل الخبرات والتجارب في مجالات الأمن والدفاع.
إعلان مصر إنشاء المركز الإقليمي لمكافحة الإرهاب لمجموعة دول الساحل والصحراء، في يونيو 2018 وهو مسؤول عن تبادل الخبرات الأمنية بين الدول الأفريقية والتنسيق لإجراء تدريب مشترك دوري في مجال مكافحة الإرهاب، وبالتالي تحقيق التنمية وجذب الاستثمارات.
تم انتخاب مصر ثلاث مرات لعضوية مجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي وآخرها في الفترة من 2020 – 2022، وفي أبريل 2020، وافق البرلمان المصري على قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 145 لسـنة 2020 بشأن الموافقة على المعاهدة المنقحة لإنشاء تجمع دول الساحل والصحراء، للمحافظة على السلم والأمن والاستقرار في منطقة الساحل والصحراء، وتفعيل دور مركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات وحفظ السلام وآخرها توقيع برتوكول مع مكتب الأمم المتحدة لسيادة القانون والمؤسسات الأمنية التابعة لإدارة عمليات السلام الأممية في مجال الوقاية من الطرف والتشدد ونزع السلاح وإعادة الإدماج في أفريقيا.
في النهاية يمكن القول بأن تحركات الدولة المصرية بالتوازي مع الخطاب السياسي الجديد الذي رسخه الرئيس عبد الفتاح السيسي تجاه دول القارة الأفريقية، أعاد مياه العلاقات مع دول القارة الأفريقية إلى مسارها الطبيعي، مع الوضع في الاعتبار العمل على ترسيخ التأكيدات المصرية انطلاقا من خطاب الرئيس السيسي فى كل المحافل والمناسبات على واستراتيجية علاقات مصر في أفريقيا، والحرص على مزيد من التحركات الأكثر عمقا وترسم خريطة الانفتاح على دول القارة المختلفة، ومن ثم تدشين مسارات جديدة للعلاقات الثنائية والتعاون المشترك، لتصبح مصر رقما مهما في المعادلة الأفريقية بل والمحرك الأساسي لخطط التنمية بما يسم في إعادة ميراث القيادة مع الدول الأفريقية.