يوسف أيوب يكتب: مصر واليونان.. تأكيد على نجاح سياسة مصر الخارجية الداعمة للتنمية والتحول للجمهورية الجديدة
السبت، 26 يونيو 2021 11:00 م
في إبريل 2015 استقبلت القاهرة الرئيس اليونانى بروكوبيس بافلوبولوس بعد شهرين من انتخابه، وخلال هذه الزيارة التي التقى خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسى، أجريت حواراً مع الرئيس اليوناني تم نشره في الزميلة "اليوم السابع"، وكان أول سؤال وجهته للضيف عن أهداف الزيارة، فكان رده: "أننا نريد من خلال هذه الزيارة التأكيد على الأهمية التى تعطيها الحكومة اليونانية لمصر من خلال ثلاثة محاور، المحور الأول أن الدولتين يجمعهما تاريخ مشترك يعود لأكثر من أربعين قرنًا، وهناك عدد كبير من اليونانيين يعيشون ويعملون فى مصر، كما أن التاريخ أثبت أن البحر المتوسط لم يفرق بين مصر واليونان، وكانت الدولتان متجاورتين وتعاونتا عبر التاريخ والأزمات، لكن الأهم هو أننا كدولة عضو فى الاتحاد الأوروبى نؤمن بأن مصر تلعب دورًا خاصًا، ليس فقط داخل العالم العربى، إنما داخل العالم الإسلامى أيضًا، وتاريخ مصر وإمكانياتها يسمحان لها بأن تلعب دورًا خاصًا وكبيرًا لمحاربة الإرهاب والهجرة غير الشرعية".
تذكرت ما قاله بروكوبيس بافلوبولوس الذى ترك منصبه في 13 مارس 2020، حينما تابعت زيارة رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس للقاهرة الأسبوع الماضى، ولقاءه مع الرئيس السيسى، ثم عقده للقاء مع الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء، ثم زيارته للإسكندرية التي طاف خلالها بالمكتبة ومقر بطريركية الإسكندرية وسائر أفريقيا.
فما قاله الرئيس اليوناني قبل 6 سنوات، هو تأكيد لما تقوم به اليونان في الوقت الحالي تجاه تطوير علاقاتها مع مصر، ليس فقط على المستوى الثنائى، وإنما التوصل إلى رؤئ مشتركة تجاه الأزمات والمشاكل التي تواجه الأقليم، خاصة مع وجود يقين يونانى راسخ بأن مصر هي محور اساسى لاستقرار وأمن المنطقة.
زيارة رئيس وزراء اليونان، جاءت في توقيت بالغ الأهمية، كونها تزامنت مع التطورات التي تشهدها العلاقات بين القاهرة وأثينا، التى شهدت نموا ملحوظا فى حجم التعاون والتنسيق المشترك حيال العديد من القضايا، سياسيا واقتصاديا وعسكريا على المستوى الثنائى أو فى إطار آلية التعاون الثلاثى بين مصر وقبرص واليونان، الذى يمثل نموذجا للعمل والتعاون الإقليمى، خاصة مع العلاقة الخاصة التى تربط الشعبين المصرى واليونانى، والتى تمثلت فى تقارب ثقافى واجتماعى، بالإضافة إلى دخول المشروع الكبير الخاص بتنمية منطقة شرق المتوسط مراحل مهمة، بدعم مصري يونانى قبرصى، كان من نتاجه أن الدول الثلاثة استطاعوا الحفاظ على ثروات هذه المنطقة الحيوية، وهو ما دفع دولاً أخرى للدخول إلى هذا المحور الذى لا يستهدف سوى التنمية وتحقيق رخاء اقتصادى لدول المنطقة، وكانت البداية من خلال إطلاق منتدى غاز شرق المتوسط الذى اختيرت القاهرة مقراً له، وأصبح من المنتديات أو المنظمات الأقليمية ذات الفاعلية في سوق الغاز الطبيعى بالعالم.
الواقع يؤكد أن الدولة المصرية بداية من 2013 بدأت في إعادة صياغة سياستها الخارجية تجاه الانفتاح على الجميع، وأن تكون المصلحة العامة هي الهدف الأسمى الذى يسعى له الجميع، ومن هنا جاء الاهتمام المصرى بالدائرة المتوسطية، وفق رؤية واستراتيجية جديدة، تعتمد على الفعل وليس مجرد طرح الأفكار، أخذاً في الاعتبار أن هذه المنطقة بحكم الجغرافيا والتاريخ تعد من الدوائر القريبة جداً لمصر، بل مكملة لدوائر الأمن القومى المصرى، لكن للأسف الشديد، جرى تهميشها في الماضى، واقتصارها على مجموعة من الدول التي أراد بعض صناع القرار في مصر أن تكون هي فقط محور التحرك والتعامل، وتجاهل الباقيين، وهى نظرة مغلوطة، أدت إلى ترك المنطقة مستباحة لأطراف إقليمية ودولية زادت أطماعها واعتبرت ثروات المتوسط وتحديداً "شرق المتوسط" هدفاً خالصاً لها، وهى النظرة التي تغيرت تماماً بعد 30 يونيو 2013، وبالتحديد بعد انتخاب الرئيس السيسى رئيسا لمصر، فقد أعاد الرئيس السيسى ترتيب أولويات الدولة المصرية، وتوسيع نطاق ودوائر الأمن القومى، وهو ما لاحظناه ليس فقط تجاه منطقة شرق المتوسط، وإنما امتدت إلى أفريقيا والدائرة الإسلامية، بالإضافة إلى مد جسور التعاون مع قوى أخرى دولية لم تكن يوماً في حسبان صانع القرار المصرى.
من نتاج هذا الفلسفة او الاستراتيجية الجديدة للدولة المصرية، هو إعادة تقوية العلاقات المصرية اليونانية، بالإضافة إلى قبرص، فظهرت آلية التعاون الثلاثى، التي انتجت الكثير من المشروعات المشتركة التي حققت استفادة واضحة لشعوب الدول الثلاثة، فضلاً عن توحيد الرؤى تجاه قضايا إقليمية ودولية، وهو ما لفت أنظار دولاً كثيرة، بدأت تراقب وتتابع تحركات الدول الثلاثة، وحينما أدركت حقيقة أن هذه التحركات أنها لا تستعدى أحد وإنما محورها الاساسى هو التنمية والاستقرار للجميع، انهالت على الدول الثلاثة مطتالب من دول أخرى متوسطية تريد الانضمام إلى هذه الآلية، وهو ما اعتبره نجاحاً للدولة المصرية وللرئيس السيسى شخصياً الذى لديه إيمان قوى وراسخ أن مثل هذه التحركات هي ما تحتاجه ليس مصر فقط، وإنما كل دول المنطقة.
بالعودة إلى زيارة رئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس للقاهرة، فقد كان واضحاً للجميع التوافق المصرى اليوناني حول الوضع فى منطقة شرق المتوسط والقائم على ضرورة التزام كل الدول باحترام القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ عدم التدخل فى الشؤون الداخلية واحترام السيادة والمياه الإقليمية للدول، وكذلك حول الوضع فى ليبيا وأهمية دعم المسار السياسى وصولا لانتخابات ديمقراطية نهاية العام، مع التأكيد على "أهمية خروج كل القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضى الليبية، وتفكيك الميليشيات المسلحة بما يضمن استعادة عودة ليبيا لأبنائها، واستعادتها لسيادتها ووحدة أراضيها واستقرارها".
وكذلك التوافق بشأن أهمية التوصل إلى اتفاق قانونى عادل ومتوازن حول ملء وتشغيل سد النهضة، بما يحقق مصالح الدول الثلاث، ويحافظ على الاستقرار الإقليمى، مع التأكيد على ضرورة المجتمع الدولى بدور جاد فى هذا الملف، فضلًا عن إبراز حسن النية والإرادة السياسية اللازمة من كافة الأطراف فى المفاوضات الحالية.
ووفقاً لخبراء اقتصاد فإن اليونان مدخل جيد للمنتجات المصرية إلى سوق ممتد في شرق أوروبا وهو سوق يعتمد في سد احتياجاته الاقتصادية على الاستيراد بشكل كبير، لذلك فإن التعاون المصرى اليوناني يمتد من خلال مجموعة دول أوروبية ذات علاقات تاريخية مع اليونان، ويمكن أن يخلق أسواق جديدة للأسواق المصرية في كل من صربيا أو بلغاريا أو البوسنة والهرسك أو الجبل الأسود، ويؤكد ذلك أن اليونان شريك فعال مع أوروبا يمكن أن تكون جسر لمصر إلى الاتحاد الأوروبى، وهناك سياسات مشتركة بين البلدين خاصة فيما يتعلق بحسن الجوار والعمل على إنهاء النزاعات، بالإضافة إلى تعزيز قدرات البلدين الأمنية والعسكرية والتعاون من أجل الحفاظ على الموارد الطبيعة والاستفادة منها وفقا للقانون الدولى.
ومن واقع رصد لتصريحات المسئولين المصريين واليونانيين، فمن الواضح أن هناك تركيز على تعزيز العلاقات على المستوي الثنائي لاسيما فيما يتعلق بتفعيل التعاون في مجال الطاقة، والربط الكهربائي عبر جزيرة "كريت"، والعمل مع الحكومة اليونانية لتصدير الفائض من الغاز الطبيعي إلى أوروبا، خاصة في ظل تأكيدات رئيس الوزراء اليوناني بأن مصر على قائمة الدول التي تحرص اليونان علي التعاون معها في مجال الطاقة.
ويؤكد ذلك ما قاله كرياكوس ميتسوتاكيس، في تغريده نشرها مساء الاثنين الماضى على حسابه الرسمى بموقع تويتر، بقوله: أعلق أهمية كبيرة على توصيل الكهرباء بين اليونان ومصر، من خلال كبل بحري عالي السعة سينقل إلى اليونان وأوروبا الكهرباء التي سيتم إنتاجها حصريًا من مصادر متجددة.
إذا نظرنا إلى هذه الجزئية سنجد أن التعاون بين البلدين أخذ مسارات تنفيذية على الأرض، خاصة مع تأكيد القاهرة وأثينا على أهمية تحقيق طفرة نوعية في كافة جوانب العلاقات بين البلدين، خاصةً زيادة قيمة التبادل التجاري وتشجيع تدفق الاستثمارات اليونانية وتفعيل التعاون في قطاع الطاقة سواء فيما يتعلق بمشروعات الربط الكهربائي أو في مجال الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى دعم التعاون السياحي والاستفادة من الخبرات المتراكمة لدى البلدين في هذا القطاع المهم، والعمل على استئناف حركة البواخر السياحية بين موانئنا في أقرب فرصة.
إذا أخذنا زيارة كرياكوس ميتسوتاكيس، وما تلاها من تصريحات واتفاقات بين البلدين، سنصل إلى النتيجة المنطقية التي تؤكد أن مصر نجحت تحت قيادة الرئيس السيسى في صياغة سياسة خارجية محورها الاساسى تحقيق التنمية والاستقرار للجميع، والابتعاد عن "الشعارات" والتركيز على الأفعال، حتى يلمس المواطنين نتاج ما يحدث على الأرض، وأعتقد أن المصريين يدركون جيداً هذه الحقيقة، لذلك نراهم مصطفين خلف القيادة المصرية التي وثقوا فيها، وأدركوا أنها تعمل لصالحهم، ولا تبغى شيء سوى أن تتحول مصر إلى "جمهورية جديدة" يستحقها الشعب المصرى الذى عانى لسنوات كثيرة، وأن الأوان لكى ينعم بالرخاء والتنمية.