مصطفى محمود وخالد منتصر..لا يستويان مثلاً
الإثنين، 21 يونيو 2021 12:30 م
كلاهما تخرج فى كلية طب قصر العينى، واتجه إلى الإعلام والكتابة. الأول اختار أن يكون مفكرًا باحثًا عن الحقيقة، لاهثًا وراء العلم والإيمان، مُحبًا للخير وخادمًا للفقراء. والثانى آثر أن يكون ساخرًا شتامًا مُدعيًا واهمًا مثيرًا للجدل والصخب. وشتان الفارق بين الاثنين، لا يستويان مثلا.
كان الدكتور مصطفى محمود 1921 – 2009 كاتبًا ومفكرًا وفيلسوفًا وإعلاميًا بارزًا من الطبقة الأولى. وفى كتاباته الغزيرة والعميقة والمتنوعة، لم يلجأ يومًا إلى السطو على أفكار غيره، بل كان هو نفسه، بكل تقلباتها وتحولاتها، من الإيمان إلى الإلحاد، ومن الإلحاد إلى الإيمان. وفى كلًّ.. كان عفَّ القلم واللسان، لم ينسَ يومًا أنه طبيبٌ، ولم ينسَ أنه من طين مصر وترابها، كما لم ينس أنَّ للعلم احترامه، وأنَّ للأخلاق قيمتها، ولم يُضبط يومًا مُتلبسًا بسرقة كتابات وأفكارغيره، كما لم يُضبط مرة مُبتذلاً حتى مع خصومه الذين كانوا يشتدون معه وعليه فى الخصومة، عندما تحيد أفكاره يمينًا أو يسارًا.
كان مصطفى محمود يحصل على القليل جدًا، نظير مقالاته فى صحيفتي: "الأهرام" و"الأخبار".
عندما لم تتلوثْ أخلاقُ المصريين، كانوا يحتشدون مساءَ كل اثنين، أمام حلقة جديدة من برنامج "العلم والإيمان"، ليقدم مصطفى محمود لهم، بأسلوبٍ راقٍ وبسيط وسهل ، كلَّ ما هو جديد وغريب، من فنون العلم وحقائقه وأسراره، رابطًا العلم بالإيمان، كان يرى العلم طريقًا مضمونًا للإيمان، كان يجد في الإيمان المنقذ من الضلال والضياع في صحارى الشك والتيه.
من يُعد مشاهدة حلقات "العلم والإيمان"، هذه الأيام، يكتشف أنَّ الرجل في كثير منها كان يستشرفُ المستقبل. تبدو حلقات البرنامج الأشهر، كأنها سُجلتْ منذ قليل وليس قبل سنوات طويلة. اشترى مصطفى محمود قطعة أرض من عائد أول كتبه "المستحيل"، وأنشأ به مسجدًا بحى المهندسين بالجيزة، وألحق به 3 مراكز طبية ومستشفى، لأنه كان مُحبًا للخير، عطوفًا على الفقراء والمرضى، فلا يشعرُ بألم المرض إلا طبيبٌ.
كان مصطفى محمود عفَّ الضمير واللسان والقلم والأخلاق، ما دفع المفتى الأسبق الدكتور نصر فريد واصل إلى أن يقول عنه: "الدكتور مصطفى محمود رجلُ علم وفضل ومشهودٌ له بالفصاحة والفهم وسعة الإطلاع والغيرة على الإسلام، فما أكثرَ المواقفَ التي أشهر قلمه فيها للدفاع عن الإسلام والمسلمين والذود عن حياض الدين ، وكم عمل على تنقية الشريعة الإسلاميّة من الشوائب التي علقت بها، وشهدت له المحافل التي صال فيها وجال دفاعًا عن الدين".
على الشاطيء الآخر من النهر..يقف الطبيب خالد منتصر، حيث يسير بقوة رهيبة في الاتجاه المخالف لمصطفي محمود، فكرًا وسلوكًا وشِرعة ومنهاجًا.
يتخذ خالد منتصر من انتسابه للطب طريقًا للنيل من الدين، والاستهزاء به من طرف خفى أو مباشر، مُستغلاً في سبيل ذلك الفضاء الإلكتروني الواسع الذي لا يميز بين الخبيث والطيب.
في الوقت الذى كان مصطفى محمود يدرك فيه أن قيمة الإنسان هي ما يضيفه إلى الحياة بين ميلاده وموته، فإن المذكور آنفًا يرى أن قيمة الإنسان هى قيمة ما يضيفه إلى جيوبه وخزائنه، مهما كانت الوسيلة، يتخذ من القاعدة الميكافيللية: "الغاية تبرِّرُ الوسيلة"، ويبدو ذلك في برامجه الفضائية ومقالاته الصحفية ومنشوراته الإلكترونية.
فى مُقدمة كتابه الجديد المُعنون بـ "هذه أصنامُكم وهذا فأسى.. لماذا يُخاصمُ المُسلمون الحداثة؟".. يُشبِّه خالد منتصر نفسَه بالنبىِّ إبراهيم عليه السلامُ، الذى خرج على قومه بفأسه مُحطِّمًا أصنامَهم التى ورثوا عبادتها عن أبائهم الأولينَ. هكذا..تتعاظمُ ذاتُ خالد منتصر حدَّ التورُّم، فيُشبِّه نفسه بـ"أبى الأنبياء"، والمسلمينَ بـ"الكفار"، ومعتقداتِهم بـ"الأصنام"، ويزعمُ أنَّ الأقدارَ ابتعثته حاملاً فأسَه؛ ليُحطمَ تلكَ الأصنامَ، المتمثلة فى الإسلامِ.. الإسلامِ فقط، وليسَ ديناً سواه.
يبنى المذكور كتابَه على حزمة من الأكاذيب والمزاعم الواهنة والافتراضات الواهية، والأفكار البائسة، من بينها: خصومةُ الإسلام مع الحضارة، وأنَّ الدينَ ليسَ مصدراً للأخلاق، وطقوسَه ليست مُقدَّسة، وقابلة للتغيير والتحوُّل، وهو على النقيض تمامًا مما عمل من أجله وناضل في سبيله مصطفى محمود، بل إنَّ من هوان الدنيا على الله أن المذكور دائم الغمز واللمز في مكانة صاحب "العلم والإيمان"!
لا يرى خالد منتصر أصناماً تستحقُّ التحطيمَ بفأسِه إلا فى الإسلام، عقائدَ وشرائعَ وشعائرَ وتراثًا وعلماءَ، ومِنْ ثَمَّ.. فقد آلَ على نفسه تحطيمَ تلكَ الأصنام الافتراضية، على غرار ما فعل خليلُ الله، عليه السلام، مع أصنامِ قومهِ الحقيقية، التى كانوا يعبدونها من دون اللهِ، تعالى اللهُ عما يصفونَ.
خالد منتصر، في ضوء ما خطت وتخط يده، أبعدُ الناس شأناً عن المُفكرينَ، كبيرِهم وصغيرِهم؛ لأنه لم يأتِ بما لم يأتِ به الأوائلُ، ولكنه يقتاتُ كالمساكينَ، على ما أنتجه الأولونَ من كُتبِ وأفكارٍ، فينقلُ عنهمْ نقلاً ليسَ أمينًا، ويُحرِّفُ الكلمَ عن مواضعه، كما أنَّ نرجسيته المُتضخمة تمنعه من أنْ ينسبَ الأفكارَ إلى أصحابِها، والاجتهاداتِ إلى مُجتهديها، وهذا فى عُرف الباحثين الجادِّينَ والمُعتبرينَ، غشٌ وتدليسٌ.
تتجلَّى عدمُ أمانة المذكور أيضاً فى أنه ينقلُ أفكاراً تخلَّى أصحابُها عنها قبلَ وفاتهم، وأنكروها، وتبرأوا منها، وتابوا إلى الله مَتاباً، مثل: الدكتور طه حسين والدكتور زكى نحيب محمود، ودعْ القوسَ مفتوحاً، ثم يسوقُها لأقرانه وندمائه ومتابعيه على منصَّات التواصل الاجتماعي، وكأنها أفكارُه، وهو–هنا- لا يخونُ مَن يسرقُهم، أحياءً كانوا أو أمواتاً فحسب، ولكنه يخدعُ قراءَه ومُريديه.
فلتطرح فأسك يا خالد جانباً، واطوِ صفحاتك التى لا تكتبها، واكسر أقلامَك التى لا تستخدمُها، وجفِّفْ حبرَك الذى لا تحتاجُه، واحفظْ لسانك من السخائم والسخائف والشتائم، فهذا ليس ابتداءً من شِيَم العلماء والمفكرين الذين تنسبُ نفسك إليهم، فإذا كان فى فمك لسانٌ زالفٌ، فللناس ألسُنٌ، واعكفْ على أصنامِك، ودع أصنامَ غيرك فى حالها، لا شأنَ لك بها، فلا أنتَ المنقذ من الضلال، ولا المهدى المنتظر، ولا أنت مصطفى محمود، ولن تكون فكرًا وسلوكًا؛ فتلك معادلة مستحيلة، كما إنه ليس كل ما يلمع ذهبًا.