الثروة المنسية.. الحكومة تقتحم ملف التشابكات المالية بين الوزارات بجدول زمني
السبت، 22 مايو 2021 07:30 م
المالية تبدأ بحل التشابك مع التأمينات والمعاشات وتسدد330 مليون جنيه .. الكهرباء تسدد للبترول 2 مليار جنيه وتبادل الأصول غير المستغلة لسداد مديونية السكك الحديدية لبنك الاستثمار القومي
رئيس لجنة الخطة والموازنة بالنواب: فك التشابكات ملف ضخم واصرار الحكومة لانهاءه خطوة تاريخية لبيان وشفافية الموازنة
خبير اقتصادي: 125 قضية متبادلة بين الهيئات الحكومية لاسترداد المديونيات وفك التشابك
500 مليار جنيه أو أكثر حجم التشابكات المالية بين عدة وزارة على رأسها وزارة الكهرباء والبترول والمياه والتى تعد من أكبر العوائق أمام خطة التطوير وحل التداخل بين الموازنات المالية للجهات الحكومية.
حل هذا التشابك يوفر سنوات من النزاع غير المجدى بين الوزارات المختلفة ويحد من الدين الداخلي وهو ما يعطي للحكومة قدرة أعلى على تنفيذ مشروعات تستهدف تحقيق العدالة الاجتماعية للمواطنين.
بدأت الحكومة منذ خمسة سنوات وضع خطة كبيرة وجدول زمني لسداد المستحقات المالية بين الوزارات وشكلت لجنة لفك هذه التشابكات بين العديد من الجهات والمتمثلة فى هيئة التأمينات الاجتماعية، ووزارة المالية، وبنك الاستثمار القومي، وهيئة السكك الحديدية، بجانب اتحاد الإذاعة والتليفزيون، ووزارتى البترول والكهرباء، وشركات المياه، والمجتمعات العمرانية، وشركات قطاع الأعمال.
ويعد أكبر تشابك مالي بين وزارة التضامن "التأمينات والمعاشات"، ووزارة المالية، وخلال العام قبل الماضي أعلنت الحكومة عن توقيع بروتوكول بين المالية والتضامن ينهي ازمة فض التشابكات المالية لهيئة التأمينات والمعاشات والتى بلغت ٨٨٩ مليار جنيه، ووضعت الحكومة خطة لجدولتها بفوائدها، وبموجب قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات الجديد رقم ١٤٨ لسنة ٢٠١٩ ستتلقى هيئة التأمينات مبلغ ١٦٠٫٥ مليار جنيه سنوياً بفائدة مركبة ٥٫٧ ٪، بداية من العام المالى الحالى، وسيتم خلال السنوات السبع المقبلة سداد تريليون و٣٣٧ مليار جنيه لصناديق التأمينات الاجتماعية، طبقا للقانون الجديد.
وبالفعل قامت وزارة المالية بوضع إلزام عليها داخل الموازنة بسداد المبلغ بشكل منتظم كل عام وبلغت قيمة ما تم سداده حتى الآن من المالية للتأمينات الاجتماعية 330.5 مليار جنيه فى ثلاث سنوات وهي تعد أول زيادة تاريخية تتم فى ملف التشابكات بين المالية والتأمينات الاجتماعية، وتستمر الحكومة على هذا النهج فى إيجاد حلول لفك التشابكات بين عدة وزارات خاصة الخدمية منها فقامت بفك التشابك بين وزارة الكهرباء وقطاع الأعمال بأنه تم أخذ أصول من وزارة قطاع الأعمال العام لوزارة الكهرباء بقيمة المديونيات التى كانت تخص وزارة قطاع الأعمال لدى الكهرباء.
وخلال العام الجاري وضعت الحكومة خطة من أجل فك التشابكات بين أربعة جهات حكومية وهما الشركة القابضة للكهرباء، والشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى، والهيئة العامة للبترول، بالاتفاق على سداد مستحقات شركات الكهرباء ومياه الشرب والصرف الصحى لدى الجهاز الإدارى للدولة، ووحدات الإدارة المحلية والهيئات الخدمية مركزيًا، بحيث تتولى الخزانة العامة للدولة تحويل قيمة هذه المستحقات للهيئة العامة للبترول مباشرة خصمًا من مديونية الشركة القابضة للكهرباء لديها؛ بما يُسهم فى تمكين هذه الجهات من الوفاء بأعبائها، والتزاماتها، على النحو الذى يضمن تحقيق المصلحة العامة.
وتضمنت خطة وزارة المالية والتى سيتم البدء فى تنفيذها اعتبارًا من بداية العام المالى الحالى، إجراء «قيد التزام» على الاعتمادات المالية المقررة لبنود الإنارة، والكهرباء، والمياه والصرف الصحى، المدرجة بموازنات الجهاز الإدارى للدولة، ووحدات الإدارة المحلية، والهيئات الخدمية؛ لتتولى وزارة المالية سداد مستحقات شركات الكهرباء والمياه لدى الجهات الموازنية مركزيًا، على ضوء المصادقات الواردة من هذه الشركات والمعتمدة من الجهات الموازنية.
وأشارت الخطة إلى إنه سيتم سداد قيمة مستحقات الشركة القابضة للكهرباء، والشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى، لدى الهيئات الموازنية مركزيًا، وقد تم تحويل ٢ مليار جنيه بالفعل للهيئة العامة للبترول مباشرة خصمًا من مديونية الشركة القابضة للكهرباء لديها، وقبل نهاية يونيه المقبل سيتم تحويل 5.6مليار جنيه أخرى، وذلك على ضوء اتفاق فض التشابكات المالية الذى تم توقيعه بين هذه الأطراف، لإنهاء أى تشابكات مالية بين الجهات الحكومية «المدينة، والدائنة»، مما يساعد فى تحقيق التنمية والتخطيط وزيادة المشروعات داخل كل وزارة.
وتشكل مستحقات وزارة البترول الجزء الأكبر من تلك المديونيات لدى الوزارات والهيئات الحكومية وشركات قطاع الأعمال العام تصل إلى اكثر من مائة مليار جنيه بينما تصل مستحقات وزارة الكهرباء إلى ما يقرب من ٣٠ مليار جنيه، وقامت الحكومة خلال عام 2019على الاتفاق بسداد 1100 مليون جنيه شهريا قيمة استهلاك محطات الكهرباء من الوقود لصالح هيئة البترول مباشرة
ويعد تبادل الأصول غير المستغلة وحصول الوزارات على أصول من الجهات المدينة مقابل مستحقاتها، من الحلول المطروحة لاستكمال ملف التشابكات حيث تقوم حاليا بحصر أصول الدولة غير المستغلة المملوكة للجهات المدينة لمبادلتها بنظام المقاصة مع الجهات الدائنة لفض التشابكات المالية بينهم، ومن المقرر توزيع الأراضى التى تتبع بعض الجهات المدينة لبنك الاستثمار القومى لإنهاء مديونية هذه الجهات، وسيتم عمل مقاصة لهذه المديونيات، كما سيتم تسوية 15.7مليار جنيه من مديونية هيئة السكك الحديدية عن طريق حصول البنك على أصول تمتلكها هيئة السكة الحديد، كما سيحصل البنك على أصول تمتلكها هيئة النقل العام، وتقدر قيمة المديونيات المتشابكة التى عقد بنك الاستثمار تسويات بها مع الجهات المختلفة حوالى ١٠٠ مليار جنيه منها جزء فى صورة أراض والآخر تم الحصول عليه فى صورة سداد نقدى.
وفيما يتعلق بالمديونية بين الكهرباء والمياه فستعمل الوزارة على المراجعة الدقيقة للمصادقات الواردة من شركات الكهرباء والمياه المعتمدة من الجهات الموازنية، ومضاهاتها بفواتير الاستهلاك الفعلى، وتحديد المنتجات على الهيئات والوحدات الاقتصادية، والوحدات ذات الطابع الخاص والصناديق والحسابات الخاصة، وكل الكيانات الأخرى بسداد قيمة استهلاكها لشركات الكهرباء والمياه مباشرة من خلال موازناتها الخاصة دون الإخلال بهذا الالتزام.
ومن جانبه قال النائب فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أن ملف التشابكات المالية بين الوزارات يعد من أصعب الملفات التى حرصت الحكومة الحالية على اقتحامه وضرورة إنهائه رغم تعقيده وضخامته، لكن اتخاذ خطوات جادة بإنهاء التشابك بين أكبر جهتين وهما الكهرباء والبترول سواء من خلال تبادل الأصول الغير مستغلة أو من خلال دفعت اموال سائلة، هذه المشكلة ظهرت مع نهاية ثمانينيات القرن الماضى بمبالغ محدودة للغاية، ولكن نظرا للتأخر فى حلها، فقد تفاقمت بصورة كبيرة، نتيجة تعدد القرارات والقوانين بشأن هذه المديونيات واختلاف التفسيرات الخاصة بها، بما يؤدى إلى صعوبة تنفيذها، فضلا عن اختلاف القيود المالية بين أجهزة الموازنة والهيئات الاقتصادية والشركات، وقيام بعض الجهات بعدم إثبات هذه المديونيات فى دفاترها وحساباتها الختامية، بجانب نقل تبعية بعض الجهات المدينة إلى جهات أخرى، ورفض تلك الجهات إثبات هذه المديونية، مما يؤدى إلى استبعاد بعض الجهات للمديونيات المستحقة عن المشروعات التى صدرت قرارات لنقلها من قوائمها المالية.
واضاف الفقي، فى تصريحات خاصة ل"صوت الأمة"، أن الجهاز الإداري يضم 55 هيئة اقتصادية تستهدف الربح بعضها يستطيع سداد مديونياته ويعمل بشكل دوري كقناة السويس وهيئة البترول والتنمية الصناعية وغيرها، ويوجد 160هيئة عامة خدمية غير هادفة للربح و323 وحدات محلية والجهاز الإداري بوزاراته والدواوين يوصل 659 وحدة ليها موازنة وبينها تشابكات غير مدرجة فى الموازنة مما يصعب من الأمر على الحكومة فى فض التشابك ولكنها تعمل بشكل جاد لإنهاء الملف حتى تكن الموازنة العامة تعبر تعبير دقيق عن تحقيق الأرباح والخسائر واحتياجاتها لمشروعات أو استثمارات.
وتابع رئيس لجنة الخطة والموازنة، أن الأزمة فى ملف التشابكات فى الهيئات غير الهادفة للربح لأن الدولة على التى تحدد موازنتها وتتحمل الخسائر كما أن قطاع الأعمال يعاني من ازمات فهناك 23شركة قابضة من بينهم8 شركات تابعة لقطاع الأعمال والباقي تابعة لوزارات كما فى الكهرباء يوجد لديها 3 شركات قابضة ووزارة البترول ايضا كذلك وبالتالي التداخل بينهما يجعل المديونية متراكمة ومتداخلة فأصبحت الكهرباء مدينة للبترول والعكس ولذا لابد من وضع أسس واتفاقات كما حدث بين المالية والتضامن لإنهاء التشابك وتحسين وضع الموازنة وعن هيئة السكك الحديدية تحتاج إلي إعادة هيكلة لتحقيق الأرباح وسداد المستحقات للكهرباء، مشيرا إلي أن برنامج الإصلاح الهيكلي الحكومة تضمن ملف فض التشابكات على مدار الثلاث سنوات .
وعلق النائب ياسر عمر، وكيل لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان، على اتخاذ خطوات جادة من قبل الحكومة فى ملف فك التشابك يعد خطوة هامة وضرورية وطالب بها النواب من فترة طويلة فهو انجاز تاريخي سيصب فى صالح الموازنة وتعديل الوضع المالي لكل وزارة على حدة خاصة أن التشابكات تفاقمت بين الوزارات نتيجة لتجاهل حلها على مدار أكثر من 40 عام خاصة أن الملف ضخم ويحتاج لسنوات كبير لحله ولكن قرارت الحكومة بداية مشجعة.
واوضح وكيل لجنة الخطة والموازنة، أن غالبية الجهات الحكومية مديونه لبعضها البعض، بسبب تأخر دفع مستحقات وزارة لآخرى، منها ما يخص الكهرباء والبترول، وغيرهم من الدواوين، إضافة إلى التشابك بشأن الولاية على الأراضى والأصول المستغلة، ومنها ما وصل إلى المحاكم، وهو ما يستدعى الفصل فى حق أى وزارة، والأزمة كانت بأن الدولة فى بعض الأحيان كانت تلجأ إلى الاستدانة لعدم قدرتها على تحصيل المبالغ المالية المتشابكة داخل دواوين الحكومة، ومن ثمًّ تتجه إلى الاستدانة لتسديد مستحقات الشريك الأجنبى، وتتحمل فى تلك الحالة أعباء فوائد تلك القروض، وهو ما يستلزم حل المشكلة من جذورها لأنها أرقام بالمليارات بفوائد من 10 لـ 15 % .
واكد عمر، ان فض التشابك بفيد الموازنة العامة للدولة ويسهم فى خفض سعر الخدمة المقدمة للمواطنين من كهرباء وبترول وغيرها، وهو ما يجعله أمر ضرورى وهام لما له من تداعيات على الاقتصاد المصرى بأكمله، فضلا عن ضرورة وضع جدول زمنى لكيفية فض التشابك لأن الملف كل تأخير فيه يؤدى إلى تداعيات كبيرة من خلال الفوائد المتراكمة، كما الحال بين المالية والتضامن فالبرتوكول تضمن سدادالمديوينة على مدار 50سنة.
ومن جانبه قال الدكتور خالد الشافعى، رئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية بانها، خطوة هامة جدا اذا نجحت الحكومة في فض التشابك بين الجهات والوزارات لأن هذا سيكون له انعكاسات إيجابية مباشرة على المواطنين اولا وكذلك مناخ الاستثمار، خاصة الجهات المعنية بملف حركة الاستثمار وجذب وترخيص الشركات والمصانع الجديدة العاملة في البلاد، وأكبر حجم تشابك بين الجهات والوزارات غالبا ما ترتبط بالمديونات والخلافات على الأصول والأراضي وهناك تقديرات مبدئية بأن حجم هذه التشابكات يصل نصف ترليون جنيه وهنا 500 مليار جنيه حائرة غير مستغلة بسبب الخلاف بين الجهات والوزارات المعنية.
واضاف الشافعى، أن وزارات المجموعة الاقتصادية لها تشابك ضخم مع وزارات وهيئات أخري وإذا تمكنت الدولة من الانتهاء من خطة نزع فتيل هذا التشابك والتحول إلى الميكنة وفصل الخلافات جانباً فإنه سيكون هناك تكامل كبير بين عمل الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية المختلفة وهذا سينعكس على ترتيب مصر في المؤشرات الاقتصادية المختلفة ويسهل من مهمة جذب الاستثمارات.
وأشار رئيس مركز العاصمة، قائلا:"لك أن تتخيل أن تأسيس شركة جديدة في مصر يتطلب إنهاء مستندات وأوراق بين قرابة 12 جهة مختلفة وكل جهة لها متطلبات تختلف عن الأخري نتيجة التشابك الإداري بينهم وهنا نحتاج أيضا تدخل فوري لحل هذه المشكلة، وهناك نوعين من التشابكات منها المالية ومنها الإدارية وكلاهما يحتاج تدخل عاجل فعدد القضايا بين الجهات والنزاعات القانونية والقضائية يصل الي 125الف قضية وفق تصريحات وزير العدل وهذا الرقم كبير جدا يضيع مجهود الدولة، مشيرا الى ان حجم التشابكات بين الوزارات يقدر بمليارات الجنيهات بسبب تراكم الديون والفوائد السنوية، فبنك الاستثمار القومى أقرض إحدى شركات القطاع العام ٢٠ مليون جنيه ومع تراكم الفوائد لسنوات أصبحت المديونية ٨٠٠ مليون جنيه الأمر الذى يخرج عن استطاعة هذه الشركة على سداد هذا المبلغ الذى يفوق رأسمالها.