نوال السعداوي... امرأة ممنوعة من التداول

السبت، 27 مارس 2021 07:00 م
نوال السعداوي... امرأة ممنوعة من التداول
نوال السعداوي
هبة جعفر

 
«لقد أصبح الخطر جزء من حياتي منذ أن رفعت القلم وكتبت، لا يوجد ما هو أخطر من الحقيقة في عالم مملوء بالكذب»، هكذا وصفت الكاتبة والروائية الراحلة نوال سعداوي حياتها فيما مرت به منذ نعومة أظافرها حتى يوم رحيلها. 
 
وصف  يكشف عن المعاناة الحقيقة  للمرأة  التي  حملت لواء الدفاع عن حقوق الإنسان عامة وحقوق المرأة وقدرتها على الخروج من تابوت المجتمع الذكوري القمعي. 
 
 نوال السعداوي التي عانت في أواخر أيامها من قسوة المرض وعدم قدرتها على تناول طعامها إلا من خلال خراطيم معلقة في أمعائها، بدأت حياتها بمعاناة مع نظرة أهلها للفتاة والتفرقة بينها وبين شقيقها الأكبر فهي الابنة الثانية بين تسعة أشقاء، لحظة شقيقها الأكبر باهتمام ورعاية والدها حتى أثبت فشله لتتجه أنظارهم نحو تفوق نوال الملحوظ.
 
بجسد نحيل عاري وقفت نوال السعداوي ذات الستة أعوام تطلق الصرخات داخليًا بعد أن ساقتها والدتها وسلمتها لأشخاص أشباه بالجزارين كما وصفتهم، استباحوا جسدها الضعيف وتحسسوا موضع عفتها لينهالوا عليها بسكين حاد وبدلا من ذبحها كالخراف كما تخيلتهم  قطعوا جزء من جسدها قابع بين فخذيها لتشعر بالدم يتدفق من أسفلها ويغرقها وهي راقدة على بلاط الحمام البارد تحت جسدها العاري، ولم تنس نوال المشهد من ذاكرتها خاصة بعد سحب شقيقتها الأصغر بعامين بذات الطريقة لقطع جزء من جسدها هي الأخرى وسط ضحكات والدتها التي أسلمتهن لهولاء الوحوش لتصف الواقعة في كتابها قائلة: «وكأنما أدركنا معاً في تلك اللحظة المأساة، مأساة خلقنا من ذلك الجنس، جنس الإناث الذي يحدد مصيرنا البائس، ويسوقنا بيد حديدية باردة إلى حيث يستأصل من جسدنا بعض الأجزاء».
 
تركت هذه الذكرى المؤلمة جرحاً عميقًا داخلها لتعلن فيما بعد رفضها التام لكافة أنواع الختان سواء للإناث أو الذكور مما عرضها للانتقاد الواسع من قبل رجال الدين، ولكن نوال لم تكن تخيفها التهديدات، لتقف بصلابة ضد ختان الإناث وتستمر في معركتها بضراوة من خلال كتابها «المرأة والجنس» والذي تناول قضايا كثيرة شائكة تسببت في فصلها من عملها بوزارة الصحة لتستمر في معركتها ضد الختان خاصة لما يسببه من أضرار للفتاة تصل إلى الموت وفي أقل التقديرات الإصابة بأمراض نفسية معقدة لا تمحى، لمجرد إفراغ المرأة من حقوقها الجنسية وتحويلها لمجرد وعاء للحمل والتفريغ لطاقة الرجل الجنسية دون شعورها باللذة والتفرقة بينهما، وكتبت عن تجربتها من العمل كطبيبة في الأرياف، وقالت في كتابها: «كثيرًا ما استدعيت لإنقاذ حياة بعض البنات إثر هذه العملية البشعة، فقد كانت الداية لجهلها لاعتقادها أنها إذا ما أوغلت بالموسى في لحم الفتاة، واستأصلت البظر من جذوره، فإن ذلك يضمن عفة الفتاة، وزهدها الأكبر في الجنس» لتنتهي حربها ضد الختان بسن قوانين تجرم الختان وتؤدي بحبس فاعلها وتجريدة من مهنته الطبية مدي الحياة
 
منذ سنواتها الأولى وتعلم نوال السعداوي أن بداخلها أنثى مختلفة لا تشبه الأخريات من بنات جيلها فهي الفتاة التي رفضت الزواجات سن العاشرة ووقفت بكل قوة أمام رغبة والدها لتزويجها مساندتها والدتها لتستكمل مسيرتها الدراسية بنجاح والتحقت بالمدرسة الثانوية الداخلية في حلوان لتعلن رفضها الزواج للمرة الثانية في ذلك السن دون استكمال حلمها بالدفاع عن حياتها وخلق مستقبلها وترفض حلم الفتيات بالزواج من الفارس القادم على حصانه لحبسها داخل سجنه، لتستكمل حلمها بالالتحاق بكلية الطب جامعة القاهرة وتبدأ أول مشاغباتها، والتوجه نحو الفكر  الشيوعي القابع بداخلها منذ قراءتها له فى المرحلة الثانوية علي يد صديقتها ابنة عضو الحزب الشيوعي، لتتعلم مصطلحات العمال والفلاحون والطبقات الكادحة والبروليتاريا والبورجوازية.
 
بعد تخرج السعداوي في كلية الطب التحقت للعمل بمستشفى العباسية للصدر وكان يومها يمر بشكل رتيب من المنزل للمستشفى حتى قررت العودة إلى هوايتها القديمة وإحياء روح الكاتبة والروائية بداخلها فكانت محاولتها الاولى فى عامها الرابع عشر عندما كتبت رواية " مشكور بمت اسمها  سعاد" والتى حصلت على سفر فيها من معلم الفصل،  ولم تثنيها التجربة عن المحاولة الثانية لتكتب مجموعتها القصصية بعنوان  «تعلمت الحب» تناولت فيها العلاقات الإنسانية واكدت الحب ليس الغريزة التي تنشأ بين الرجل والمرأة او الام والطفل او الاب وابنه ولكنه الحب الاسمي الذي يحتاج إلى المجهود فينشأ بين الناس بعيدا عن الكرة والحقد فالمجتمع يحتاج الي الحب والرحمة،وتوالت اعمالها لتكتب أول رواياتها «مذكرات طبيبة» عام (1958)، في عام 1972، نشرت أول أعمالها غير القصصية بعنوان " المرأة والجنس " المثيرة للجدل معلنة بداية ملامسة خط العداء للسلطة السياسية والدينية، وتسبب  هذا الكتاب فى فصلها من وزارة الصحة، وبعدها اتجهت لكتابة الروايات والكتب وتناولت فيها آرائها القوية دون خوف حتى تعرضت للسجن فى عهد الرئيس أنور السادات بسبب هجومها على رجال الدين والأزهر وانتقاد السلطة التنفيذية وأنها تشترك مع السلطة الدينية فى قمع المراة ليصدر ضدها حكم بالسجن  وتقضي فترة داخل سجن النساء بالقناطر وتخرج بعد اغتيال السادات وتكتب كتابها الشهير  «مذكراتي في سجن النساء»، صدر لها أربعون كتابا أعيد نشرها وترجمة كتاباتها لأكثر من 20 لغة وتدور الفكرة الأساسية لكتابات نوال السعداوي حول الربط بين تحرير المرأة والإنسان من ناحية وتحرير الوطن من ناحية أخرى في نواحي ثقافية واجتماعية وسياسية.
 
تصدت السعداوي طوال سنواتها ال90 لكافة القضايا الشائعة ووقفت أمام القوالب الصلبة لتكسرها وتقف أمام التهديدات بقتلها من قبل الجماعات الإسلامية التى وضعتها على قائمة الاغتيالات بكل جرأة، فتصدت لقضية الحجاب والنقاب ورأت انها من صور العبودية وضد الأخلاق والأمن، وأن الحجاب لا يعبر عن الأخلاق، وإستنكرت لماذا تتحجب المرأة ولا يتحجب الرجل ؟ بالرغم من وجود شهوة لكل منهما ؟ كما تصدت لتعدد الزوجات قائلة: «إن تعدد الزوجات يخلق الكره بين الأطفال والزوجات كما يزيد من الحوادث، وأن تعدد الزوجات كذب وليس بالقرآن وبلاد عربية مثل تونس منعته، ويجب على الرجل ضبطه لنفسه، فليس من الضروري أن يكون بين اختيارين، إما الزواج أكثر من مرة أو إقامة علاقة غير شرعية"، اعتبرت أن المثلية الجنسية ليست  شيء محرم : « الجنس عادة وتعود والمثلية لها أسبابها جزء منها وراثي بجانب التربية والخوف، والأمر يتطلب تحليله وإرجاعه لأسبابه الاجتماعية والبيولوجية وليس وضعهم في السجون، لأن هذا ليس الحل.
 
طالبت السعداوي بأن يكن للإنسان حرية كتابة أسمه ونسبه إلى والدته فكانت تكتب اسمها «نوال زينب السيد» فى إمضائها على الكتب الخاصة بها، حيث ترى أنه من الضروري أن يُنسب الطفل لأمه وأبيه في آن واحد في شهادة الميلاد بدلًا من أن يُنسب لوالده فقط، فهى  أحيانًا تعبر عن نفسها باستخدام اسمها في البطاقة وهو نوال السعداوي، وأحيانًا أخرى باستخدام اسم والدتها، ولكنها تفضل إبراز اسم والدتها حين تتحدث في مجتمع من المجتمعات التي لا تحترم الأمهات.
 
كان للرجال دور فى حياة السعداوي فكانت زيجاتها الاولى بعد تخرجها فى كلية الطب وعملها كطبيبة امتياز  وتزوجت من أحمد حلمى زميل دراستها ولكنه ادمن بعد تعرضه للخيانة أثناء الحرب بالسويس ورغم محاولتها بإصلاحه من الادمان لكنه حاول قتلها فطلبت الطلاق بعد عامين من الزواج، ثم تزوجت من محامي لكن لم يستمر الم اج طويلا حتى قابلت زوجها الثالث والاخير المفكر والروائي الماركسي شريف حتاتة، ولكنها انفصلت عنه بعد43. عاما من الزواج بعد اكتشافها كذبة عليها واكتشافها علاقته بأمراة أخري قائلة ألف كتابا عن المساواة بين الرجل والمرأة ثم خان زوجته".
 
أنا امرأة ممنوعة من التداول، يريدون إخفات صوتي وكتبي وفكري، لكنني لست نادمة على أي شيء، ولو عاد بي الزمن سأكون أكثر تمردًا وثورة مما كنت في جميع مراحل حياتي، فجريمتي أني أمراة حرة فى زمن لا يريدون فيه إلا الجواري والعبيد، ولدت بعقل يفكر في زمن يحاولون فيه إلغاء العقل، لا يستطيع رجُل شرقي أن يواجه امرأة أذكى منه. فما بالكم بالزواج منها، تعرضت للحبس بسبب قضايا التيارات الإسلامية التى لحقتها، مثل قضية الحسبة للتفريق بينها وبين زوجها، ووُجهت لها تهمة «ازدراء الأديان»، كما وُضع اسمها على ما وُصفت بـ«قائمة الموت للجماعات الإسلامية» حيث هُددت بالموت.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق