آل رضوان.. فصبر جميل
الجمعة، 12 مارس 2021 01:04 م
والله مصابكم جلل، وفجعتكم فجعتنا جميعاً، ولكن كما عهدناكم تصبرون وقت المصيبة، وتحتسبون يوم تعجزون، وتكرمون ضيفكم، وتسندون الغريب، وتصلون السبل لعابر السبيل، وتكرمون اليتيم، فوالله لن يخذلكم الله أبداً.
في مصابكم ما وجدنا منكم سوءًا، كلامي لك يا صديقي علاء، أتعلم من هم أشد الناس بلاءً؟.. أنت فعلاً تعلم، ولكن لك علي حق التذكير، أشد الناس بلاء يا صديقي، شرفهم حديث رسول الله، والذي رواه مصعب بن سعد عن أبيه، رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ "قال الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فان كان دينه صلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلاه الله على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة".
لتقرأ معي يا صديقي، قول الله تعالى من سورة يوسف الآية (90): {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}، ولتكمل بالآية (22) من سورة الرعد: { وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ}، ولنرجع سوياً لسورة النساء الآية (100): {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}.
والله إني أحتسبهم عند الله أنهم كانوا في هجرة لله ورسوله، يسلمون أمانة الله له، يقولون له: " يارب هذه أختنا وصلنا رحمها وهي حية لأجلك وها نحن نسلم لك أمانتك بعدما ماتت"، أحتسبهم كانوا في هجرة، فهم كانوا على سفر أجرهم على الله وحده، فما ظنك بمن تعهد بالأجر رب العالمين.
والله أعلم أن مصابك جلل، ولكن لا نزكيهم على الله، حقاً كان يكرمك الله من أجل أمك التي ربت رجالاً، وأحسنت تأسيسهم، لكنه الآن سيكرمك على قدر بلاءك يا صديقي، سيكرمك بقدر صلة رحمك بمن ماتوا حتى وهم أحياء، وأيضاً بعدما تركونا وهاجروا لله، سيكرم ذلك البشوش خالك، ومن ماتوا جميعاً.
كم مرة ذكرتني بالله، وها أنا أعيد الكرة، فأرانا رجلان تحابا في الله وسيفترقان عليه (اللهم اجعلنا منهم)، أتدري الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد وغيره عن مالك بن هبيرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّى عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَلَغُوا أَنْ يَكُونُوا ثَلَاثَ صُفُوفٍ إِلَّا غُفِرَ لَهُ"، وما رواه الإمام مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّى عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ إِلَّا شُفِّعُوا فِيهِ".
وأيضاً ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيْئًا إِلَّا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ" رواه مسلم.
فما بالك بمن صلى عليهم مئات وآلاف، صلى عليهم قريب وبعيد، وترحمت عليهم الأرض ولم تضق بهم، ففتحت ذراعياً، وبكى ساكنيها، وحفتهم الملائكة، فكم من دعوة دعيت! وكم من تذكرة قيلت! وكم من قرآن تلى! والأجر لهم بإذن الله، يا صديقي كل ما في الأمر أن المولى استرد أمانته، وجميعناً في ذمة الله، أينما نكون يدركنا الموت.
عظم الله أجركم آل "بني محمد" جميعاً، وأنزل السكينة على قلوبكم، وجبر كسركم، وأضاء صدركم، وثبتكم بقدر المصيبة، وعزاؤكم أن الله رفع قدركم مع النبيين والصديقين، ولك عزيزي علاء: "هون عليك نفسك ما منحكم الله من فضله"، وأخيراً وليس آخرا، فلتقرأ معي قول الله تعالى من سورة آل عمران، الآية (185): {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.