ضد الحياة.. الاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية يؤدي إلى الوفاة
السبت، 06 مارس 2021 06:07 مكتب: حسن شرف
الأرقام تكشف: تناول 285 مليون عبوة من الأنواع شائعة الاستخدام.. والأطباء يؤكدون: نقتل أنفسنا بأيدينا
الدكتور محمد عبدالرازق: التناول غير السليم للمضادات يزيد أنواع البكتيريا المقاومة ويحرم الجسم من الانزيمات النافعة
الدكتور على عوف رئيس شعبة الأدوية بالغرف التجارية: مطلوب زيادة وعي المواطنين بضرورة استخدام المضاد الحيوي في الوقت المناسب وليس في أوقات عشوائية
الدكتور عمر عزت أستاذ علاج الأطفال: ارتفاع درجة الحرارة وحدوث ألم في المعدة وحساسية الأنف والصدر والتهابات العين والأذن لا تستدعي استخدام مضاد حيوي
الدكتور محمد عبدالرازق: التناول غير السليم للمضادات يزيد أنواع البكتيريا المقاومة ويحرم الجسم من الانزيمات النافعة
الدكتور على عوف رئيس شعبة الأدوية بالغرف التجارية: مطلوب زيادة وعي المواطنين بضرورة استخدام المضاد الحيوي في الوقت المناسب وليس في أوقات عشوائية
الدكتور عمر عزت أستاذ علاج الأطفال: ارتفاع درجة الحرارة وحدوث ألم في المعدة وحساسية الأنف والصدر والتهابات العين والأذن لا تستدعي استخدام مضاد حيوي
طفلٌ ست سنوات يُعاني من التهاب رئوي، وارتفاع مُستمر في درجة الحرارة، وصل أخيرًا إلى مستشفى خاص؛ بمصر الجديدة، بعد معاناته وأسرته مع رحلة المرض التي لم يستجب فيها للعلاج مع 3 أطباء، كل طبيب بأدوية مختلفة، إلا أن الحرارة لم تنخفض، والطفل في معاناة لم يساعده فيها أحد. الطبيب المتواجد في المستشفى- آنذاك - واسمه عُمر عزت أجرى فحصا طبياً على الطفل، وطلب من الأب إجراء تحليل دم ومزرعة بول، وظهرت النتيجة، وكانت مُرعبة.
التحاليل أثبتت أن الطفل مصاب بـ"klebsiella" وهي أحد أعضاء عائلة البكتيريا المعوية، إلا أنها عند الطفل مقاومة لجميع المضادات الحيوية، الاستثناء الوحيد كان مضاد حيوي واحد ولا يوجد حينها في مصر، ولا يملك الطفل الوقت الكافِ للانتظار حتى يتم إرساله -الدواء- من الخارج، الأمل الوحيد كان أن تتحرك مناعة الطفل، لتقاوم البكتريا، وتنقذه من الموت "المُحقق".
والد الطفل- كغيره من ملايين المصريين، لم يستوعب فكرة أن البكتيريا الموجودة عند طفله مقاومة لأغلب المضادات الحيوية، ولماذا تقاوم أصلًا؟..
كان الأب دائم الاستفسار من الأطباء عن هذه الحالة، وأسبابها، خاصة أنه عاجز أمام تقديم الحلول التي من شأنها أن تُنقذ حياة نجله، وكان ينتظر أن ينتهي الكابوس، ويصطحب نجله مرة أخرى إلى المنزل، إلا أن القدر لم يتفق معه، وأخذ من الطبيب المُعالج تقرير الوفاة، لكنه كان قد استوعب الدرس وقال للطبيب: "أنا ابني مماتش النهاردة يا دكتور، ابني مات في كل مرة كنت بستستهل وأديله مضاد حيوي".
عدم الوعي بطريقة عمل المضاد الحيوي يسبب كوارث
طفلة أربع سنوات تعاني من التهاب بكتيري بمجرى البول، وهي الحالة التي يجب أن تأخذ معها "مضاد حيوي"، الطبيب المعالج طلب من والدها عمل مزرعة بول، ظهرت النتيجة، وكانت الصدمة. "البكتريا غير مستجيبة لجميع المضادات الحيوية المستخدمة للأطفال"، ومستجيبة فقط لثلاثة أنواع من المضادات الحيوية وهي: "سيبروفلوكساسين ولا يستخدم للأطفال، وتتراسيكلين ولا يستخدم للأطفال أقل من 12 سنة، ونيتروفيورانتوين وهو دواء لا يوجد منه شراب، وإنما كبسولات فقط، وبالتالي لن يناسب الطفلة". وذلك لنفس السبب، وهو الإسراف في استخدام المضادات الحيوية.
الأمر لا يتوقف فقط عند الأطفال في هذه المرحلة العمرية، ففي مارس 2017 أصيبت طفلة بعد ولادتها بأيام بالتهاب رئوي، وكان عمرها 10 أيام فقط في الوقت الذي أخذها والدها إلى معمل التحاليل بناء على طلب من الطبيب المعالج، وذلك لإجراء مزرعة؛ لتحديد نوع المضاد الحيوي المناسب للبكتريا الموجودة عندها، وكما هو متوقع نتيجة المزرعة كانت "مرعبة"- حسب رأي المتخصصين الذين اطلعوا على النتيجة، المزرعة كشفت أن البكتريا المتواجدة عند الطفلة مقاومة لكل المضادات الحيوية، ولا تستجيب إلا لمضاد حيوي واحد، وهو ما فسره الدكتور عمر عزت بأنه يمكن لشخص لم يأخذ مضاد حيوي في حياته، إلا أنه التقط بكتيريا من شخص آخر، وهذه البكتيريا متحورة وتقاوم جميع أنواع المضادات الحيوية، وبالتالي يعاني من نفس الأمر، مشيرًا إلى أنه يوجد العديد من المستشفيات التي تُنقل فيها العدوى، وذلك لوجود قصور في التعقيم والنظافة.
تحدثنا مع طبيب الأطفال عُمر عزت، والذي عايش الكثير من هذه الحالات، خاصة وأنه دائم التحذير من الاستخدام المفرط والخاطئ للمضادات الحيوية، على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، حيث أكد أن عدم الوعي بطريقة عمل المضاد الحيوي يسبب كوارث، خاصة في المجتمع المصري، الذي اعتاد معظم مواطنيه على الذهاب إلى الصيدلية دون اللجوء إلى طبيب، وصرف أدوية ومنها مضادات حيوية خطيرة دون روشة طبيب، وهو الأمر الذي يؤثر بالسلب على الجهاز المناعي، وكذا في بعض الحالات قد يسبب الوفاة.
إحصائيات استخدام المصريين للمضادات الحيوية
وفقًا لأرقام عام 2019 التي لم تختلف عن عام 2020 إلا في نسبة نمو مبيعات مضاد الـ"أزيثرومايسين"، وهو الدواء الذي كان يُستخدم في بروتوكولات وزارة الصحة لعلاج أعراض "كوفيد 19"، حيث زادت نسبة النمو 30% تقريبًا. فإن مبيعات المضادات الحيوية الشائعة من أنواع الـ" سيفالوسبورين، وبنسلين" حققت 285 مليون عبوة من مختلف الأنواع بين الحقن والأقراص والشراب-، وذلك حسب الدكتور محمد فهمي استشاري تسويق بإحدى شركات الأدوية.
وأضاف فهمي في تصريحات خاصة لـ«صوت الأمة» إن وحدات الحقن وصلت إلى 150 مليون من بين العدد الإجمالي، بتكلفة قدرها 3 مليار جنيه، مشيرًا إلى أن تكلفة إجمالي عدد الوحدات تصل إلى 9.5 مليار جنيه تقريبًا، موضحاً أن سوق الدواء حقق في عام 2019 نسبة نمو بلغت 4%، وهي نسبة أقل من السنوات الماضية، التي كانت تصل فيها نسبة النمو إلى 8% تقريبًا.
وتستورد مصر أنواع قليلة من المضادات الحيوية بما يعادل 8% تقريبًا، بينما يتم تصنيع النسبة الأكر من الاستهلاك محليًا.
الصحة العالمية: مقاومة مضادات الميكروبات تهدد بإرجاع الطب الحديث عشرات السنين
منظمة الصحة العالمية أكدت أن مقاومة مضادات الميكروبات تهدد بإرجاع الطب الحديث عشرات السنين إلى حقبة ما قبل اكتشاف المضادات الحيوية عندما كانت العمليات الجراحية الروتينية محفوفة بالمخاطر.
وأضافت المنظمة في معرض حديثها عن "التحديات الصحية العالمية الملحة في العقد المقبل" أنه تعزى زيادة مقاومة مضادات الميكروبات إلى عدد لا يُحصى من العوامل المجتمعة لتكوين مزيج مرعب تشمل مكوناته عدم خضوع وصف المضادات الحيوية واستخدامها للتنظيم وعدم إتاحة أدوية جيدة وميسورة التكلفة والافتقار إلى المياه النظيفة وخدمات الإصحاح والنظافة العامة والوقاية من العدوى ومكافحتها، مشيرة إلى أنها تعمل مع السلطات الوطنية والدولية في قطاعات البيئة والزراعة والثروة الحيوانية للحد من خطر مقاومة مضادات الميكروبات من خلال التصدي لأسبابها الجذرية، بينما تدعو إلى البحث والتطوير من أجل استحداث مضادات حيوية جديدة.
وكشفت منظمة الصحة العالمية أنه بالكاد توجد مضادات جديدة للميكروبات قيد التطوير السريري. وحددت المنظمة في 2019، 32 مضادًا حيويًا قيد التطوير السريري لعلاج المُمرضات المدرجة في قائمة المُمرضات ذات الأولوية للمنظمة، منها 6 مضادات صُنفت على أنها مبتكرة. وعلاوة على ذلك، تظل صعوبة الحصول على مضادات الميكروبات الجيدة مشكلة رئيسية، فضلاً عن تأثر البلدان من جميع مستويات التنمية بنقص إمدادات المضادات الحيوية، ولا سيما في نظم الرعاية الصحية.
وأوضحت المنظمة العالمية أنه يتواصل بشكل متزايد فقدان المضادات الحيوية لمفعولها في ظل انتشار مقاومة الأدوية على الصعيد العالمي، ممّا يسفر عن زيادة صعوبة علاج حالات العدوى والوفاة. وثمة حاجة ماسة إلى إيجاد مضادات جديدة للبكتيريا - مثلاً لعلاج الالتهابات البكتيرية السالبة الغرام المقاومة للكاربابينيم، على غرار ما هو محدد في قائمة المُمرضات ذات الأولوية للمنظمة. ولكن إن لم يغير الناس طريقة استعمالهم للمضادات الحيوية الآن، فإن مصير هذه المضادات الحيوية الجديدة سيكون نفس مصير المضادات الحيوية الموجودة حالياً، وستفقد بالتالي مفعولها.
هل كل الميكروبات ضارة وتستدعي القضاء عليها؟
حسب الدكتور محمد عبدالرازق أستاذ الميكروبيولوجي بجامعة قناة السويس، فإن الحديث عن تأثيرات المضادات الحيوية، يجب أن يسبقه الحديث عن الميكروبات وطريقة عملها في جسم الإنسان، مشيرًا إلى أنها تنقسم إلى ثلاثة أنواع "الفطريات، والبكتيريا، والفيروسات"، النوعان الأول والثاني ليست كلها ضارة، بل إن هناك بكتيريا وفطريات نافعة، لا تتطفل على جسم الإنسان، أما النوع الأخير وهو الفيروسات وهي أصغر من حجم خلية الإنسان، ولا تُرى بالعين المجردة، وهي عبارة عن كبسولات تحتوي على المعلومات الجينية، ومن أجل أن تتكاثر تعمل على غزو خلايا الجسم، وهو ما يسبب الضمور والتلف.
وأضاف عبدالرازق في تصريح خاص لـ«صوت الأمة»، أن البكتيريا منتشرة في كل مكان، فهي تعيش على أجسامنا من الخارج والداخل. والبكتيريا بمعظمها غير مضرّة، وبعضها مفيد، وبعضها الآخر قد يهدد حياة الإنسان إذا تواجد في أجزاء معيّنة من الجسم. ولا أحد يرغب في القضاء على البكتيريا النافعة، إلا أن الإفراط في استخدام المضادات الحيوية، أو تناولها بطريقة خاطئة يؤثر على الإنسان، خاصة وأنها لا تختار نوعية البكتيريا التي تقتلها، ويوجد منها أنواع مختلفة "ضيقة المدى وواسعة المدى"، فعند استخدام المضاد الحيوي واسع المدى فإنه يقضي على أغلب البكتيريا الموجودة النافعة والضارة، ومع الاستخدامات المتكررة، تتحور البكتيريا بعد معرفتها طريقة عمل المضاد، حتى لا يؤثر فيها مرة أخرى هذا المضاد والأنواع الأخرى القريبة منه، وهو ما يستدعي في بعض الحالات وصف أنواع مختلفة وباهظة الثمن من المضادات الحيوية.
وأوضح الدكتور محمد عبدالرازق أنه بقتل البكتيريا النافعة، فإننا نحرم الجسم من إنزيماتها الجيدة والنافعة، مشيرًا إلى أنه كلما قلت تأثيرات المضاد الحيوي وكانت بعيدة عن توقيت استخدامه كل ما كان جيدًا، وكل ما زادت تأثيراته واقتربت من توقيت استخدامه كل ما كان ضارًا وخطيرًا، مشيراً إلى أن البكتيريا لديها قدرة على التكيّف مع البيئات الجديدة، وفي كلّ مرة تتعرض فيها البكتيريا للمضادات الحيوية، هناك احتمال أن تتكيّف معها، ومع انتشار المضادات الحيوية، توفرت الكثير من الفرص للبكتيريا لتعزيز مقاومتها. وأصبحت هذه المشكلة شديدة الخطورة والتعقيد، لوجود أنواع مختلفة وكثيرة من البكتيريا مقاومة لأنواع مختلفة من المضادات الحيوية.
تطبيق التأمين الصحي الشامل يساهم في التحكم باستهلاك المواطنين للمضادات الحيوية
من ناحيته قال الدكتور على عوف رئيس شعبة الأدوية بالغرف التجارية، إن المضادات الحيوية والتي تعمل على مواجهة الميكروبات، تواجه في الأساس كائن حي، يسعى للبقاء، ومن ثم يحاول أن يتعرف على طريقة عمل المضادات الحيوية، وهو ما يحدث بالفعل، وعند كثرة تناول المضادات الحيوية بشكل خاطئ تبدأ الميكروبات في التعرف عليها وتشكيل مناعة ومقاومة ضدها.
وأضاف عوف في تصريحات خاصة لـ«صوت الأمة» أنه يجب زيادة وعي المواطنين بضرورة استخدام المضاد الحيوي في الوقت المناسب وليس في أوقات عشوائية، وهو ما يحدث في أغلب دول العالم، فلا يُستخدم المضاد الحيوي إلا بناء على «روشتة» من الطبيب وبعد إجراء تحليل مزرعة سواء بول أو دم للتعرف على نوع الميكروب، والعلاج المناسب له، وهو ما لا يطبق بشكل كامل في مصر، حيث نعاني من سوء استخدام المضادات الحيوية وفي أحيانا كثيرة جدا يتم صرف الطبيب للمضاد الحيوي بدون إجراء أي تحليل وكذلك المريض قد يصرف العلاج بنفسه من الصيدليات، مشيراً إلى أن تطبيق التأمين الصحي الشامل في مصر، قد يساهم في التحكم في استهلاك المواطنين للمضادات الحيوية، إلا أن هذا الأمر قد يأخذ وقتًا طويلًا، مطالبًا وزارة الصحة بالتعاون مع هيئة الدواء لبث حملات توعوية للمواطنين، وفي الوقت نفسه تفعيل الدور الرقابي على الصيدليات لمنع صرف المضادات الحيوية إلى بـ«روشتة» طبيب، وكذا توجيه الأطباء بعمل مزرعة قبل وصف المضادات الحيوية.
نصائح لاستخدام المضاد الحيوي
هناك أنواع مختلفة من المضادات الحيوية، وليس من الضروري أن تكون البكتيريا مقاومة لها جميعها، ويمكن التحقق في معامل التحاليل من نوع البكتيريا التي تسبب العدوى، كما يمكن معرفة المضادات الحيوية غير النافعة لها، إلا أنه وتحقيقًا لمبدأ "الوقاية خير من العلاج"، حرصنا على معرفة النصائح الطبية لاستخدامات المضادات الحيوية.
النصائح قدمها الدكتور عمر عزت أستاذ علاج الأطفال، الذى قال "إن ارتفاع درجة الحرارة، وحدوث ألم في المعدة، وحساسية الأنف، وحساسية الصدر، والنزلات المعوية أو الشعبية، والسعال، وأي كدمة ينتج عنها ورم، والتهابات العين واحمرارها، والتهابات الأذن، كل هذه الحالات لا تستدعي استخدام مضاد حيوي".
وأضاف عزت: "جرعة المضاد الحيوي يجب أن يتم إكمالها للنهاية، والجرعات تُحسب على أساس الوزن، ولا يجب تناول المضاد الحيوي بالمعلقة، كما أن النتيجة والتحسن يجب أن تظهر خلال 48 ساعة، وليس من أول جرعة، وأي مضاد حيوي تأخذه الحالة ولم يظهر تأثيره بعد 48 ساعة، يجب إجراء تحاليل أو مزرعة، وممكن يتم اللجوء لتغيير المضاد الحيوي على حسب نتيجة التحاليل، كما أنه لا يجب إعطاء المضاد الحيوي لحالات وفقًا لنتيجتها مع حالات أخرى بأعراض مشابهة، وهو ما يحدث كثيرًا بين الأمهات التي تنصح بعضها بأنواع العلاج التي حققت نتيجية إيجابية مع أطفالها"، موضحاً أن تحليل الـ"asot" أو سرعة الترسيب وألم الساقين، ليس معناه وجود حمى روماتيزمية تستدعي أخذ بنسيلين طويل المفعول، كما أن المضاد الحيوي الشراب لا يُستعمل بعد حله بـ15 يومًا، ويجب حفظه فى باب الثلاجة، وكذا يجب رجه قبل الاستخدام.
أما في حالة تكملة مضاد حيوي شراب بعد الحقن، فيجب أن يكون نفس المادة، كما أن فكرة قوة الحقن وضعف الشراب غير صحيحة.
اكتشاف المضاد الحيوي وإنقاذه الملايين
لا شك أن استخدام المضاد الحيوي في سياقه يساهم في إنقاذ الأرواح، عن طريق قتله البكتيريا الضارة، وهو ما فعله هذا الاختراع منذ اكتشافه في بدايات القرن الماضي. في عام 1928 عاد ألكسندر فلمنج إلى مختبره بعد عطلة قضاها خارج المستشفى، فوجد مزارع البكتيريا التي تركها؛ يوجد بها هالة بيضاء، أدرك أنها كانت تقتل البكتيريا، وأن هذا العفن خلق دائرة خالية من البكتيريا حول نفسها، المفاجأة لم تمنعه من فحصها تحت المجهر، وهي الخطوة الأولى في عالم المضاد الحيوي، والتي أفرزت مادة "البنسلين" .
وعن هذا الأمر قال فلمنج: "عندما استيقظت بعد الفجر يوم 28 سبتمبر 1928م، بالتأكيد لم أكن أخطط لإحداث ثورة في الطب من خلال اكتشاف أول مضاد حيوي في العالم، أو البكتيريا القاتلة، لكن أعتقد أن هذا هو بالضبط ما فعلته".
وفي صيف عام 1941م، قبل فترة وجيزة من دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العالمية الثانية، حاول العلماء تطوير البنسلين، ومحاولة إنتاجه بكميات كبيرة، خاصة أن القاتل الفعلي في الحروب كانت "العدوى" وليس الإصابات في المعارك.
في الحرب العالمية الأولى، كان معدل الوفيات من الالتهاب الرئوي الجرثومي 18%، أما في الحرب العالمية الثانية، انخفض إلى أقل من 1% بفضل المضاد الحيوي، خاصة أنه من يناير إلى مايو 1942م تم تصنيع 400 مليون وحدة من البنسلين النقي، ومع نهاية الحرب كانت شركات الأدوية الأمريكية تنتج 650 مليار وحدة شهريًا .