المعارضة على حرف.. «خيبتنا في نخبتنا»
الأحد، 28 فبراير 2021 09:00 ص
بينما أطالع مواقع التواصل الاجتماعي، استوقفني منشورٌ للأستاذ «أ. ال»، وهو اسم معروف في عالم الصحافة، وله مريدون ومتابعون كثر على «السوشيال ميديا».. وكان يمتدح، في منشوره، أستاذًا للعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وهو- الآن- رهن الحبس الاحتياطي على ذمة القضية رقم 488 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، ويواجه اتهامات بمشاركة جماعة إرهابية والترويج لأغراضها، وإساءة استخدام «السوشيال ميديا» لنشر وبث شائعات وأخبار وبيانات كاذبة.
الأستاذ «أ» يزعم أننا (لو كنّا في مساراتٍ طبيعية للحياة، لكان من الوارد جدًا أن يكون هذا «الأكاديمي»- الذي وصفه بالعظيم- «رئيسًا مدنيًا مُنتخبًا للجمهورية، أو رئيسًا حقيقيًا للوزراء، أو رئيسًا حقيقيًا للبرلمان..)، حسبما كتب على حسابه بموقع «فيسبوك».. مضيفًا أن «حال البلد لن يستقيم دون العدل، والحق، والإنصاف».. هكذا دون توضيح المقصد من كلامه.
قطعًا، لا أحد يحجر على رأي ورؤية الصحفي الكبير، فهو حر في خياراته وتفضيله لشخص على حساب آخر، طالما كان اختياره قائمًا على اقتناع، وقناعة تامة بالمقومات التي تؤهل الشخص المختار لشغل المنصب، وأهم هذه المقومات الكفاءة، والنزاهة، والأمانة والخبرة.. أما كونه يستبق نتائج التحقيق مع «الأستاذ الأكاديمي»، ويُلمح بأنه تعرض لظلم واضطهاد، فهذا ما نرفضه، وننبه الأستاذ أن القفز على نتائج التحقيق، ولو تلميحًا، خطأ جسيم، ما كان ينبغي لمثله أن يقع فيه.. إلا إذا كان «التلميح» مقصودًا لغرضٍ ما في نفس يعقوب!.
قد يكون الصحفي «أ» مُحبًا للأستاذ الأكاديمي، ومن أتباعه ودراويشه، باعتباره «مفكرًا سياسيًا معارضًا»، سبق وأن كتب سلسلة مقالات نقدية ضد النظام الحالي.. أو أن كتاباته وفكره يروقان له، ويستهويانه.. لكن مَن قال إن «الحب» وحده، وميلنا تجاه شخص ما، معيارٌ لتأييد مَن نتعاطف معه لشغل منصب كبير، خاصة إذا كان هذا المنصب تترتب عليه مصالح العباد والبلاد، ويتطلب دربة و«عجنة»، ليكون خبيرًا في فن الإدارة.. إدارة دولة بحجم مصر؟.
صحيح.. قد يكون الأستاذ الجامعي، الذي يقصده الكاتب الصحفي، أكاديميًا مرموقًا، وأستاذًا بارعًا في تدريس السياسة، ومفكرًا له رؤاه التي تحترم، لكنه «فاشل إداريًا».. فنحن لم نجربه في رئاسة جامعة، أو «عمادة كلية»، أو رئاسة حزب سياسي، أو إدارة مؤسسة ما، كي نحكم على موهبته الإدارية! خاصة وأننا «اتلسعنا كثيرًا من الشوربة، حتى أصبحنا ننفخ في الزبادي!".
ونحن قد مررنا بتجارب كثيرة، وتعرضنا لمواقف عدة أثبتت أن مَن نحبه، ونتعاطف معه، قد لا يكون الأجدر بالقيادة.. وربما لا يصلح لإدارة «طابونة»، أو «كشك سجاير وحلويات»، على الرغم من تفوق هذا الشخص «علميًا وأكاديميًا»، لكن مَن قال إن هذه الميزات وحدها تمنح هذا الشخص صك الإدارة الناجحة؟
إننا كنا شهودًا، ولا نزال، على أشخاص كان يُطلق عليهم مفكرون، وباحثون، وأكاديميون، وسياسيون «معارضون» وغيرهم من «مثقفي النخبة».. يملأوون الدنيا صخبًا وضجيجًا، وانتقادًا لكل ما هو حكومي، ومطالبهم بإسقاط حكومات، واتهامهم لرجال الأنظمة السابقة بالفساد، والاستبداد، والديكتاتورية، وخيانة الوطن.. وعندما سقطت هذه الحكومات، وتبدلت الأنظمة، وتصدر هؤلاء مقدمة المشهد.. رأينا العجب العجاب من هذه النخبة.
نعم.. رأينا عجبًا من هؤلاء.. رأينا سياسيًا معارضًا، كان ملء السمع والبصر، وهو يرشح نفسه في انتخابات رئاسة الجمهورية، على الرغم من فشله في إدارة الجريدة والحزب السياسي اللذين يحملان نفس الاسم! وكنا شهودًا على رموز «النخبة» الذين «لبسونا في حيطة سد»، بعد مؤتمر الـ«فيرمونت» الشهير.. وكانوا مطية «الإخوان» للوصول إلى حكم مصر! ورأينا أناسًا كانوا من أشد المؤيدين والداعمين للنظام الحالي، ثم انقلبوا عليه بعد عدم حصولهم على مكافأة «التأييد»، سواءً بمنصب وزاري، أو الوجود في دائرة الحكم!
بل إن تاريخ الأستاذ «أ. ال» نفسه، شاهدٌ على تحوله، وتقلبه هو شخصيًا، فقد كان أول رئيس لتحرير صحيفة مستقلة خاصة، تأسست في العام 2004، لكن «مُلاك الجريدة» وجهوا له الشكر في منتصف ديسمبر من نفس العام، بعد تراجع معدلات التوزيع، فكتب مقالًا هاجم فيه رجل الأعمال «ص. د»، صاحب النصيب الأكبر في أسهم الجريدة! واتهم الصحيفة بـ«الترويج» ودعم جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت محظورة، آنذاك!.
وفي يونيو 2007، ترأس الأستاذ «أ» تحرير جريدة الوفد اليومية، على أمل الاستفادة من موهبته الصحفية، وقلمه «المعارض» للحكومة وسياسيتها، والارتفاع بمعدلات التوزيع التي وصلت أرقامها إلى «70 ألف نسخة» يوميًا، ولكن بعد أشهر معدودات تدهور توزيع الصحيفة الحزبية إلى «15 ألفًا» فقط، بحسب أرقام رسمية، ما اضطره إلى ترك «الوفد» في ديسمبر 2008، والاختفاء عن الوسط الصحفي عدة أشهر!
وبعد أن توارى الأستاذ «أ» عن الأنظار بضعة أشهر، عاد ليقدم نفسه من جديد لكن هذه المرة ليس ككاتب «شديد المعارضة» للحكومة ولنظام الرئيس الراحل مبارك، بل ككاتب يسخر قلمه في مدح الحكومة، والتجريح فى رموز وشخصيات عامة معارضة ومستقلة! فكانت المكافأة بإصدار مجلس الشورى- وقتذاك- قرارًا بتوليه رئاسة تحرير مجلة «الأهرام الاقتصادي» في مارس 2009!، وها هو الأستاذ «أ» يكسر قلمه الحكومي، ويمسك بقلم المعارضة، منتقدًا النظام الحالي، ومتهمًا إياه باتهامات أظنه يعلم جيدًا كذبها!.
الأستاذ «أ» لم يتجاهل الحديث عن أي إنجاز يتحقق على أرض الواقع فقط، بل يتربص به، ويحاول تشويهه، والتسفيه منه! والمدهش أن كاتبنا «المعارض» الذي هاجم أول صحيفة يترأس تحريرها، واتهمها بأن «لها أجندات كثيرة، وتقف إلى جانب الإرهاب، والفوضى، بالاصطفاف إلى جانب جماعة الإخوان الإرهابية المحظورة دستورًا وقانونًا»، .. هو نفسه الذي «غازل» تنظيم الإخوان الإرهابي! وفي 2018، كتب منشورًا على حسابه بموقع «فيسبوك» برأ فيه «أبناء حسن البنا» من تهم القتل، وارتكاب العنف في اعتصامهم «المسلح» في ميدان رابعة العدوية! فماذا يريد أو يطمح كاتبنا هذه المرة من معارضته؟ أهي وسيلة للعودة مرة أخرى إلى الأضواء، أملًا في رئاسة تحرير «الأهرام»، أم عينه على منصبٍ إعلامي يليق بقدراته وإمكاناته؟
ظني- وليس كل الظن إثمًا- أن اختيارات «أ. ال» وتضامنه مع الأستاذ الأكاديمي، ليس عن قناعة به وبأفكاره، ولا الإيمان بقضيته.. ولكن لأمور أخرى لا نعلمها.. بل إن كثيرًا مما يكتبه الأستاذ «أ. ال»، ويدعو إليه، ويروج له، ليس معارضة خالصة لـ«وجه الله»، ثم لوجه الوطن.. بل معارضة على حرفٍ، فإن أصابه خير من النظام اطمأن به.. وإن مسَّه أحد، أو اقترب منه انقلب على وجهه.. وراح يطلع في النظام «القطط الفاطسة»!