635 عملية إرهابية خلال 2020.. وحصيلة الحصاد في إفريقيا يرتفع لـ 6527
السبت، 27 فبراير 2021 04:00 م منال القاضي
تصاعدت وتيرة العمليات الإرهابية خلال عام 2020 في القارة الإفريقية، بشكل كبير مقارنة بالعام الماضي، وهو الأمر الذي تنبأ به مرصد الأزهر لمكافحة التطرف مسبقًا، وحذَّر منه مرارًا في أكثر من موطن، وارتبط هذا التصاعد بشكلٍ كبيرٍ بانتقال عناصر تنظيم داعش الإرهابي من منطقة الشرق الأوسط، بعد الهزائم التي مُني بها إلى القارة الإفريقية، التي وجد فيها البيئة الخصبة للتمدد وإقامة دولته المزعومة، مستغلًا الثغرات الأمنية على حدود بعض الدول الإفريقية، والمشكلات التي تغرق فيها تلك البلدان، من فقرٍ مدقع وبطالة استشرت بين الشباب، وغير ذلك من الأمور التي تغذى عليها ذلك المرض السرطاني الخبيث، إضافةً إلى طول الشريط الحدودي بين تلك البلدان وهشاشة القبضة الأمنية عليه. كما أن تطور القدرات العسكرية التي اكتسبتها تلك التنظيمات جرَّاء انتقال عناصر من تنظيم داعش الإرهابي إلى تلك المناطق أثَّر أيضًا بشكلٍ كبير على سير العمليات الإرهابية. هذا التوسع لا يكشف مدى استمرارية تنظيم داعش في القارة الإفريقية فقط بعد دحره في سوريا والعراق، ولكن المخاوف الكبرى من عودته مجددًا مما ينذر بوجود خطر محدق.
وشنَّت الجماعات الإرهابية في القارة الإفريقية خلال 2020 نحو 635 عملية إرهابية، أسفرت عن سقوط أكثر من 6527 بين قتيل وجريح من المدنيين والعسكريين، واختطاف 522 شخصًا، وفي المقابل أسفرت العمليات الأمنية التي تشنُّها القوات الحكومية في تلك البلدان عن مصرع نحو 5000 عنصر إرهابي واعتقال 634.
وكانت الصومال أكثر البلدان الإفريقية تضررًا جراء العمليات الإرهابية التي ترتكبها حركة الشباب الصومالية على أرضها، بواقع نحو 218 عملية إرهابية، تنوعت بين تفجيرات انتحارية وهجمات مسلحة إلا أنَّ استخدام الألغام والسيارات المفخخة كان هو الأكثر خلال العام المنصرم، وقد اعتمدت الحركة أيضًا على تكتيكات حرب العصابات، تحاشيًا للحرب المباشرة مع القوات الصومالية. كما أن عناصر الحركة مارست ضغوطًا غير مسبوقة خلال ذلك العام؛ لتكون هي الأكثر نشاطًا في القارة الإفريقية.
وقد أسفرت تلك العمليات عن سقوط 1365 شخصًا بين قتيل وجريح، واختطاف 104 آخرين، وبالنظر إلى أعداد الضحايا مقارنة بعام 2019 وعدد العمليات الإرهابية خلال 2020 نجد أن هدف الحركة لم يكن إيقاع أكبر عدد من القتلى بقدر ما تحمله دلالات المكان، وعدد الهجمات من رسائل للحكومة الصومالية، التي تظهر صعوبة فرض سيطرتها الكاملة على البلاد رغم الجهود الأمنية المبذولة من قبل القوات الصومالية المدعومة من قبل قوات الأميصوم، والتي أسفرت عن مصرع أكثر من 1493 إرهابيًا، واعتقال نحو 133 آخرين.
كما أن تلك المنطقة تشهد حالة من تصاعد التنافس بين حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة وتنظيم داعش الإرهابيين؛ رغبةً منهم في تعزيز صورتهما القتالية، وسعيًا إلى تأكيد نفوذهما واستقطاب مقاتلين جدد. لكن الكفة ترجح إلى جانب حركة الشباب التي كثَّفت من عملياتها الإرهابية؛ لتصل إلى دولة الجوار كينيا؛ حيث نفَّذت الحركة نحو 33 عملية، أسفرت عن سقوط أكثر من 95 شخصًا بين قتيل وجريح واختطاف نحو 7 آخرين. كما لقي ما يزيد عن 35 عنصرًا إرهابيًّا مصرعه واعتُقل 11 آخرون.
أما موزمبيق فقد تضاعف فيها ضحايا العمليات الإرهابية، رغم تراجع العمليات الإرهابية قليلًا مقارنة بالعام الماضي؛ حيث شهدت البلاد نحو 15 عملية إرهابية أسفرت عن سقوط 160 شخصًا وإصابة العشرات، على أيدي جماعة تطلق على نفسها "الشباب"، وفي المقابل لقي أكثر من 340 عنصرًا إرهابيًّا مصرعهم خلال العمليات الأمنية التي نفذتها القوات العسكرية في المنطقة. وقد سارت تلك الجماعة في أغلب عملياتها على تكتيك المواجهة؛ حيث تلجأ إلى تدمير وحرق المباني الحكومية، واحتلال بلدات ولو وقتًا قصيرًا؛ بغرض إظهار قوتها في المنطقة. كما أنها تستهدف المناطق النفطية من أجل تمويل أنشطتها الإرهابية.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدِّ، فقد وسَّعت الجماعات الإرهابية من نشاطها الإرهابي لتصل إلى دول كانت بمنأى عن تلك التهديدات الإرهابية وفي مقدمتها تنزانيا؛ مما يكشف مساعي تلك التنظيمات لإعادة ترتيب صفوفها من جديد والتوسع في تلك البلدان؛ ففي أكتوبر الماضي هاجم إرهابيون مركزًا أمنيًا في منطقة متوارا جنوب تنزانيا وذكر قائد الشرطة في تنزانيا سيمون سيرو، في ذلك الوقت، أن حوالي 300 إرهابيًّا قادمين من موزمبيق هاجموا المركز الأمني جنوب البلاد".
وفي أثيوبيا، أحبطت القوات الأمنية عددًا من الهجمات الإرهابية، كما قامت القوات بإلقاء القبض على أكثر من 16 شخصًا يشتبه في انتمائهم لحركة الشباب وتنظيم داعش؛ حيث تحاول تلك الجماعات استغلال الأوضاع الأمنية المضطربة في البلاد. كما أشار جهاز الأمن إلى أن الشباب وتنظيم داعش الإرهابي نشرًا مؤخرًا شريط فيديو تضمَّن تهديدًا بشنِّ هجوم على إثيوبيا، وأن أجهزة الأمن تعمل على مدار الساعة من أجل إحباط هذه الهجمات.
ومن شرق القارة إلى غربها؛ حيث تتباعد المسافات وتتفق الأيدولوجيات التي تُفضي إلى إراقة مزيد من دماء الأبرياء، إلا أن غربها يتميز عن شرقها بجماعة دموية، ألا وهي بوكو حرام الإرهابية التي تعد أشد فتكًا ودمويةً في القارة الإفريقية، وقد ظهرت تلك الجماعة في نيجيريا عام 2002، وبدأت عملياتها المسلحة عام 2009، وانتشرت شيئَا فشيئًا لتتسع دائرة عملياتها نحو النيجر وتشاد والكاميرون، خصوصًا في منطقة بحيرة تشاد؛ حيث تتصاعد في تلك المنطقة الهجمات الدامية، وعمليات الخطف التي تشنُّها بوكو حرام وتنظيم داعش غرب إفريقيا. ورغم قلة العمليات الإرهابية التي تنفذها تلك الجماعة مقارنةً بحركة الشباب الصومالية إلا أنها تزيد عليها من حيث عدد الضحايا والمصابين؛ لتكون هي الأكثر دموية في القارة الإفريقية خلال هذا العام، وهذا إنْ دلَّ فإنما يدل على وحشية وإجرام تلك الجماعة التي تهدف إلى إراقة دماء أكبر عدد من الأبرياء، وتشير تلك الدموية إلى استمرارية هذه الجماعة على النهج الداعشي في التوحش والهمجية التي أدت إلى تناقص قاعدتها الشعبية.
وقد تصدَّرت نيجيريا الدول الإفريقية من حيث نسب ضحايا العمليات الإرهابية؛ إلا أن عدد الهجمات الإرهابية التي وقعت في البلاد في 2020، لم يختلف كثيرًا عن 2019؛ حيث شنَّت تلك الجماعات خلال 2020 نحو 115 عملية إرهابية بين عملية انتحارية ومواجهات مسلحة، أسفرت عن مقتل أكثر من 1258 شخصًا، وإصابة نحو 449 آخرين، كما اختُطف ما يقرب من 307 آخرين. وفي المقابل أسفرت العمليات الأمنية التي شنتها القوات النيجيرية عن مقتل 1083 عنصرًا إرهابيًّا، واعتقال 186 آخرين.
أما النيجر فقد شهدت نحو 24 عملية إرهابية غلب عليها تكتيك المواجهة المسلحة والتفجيرات الإرهابية، والتي أسفرت عن مقتل 209 من المدنيين والعسكريين، وإصابة أكثر من 135 آخرين، فضلًا عن اختطاف 25 شخصًا. أما العمليات الأمنية التي نفذتها القوات الأمنية في البلاد فقد أسفرت عن مقتل 512 عنصرًا إرهابيًّا.
وفي الكاميرون فقد نفذت الجماعة نحو 25 عملية إرهابية معظمها عن طريق استخدام المواجهات المسلحة بالإضافة إلى التفجيرات الإرهابية والانتحارية، مما أسفر عن مقتل 140 شخصًا، وإصابة أكثر من 66 آخرين.
أما تشاد فقد شهدت عمليات إرهابية أقل من جيرانها؛ حيث نفذت الجماعة نحو 12 عملية إرهابية أسفرت عن مقتل 212 شخص وإصابة 309 آخرين، وقد يكون هذا التراجع بسبب العمليات الأمنية التي تنفذها القوات التشادية، والتي أسفرت عن مقتل 1000 عنصرًا إرهابيًّا من تلك الجماعة.
ومن غرب القارة إلى منطقة الساحل؛ حيث تشهد تلك المنطقة نشاطًا إرهابيًّا مكثفًا من قبل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، الفرع القاعدي في مالي وبوركينا فاسو، وكذلك جماعة أنصار الإسلام، وتنظيم داعش الصحراء الكبرى؛ حيث استخدمت هذه الجماعات في عملياتها الإرهابية استراتيجية المواجهة المسلحة.
وقد تعرضت مالي إلى ما يقرب من 74 هجومًا إرهابيًّا، وقُدِّر عدد الوفَيَات الناجمة عن تلك العمليات بحوالي 445 شخصًا من المدنيين والعسكريين، بالإضافة إلى إصابة 235 آخرين، وفي المقابل أسفرت العمليات الأمنية عن مقتل 236 عنصرًا إرهابيًّا واعتقال 52 آخرين.
أما بوركينا فاسو فقد شهدت نحو 58 عملية إرهابية أسفرت عن مقتل 559 شخصًا، وإصابة نحو 106 آخرين، كما أسفرت العمليات العسكرية في البلاد عن مقتل 213 واعتقال أكثر من 32 آخرين.
كما وسعت تلك الجماعات الإرهابية من نشاطها الإرهابي لتصل إلى ساحل العاج؛ حيث يعتبر الهجوم الذي وقع في يونيو بالقرب من الحدود مع بوركينا فاسو هو الأول، منذ اقتحام تنظيم القاعدة في مارس 2016 لمنتجع "جراند بسام". وقد يكون هذا الهجوم ردًّا على العملية العسكرية الثنائية بين بوركينا فاسو وساحل العاج والتي جرت في الشهر السابق لهذا الهجوم.
وفي النهاية تأتي الكونغو الديمقراطية التي شهدت نموًا ملحوظًا في النشاط الإرهابي عن طريق ولاية وسط إفريقيا، خلال هذا العام مقارنة بــ 2019؛ حيث تعرضت المنطقة لنحو 58 عملية إرهابية أسفرت عن مقتل 606 شخصًا وإصابة العشرات، بالإضافة إلى مقتل أكثر من 66 عنصرًا إرهابيًّا خلال العمليات الأمنية التي نفَّذتها القوات الكونغولية، فضلًا عن اعتقال 203 آخرين.
من جانبه، يُحذِّر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف من تصاعد العمليات الإرهابية بالقارة السمراء، التي تنذر بالعودة إلى مسار العنف الذي بدأه تنظيم داعش الإرهابي في منطقة الشرق الأوسط قبل دحره، وقد استغلت تلك التنظيمات الاضطرابات الأمنية في بعض دول المنطقة، والتي تعتبر بيئة خصبة لممارسة تلك الجرائم الإرهابية، واتخذت من الدِّين ستارًا لتلك الأعمال ومسوغًا لها. كما يدعو المرصد المجتمع الدولي إلى ضرورة تكاتف الجهود على كافة الأصعدة، ومواجهته فكريًا وعسكريًّا من أجل القضاء على ذلك المرض السرطاني الخبيث، الذي لا يهدد سلامة المنطقة فحسب؛ بل يهدد أمن العالم، عن طريق إعادة تصدير ذلك الفكر الظلامي إلى مختلف أنحائه.