الزيادة السكانية تأكل ثمار التنمية.. كيف تصبح حياة المصريين أفضل حال انخفاضها؟
الجمعة، 19 فبراير 2021 10:23 ص
طفرة سكانية وزيادة مستمرة تشهدها مصر في معدلات السكان، والتى دائما ما يحذر منها خبراء التنمية والاقتصاد، لما لها من تأثير على حياة المواطنين قبل زيادة أعباء الدولة، إذ تأكل الزيادة السكانية الرهيبة ثمار التنمية فمهما حاولت الدولة العمل على سرعة إنجاز الكثير من المشروعات التنموية والخدمية لا يشعر بها المواطنين بسبب هذه الزيادة التي تدق ناقوس خطر يهدد هذه الصحوة التنموية والاقتصادية التى تحققها الدولة.
وتشير الإحصائيات والدراسات الحديثة حول الزيادة السكانية فى مصر إلى أن مصر الآن تعد أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، وثالث أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان، كما تؤكد أنه مع استمرار معدل النمو السكاني، يصل عدد السكان مصر مع نهاية 2030 إلى حوالى 120 مليون نسمة، حيث تضاعف عدد سكان مصر أكثر من 3 مرات نتيجة لعدة أسباب أبرزها الانخفاض السريع فى معدلات الوفيات وخاصة بين الرضع والأطفال، مما أثر على معدلات التنمية الاقتصادية، ومستوى المعيشة.
فى الحقيقة الدولة منذ سنوات تتخذ خطوات جادة للتصدى لخطر النمو السكانى المتزايد والمتسارع، ولعل آخر هذه الخطوات الحاسمة تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسى فى هذه القضية الخطيرة تؤكد ذلك، حيث قال الرئيس السيسى: "التعريف بخطورة النمو السكانى مهم جدا لكل الأسرة المصرية فى الريف والحضر، وأكثر من طفلين مشكلة كبيرة جدا.. ولا نسعى لحل هذه المشكلة من خلال إصدار قوانين حادة.. مش كل الأمور ممكن تتعمل بشدة.. واحنا شغالين على برنامج لمواجهة الزيادة السكانية.. ونوفر الخدمات المطلوبة لهذا الأمر".
بعيدًا عن خطابات الترهيب والتهويل من خطورة الزيادة السكانية سواء على صحة الأم أو على أطفالها ومن ثم الدولة، وإن كانت هذه الخطابات جادة بالفعل وهذه التهديدات جديرة بالاهتمام، لنتحدث قليل عما ستكون عليه مصر إذا تراجعت معدلات الزيادة السكانية وما الذى ستجنيه الأجيال الحالية والجديدة من ثمار فى شتى المجالات بداية من الصحة والتعليم وتحسين مستويات المعيشة والخدمات العامة، وحتى أعلى مستويات الرفاهية التى سيعيشها المواطن إذا تراجعت معدلات الزيادة السكانية أو على الأقل لم تزد عن مستواها الحالى "3.4 طفل لكل سيدة"؟!! ولماذا نحن الآن فى حاجة ماسة إلى مواجهة جادة للزيادة السكانية؟، ولأن المساحة لا تكفى سنكتفى هنا بسرد أبرز 10 ثمار تجنيها مصر إذا واجهت الزيادة السكانية وهى :"انخفاض معدلات البطالة، تراجع معدلات الفقر، زيادة فرص التعليم والقضاء على تكدس التلاميذ بالفصول، تطوير القطاع الصحى، القضاء على العشوائيات، زيادة نسبة الفرد من المياه، الحفاظ على الرقعة الزراعية والأمن الغذائى"، بالإضافة إلى أبرز 3 ظواهر اجتماعية تتسبب بها الأزمات الاقتصادية الناتجة عن زيادة السكان وهى: "الطلاق، وجرائم الأزواج، وتشرد الأطفال".
عشرات الدراسات والأبحاث تؤكد أن مصر على مدار السنوات القليلة الماضية وبفعل الزيادة السكانية، ازدادت بها معدلات البطالة ونسبة الأسر الواقعة تحت خط الفقر، كما انخفض حق الفرد فى التعليم والصحة والإسكان، فشاهدنا زيادة أعداد الطلاب كل عام أضعاف السنوات الماضية، مما أحدث أزمات الزيادة الطلابية والتكدس الطلابى داخل الفصول فى كل عام، حيث وصل عدد الطلاب داخل الفصل الواحد فى بعض المناطق إلى 120 طالبا، وهو ما يعرقل العملية التعليمية من جانب الطلاب والمعلمين ويساهم فى تسرب التلاميذ من التعليم وصعوبة توصيل المعلومة للتلاميذ داخل الفصول.
كما أن من آثار الزيادة السكانية التى شهدتها مصر فى العقود الماضية، التأثير سلبا على الخدمات الصحية العامة، فمثلا قد تعيق قدرة الدولة على استيفاء حاجة المواطنين من الدواء بشكل كامل، وتكدس المرضى فى المستشفيات وتراكم قوائم انتظار العمليات الجراحية فى المستشفيات، وهو ما تؤكده دراسة أعدتها إحدى شركات الخدمات العقارية التجارية، فرغم أن الدراسة تهدف فى المقام الأول لتشجيع الاستثمار فى القطاع الصحى فى مصر من خلال إبراز حاجة مصر إلى استثمارات تتراوح قيمتها بين 34.8 و60.5 مليار دولار بحلول عام 2050، لسد احتياجات المواطنين، إلا أنها كشفت حجم الكارثة المتوقعة حال استمرار الزيادة السكانية المتسارعة، حيث تناولت الدراسة الفجوة المتوقعة فى الطلب على الخدمات الصحية، من حيث عدد الأسرة الطبية والعقارات الصحية والتجهيزات الطبية والعيادات والأطباء، والاستثمارات المطلوب تنفيذها للارتقاء بتلك الخدمات، وذكرت أن مصر كانت تمتلك متوسطاً يبلغ 1.5 سرير لكل ألف نسمة، فيما بين عامى 2010-2014، لكن تلك النسبة انخفضت إلى 1.46 سرير لكل ألف مواطن فى 2015، و1.36 سرير فى 2016، وهى نسبة منخفضة جدا مقارنة بالمتوسط العالمى الذى يقدر بـ2.7 سرير لكل ألف نسمة.
وقالت الدراسة، إن مصر تحتاج إلى ما لا يقل عن 2500 سرير سنوياً حال استمرار نسبة الأسرة 1.5 سرير لكل 1000 نسمة، و3500 سرير عند رفع النسبة إلى سريرين، كما توقعت الدراسة فيما يخص عدد الأطباء أن تصبح النسبة المستقبلية 3.3 أطباء لكل ألف نسمة، حيث ستحتاج مصر إلى حوالى 203.000 طبيب بحلول 2050.
ناقوس الخطر هذا أصبح واقعًا أكدت عليه الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة والسكان، خلال افتتاح مجمع الخدمات الطبية فى محافظة الإسماعيلية بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي، بقولها: "الزيادة السكانية بمقدار 2 مليون نسمة سنويا يعنى أننا فى حاجة إلى40 مستشفى بتكلفة 40 مليار جنيه، و15 مركزا طبيا بتكلفة 375 مليون جنيه، بالإضافة إلى 50 وحدة بتكلفة مليار جنيه، و80 سيارة اسعاف، فضلا عن الاحتياج إلى 4 آلاف طبيب و40 الف ممرضة لخدمة 2 مليون، بجانب 13 مليار جنيه مقابل الخدمات، هذا بخلاف الأموال المطلوبة لتطوير الخدمة الحالية وخدمة المتواجدين".
القول بأن "قطرة مياه تساوى حياة"، لم يعد رفاهية أو قبيل مثل أو مقولة تؤكد أهمية المياه، فالتعامل مع المياه فى مصر مع الزيادة السكانية لم يعد أمرًا يسيرًا خاصة مع تراجع الفرد إلى 550 متر مكعب سنويا، بعد أن كان 2500 متر مكعب فى ستينيات القرن الماضى، الأمر الذى بات يشكل خطرًا حقيقا على الأجيال الحالية والقادمة.
وتشكل الزيادة السكانية أيضا خطرًا محققا على الأمن الغذائى، فكل الدراسات القديمة والحديثة تؤكد أنه كلما زاد عدد السكان زاد الزحف العمرانى على الرقعة الزراعية التى تقلصت كثيرًا، وخلال السنوات الماضية أصبحت مصر من أكثر بلدان العالم استيرادا للحبوب بعد أن كانت تصدر آلاف الأطنان من الغلال والحبوب لدول العالم، ما دفع الدولة مؤخرا لشن حملات مكثفة على التعديات على الأراضى الزراعية و"استرداد حق الشعب".
وتُساهم الزيادة السكانية أيضًا فى تشرد الأسرة المصرية وهو ما تظهره زيادة ظاهرة أطفال الشوارع، وارتفاع نسب الطلاق، وجرائم القتل بين الأزواج بسبب الظروف الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة، فمن المستحيل أن تستطيع الدولة توفير فرص عمل لهذا التعداد الضخم من الشباب سواء فى القطاع العام أو الخاص.
أزمة أخرى تخلفها الزيادة السكانية والتى لو تراجعت معدلاتها لوجدنا مصر أجمل، وهى العشوائيات، فعلى الرغم من إنفاق الدولة مؤخرًا مليارات الجنيهات لتطوير العشوائيات وتحسين مستوى المعيشة لسكان هذه المناطق والذى لامسناه بالفعل، إلا أن الواقع يؤكد أنه ما زالنا نحتاج مزيد من العمل ومزيد من المشروعات ومزيد من المليارات، بسبب الزيادة السكانية، فوفقاً لأحدث البيانات السنوية الصادرة عن جهاز الإحصاء فإن إجمالى مساحة المناطق العشوائية بالجمهورية يبلغ نحو 160.8 ألف فدان، وتمثل نسبة العشوائيات نحو 39% من إجمالى الكتلة العمرانية للجمهورية وتنتشر فى 226 مدينة، غير أن تأكيد الدولة عزمها القضاء على العشوائيات والتصدى لأى محاولات لعودتها مرة أخرى يطمئنا إلى حد ما على هذا الملف، لكن ما يزيد اطمئنانا هو تراجع معدلات الزيادة السكانية ومن ثم تراجع الزحف على الرقعة الزراعية وبناء العشوائيات.
لنضرب مثالا عما ستكون عليه مصر، حال تراجع معدلات الزيادة السكانية، بما حدث فى دولة ألمانيا، فقد كشف تقرير حديث صدر فى يناير الماضى عن المكتب الاتحادى للإحصاء فى فيسبادن الخاص بتقدير عدد سكان ألمانيا، أن عدد سكان ألمانيا لم يزد للمرة الأولى منذ 2011، حيث لا يزال 83.2 مليون نسمة دون أى زيادة، فألمانيا التى توصف بـ "قاطرة الاقتصاد فى أوروبا"، والمعجزة الاقتصادية التى فرضت نفسها بقوة فى العالم، فحجم الاقتصاد الألمانى اليوم يتجاوز 4 تريليونات دولار، مما يجعل منه الاقتصاد الأكبر فى أوروبا ورابع أكبر اقتصاد فى العالم مع استحواذه على نحو 5% من الناتج المحلى العالمى، ومع هذا الثبات في معدل نمو السكان بألمانيا وزيادة الدخل القومى أصبحت الدولة تنفق على رفاهية مواطنيها.
القضية ليست بالهينة والتحديات التى تواجها مصر ليست باليسيرة فاليوم ونحن نقدر بنحو 101 مليون و533 ألف نسمة، على أبواب كوارث محققة على كافة المستويات والمجالات "التعليم والصحة والإسكان، وغيرها.."، خاصة فى ظل عدم مناسبة معدل ارتفاع الناتج القومى مع هذا النمو السكانى، الأمر الذى يستدعى تضافر جهود الدولة بكافة مؤسساتها ومجتمعها المدنى ومواطنيها لوقف هذا الوحش "الزيادة السكانية" الذى يقضى على الأخضر واليابس ويؤد ثمار المشروعات التنموية قبل أن تولد.