خريطة من التحالفات الدولية الجديدة مع زعماء العالم بدأ الرئيس الأمريكي جون بايدن، في وضعها، ستختلف في شكلها ومضمونها عن تلك التحالفات التي وضعها الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو ما سيجعل علاقة زعماء العالم بالإدارة الأمريكية الجديدة متأرجحة بعض الشئ صعودا وهبوطا على مستوى التقارب مع الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة، وبالتالي حجم الدور الذى يمكنهم القيام به، على المستوى الدولى، وهو الأمر الذى قد يخلق حالة من التنافس الدولى، حول استرضاء الإدارة الجديدة،
ولعل أبرز ملامح التحالفات الجديدة لبايدن مع زعماء العالم هو محاولته تخفيف حدة التوتر مع الصين، في حين تلوح في الأفق ميولا للتصعيد تجاه روسيا، على عكس النهج الذى اتخذته الإدارة السابقة، وفى الوقت نفسه، نجد أن مكانة الحلفاء، تشهد إعادة هيكلة، إذا ما قورنت، ليس فقط بحقبة ترامب، وإنما أيضا قد تشهد تغييرا ملحوظا عن خريطة التحالفات، التي رسمتها واشنطن خلال حقبة الرئيس الأسبق باراك أوباما، والتي كان بايدن نفسه جزءً منها، بحكم منصبه فيها كنائب للرئيس، في انعكاس صريح للتغيير الكبير الذى شهدته الساحة الدولية خلال السنوات الأربعة الماضية.
وهنا تلوح حالة من التنافس بين حلفاء واشنطن لتقديم الولاء للإدارة الجديد، من أجل الحصول على دور أكبر، وبالتالي توسيع نفوذهم، سواء على المستوى الدولى، أو إقليميا داخل العديد من المناطق العالم، سواء في أوروبا أو آسيا أو الشرق الأوسط، وحتى الجوار الأمريكي نفسه، والذى قد تشهد فيه العلاقات الأمريكية قدرا من التغيير، بحسب مدى التوافق في المصالح بين واشنطن وجيرانها في المرحلة المقبلة.
ماكرون وحلم قيادة أوروبا الموحدة بعد تقاعد ميركل
منذ بداية حكم الرئيس الأمريكي الجديد كانت فرنسا حاضرة بقوة في الإعلام الأمريكي خاصة بعد إعلان بايدن عودة أمريكا لاتفاقية باريس المناخية، وهو ما يعد بمثابة مصالحة أمريكية، ليس فقط مع المناخ ونشطاء البيئة، وإنما أيضا يمثل تقاربا مهما مع فرنسا، في ظل ارتباط الاتفاقية باسم عاصمتها، مما يضفى المزيد من النفوذ لها، في إطار دورها الهام في تقديم الحلول للقضايا الدولية الشائكة.
كما حرص بايدن على التشاور مع ماكرون بشأن الاتفاق النووي الإيراني، في إطار رغبة واشنطن في العودة إلى المسار التفاوضى مع طهران في المستقبل القريب، بعد انسحاب ترامب منه في 2018.
وكان لخروج المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن السلطة في برلين، في ظل قرارها الذى اتخذته في 2019 بالتقاعد، وعدم الترشح في الانتخابات المقبلة، قد أعطي فرصة مهمة لبزوغ نجم ماكرون، باعتباره طرفا موثوقا به لدى الشريك الأمريكي، لقيادة القارة العجوز، من داخل الاتحاد الأوروبى، وهو ما يطمح إليه الرئيس الفرنسي منذ صعوده إلى عرش الإليزيه في 2017، إلا أن توجهات ترامب المناوئة للكيان القارى الموحد، وتفضيله لبريطانيا بعد "بريكست" كانت العائق الرئيسى أمامه لتحقيق حلم القيادة.
ضغوط مرتقبة على لندن بعد "بريكست"
وعلى الجانب الآخر من القارة العجوز، تبدو التوجهات الأمريكية الجديدة مناوئة للندن، وهو ما جعل البعض ينظر لبرطانيا علي أنها من "المطرودين من جنة" بايدن، بعد خروجها من الاتحاد الأوروبى "بريكست"، والذى يمثل "نواة" رئيسية للاحتفاظ بالقيادة الأمريكية للعالم، ويأتي هذا التوجه على عكس الإدارة السابقة التي أغدقت في الوعود لرئيس الوزراء بوريس جونسون، حول إبرام اتفاق تجارى كبير، يمكن من خلاله تعويض الحكومة البريطانية عن المزايا التي سوف تخسرها جراء خطوة الانفصال عن القارة العجوز.
ولا تتوقف أزمة جونسون مع بايدن، على مجرد الخروج من أوروبا الموحدة، وإنما تبقى علاقته القوية مع الرئيس السابق دونالد ترامب بمثابة معضلة أخرى تواجه العلاقة بين لندن وواشنطن في المرحلة المقبلة، مع التوافق الكبير في الرؤى بين الجانبين، خاصة فيما يتعلق بخطابهما الشعبوى المناهض للهجرة، مما ساهم تقوية شوكة تيارات اليمين المتطرف، في العديد من دول القارة العجوز، والتي باتت تحظى بقاعدة شعبية كبيرة، تمثل تهديدا صريحا لليبراليين، الذين يمثلون الحلفاء الرئيسيين للإدارة الديمقراطية الحالية في الولايات المتحدة.
أصول كامالا هاريس تدعم الهند منافس الصين في أسيا
ومن القارة الأوربي إلى القارة الأسيوية، حيث نجد أن تحالفات واشنطن ربما لا تخرج عن الحسابات السياسية التقليدية، للولايات المتحدة، وبالتالي لن نجد خلافا كبيرا بين توجهات بايدن وترامب في القارة الصفراء، حيث تبقى الهند صاحبة حظوظ وفيرة للحصول على دعم واشنطن، على غرار الإدارة السابقة، في ضوء التوجه الصريح نحو مزاحمة الصين في محيطها الإقليمى في المرحلة المقبلة، خاصة وأن إدارة بايدن، وإن كانت لا تسعى لاستعداء بكين، إلا أنها تبقى تنظر إليها باعتبارها منافس شرس ينبغي احتوائه.
وتعد الأصول الهندية لنائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، أحد أهم أسباب التقارب المحتمل بين إدارة بايدن ونيودلهى في المرحلة المقبلة، حيث تبقى الشعبية الكبيرة لها داخل الهند مدخلا مهما للتقارب الرسمي إلى درجة التحالف، وذلك بالرغم من العلاقات الوثيقة والتقارب الأيديولوجى بين رئيس الوزراء نياندرا مودى والرئيس الأمريكي السابق، بحكم خطابهما الشعبوى المشترك، وتوجهاتهما اليمينية، وهو ما ترجمته زيارة ترامب للهند في مارس الماضى، والتي شهدت حفاوة كبيرة.
تراجع تركي
على الجانب الآخر بدا أن فرضة تركيا بتت ضيئلة جدا مع الإدارة الأمريكية الجديدة علي عكس العلاقة مع الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي كان ينظر لتركيا علي أنها أحد أبرز حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، خلال سنواته في البيت الأبيض، إلا أن الخلافات الكبيرة الحالية بين أردوغان وبين دول أوروبا الغربية، سواء على خلفية مواقفه الداعمة للميليشيات في العديد من دول المنطقة، والتي باتت تمثل تهديدا مباشرا لأوروبا من جانب، أو استخدامه لورقة اللاجئين لابتزاز القارة العجوز من جانب أخر، ناهيك عن محاولاته للانقضاض على منطقة شرق المتوسط، في تهديد صريح لليونان، والتي تمثل أحد أعضاء الاتحاد الأوروبى.
شكوك كندية
أما العلاقة مع كندا، والتي تعد أحد أبرز دول الجوار الأمريكي مثار جدل كبير، خاصة بعد الإعلان عن مبادرة "صنع في أمريكا"، والتي أثارت امتعاضا كبيرا لدى دائرة صناعة القرار في أوتاوا، حيث أنها تمثل تهديدا صريحا للصادرات الكندية لواشنطن، وبالتالي فتمثل بعدا جديدا لسياسة التعريفات الجمركية التي سبق وأن فرضها ترامب على الحلفاء، ومن بينهم كندا.