أيمن عبد التواب يكتب: «نيولوك» الشيخ خالد!

السبت، 16 يناير 2021 09:00 م
أيمن عبد التواب يكتب: «نيولوك» الشيخ خالد!
خالد الجندي


علماء المسلمين ودعاتهم ووعاظهم وخطبائهم ليس لهم زيًا كهنوتيًا.. والإسلام لم يفرض على العاملين في حقل دعوته لباسًا موحدًا
 
ما كادت الضجة التي أثارها الشيخ خالد الجندي- برأيه في عدم وقوع «الطلاق الشفهي»- أن تتوقف، حتى تسبب عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، في إحداث ضجةٍ أكبر، عندما أطل بـ«لباسٍ»، وهيئةٍ، أو- بلغة «الفرتجة»- «نيولوك»، غير الذي اعتاد الناس رؤية الشيوخ الأزاهرة عليه، خاصة الذين يطلون عليهم عبر وسائل الإعلام.. ولهم مكانة عندهم، ومحبة في قلوبهم.
 
الشيخ خالد نشر صورة ظهر فيها بـ«لباسٍ» أشبه باللباس الذي اُشتهر به الكاتب الصحفي والإعلامي، إبراهيم عيسى، (قميص وبنطلون مشدود بحمالات)، ونظارة «هاري بوتر»، وقبعة كالقبعات الفرنسية، و«سكسوكة» يُطلق عليها «دوجلاس»، لكن بياض شعرها جعلها أشبه بسكسوكة «كنتاكية»، نسبة للكولونيل ساندرز، مؤسس مطاعم كنتاكي!
 
«اللوك» الجديد لـ«مولانا» قوبل بموجة نقد عنيفة.. لكن السفهاء، والسفلة، والموتورين، والكارهين، والمتربصين بالشيخ خالد من «معسكر الشر»، تجاوزوا حد النقد المباح، وتطاولوا على عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ونالوا منه ومن عرضه، واتهموه بالإساءة إلى علماء الأزهر، والزي الأزهري، بل والإساءة إلى الدين الإسلامي نفسه.. وهي اتهامات مرفوضة، ومردودة على أصحابها.. خاصة وأن شيخنا لم يقترف خطيئة، ولم يجترح سيئة، ولم يرتكب كبيرة من الكبائر، ولا فعل معصية.
 
في المقابل كان هناك مَن يدعمون، ويؤيدون الشيخ خالد في «نيولوكه»، ويرون أن بعض التغيير مطلوب، والهيئة «الكاجوال» لطيفة، و«لايقة» لائقة على الشيخ «المرِح»، المحب للحياة.. «ابن النكتة» الذي يفرق بين الدعابة وقلة الأدب، فقال للذين تجاوزوا في نقده: «مش أي حد يتصور.. أنا مجهز كولكشن هايل للشتا.. وبكرة فيه لبس تاني للي عايز يشوف»!
 
الضجة التي أحدثتها «الصورة» كان يتوقعها الشيخ خالد، بل إنه كان «يقصدها»- كما قال في تصريحات متلفزة- ونشرها عامدًا متعمدًا مع سبق الإصرار والترصد! موضحًا أن الصورة هدفها «إيصال رسالة بأنه لا يوجد كهنوت في الإسلام، ولا يوجد ملبس لرجال الدين، ولا يوجد رجال دين ولكن يوجد علماء دين».
 
ومَن قال إن في الإسلام «كهنوتًا» يا شيخ خالد؟ ائتنا بمسلم واحد «ذي حيثية»، أو حتى بمسلم من العامة، ادعى أن لدينا «كهنوتًا»! مَن قال إن الإسلام يفرض على علمائه، وخُطَّابِه، ووعاظه ودعاته «زِيًّا» بعينه؟ أكاد أجزم أن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها- باستثناء خريجي الكليات والمعاهد الدينية، وبعض المثقفين- لا يعرفون معنى كلمة «كهنوت»، وبعضهم لم يسمع عنها من قبل!
 
بل إن كل العاملين في حقل الدعوة الإسلامية ليس لهم «لباسًا موحدًا».. فالأمر فيه اختلاف، وفسحة، وتنوع.. وفضيلتك أعلم منا.. فأخبرنا، هل رأيت كل العلماء والأساتذة الأزاهرة، وغير الأزاهرة، الذين يُدَرِّسون العلوم الشرعية والإسلامية يرتدون لباسًا واحدًا، أو قريب الشبه من الزي الكهنوتي؟ قطعًا لا. فهناك مَنْ يلتزم بـ«السمت الأزهري» التقليدي، «العمامة، والجبة، والقفطان».. وهناك مَن يرتدي «بدلة» كاملة.. وهناك مَن يكتفي بـ«قميص أو تيشيرت وبنطلون».. وهناك مَن يرتدي الجلباب الفلاحي، أو الصعيدي مع غطاء الرأس التقليدي في الوجهين القبلي والبحري..
 
ولماذا نذهب بعيدًا يا مولانا؟ زميلك معك في البرنامج، الشيخ رمضان عبد المعز، ألم يظهر معك في الحلقة مرتديًا «بدلة» دون كرافت؟ بل أنت نفسك، ألم تطل علينا مئات الإطلالات، عبر الشاشات، مرتديًا «بدل كاملة»، وعباءات، وجلاليب غاية في الروعة والجمال، وعلى الموضة، ويشهد مثلي على «شياكتها، وأناقتهتا، وغلو ثمنها»، دون أن تتعرض فضيلتك لانتقاد أو هجوم من «أهل الشر»؟
 
يا مولانا.. لك في القلوب محبة عظيمة.. وأقسم أنني من متابعيك، ومن المعجبين بالطريقة التي تقدم بها ما أفاء الله عليك من علمه وفضله.. وأنا من المعجبين بـ«شياتك»، وزوقك الرفيع في تناسق الألوان، وارتداء الأزياء التي تزيدك جمالًا وبهاءً.. ربنا يحميك ويحفظك من كل سوء.. لكن أتدري لماذا اُنتِقِدت، وهوجمت، هذه المرة؟ أعتقد أنك تدري.. فمثلك يعلم ما بين السطور.. وأنت فعلتها وتوقعتها، وصدق توقعك.. لكن الـ«نيولوك» هذه المرة، زاد عن حده.. و«جاحد شويتين».. وهيئتك الجديدة أشبه بمن يُطلق عليه «المثقف العميق»، أو مثقفو «وسط البلد»!
 
نعم.. علماء المسلمين، ودعاتهم، ووعاظهم، وخطبائهم، بل ومحفظي القرآن الكريم.. ليس لهم زيًا كهنوتيًا.. والإسلام نفسه لم يفرض على العاملين في حقل دعوته لباسًا موحدًا.. فالأمر فيه «بحبوحة».. وكلٌ يرتدي ما يروق له، طالما كان مناسبًا.. ولا يثير جدلًا بين الناس.. ومع التسليم بأن اللباس الأزهري ليس فرضًا ولا سنةً، ولا مستحبًا.. لكن جرى «العرف» أن «المشايخ» يرتدون هذا الزي، وبه يُعرفون.. واعتاد الناس على رؤية الطلاب في المعاهد الأزهرية من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية، وهم يرتدون الزي الأزهري التقليدي، ويتحللون منه بعد الدراسة..
 
«العرف»، و«العادة» يا مولانا هما سبب ربط بعض الناس بين هذا الزي، وبين مَن يرتدوه، ويمنحونه لقب «شيخ» فعلى مدار «عقود» تتجاوز «القرن»، ألفنا رؤية طلاب وشيوخ الأزهر بهذه الهيئة.. تمامًا، كـ«البالطو الأبيض»، الذي يرتدبه الأطباء، وطواقم التمريض.. و«الروب الأسود» الذي يرتديه المحامون.. والزي الذي يرتديه عمال النظافة في الشوارع.
 
فالأمر ليس دينًا مُنزلًا، ولا قانونًا مُلزمًا، وإنما هو «العرف» والعادة.. مجرد «ألبسة» ترتديها بعض الفئات؛ لتميزها عن فئات أخرى.. أو تستطيع أن تسميها «لبس الشغل».. ما إن تنتهي ساعات العمل، حتى تخلع كل فئة «لباسها» الموحد، وترتدي ما يلائمها ويناسب مجتمعها.. والشيوخ فئة من هذه الفئات.. ما إن ينتهون من خطبة الجمعة، أو مناسبة دينية، أو لقاء رسمي، حتى يتحللون من زيهم الأزهري، ويريدون ما يشاؤون، ويسيرون به بين الناس!
 
فالإسلام لم يفرض زيًا أزهريًا، كما أكدت يا شيخ خالد.. لكن «العرف» هو الذي فرض هذا «الزي».. وفضيلتك أعلم منا بأن «العرف» هو أحد مصادر التشريع الإسلامي، وإن كان مصدرًا غير أساسي.. و«ما تعرف عليه الناس فهو شرع ما لم يخالف نصًا».. هكذا درسنا وتعلمنا.. ثم مَن يدري ربما يتغير «العرف» مستقبلًا، ويرى أولادنا وأحفادنا الشيوخ وهم يريدون زيًا غير الزي الأزهري التقليدي. 
 
يا شيخ خالد.. فضيلتك- خلال برنامجك «لعلهم يفقهون»- قلت نصًا: «الضجة دي سببها إن المشايخ، إلا ما رحم ربي، ما بذلوش الجهد المطلوب في الاختلاط بالناس.. والزي الكهنوتي بقى حاجز ما بين الناس والمشايخ.. والحاجز ده يعطي الشيخ هالة، ووقار.. ولكن على حساب الخطاب الشعبوي».. مَن قال إن الزي الأزهري يبني حاجزًا بين المشايخ وبين الناس، يا مولانا؟ ظني أن هذا الأمر غير صحيح.. اللهم إلا إذا كنت تقصد شيوخًا بعينهم يصطنعون ذلك؛ لغرض ما في نفوسهم!
 
صحيح يا مولانا.. لدينا شيوخ يتخذون من الزي الأزهري وسيلة للتكسب، وربما لـ«النصب» على الناس.. و«المتاجرة» بالدين.. لكن هذا أمر طبيعي.. ففي كل فئة أو طائفة، أو مهنة أشخاص يسيئون لزملائهم.. فهناك الصحفي الفاسد، والقاضي المرتشي، والضابط المجرم، والطبيب المنحرف.. فانحراف البعض ليس مقتصرًا على الشيوخ.. ولا ينبغي الوقوع في فخ التعميم. 
 
لقد اختتمت حديثك بقولك: «أنا قصدت بالصورة إرسال رسالة، أنه يجب ألا تحترموا الناس من ملابسهم.. إحنا عاوزين يكون الاهتمام بالجوهر.. لكن للأسف المظهر طغى على الجوهر»! حسنًا.. ومَن قال إن المظهر ينفصل عن الجوهر؟ أخبرني، لو أن طبيبًا ارتدى زيًا أزهريًا، أو «جلبابًا»، أو «ترننج سوت».. هل سيكون كلامه لمرضاه محل اهتمام، واحترام، وتقدير؟ ظني، لا وألف لا.
 
يا مولانا.. ظني- وبعض الظن من حُسن الفطن- أن التخوف من «نيولوكك»، وانتقاد بعضنا لك، والهجوم عليك ليس لارتدائك هذا الزي، وإنما في ظهورك به، وترويجك له، وإصرارك عليه.. ومخالفتك لـ«العرف»، وما ألفه الناس.. ثم تطلب منا عدم التركيز في المظهر، والاهتمام بالجوهر.. والاهتمام بكلام الشيخ، لا بـ«نيولوكه»! ولنفترض أننا- مرغمين- تقبلنا «نيولوكك»، فهل نضمن عدم ظهور أحد الشيوخ بـ«بدلة لميع بترتر» كبعض المطربين، ويطلب منا الاهتمام بكلامه لا بـ«لباسه»، وحجته أن «الإسلام لم يفرض زيًا بعينه»؟
 
ثم، ألا ترى فضيلتك أن تبريرك لـ«نيولوكك» أشبه بتلك التبريرات التي يسوقها «مثيرو الجدل»، بعض اللاهثين وراء «الترند»، على مواقع التواصل الاجتماعي، ويحاولون ركوبه، بأي طريقة؛ طمعًا في مكسب سريع، أو شهرة رخيصة، أو مجد زائف.. ونحن نحبك ونحترمك، ونربأ بك من أن تُقال كلمة تنال منك، وتخدش مكانتك في قلوب محبيك. فهل وصلت الرسالة يا مولانا؟

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق