هدايا أردوغان المفخخة لليبيين في بداية العام الجديد
السبت، 09 يناير 2021 06:00 ممحمود علي
تركيا تواصل نقل المرتزقة والسلاح لليبيا وشحن الطائرات العسكرية إلى طرابلس لإفشال أي مباحثات تستهدف استقرار ليبيا
كان ينتظر الليبيون أن يحمل العام الجديد في طياته الأمل والسلام، والخير على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية، أملاً في أن تنتهي معاناة الليبيين بين احتلال تركي غادر قضى على الأخضر واليابس وسطوة للميليشيات المسلحة والتنظيمات المتطرفة على بعض المناطق الليبية، فضلا عن الرغبة في تحقيق انفراجات سياسية توقف صراعاً امتد لسنوات بين أقاليم ليبيا الكبرى.
وشهدت الشهور القليلة الماضية جولات للحوار بين الفرقاء الليبيين توسطت فيها العديد من الدول والأمم المتحدة أملا في التوصل لاتفاق دائم يشمل تشكيل حكومة جديدة، ودعم اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين اللجنة العسكرية المشتركة في جنيف، في الوقت الذي تستمر فيه الحكومة التركية في انتهاكاتها داخل ليبيا بدعمها للتنظيمات المتطرفة وإرسالها للمرتزقة السوريين في محاولات عديدة لبسط نفوذها داخل البلاد.
ووصفت مصادر إعلامية ليبية سياسيات أنقرة المستمرة داخل ليبيا، بالمفخخة من قبل أردوغان في العام الجديد، فرغم ما ارتكبته أنقرة من فظائع في البلاد عام 2020 كانت محل نقد واستنكار من قبل الليبيين والقبائل الكبرى، إلا أنها تعمل جاهدة في وقتنا الراهن إلى إفشال أي مباحثات من شأنها أن تعيد الاستقرار للبلاد.
وتوصل الليبيين في أكتوبر الماضي في اجتماعاتهم بـ"جنيف" السويسرية لاتفاق لوقف دائم لإطلاق النار متضمناً عدة بنود أبرزها وقف كافة التدخلات الأجنبية وخروج المرتزقة من البلاد.
ورغم الترحيب الدولي باتفاق "جنيف" لما يشكله من بداية لنهاية الأزمة الليبية، إلا أن تركيا هي الدولة الوحيدة التي عبرت عن عدم رضاها من نتائجه؛ مواصلة تدخلها في الشأن الليبي مصرة على وجود قواتها والمرتزقة السوريين في الأراضي الليبية بعد ما فتحت لها بعض المسؤولين بحكومة الوفاق الباب للتدخل العسكري بعد توقيعها اتفاقية أمنية معها في أواخر 2019.
واستمر الرئيس التركي في مساعيه الرافضة إلى تحقيق أي تقدم يذكر على المستوى العسكري في ليبيا، مشككا في إعلان اتفاق وقف إطلاق النار، معتبرا أنه "ضعيف المصداقية"، وقال إنه "ليس اتفاقا على أعلى المستويات"، لافتاً: "ستظهر الأيام مدى صموده".
ورغم ما اتفاق جنيف على "تجميد العمل بالاتفاقيات العسكرية الخاصة بالتدريب في الداخل الليبي، وخروج أطقم التدريب إلى حين تسلم الحكومة الجديدة الموحدة لأعمالها"، إلا أن تركيا عاندت الليبيين مقدمة على تحركات تؤدي إلى إفشال هذه الجهود الدولية لاستمرار الهدنة في ليبيا، حيث أعلن البرلمان التركي الشهر الماضي الموافقة على طلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتمديد تواجد القوات التركية 18 شهراً إضافيين.
وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في جنيف، تكلف الغرفة الأمنية المشكلة بتنفيذ ترتيبات أمنية خاصة مشتركة تكفل تأمين المناطق التي تم إخلاءها من الوحدات العسكرية والتشكيلات المسلحة.
وأعلنت تركيا قبل أيام، استمرار دعمها للميليشيات المسلحة الداعمة لحكومة الوفاق الليبي، مؤكدة عبر وزير الدفاع التركي خلوصي أكار استمرار أنشطة بلاده في ليبيا بالتعاون مع حكومة الوفاق المتمركزة في طرابلس، وأوضح وزير الدفاع التركي أن أنشطة بلاده في ليبيا تأتي في "مجال التدريب والتعاون"، مؤكدًا أن "الاستشارات العسكرية مُستمرة، معلنًا مواصلة أعمال بلاده داخل ليبيا".
وفي اختراق واضح لوقف إطلاق النار في ليبيا، واصلت تركيا إرسال الأسلحة والمعدات العسكرية والمرتزقة وتدريب الميليشيات، ولا تزال تحاول بكل الطرق حشد المتطرفين والإرهابين داخل ليبيا لتنفيذ مخططها الساعي إلى السيطرة على موارد الدولة الليبية لإنقاذ اقتصاد الرئيس التركي الذي اقترب من الانهيار على واقع تشديد العقوبات الدولية والأوروبية على خلفية سياساته ومواقفه في مختلف القضايا الدولية.
وكشفت مواقع متخصصة في تتبع حركة الطائرات، مواصلة تركيا شحن طائرات عسكرية عبر الجسر الجوي الذي أقامه أردوغان منذ أن أعلن عن نيته البدء في التدخل عسكريا في ليبيا، حيث قامت رصدت هذه المواقع 40 رحلة لطائرات شحن عسكرية تركية وصلت إلى غرب ليبيا منذ توقيع اتفاق "جنيف" كان آخرها منذ أيام ونقلت خلالها بطاريات صواريخ ومنظومتي رادار ثلاثي الأبعاد.
وفي وقت يعاني فيه الجنوب الليبي من انتشار السلاح والتنظيمات المتشددة، تحاول تركيا أن تحشد ميليشياتها ومرتزقتها في هذه المنطقة مستغلة تنسيقها مع العناصر المسلحة المتشددة بالقارة السمراء لمحاولة إدخالها إلى ليبيا عبر الحدود الجنوبية، ضمن تحركات وصفها مراقبون ليبون بأنها تسعى إلى بث الفوضى، ودعم الجماعات المسلحة التي تحارب الجيش الوطني الليبي.
وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان قبل أيام عن استمرار تركيا في ضخ المرتزقة داخل ليبيا، مؤكدة أن عملية عودة المرتزقة التابعين لأنقرة إلى سوريا متوقفة منذ منتصف نوفمبر الماضي على الرغم من توقف القتال ومازال هناك أكثر من 7 آلاف مرتزق من الـ18 ألف الذين أرسلتهم تركيا على مدار العام الماضي إلى غرب ليبيا.
وفي كلمة له بمناسبة عيد الاستقلال الليبي الموافق 24 ديسمبر، طالب القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، في خطاب شديد اللهجة، بخروج الأتراك والمرتزقة من الأراضي الليبية، مخيراً إياهم إما بالسلام أو بالحرب.
ورداً على ذلك، لمح وزير الدفاع التركي خلوصي آكار خلال زيارته إلى العاصمة الليبية طرابلس أواخر الشهر الماضي إلى رفض بلاده السلام في ليبيا، وهدد وسط حضور مجموعة من المسؤولين التابعين لحكومة الوفاق باستهداف قوات الجيش الوطني الليبي ومؤيديه من المدنيين بالقصف والقتل في حالة الدفاع عن دولتهم ومحاربة التواجد التركي داخل البلاد.
وفي سياق متصل، تواصل تركيا برنامج تدريب الميليشيات المسلحة الموالية لحكومة الوفاق، والتي كان أخرها التدريبات بالأسلحة الثقيلة في ميناء الخمس البحري ومناطق بالمدينة ما تسبب في سماع أصوات انفجارات قوية.
وترددت أنباء في الفترة عن استعداد أنقرة للسيطرة على سرت من خلال تحشيد المرتزقة والميليشيات والاستعانة بعناصر من تنظيم القاعدة برعاية إخوانية، فضلاً عن تجهيز قاعدة الوطية بشتى أنواع التقنيات العسكرية وطائرات إف 16.
تسعى تركيا للسيطرة على ثروات الليبيين، مقابل دعمها لحكومة الوفاق الغير شرعية، ففي الوقت الذي وقعت معها اتفاقية أمنية أواخر 2019، وقعت معها اتفاقية أخرى لترسيم الحدود البحرية، لتتمكن من التنقيب عن النفط والمطالبة بحقوق في مناطق واسعة في شرق البحر المتوسط تطالب بها دول أخرى أبرزها اليونان.
وعلى مدار العام الماضي وقعت تركيا مع حكومة الوفاق عدة اتفاقيات تبدو في ظاهرها لدعم التعاون الأمني والاقتصادي، لكن في باطنها تسمح بفرض وصايا أنقرة تلك الدول على غرب البلاد وإدخاله مرحلة الاحتلال المباشر.
وسيطرت أنقرة على الغرب الليبي عسكرياً من خلال توقيع اتفاقيات مع حكومة الوفاق تقضي بإرسال مستشارين عسكريين وإنشاء قاعدة عسكرية مع منح الضباط الأتراك حصانة حتى لا يلاحقون قانونياً.
وواصلت تركيا تغلغلها الممنهج للسيطرة على مفاصل القطاعات المهمة للاقتصاد الليبي، وعقدت اتفاقيات مع مصرف ليبيا المركزي واستحوذت شراكتها على عقود إعادة الإعمار وفي قطاع الكهرباء وفي قطاع الواردات والجمارك.
ومع إعلان البعثة الأممية في ليبيا عن توصل أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي، في جولة الحوار التي عقدت في تونس نوفمبر الماضي، إلى اتفاق حول تحديد موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في عيد الاستقلال الموافق 24 ديسمبر 2021 بدأت الصراعات في طرابلس تلوح في الأفق، ليس لخوض المعترك السياسي بشرف والفوز بالانتخابات ولكن من أجل التنافس على من ينول رضا حزب العدالة والتنمية التركي، بعد تحكمه زعيمة في كل كبيرة وصغيرة داخل حكومتهم.
وسعت تركيا لاختيار من يمثل الحكومة الليبية القادمة للحفاظ على تواجدها وعرقلة أي تفاهمات بين الفرقاء الليبيين، وبعد الاجتماعات التي جمعت ممثلي مجلس النواب الليبي و”المجلس الاستشاري” في بوزنيقة والقاهرة، للتوصل إلى اتفاق حول المناصب السيادية، تحدثت تقارير عن عدم ارتياح الرئيس التركي للتقارب بين المجلس الاستشاري ومجلس النواب، ووجه رسائل لرئيس المجلس الاستشاري، خالد المشري، مفادها أنه سيرفض بشكل كامل أي تقارب بينه وعقيلة صالح ما لم يوافق الأخير على الاتفاق الموقع بين فائز السراج ورئيس تركيا.
كما سعت لإبعاد فتحي باشاغا، عن الحكومة الجديدة بعد أن تأزمت علاقته مع أنقرة بعد زيارته إلى باريس، وأعلنت رفضها للجهود التي يقودها منفرداً مطالبة إياه بإبلاغها والتنسيقات التي يقوم بها.
وزار فتحي باشاغا في شهر نوفمبر الماضي فرنسا، والتقى عدد من المسؤولين للحصول على دعمهما لأن يتولى منصب رئيس الوزراء للمرحلة الانتقالية، إلا أن تلك التحركات أثارت حفيظة تركيا، التي على خلاف مع فرنسا في عدة ملفات بينها الملف الليبي.
ومنذ بداية عام 2020 عانى الليبيين من جرائم الاحتلال التركي والمرتزقة التابعين له والذين جعلوا من الوضع في غرب ليبيا في اسوأ حال، وارتكبوا قتل وتدمير وتخريب، وانتهاك للحرمات وخطف للفتيات والنساء واستهداف للشيوخ على مرئى ومسمع من أجهزة الوفاق الأمنية، إن لم يكن بمساعدة رجالها.