رحل فارس «النور» و «الظلام».. وداعًا فارس الكلمة وحيد حامد
السبت، 09 يناير 2021 05:19 مكتب- حسن شرف
المُبدع الذي تذكر في لحظة تكريمه؛ لحظة البداية، وعادت إليه ذكريات مشواره كشريط سينما يعود إلى الوراء، وكأنه يفكر في كتابة آخر مشهد قبل أن يقول «فركش». مات والسيناريو الخاص به مكتملًا غير منقوص، بعد أن أضاف «ماستر سين» في مسرح النافورة بدار الأوبرا المصرية.
قد يَسأل أحدهم- عن السر وراء الاحتفاء المستمر بالكاتب الكبير الراحل وحيد حامد (2021-1944)، والذي بدأ في الأول من ديسمبر من العام المنصرم قبل وفاته بأيام، وذلك عند تكريمه في الدورة الـ42 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وحصوله على جائزة «الهرم الذهبي التقديرية» عن إنجاز العمر- مرورًا بالحوارات الصحفية والتلفزيونية على هامش التكريم، وذلك حتى وفاته في 2 يناير الجاري- كل هذا الاحتفاء إنما هو تقدير لكل يومٍ عاشه، وكل كلمةٍ كتبها، وكل رأيٍ قاله، وكل حربٍ خاضها من أجل الوطن.
الناقد الفني طارق الشناوي قال إن سر الاحتفاء بـوحيد حامد ما هو إلا امتداد للاحتفاء به في حياته، وهو ما ظهر في تكريمه بمهرجان القاهرة، مشيرًا إلى أن الوفاة لم تكن مفاجئة بل كانت متوقعة نظرًا لظروفه الصحية، ولا يُعد الاحتفاء به مبالغًا فيه، خاصة أن ما تركه للفن المصري والعربي يستحق كل تقدير.
وأضاف الشناوي في تصريحات خاصة لـ«صوت الأمة»، أن وحيد حامد قدم للمجتمع العديد من القضايا المهمة التي تركت أثرًا كبيرًا، لا سيما تصديه للإرهاب والتطرف في العديد من الأعمال الدرامية سواء السينمائية أو التلفزيونية.
ورد الشناوي على سؤال «صوت الأمة»: هل كان يرى الكاتب الراحل الواقع كما لا نراه نحن؟ قائلا: "عندما تفهم اللحظة بعمق تستطيع أن تقرأ الغد، فالكاتب الراحل قرأ واقعه جيدًا، واستطاع أن يكشف عما يخبئه الغد في الموضوعات والقضايا التي طرحها، وهو ما نفتقده، أو ما نحتاج إليه في هذه المرحلة أن نقرأ الواقع كما فعل حامد لنفهم المستقبل ونتنبأ بما يمكن أن يحدث، مؤكداً أنه لا يمكن القول إن بموت وحيد حامد؛ قد انتهى زمن الكبار، فكل زمان يأتي بنجومه، مضيفًا: "أنا مؤمن بأن الإنسان ابن زمنه وعصره، وكما أنجبت مصر على مدار التاريخ كبار في كل المجالات في أزمنة مختلفة، فلا شك أنه سيكون دائمًا هناك مبدعون في شتى المجالات".
وعن مصير الجزء الثالث من مسلسل الجماعة الذي يتناول فترة السبعينيات وظهور التيارات والجماعات المتشددة، قال الشناوي إنه ليس لديه يقين، لكنه يعتقد أن الكاتب الراحل أنهى ما يقرب من نصف عدد الحلقات، نظرًا لأنه كان يُسلم 5 حلقات في المرة الواحدة- حسب الاتفاق- مشيرًا إلى أن أمر استكمال كاتب آخر للعمل في يد المخرج محمد ياسين.
الناقد الفني رامي عبد الرازق رأى أنه لا يجب أن يَستكمل كاتب آخر للجزء الثالث من المسلسل، نظرًا لأن لكل كاتب طريقة معينة ووجهة نظر في التناول قد لا تتناسب مع كاتب آخر، مشيرًا إلى أنه يمكن الاستعانة بكاتب لتقديم نفس الحقبة الزمنية التي كان من المفترض أن يتناولها الجزء الثالث، ولكن كمشروع مستقل ليس مكملًا لما بدأه الكاتب الراحل، خاصة أن التجارب السابقة في تكملة مسلسلات وأجزاء لكُتاب رحلوا أثبتت فشلها- على حد وصفه.
وأضاف عبد الرازق في تصريحات خاصة لـ«صوت الأمة» أن وصول وحيد حامد إلى هذه المكانة لم يأتي فجأة، بل جاء على فترات، مشيرًا إلى أن حياة أي كاتب تمر بعدة مراحل مختلفة، بدأت المرحلة الأولى في حياة الكاتب الراحل- وهي أول 10 سنوات من بدايته الكتابة- من عام 1967 حتى عام 1977، وهي المرحلة التي أنجز فيها أول فيلم، وفيها مرحلة الكتابة للإذاعة، والاحتكاك بالشارع، وكذا التحولات السياسية والاقتصادية المختلفة. مشيرًا إلى أن بدايته شهدت أحداثًا سياسية ضخمة مثل هزيمة يوليو 1967، ووفاة الزعيم جمال عبد الناصر، وحرب النصر في عام 1973، كما شهد هذا العقد الانفتاحات الاقتصادية، وكذا التحولات السياسية العنيفة، وهو ما أثر بالطبع في رؤى الكاتب الراحل، خاصة وأنه «كاتب شارع»، شخصياته وأبطاله من الشارع المصري.
وأوضح الناقد الفني أن التراكم في المرحلة الأولى ظهر في «الثانية» والتي استمرت لعقدين، من أواخر السبعينيات حتى نهاية التسعينيات، حيث قدم خلالها العديد من الأعمال والتي ظهر فيها نضجهُ ككاتب، وصولًا إلى المرحلة الأخيرة والتي بدأ يقدم فيها أعمالًا يوجد بها قدر كبير من الفلسفة والدمج بينها وبين الشعبوية، وهو ما ظهر في أفلام مثل سوق المتعة، ومعالي الوزير، وغيرها.
واستطرد عبد الرازق، أن لوحيد حامد معادلة "عين الكاتب وقلم المواطن"، والتي استطاع من خلالها أن يقدم الموضوعات العميقة التي يراها بعينه ورؤيته، ولكن بلسان وجُمل المواطن البسيط، مشيرًا إلى أن هذه العين المكبرة التي ترى أدق التفاصيل وترصد الملامح المخفية هي التي تميز الكاتب عن أي مواطن آخر، إلى أن وحيد حامد قدم تفاصيل وحياة المواطنين مُستغلا قدرة هذه العين.
وأكد أن حامد لم يكن يتنبأ بالمستقبل، بل كان يستشرفهُ، وهناك فارق بين الكلمتين، حيث إن الثانية هي التي يعتمد فيها الكاتب على دراسة الماضي والحاضر للوقوف على ملامح المستقبل، وهو ما فعله الكاتب الراحل.
وأي إنجاز حققه حامد.
مع البحث في حياة وأعمال الكاتب الراحل، ومحاولة ترتيب مشاهده، كان هناك مشهدًا يستحق التوقف أمامه- قبل الحديث عن الدراما- وهو تطرقه إلى الصحافة، لكتابة مقالات تُعبر عن مشاكل وقضايا الناس، والتي لا يمكن أن تنتظر أن يتم تناولها في فيلم أو مسلسل. في الوقت الذي رفض فيه تناول أي مقابل مادي نظير كتابته المقالات، وهو الموقف الذي أوعزه إلى أنه لن «يبيع رأيه»، كي لا يتدخل أحد في عمله- موقف من كثير يكشف لنا من هو وحيد حامد؟
يُعد الكاتب الراحل أحد أبرز مؤلفي السينما والدراما المصرية والعربية خلال النصف قرن الأخير، حيث قدم العشرات من الأعمال المؤثرة في السينما والتلفزيون، حاول من خلالها تشريح المجتمع، وسرد مشكلاته؛ لا للتجريح ومهاجمة الوطن، ولكن للتصحيح والوصول إلى مجتمع أقرب إلى المثالية. الأفلام التي قدمها حامد والتي تصل إلى 40 فيلمًا أثار بعضها جدلًا كبيرًا لتصديه لقضايا الفساد والإرهاب، و«تعرية» مشاكل المجتمع بجرأة، ومن بينها أفلام «الإرهاب والكباب، طيور الظلام، اللعب مع الكبار، الغول، كشف المستور، الراقصة والسياسي، عمارة يعقوبيان، دم الغزال، المنسي، اضحك الصورة تطلع حلوة، معالي الوزير، احكي يا شهرزاد، البريء، التخشيبة، وآخر الرجال المحترمين».
هذه الأعمال استطاع حامد من خلالها أن يوجه الأنظار إلى مشكلات المجتمع، واستشرف بها المستقبل. وعند النظر إلى أعماله التلفزيونية لن نجدها أقل أهمية من الأعمال السينمائية، حيث قدم العديد من المسلسلات المهمة من بينها «أحلام الفتى الطائر لعادل إمام، البشاير لمحمود عبد العزيز، العائلة لمحمود مرسي وليلى علوي، والذي تصدى من خلاله لقضية الإرهاب، وأوان الورد للفنانة يسرا، والذي تعرض فيه لمشكلة الفتنة الطائفية، والجماعة بجزأيه والذي تناول فيهما نشأة جماعة الإخوان في مصر واتجاهها للعمل السياسي، واستغلالها الدين للسيطرة على عقول البسطاء من المواطنين، وتعرض بسببهما لهجوم شديد من أنصار الجماعة الإرهابية».
واتسمت قضايا أعماله بجرأة كبيرة وتميزت بجمل الحوار التي صارت تترد ببساطة على لسان الجمهور، وقال حامد خلال لقائه الأخير بمهرجان القاهرة: «الكتابة بالنسبة لي شيء مقدس ولم أفتعل جملة حوار واحدة، بل كنت آخذ من الناس لأعبر عنهم فلم أتدن لجمل سوقية ولم أفتعل الإضحاك في أعمالي الكوميدية، وكلما شعرت بتقدم العمر كنت أخشى الجمود وأتجه للتعامل مع مخرجين شبان لأجدد فكري».
القصة القصيرة ونصيحة يوسف إدريس
حامد – المولود في الشرقية، بدأ مشواره في سبعينيات القرن الماضي بعد انتقاله من قريته إلى القاهرة، وبدأ بكتابة القصة القصيرة عقب تخرجه في قسم الاجتماع بكلية الآداب، حيث أصدر أول مجموعاته القصصية «القمر يقتل عاشقه» وذهب بها إلى الأديب الراحل يوسف إدريس الذي نصحه بالاتجاه للكتابة الدرامية؛ لقدرته الفائقة على الوصف، وحسه الدرامي العالي، وشاور له على التلفزيون قائلا: "أنت مكانك هنا"- وذلك حسب الكاتب الراحل في عدد من المقابلات التلفزيونية.
وقال حامد خلال الندوة التي عُقدت له بمهرجان القاهرة: «كنت أتمنى تقديم أحد أعمال إدريس للسينما، لكن ابني مروان رد الجميل بتقديم قصته «أكان يمكن أن تضئ النور يا لي لي» في أول أفلامه القصيرة.
كيف تحايل وحيد حامد على الرقابة؟
المشاكل التي واجهها نظرًا لجرأة أعماله، وتطرقها إلى العديد من قضايا المجتمع خرج منها حامد منتصرًا حسب وصفه، وكشف أنه كان يتحايل على الرقابة بكتابته في السيناريو (مشهد لا أهمية له في الفيلم)، ويدرك أن الرقابة ستتوقف عنده طويلًا، فينشغلوا به، بينما تمر المشاهد الأصعب».
شركاء الرحلة والكفاح والنجاح
لا شك أن «الكيميا» بين المؤلف والمخرج والبطل، تصنع أعمالًا قد تبقى في ذاكرة الأمة أضعاف أعمارهم مجتمعة، ونجح الكاتب الراحل في تكوين هذه الشراكات سواء ثنائية مع المخرج بتنوع الأبطال، أو بثلاثية بينه وبين المخرج والفنان- واختلفت الشخصيات مع اختلاف مراحله التي أشار إليها الناقد رامي عبد الرازق أعلاه.
كاتب السيناريو الأشهر شارك العديد من المخرجين مثل عاطف الطيب، وسمير سيف، ويسري نصر الله، ومحمد ياسين، وغيرهم من جيل مختلف مثل تامر محسن الذي قدم معه (فيلم قط وفار، ومسلسل بدون ذكر أسماء)، لكن أبرز مشاركاته كانت مع المخرج شريف عرفة، وكان ثالثهم الفنان عادل إمام الذي اشترك في أغلب الأعمال.
الأفلام التي صنعها حامد مع عرفة ليست الأكثر عددًا في شراكاته المختلفة مع المخرجين، حيث إنه قدم مع المخرج سمير سيف 8 أفلام، بينما قدم 6 مع عرفة. لكن الأفلام الـ6 اكتسبت شهرة واسعة، وحققت قيمة فنية وتجارية في نفس الوقت. وعلى الرغم من أنه لا يمكن القول أن أفلام الثلاثي (حامد وعرفة وإمام) سلسلة واحدة، إلا أن الجمهور بات يربطها ببعض؛ لاقتراب الأفكار والموضوعات وجمعها بين المتعة والقيمة الفنية والإسقاطات الاجتماعية والسياسية. وهي: (اللعب مع الكبار – الإرهاب والكباب – المنسي – طيور الظلام – النوم في العسل – ومع أحمد زكي اضحك الصورة تطلع حلوة).