الصناعات العسكرية في تركيا 2020 في ورطة: سياسات أردوغان تضيع مكانتها
الأحد، 03 يناير 2021 01:20 م
تكبدت الصناعات الدفاعية التركية خسائر فادحة خلال 2020، حيث تراجع التصدير إلى أسواق العالم الخارجى خلال العام الماضى بنسبة 26.1%.
كما انخفضت الصادرات التركية المرتبطة بحروب الجو والفضاء، ما ينذر باحتمالية خروج مؤسسات تركية كبرى من قائمة شركات إنتاج سلاح الأهم في العالم خلال عام 2021 وهى الشركات ذاتها التى ظهرت فى ذيل تلك القائمة في آخر تحديث لها وفقا لدورية ديفنس نيوز الأمريكية في أغسطس 2020.
تقارير صحفية، قالت إن مغامرات الرئيس التركي رجب أردوغان العسكرية في ليبيا وأذربيجان خلال عام 2020 كانت تهدف في جانب منها إلى إعطاء قبلة حياة لصناعات الدفاع التركية، وفتح مجال لتجريب كفاءة هذا السلاح التركى ومن ثم فتح سوق لها من خلال الحروب، بعد إثبات قدرته على تحقيق أهداف النصر العسكري، وحسم المعارك لصالح من سيشترونه من أنقرة.
وتعد مؤسسة أسيلسان Aselsan للصناعات الدفاعية المتخصصة ومؤسسة أيربساس التركية للصناعات الجوية Turkish Aerospace Industries ومؤسسة بى أم سى التركية لمركبات القتال BMC ومؤسسة روكيتسان Roketsan التركية لإنتاج الصواريخ وكذلك مؤسسة هافيلسان التركية للبرمجيات الدفاعية المتطورة في مقدمة الشركات التركية التى ستفقد مكانتها بين منتجى السلاح الكبار في الأسواق الدولية.
وتتوارى المؤسسات التركية في مجال إنتاج السلاح إلى الظل خلال الأعوام القادمة بدءاً من العام الجاري، بعد أن كانت مؤسسات قوية الآداءن وهو الانهيار الذي بدأت مؤشراته في الظهور خلال عام 2020 بقوة ووضوح، وذلك بسبب إخضاع أردوغان هيئة التصنيع الدفاعي التركية لإشرافه بدلا من إشراف الجيش.
وتخضع مؤسسات إنتاج السلاح في تركيا لسيطرة هيئة التصنيع الدفاعى التركية التى تأسست في عام 1987 كهيئة عسكرية ذات طابع اقتصادى تعمل على تعزيز القدرات التسليحية للجيش التركي، وبناء قاعدة إنتاج عسكري تركي، وتعمل الهيئة بنظام اقتصادى وتجاري، حيث تمتلك حصصاً مسيطرة في أسهم وأصول مؤسسات إنتاج السلاح الكبرى التى تعمل في تركيا.
وتمتلك هيئة التصنيع الدفاعي التركية أدوات للسيطرة المباشرة وغير المباشرة على الآداء المالي والاقتصادي والتجاري والتطويري لمؤسسات بعينها؛ لإنتاج وتطوير النظم الدفاعية في تركيا منها مؤسسة اسيبير Isbir التي تنتج مولدات الطاقة ومحولاتها ومؤسسة Aspilsan التركية لإنتاج البطاريات ومدخرات الطاقة، ومؤسسة هافيلسان Havelsan لإنتاج نظم المعلومات والبرمجيات القتالية، وروكستان Roketsan التركية ذات الباع في مجال إنتاج المقذوفات الصاروخية بطرازاتها المتعددة، كذلك تمتلك هيئة التسليح التركية حصة مسيطرة في أسهم مؤسسة TAI التي تعد أكبر منتج لنظم الاتصالات الفضائية والأقمار الاصطناعية في البلاد .
ويرى مراقبون، أن حركة التقدم على صعيد التصنيع الدفاعي في تركيا بدأت فى التداعي والتعرقل؛ بعد إصدار أردوغان لقانون في 24 ديسمبر 2017 يضع هيئة التسليح التركية تحت سيطرته المباشرة، بعد أن كانت السيطرة عليها خالصة للقوات المسلحة التركية، فيما عين مجلس أمناء برئاسته لإدارة شئون هيئة التسلح التركية وإمبراطوريتها الواسعة من الشركات التي كانت في السابق رابحة ومنجزة، أما الآن، وبعد سيطرته مع معاونيه على تلك المؤسسة العملاقة بدأت معالم البيروقراطية والوهن الاقتصادى في الظهور على أدائها، وتراجعت معدلات إنتاجها وعوائد تصديرها، وهو ما تؤكده الأرقام السابقة .
وجاء تراجع الصادرات الدفاعية التركية في وقت يشهد فيه اقتصاد تركيا حالة من الكساد الخانق منذ عامين، زاد من حدته وخطورة تأثيراته ما صاحب جائحة كورونا من تداعيات، وبحسب تقديرات اتحاد المصدرين الأتراك فإن انخفاض صادرات تركيا الدفاعية خلال الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2020 كانت طويلة وممتدة؛ وهو ما جعلها الأسوأ وقعا في تاريخ صادرات تركيا الدفاعية، الأمر الذى أوقع منظومة التصنيع الدفاعى في تركيا في مأزق خطير للغاية فاقم من خطورته ارتفاع معدلات التضخم والبطالة في البلاد.
وألقى الوضع المالي والاقتصادي المتأزم لتركيا خلال الأعوام الثلاثة الماضية وحتى نهاية 2020 وتدهور قيمة عملتها الوطنية بظلال سوداء من التشكك في قدرة هذا البلد على الوفاء بسداد فواتير مشترياته الدفاعية ومصداقيته في أسواق السلاح الدولية، وهو الأمر الذي خلق حالة من الشكوك في ظل هذا التردى لأوضاعها الاقتصادية واتجاه التعاملات المالية إلى الدولرة على حساب الليرة التركية التي انتكست أسعار صرفها إلى أدنى مستوى .
واستنادا إلى تقارير البنك المركزي التركي فقدت الليرة التركية نسبة 40% من قيمتها خلال الربع الأول من العام الجاري، لكنها عاودت الارتفاع بنسبة 28% من هذا التراجع بسبب عمليات الحقن النقدي التي قامت بها الحكومة التركية وهي العمليات التى تستنزف احتياطيها من النقد الأجنبي وتنذر بحالة من التذبذب السلبى اللامتناهى للعملة التركية .
ويعني هذا من الناحية العملية لمسئولى الدفاع الأتراك تأخر استلام صفقات التسلح من مورديه الخارجيين أو إلغاء صفقات بعينها مع تصاعد الضغط على الليرة التركية وتدهور الحالة الاقصادية، وهو ما يؤكده الخبير الاقتصادى التركى أحمد دوجان الباحث في مركز / سيجما / للدراسات الاقتصادية في أنقرة.
وخلال عام 2020 انتهت شراكة تركيا مع الولايات المتحدة في إنتاج المقاتلة / اف – 35 /، فبرغم هشاشة الإسهام التركي في برنامج / اف – 35 / مقابل أحقية شرائها وفق أسعار تفضيلية، بات الاقتصاد التركي عاجزا حتى عن الوفاء بتلك الأسعار التفضيلية، وعندما حاول النظام التركي استخدام آليات الضغط السياسي والمناكفة الإقليمية لتعويض العجز المالي اللازم للحصول على تلك المقاتلات قاومت الإدارة الأمريكية بشدة بيع المقاتلات / اف – 35 / للأتراك؛ مما دفعهم إلى المناورة باللجوء إلى مقاتلات روسية كبديل عن المقاتلات الأمريكية، لكن واقع الحال الاقتصادى لتركيا يؤكد عجزها عن شراء أية مقاتلات سواء من واشنطن أو من الإنتاج الروسى أو من أى بلد آخر بسبب التشكك في ملاءة تركيا المالية وقدرتها على الالتزام بسداد فواتير الشراء وأقساطه للبائعين والموردين .
وفشل محاولات الحكومة التركية للقفز على أزمتها الدولارية بإصدار ضمانات شراء للموردين العسكريين الخارجيين بالعملة التركية عن أزمة انعدام الثقة العالمية في مستقبل الاقتصاد التركي والليرة التركية في المنظور القريب، حيث يرفض الموردون الخارجيون التعامل بضمانات سداد مقومة بالعملة التركية الوطنية، واعتبارهم أن ذلك مخاطرة كبرى غير محمودة العواقب .
وباتت البنوك التركية ترفض تماما منح أي اعتمادات دولارية لتغطية صفقات مصنعي السلاح الأتراك أو مستورديه من الخارج؛ بسبب تدهور الاحتياطى النقدي التركي وتعرض كثير من المصارف التركية لحالات إفلاس بسبب عجز المقترضين من منتجى الأسلحة المحليين عن سداد مديونياتهم.