سيدات لم يجدن غير مجال توظيف الأموال والنصب على المواطنين للحصول على الأموال والثراء السريع، بعد أن استخدمن نعومة معاملتهن للضحايا للنصب عليهم، يأتي ذلك في الوقت الذي تبذل مباحث الأموال بالتعاون مع الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية جهودا مكثفة، لضبط عصابات المستريحات بعدما استولوا على أموال الضحايا بحجة توظيفها.
لم تكن مستريحة القاهرة التي تم ضبطها بـ 2 مليون جنيها أول من يتم ضبطهن بقضايا النصب، بل سبقتها الكثيرات، ووقعن جميعا تحت طائلة القانون، فقد اعترفت "مستريحة القاهرة" بتجميعها الأموال من المواطنين بزعم قدرتها على توظيفها في مجال تجارة الأحذية بالقاهرة، مقابل فائدة مالية كبيرة كل شهر، وسرعان ما تبارى عليها الزبائن أملًا في تحقيق مزيد من الأموال، وأنها نجحت في جمع مليوني جنيه من ضحاياها ثم هربت، وتمت ملاحقتها والقبض عليها من قبل الشرطة.
النصب على المواطنين من "الريان" لـ"المستريح"الواقع يؤكد أن هناك العديد من المواطنين الذين يدفعهم الطمع تارة والجهل تارة أخرى للربح وجنى الأموال، عن طريق ما يسمى بـ"توظيف الأموال"، ما يؤدى إلى ظهور "المستريح" الذى يقوم بعملية النصب على المواطنين، كالتي وقعت قديما في مصر على يد رجل الأعمال الشهير "أحمد الريان" خلال عام 1989، فأصبح يطلق على كل من ينصب على المواطنين بـ"الريان"، حتى تطور المصطلح مع مرور الوقت من "ريان" إلى "مستريح" بعد أن ظهرت العديد من الحالات التى أُطلق عليها لفظ – مستريح - خلال السنوات الماضية، وانتشرت الكلمة كالنار فى الهشيم عقب القبض على "أحمد المستريح"، النصاب الذي عُرف باسم "ريان الصعيد" خلال يونيو عام 2015، الذى صدرت ضده أحكام بالسجن 15 سنه، فى واحدة من أكبر عمليات النصب في مصر، وبات الرجل كأنه ظاهرة لم تحدث من قبل.
في التقرير التالي، نلقى الضوء على "المستريحات الجدد" وكيف تحولت الجريمة من جريمة يحتكرها الذكور، إلى جريمة نسائية على الرغم من أن عالم الجريمة لا يعرف ذلك التصنيف، حيث إن الجريمة واحدة وكل من يرتكبها تسند له جريمة النصب سواء كان رجلا أو امرأة، حيث إن لفظ – المستريح - لفظ يطلق علي النصاب العبقري صاحب القدرة علي الإقناع في جمع الأموال الطائلة مستغلآ أصحاب النفوس الضعيفة والطامعة فى تحقيق الثراء السريع بلا جهد، فأصبح ذلك التعريف المستحدث ينافى تماماَ للتعريف – المستريح - قديماَ الذى كان يطلق على كل من اتسع رزقه.
كيف تتشكل شخصية "المستريحة" شرعاَ وقانوناَ؟
في البداية – يقول أستاذ القانون الجنائي والمحامى بالنقض الدكتور حازم عيسوى - انتشرت خلال السنوات الماضية صورة من صور فساد القطاع الخاص متمثلة فى عمليات النصب على المواطنين والاستيلاء على أموالهم تحت مسمى "توظيف الأموال"، فى محاولة من المتهمين والمجني عليهم للثراء السريع، بزعم استثمار أموالهم، حتى باتت ظاهرة لافتة للنظر، ليس على مستوى المواطن البسيط وربات البيوت فحسب، بل أن مسألة النصب على المواطنين جابت مصر من شرقها إلى غربها، طالت عملية النصب على المواطنين من أطباء، وأساتذة جامعات، وأصحاب شركات، وموظفين، وغيرهم، اكتشفوا فجأة أنهم وقعوا ضحية لنصاب محترف منهم سيدات استولين على أموالهم، لتبدأ رحلة المطالبة، والتى تنتهي فى أغلب الحالات ببلاغ لمباحث الأموال العامة وضبط المتهم الذي قد يخلى سبيله على ذمة القضية، متعهدا برد الأموال.
3 صور للنشاط الإجرامي للمستريحاتوبحسب "عيسوى" على الرغم من حوادث عديدة لا تحصى، وقع ضحيتها آلاف من المصريين على مدار سنوات وعقود مضت، لا تزال ظاهرة شركات توظيف الأموال متواصلة والضحايا في تزايد مستمر، ليبقى مسلسل – المستريح - مستمرا عارضا حلقاته في كافة مدن مصر، حيث دأبت طائفة من التجار أو من يطلقون على أنفسهم "صغار المستثمرين"، والشركات الخاصة على تجميع أموال المواطنين خاصة العاملين بالخارج تحت ساتر إعادة توظيفها مقابل عوائد مجزية تفوق ثلاث أضعاف ما تمنحه البنوك العاملة بالدولة.
أولاً: صور النشاط الإجرامي فقد تنامت هذه الظاهرة في ثمانينات القرن الماضي مصحوبة بمخالفات صارخة تبددت معها أحلام المودعين في الحصول على عائد سهل وسريع، فقد بادر المشرع بوضع ضوابط قانونية آمرة لتلقي وتوظيف الأموال وصدر بهذا الشأن القانون 146 لسنة 1988 وتضمن الباب الثالث منه جزاء مخالفة أحكامه أو أحكام لائحته التنفيذية.
الصورة الأولى: هي تلقي أموال على خلاف أحكام القانون ومن ذلك ما نصت عليه المادة الأولى من مواد الإصدار أنه لا يجوز للشركات مزاولة أعمال البنوك بما فيها تلقي الودائع تحت طلب أو أجل، وما نصت عليه المادة الأولى من الحظر على غير الشركات المساهمة التي تطرح أسهمها للاكتتاب العام والمقيدة في السجل المعد لذلك بالهيئة أن تتلقى أموالاً من الجمهور بأي عملة وبأية وسيلة وتحت أي مسمي.
الصورة الثانية: الامتناع عن رد المبالغ المستحقة إلى أصحابها ومن ذلك ما نصت عليه المادة 18 أن على كل من أخطر الهيئة بعدم رغبته في توفيق أوضاعه من الشركات القائمة وقت تطبيق القانون أو انقضت المدة المحددة لتوفيق الأوضاع دون إتمامه أن يرد جميع ما تلقاه من أموال إلى أصحابها خلال سنتين من تاريخ العمل بهذا القانون.
الصورة الثالثة: عدم إيداع الأموال بأحد البنوك المعتمدة من ذلك ما تضمنته أحكام المادتين 7، 19 من القانون على النحو التالي:
1- عدم إيداع الأموال التي تتلقاها الشركة طبقا لأحكام هذا القانون خلال أسبوع من تاريخ التلقي في حساب خاص بأحد البنوك المعتمدة الخاضعة لإشراف البنك المركزي المصري وكذلك على تحويل أي مبالغ منها للخارج دون موافقة البنك المركزي المصري "مادة 7 من القانون".
2- عدم نقل الشركات التي كانت تعمل أو الأشخاص الطبيعيين قبل العمل بأحكام هذا القانون في تلقي الأموال لتوظيفها أرصدتها الموجودة بالخارج لدى أحد البنوك المعتمدة الخاضعة لإشراف البنك المركزي المصري خلال 3 أشهر من تاريخ العمل بهذا القانون.
3- الاحتفاظ بأي أرصدة سابقة أو تحويل أو إيداع أموال في بنك أو مؤسسة مالية بالخارج خلال مدة توفيق الأوضاع بغير موافقة من وزير الاقتصاد والتجارة.
ثانيًا: العقوبة يعاقب كل من تلقى أموالاً على خلاف أحكام هذا القانون أو امتنع عن رد المبالغ المستحقة لأصحابها كلها أو بعضها بالسجن وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد عن مثلي ما تلقاه من أموال أو ما هو مستحق منها ويحكم على الجاني برد الأموال المستحقة إلى أصحابها، ويعاقب بذات العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة كل من خالف أحكام المادتين 7 ، 19 من هذا القانون، ويعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه كل من خالف حكم الفقرة الثانية من المادة "1" من هذا القانون – الكلام لـ"عيسوى".
العفو عن العقوبة:أعطى المشرع للمحكمة الحق في إعفاء الجاني من العقوبة إذا حصل الرد قبل صدور حكم نهائي في الدعوى.
ثالثًا: انقضاء الدعوى الجنائية:يقصد بانقضاء الدعوى الجنائية استحالة دخولها في حوزة القضاء المختص بنظرها أو استحالة استمرارها في حوزته وقد تضمن النص وضعاً خاصاً رغبة منه في التخفيف وهو النص على انقضاء الدعوى الجنائية إذا بادر المتهم برد المبالغ المستحقة، ملاحظة: هذه الجريمة تشكل جناية وعلى هذا يتعين إخطار النيابة العامة بالواقعة لتتولى تحقيقها بمعرفتها وتحال الدعوى بعد انتهاء التحقيق من المحامي العام.
جريمة النصب في القانون تُعد جنحة"جريمة النصب في القانون تُعد جنحة"، هذا ما أكده ميشيل إبراهيم حليم، الخبير القانونى، حيث أكد أن عقوبتها الحبس وأقصي عقوبة لها 3 سنوات لأى "مستريح" حيث يتشكل الركن المادي للجريمة في ايهام وخداع المجني عليه باستعمال صفة كاذبة أو مشروع وهمي لاستيلاء علي أمواله وقد اشترط المشرع في الركن المعنوي للجريمة أن تتجه ارادة الجاني إلي استعمال وسائل احتيالية من شآنها خداع المجني عليه بقصد الاستيلاء علي ماله كما نصت عليه المادة 336 من قانون العقوبات.
ويضيف "حليم" في تصريحات خاصة - أن جرائم توظيف الأموال والامتناع عن رد أموال الموديعين فهي من اختصاص المحاكم الاقتصادية حيث تُقيد "جناية اقتصادية"، ويعاقب عليها القانون بالسجن المشدد نظرا لما لتلك الجرائم بالتأثير بالسلب علي الاقتصاد المصري علي وجه العموم وقد اتاح المشرع الفرصة للمتهم برد أموال المجني عليهم وهنا تآمر المحكمة بإيقاف تنفيذ العقوبة.
نصوص القانون بشأن عقوبة المستريحاتونصت المادة 12 من قانون المحاكم الاقتصادية رقم 120 لسنه 2008 بعقوبة السجن لكل من تلقي أموال لتوظيفها وامتنع عن ردها وكان غرض المشرع في اجازه التصالح في مثل هذه القضايا هو اتاحة الفرصة لاستعادة المجني عليهم لأموالهم وحرصا علي الصالح العام اقتصاديا، حيث أنه يجب تشديد عقوبة "النصب" والتي تقيد جنحة في تشديد الحد الآقصي للعقوبة لتصل لـ 5 سنوات واعتبارها من الجرائم المشمولة بالنفاذ المعجل بأن يكون الحكم واجب النفاذ من أول درجه دون كفالة كمثل جرائم السرقات والآداب العامة – هكذا يقول "حليم".
ضرورة الحيطة والحذر من المستريحات
وأوضح الخبير القانوني أنه يجب أن يخضع أى "مستريح" لقانون العقوبات حسب نص المادة 336 والتى طالب فيها بتشديد عقوبتها اذ أن أقصى عقوبة بها هى ثلاث سنوات وهذا لا يتماشى أبدا مع جسامة الفعل، كما أنه لتجنب تلك الأمور فليس هناك من المواطن لتوفي الحيطة والحذر سوى التأكد من كافة أوراق الشركات التى تشغل لهم الأموال إذا كانت على صورة شركة أو التأكد من حقيقة نشاط التاجر الذى يزعم بأن تجارته تدر تلك المبالغ بدون المساس بأصل المال.
ويؤكد "حليم": إن النصب جنحة عقوبتها الحبس وأقصى عقوبة لها 3 سنوات، والركن المادى يتشكل بخداع المتهم للضحايا وانتحاله صفة كاذبة أو إعلانه مشروع وهمى، أم الركن المعنوى فيتشكل باتجاه إرادة الجانى للاحتيال على الضحايا والاستيلاء على أموالهم، كما إن جرائم توظيف الأموال وعدم رد أموال المودعين اختصاص المحاكم الاقتصادية وتقيد جناية اقتصادية، ويعاقب القانون على جرائم توظيف الأموال وعدم رد أموال المودعين بالسجن المشدد، وتشدد العقوبة على جرائم توظيف الأموال وعدم رد أموال المودعين لتأثيرها السلبى على الاقتصاد المصرى، كما إن المشرع أتاح الفرصة للمتهم برد أموال المجنى عليهم وفى تلك الحالة يتم إيقاف تنفيذ العقوبة، والتصالح فى تلك القضايا هدفه إتاحة الفرصة للضحايا لاستعادة أموالهم والحرص على الصالح العام اقتصادياً.
روشتة تجنب المستريحات والمستريحينوفى سياق آخر، قال اللواء أمجد الشافعى، مساعد وزير الداخلية الأسبق الخبير الأمنى، أن العديد من المواطنين يلجأون إلى شركات توظيف الأموال الوهمية لوضع أموالهم أو ما يُطلق عليه "تحويشة العمر" بعيداً عن البنوك، بسبب "ثقافة الطمع" أملاً فى الحصول على ربح شهري أكبر، حيث أنه بالرغم من توالى سقوط المستريحين، وإثارة الإعلام لذلك، إلا أنه كل يوم يقع ضحية جديدة فى هذا الفخ.
ووضع "الشافعى" في تصريحات خاصة - روشتة أمنية للوقاية من جرائم النصب والوقاية من المستريحين، مؤكداَ على ضرورة التحرى عن شركات توظيف الأموال قبل التعامل معها، وضرورة اللجوء لمباحث أموال العامة للاستفسار عن بعض الشركات التى تعمل فى هذا المجال حتى لا يقع المواطن ضحية لهذه الشركات.
6 خطوات فى روشتة التوعيةوفى إطار التوعية من وقائع النصب على المواطنين، قدم "الشافعى" روشتة تتضمن 6 خطوات يجب اتباعها لحماية المواطنين من شركة توظيف الأموال الوهمية أو المستريحين كالتالي:
1- التوعية المستمرة من وسائل الإعلام عن الاستغلال الذى تقوم به شركات النصب لإيهام المواطنين.
2-رقابة صارمة من الشرطة متمثلة فى مباحث الأموال العامة، لمعرفة نشاط الشركات ومتابعتها بشكل مستمر ودائم عن قرب.
3-تخصيص أرقام ساخنة على مستوى الجمهورية للإبلاغ الفورى عن الشركات الوهمية والأنشطة المريبة، وللاستفسار أيضا عمن يدعون أنهم رجال الأعمال.
4-دور البنوك بضرورة رفع سعر الفائدة لأنها آمنة، ولا بد من تدخل الدولة لإيجاد حلول حقيقة للحماية من براثن شركات النصب.
5-ضرورة التحري عن شركات توظيف الأموال قبل التعامل معها.
6-ضرورة اللجوء لمباحث أموال العامة للاستفسار عن بعض الشركات التى تعمل فى هذا المجال حتى لا يقع المواطن ضحية لهذه الشركات.
مستريحات على مستوى الجمهوريةفي غضون مايو 2020 - بمحافظة الإسكندرية قامت سيدة تدعى "ع. أ" تبلغ من العمر ثلاثين عاماً بالنصب على المواطنين واستولت منهم على 4 ملايين جنيه نظير توفير فرص عمل لهم، حيث إن هذه السيدة نصبت على 20 شخصا وحصلت من كل منهم على مائتى ألف جنيه وادعت قدرتها على إيجاد فرص لهم فى مجال الاتصالات، وتقدم أحد ضحاياها ببلاغ إلى الأموال العامة وتم القبض عليها.
وفى محافظة الدقهلية وتحديدا في أغسطس 2019 - قامت سيدة تدعى "نبيلة. ع"، 45 عاماً، ورجل أعمال يعمل بإحدى شركات الاستثمار بالنصب على مواطنين بزعم توظيفهم بالخارج، حيث حصلا على مبلغ نصف مليون كمقدم مقابل 30 عقد للعمل فى دول عربية من موظف يعمل بإحدى شركات السياحة، وقد سبق اتهام هذه السيدة فى قضيتى نصب وتأسيس شركات وهمية للسفر للخارج.
وبعد اكتشاف موظف شركة السياحة بأن العقود مزورة وأن الشركة وهمية أبلغ عنهما، وتبين أن هذه السيدة احترفت النصب وزعم التوظيف بالخارج وسبق أن قدمت ضدها بلاغات أخرى وتم القبض عليها.
عصابة أخرى تقودها سيدة جمعت مليونى جنيه من 5 أشخاص بمحافظة الدقهلية بدعوى توظيفهم فى تجارة الأدوية مستغلة عمل زوجها كطبيب وأوهمت ضحاياها بوجود علاقات تربطها مع عدد كبير من شركات الأدوية، وحصلت منهم على مبالغ مالية مقابل ذلك وبعد رفضها سداد هذه المبالغ قام الضحايا بإبلاغ مباحث الأموال العامة التى ألقت القبض عليها وبالفعل ثبت تورطها فى العديد من جرائم النصب وآخرها كانت العام الماضى