المياه لا تجف طوال العام.. سر البحيرة المقدسة التي أنشأها الفراعنة بالأقصر
الإثنين، 28 ديسمبر 2020 08:00 م
سر من أسرار الحضارة المصرية القديمة لا تزال منذ آلاف السنين، وهى "البحيرة المقدسة" التى يبلغ طولها 80 متر وعرضها 40 متر، فى قلب معابد الكرنك بالأقصر على بعد مسافة ليست بالكبيرة من نهر النيل، فهى البحيرة التى لم تجف المياه داخلها طوال العام منذ إنشاؤها فى عهد الملك تحتمس الثالث الفرعون السادس بالأسرة 18 وذلك خلال الفترة مابين 1481 و1425 قبل الميلاد، وحتى يومنا هذا لا تزال تلك البحيرة سر من أسرار الحضارة الفرعونية بالمياه التى لا تجف على مر التاريخ.
وفى هذا الصدد يقول الطيب غريب مدير بمعابد الكرنك، إن الكهنة كانوا يغتسلون داخل البحيرة المقدسة بالكامل قبيل البدء فى أداء أية مراسم دينية أو احتفالات قومية تحضرها الآلهة – حسب التاريخ الفرعونى - وتغذيتها بالمياه عن طريق قناة تصل البحيرة بمياه النيل، والتى أنشأها الملك تحتمس الـثالث، موضحاً أن الإعجاز فى هذه البحيرة أن المياه فيها ثابتة ولا يزيد منسوب المياه أو ينقص حتى مع تغير ارتفاع أو نقصان منسوب النيل من أكثر من 3000 سنة، ولم تجف البحيرة أبدًا، وهذا يعد من البراهين المهمة لإثبات عبقرية المهندس المصرى القديم العظيم.
ويضيف مدير معابد الكرنك، أن البحيرة المقدسة بمعبد الكرنك تعتبر أحد أبرز أسرار الحياة الفرعونية القديمة، فهى بداخلها مياه ثابتة لا تجف طوال العام، والتى أمر وأشرف على حفرها الملك تحتمس الثالث، حيث كان يحيط بها سور ضخم فى السابق ولكنه تهدم مع مرور الزمن، لتصبح بالشكل الحالى على بعد خطوات من "الجعران الفرعونى" المميز بقلب الكرنك، ويكمن سر البحيرة فى أن مياهها لا تجف نهائيًا ومتواجدة طوال العام، وكانت تستخدم فى التطهير والإغتسال فى العصور الفرعونية القديمة قبيل الطقوس الدينية للملوك والكهنة وخدام المعبد، موضحاً أنه يوجد على جانبى البحيرة الشمالى والجنوبى مقياس لنهر النيل، لتحديد مواعيد الفيضان كل عام، ومازال لها مدخلان أحدهما من الجهة الشرقية والثانى من الناحية الغربية، يساعد فى نزول المياه وفى كل جهة، سلالم حجرية تساعد فى النزول للمياه والخروج منها.
ويؤكد الطيب غريب، أن عبقرية المهندس المصرى الفرعونى فى تلك البحيرة تؤكد قدرته على تشييد المعابد والمقابر بصورة تاريخية جعلتها مازالت موجودة حتى يومنا هذا، إذ أن البحيرة منسوب المياه فيها ثابت لا يتغير نهائيًا لا بالزيادة ولا النقصان، وذلك رغم عوامل النحت والفقد والتسرب والتبخر، وفى الحاضر القريب وخلال السنوات الماضية أصبحت البحيرة المقدسة بالكرنك مطلب لكافة الأهالى بالأقصر، حيث أن بعض السيدات يعتقدن فى بركتها ويأتون إليها للحصول على البركات.
فيما يقول صلاح الماسخ، مدير بمعابد الكرنك، إن البحيرة المقدسة لم تكن مكان لإغتسال الكهنة قبيل الطقوس الدينية فقط خلال العصور الفرعونية، بل إنها فى موقع على بعد خطوات قليلة من منازل العمال وخدم المعبد والملك، حيث كانوا يخدمون الملك بجوارها وذلك عبر النظافة اليومية بالبحيرة وكذلك الإستجمام فى الحر الشديد بالإستحمام فيها بجانب نهر النيل أيضًا، موضحاً أنه كان يتم إطلاق ووضع الطيور والبط والدواجن حول البحيرة وداخلها للسباحة والشرب لتكون بصحة جيدة قبيل ذبحها على موائد الملوك والكهنة والأسرة الملكية، وكذلك كانوا ينقلون منها مياه الشرب لمنازلهم القريبة من البحيرة.
وعن كيفية تنظيف البحيرة يومياً من إغتسال وترك للطيور والبط، فيؤكد صلاح الماسخ لـ"اليوم السابع"، أن عملية تنظيف البحيرة كانت تتم بصورة مستمرة على مدار الـ24 ساعة أو 48 ساعة، حيث كانت تنزل السيدات والرجال من الخدم بالمعبد وقصور الملوك بالكرنك، وينظفون البحيرة باستمرار بأدوات صنعت خصيصاً لتنظيف البحيرة من أى شوائب أو مخلفات للطيور للحفاظ على لمعان بريقها لمشاهدة قاعها الممتد لأمتار قليلة من الأعلى، حتى لا يتم توقيع العقاب عليهم من الملك وزوجاته وأسرته حال وجودها غير نظيفة، وحالياً يتم توفير مراكب صغيرة يقودها عمال الكرنك لتنظيف البحيرة بصورة متكررة سنوياً لحمايتها من المخلفات وتجميل مياهها بصورة دائمة أمام السائحين.
ويضيف صلاح الماسخ، أن "البحيرة المقدسة" تقع خارج البهو الرئيسى لمعبد الكرنك، حيث يوجد تمثال كبير لجعران من عهد الملك أمنحتب الثالث، وتمت تسميتها البحيرة المقدسة لكونها كانت بحيرة الإغتسال قبل الطقوس المقدسة وقبل مراسم الاحتفالات الدينية للملوك والكهنة، حيث أن الملك والكاهن الأكبر كانوا يغتسلون فى مياهها قبل دخول غرفة "قدس الأقداس" التى تعتبر أهم غرفة بالمعبد والتى كان يطلق عليها بالعصور الفرعونية غرفة "الرب الأسطوري" الخاص بالمعبد.
فيما يقول الريس محمود فاروق، كبير عمال معابد الكرنك، إنه يعمل داخل الكرنك منذ أكثر من 33 سنة مضت وكانوا قديماً يشاهدون السيدات من القرى القريبة من المعبد يزورون البحيرة المقدسة ويحصلون على مياه منها، بهدف الحصول على البركات عبر طقوس يقمن بها حول البحيرة، إذ يعتقدن أن المياه بالبحيرة تساعد على العلاج من الأمراض المستعصية ومنها العقم والإنجاب وكذلك تحقيق الأحلام، موضحاً أن السيدات كانوا يقمن بالدوران فى 7 لفات حول البحيرة المقدسة ثم ينزلن للحصول على مياة منها، للإستحمام بها والشرب منها عقب ذلك هى وزوجها، لظنهم فى جلب الأمنيات وتحقيقها، ولكن مع تطور الزمن تم منع تلك الممارسات بالكرنك نهائياً.
ويضيف فاروق، أنه ترعرع فى عائلة تعشق العمل فى المعابد والمقابر الفرعونية منذ قديم الأزل، وبدأ العمل رسمياً فى معابد الكرنك فى 1986م كعامل ثم تدرج فى المناصب حتى وصل ملاحظ لعمال الكرنك، فأسرته من أبناء محافظة قنا وتعمل فى مجال الحفر والتنقيب عن الآثار بمقابر وادى الملوك والملكات وجبل القرنة مع هيئة الآثار منذ أكثر من 100 سنة، فوالده الريس "فاروق شارد" من كبار رجال التنقيب والحفر عن الآثار التاريخية وتقديمها للعالم فى مختلف متاحف ومعابد مصر وعمل فى تلك المهنة منذ أن كان عمره 13 سنة حتى وصل لكبير عمال الحفائر والتنقيب وورث المهنة عنه شقيقه الأكبر الريس على فاروق.