أجدع مقاول أنفار بكفر الشيخ.. حكاية المعلمة فكيهة بدأت من سن الـ9 بـ جنيه واحد في اليوم
السبت، 26 ديسمبر 2020 08:18 م
تفرض العادات والتقاليد على النساء في العالم العربي بعض القيود، خاصة في مجال العمل، لما لهن من طبيعة أنثوية رقيقة تختلف عن طبيعة الرجال الصلبة والجافة، ولكن هناك ظروف حياتية قد تجبر بعض النساء على تغيير طبيعتهن واكتسابهن صفات تحاكى صفات الرجال بل وتتفوق عليهم في بعض الأحيان، ومن بين هؤلاء النساء "المعلمة فكيهة حلوسة" أول مقاول أنفار بقرية القصابي بمحافظة كفر الشيخ.
في بيت متواضع به حديقة صغيرة تملؤها الزهور وطيور الزينة، حيث كان الحديث عن الفتاة التي خرجت من بيتها للعمل في سن التاسعة لتتحمل مسئولية أسرتها المكونة من 9 أفراد، رب الأسرة أب يعمل في العمالة اليومية بالزراعة والبناء، وأم تشارك زوجها الكفاح.
"ماكنش فى هدف فى دماغى غير يبقى عندنا بيت زي الناس" هكذا تحدثت فكيهة عن حلمها الأول حين قررت الخروج للعمل، وأضافت: "أول ما طلعت رحت على الجبل اشتغلت في العمالة الزراعية أنقى الدودة، أجمع فواكه خضار محاصيل، لكن كانت الفلوس بسيطة جدًا واليومية أقل من الجنيه، وكان وقتها العمالة في البناء أغلى 3 جنيهات فرحت على عمالة البناء أشيل القصعة واشتغل مع العمال من الصبح للمغرب".
ولأن لكل مجتهد نصيب حققت فكيهة حلمها الأول وقالت: "شوية شوية يوميتى كبرت وبقيت أخد 5 جنيهات، كنا نمسك الخمسة جنيه دى ونبقى فرحنين بها قوى، اشتغلت وحوشت لحد ما بنينا البيت بتاعنا".
كلما غلب الفتاة الصغيرة التعب والشقاء كانت تنظر إلى حال أسرتها وما يمكنها أن تفعله لأجل تغيير الحال، فتواصل العمل وتنسى التعب، ويومًا بعد آخر أصبحت مقاول أنفار تتولى مهمة تشغيل العمالة. تقول فكيهة: "كنت باخد الفلوس أروح أديها لأبويا، وكانت نصيحته ليا إياكي وأكل يومية العامل".
تعود بذاكرتها وتضيف: "أفتكر أول مرة أخدت 1000 جنيه رحت اديهمله يومها ضربني عقلة سخنة، وماكنش مصدق أنه أجرى غير لما راح للمعلم بتاعى وسأله، اتعلمت منه الحق وشيلت المسئولية بداله بعد ما مات".
ويقول أحد أهالى قريتها في تصريحات صحفية إن معظم المبانى داخل القرية تمت على يديها ويضيف: "هي اللى بنت كل البيوت هنا وفى القرى اللي جنبنا".
تضيف فكيهة: "شغلي بيبدأ من الفجرية بيجينى حد عاوز يبني بيته باخد الرسم وأروح للموان أجيب الزلط والرمل والخامات كلها وأبيت على العمال وأنا عندى المعدات ونشتغل، ساعات بيكون تحت إيدى من 30 إلى 50 عاملا وساعات أكثر على حسب الشغل، فيهم اللى بيتحاسب باليومية وفيهم اللي بالأسبوع، لكن كله بيتراضي، مافيش بيننا رئيس ومرؤوس كلنا شغالين عمال مع بعض، ساعات كتير بيكون في عامل تعبان أنا بنزل مكانه واشتغل، برفع جلابيتى واشمر كمامى وبنزل اشتغل بايدى".
"ونسيت أنى امرأة"
فى مقابل تحقيق الحلم واستقرار الأسرة دفعت فكيهة الثمن من أحلامها الشخصية، فمثلما تناست أنوثتها فى طاحونة العمل الشاق نست مع الوقت أحلامها بالزواج والاستقرار وتقول فكيهة " فكرت كتير في الجواز زى كل البنات لكن نقول إيه الشغل والمسئولية، أنا عندى 47 سنة، الأيام مرت والدنيا عدت والقطار فات، الشقا خلانى جامدة كتير من الناس بتتنمر عليا اللى يقول دى راجل هي عاملة كده ليه، برد عليهم وأقول الله يسامحك ربنا بيرد غيبتي".
وتتابع الفتاة: "كل واحد في الدنيا تأقلم على لبسه وعلى حاله، أنا مش بلبس غير عبايات، أكيد كان نفسي ألبس فستان وجزمة بكعب والكوافير يبقي ماشي ورايا بس إزاى في الشغل بتاعي، الشغل بينسي البني آدم نفسه، ماحستش مرة إن أنا وحيدة لأنى وسط الناس على الطول، أما في الشغل أو في البيت مع أمى وأخواتي".
واستكملت المعلمة فكيهة: "طلعت من سنين الشقا بحب الناس الكل بيحبني وبقيت من كبارات البلد مش بالفلوس لكن بالعقل والالتزام، أي مشكلة عند حد لازم أحلها له، مافيش قعدة عرفية غير لما فكيهة تكون فيها، بساعد ناس كتير وببني للفقير بيته من غير فلوس، والحمد لله بقيت عايشة وسط أهلى في أمان ومش ناقصنى حاجة، ربيت أخواتى وجوزتهم وأمى طلعت عمرة، ومش عاوزة حاجة تاني من الدنيا الحمد لله".