الابتزاز من الناحية اللغوية هو محاولة الحصول على مكاسب مادية أو معنوية عن طريق الإكراه المعنوي للضحية، وذلك بالتهديد بكشف أسرار أو معلومات خاصة، والابتزاز بهذه الصورة يمتد ليشمل جميع القطاعات، فنجد ما يسمى بالابتزاز السياسي والابتزاز العاطفي والابتزاز الإلكتروني.
وتعد جريمة الابتزاز الإلكتروني من الجرائم المستحدثة بفعل التقدم الكبير في تكنولوجيا المعلومات، مما جعل من العالم قرية صغيرة، وسهل الكثير من أمور الحياة، ولا يخفى ما لهذا التطور من فوائد في النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعلمية إلا أنه لم يخلو من مواطن خلل، فقد سهلت لظهور نوع من المرجمين يستخدمون هذه التقنيات لتنفيذ جرائمهم بواسطتها، الابتزاز الإلكتروني هو الابتزاز الذي يتم باستخدام الإمكانيات التكنولوجية الحديثة ضد ضحايا أغلبهم من النساء لابتزازهم ماديا أو جنسيا.
الابتزاز الالكتروني بين الإباحة والتجري
في التقرير التالي،نلقى الضوء على جريمة الابتزاز الإلكتروني التي باتت تشكل ظاهرة خطيرة على الأشخاص والمجتمعات على الرغم من أنه بات معروفاً لدى أغلبية مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي ومستخدمي الهواتف الذكية من أن البيانات الشخصية والصور يمكن سرقتها أو استدراج الضحية للحصول على صور أو فيديوهات لاستخدامها فيما بعد لابتزاز الضحية إلا انه حتى ألان لم تقم مصر بتشريع يمكن من حماية الضحية من الابتزاز الإلكتروني – بحسب رئيس المحكمة السابق والمحامي أحمد عبد الرحمن الصادق.
المشرع لم ينص صراحة على عقوبة للابتزاز الإلكترونيفي البداية - نجد أن الضحية تنصاع في أغلب الأحوال لطلبات المبتز خوفاً من الفضيحة وخاصة أن المحاكمات تكون علنية وأن الأحكام يسهل نقضها، وبالتالي نجاة الجاني من العقوبة، وذلك لقيام القاضي بالقياس على مواد أخرى في قانون العقوبات حتى يجد عقوبة مناسبة للجاني وهو الأمر الذي يمنعه القانون "حيث إنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص" – وعلي الرغم من صدور قانون تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 في مصر إلا أن المشرع لم ينص فيه علي جريمة الابتزاز الاليكتروني علي الرغم من تجريمه الدخول غير المشروع علي المواقع والصفحات والحصول علي البيانات الشخصية لمستخدمي الموقع والصفحات ومعالجتها إلكترونيا وكذا الاعتداء علي الحياة الخاصة والقيم الاسرية.......الخ، وخطة المشرع في الاغفال قد يكون لها ما يبررها، إذ أن نصوص قانون العقوبات الحالي كفيله بالعقاب علي الابتزاز الالكتروني، بل قد تتعدد الجرائم في حق المبتز، إذ يسند إليه احدي جرائم تقنية المعلومات بالإضافة إلي جريمة التهديد المنصوص عليها في قانون العقوبات وعندئذ، تطبق عقوبة الجريمة الأشد طبقا للمادة 32 عقوبات، وذلك متي توافر الارتباط الذي لا يقبل التجزئة - وفقا لـ"الصادق".
المبتز في القانون المصريفنجد المادة 327 من قانون العقوبات المصري تحمى المبتز بالنص على كل من هدد غيره كتابة بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال معاقب عليها بالقتل أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة أو بإفشاء أمور أو نسبة أمور مخدوشة بالشرف، وكان التهديد مصحوبا بطلب أو بتكليف بأمر يعاقب بالسجن، ويعاقب بالحبس إذا لم يكن التهديد مصحوبا بطلب أو بتكليف بأمر وكل من هدد غيره شفهيا بواسطة شخص أخر بمثل ما ذكر يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بغرامة لا تزيد على 500 جنيه سواء أكان التهديد مصحوبا بتكليف بأمر أم لا، كل تهديد سواء أكان بالكتابة أم شفهيا بواسطة شخص أخر بارتكاب جريمة لا تبلغ الجسامة المتقدمة يعاقب عليه بالحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر أو بغرامة لا تزيد على 200 جنيه – الكلام لـ"الصادق".
إذن حتى يتم معاقبة المبتز يجب أن يبتز أو يهدد ضحيته أما عن طريق الكتابة، ولا يكون التهديد مجرماً إذا كان شفاهة إلا إذا تم بواسطة شخص آخر أي أن المبتز حين يهدد ضحيته بنفسه، ولكن شفاهة فهو خارج إطار المحاسبة قانوناً ويمكن أن ينجو بفعلته.
هل قانون مكافحة جرائم الإنترنت يحمى البيانات أو خصوصية المستخدم؟
ولعل المشرع المصري حين صاغ قانون مكافحة جرائم الإنترنت لم يكن يعي أن جريمة الابتزاز والتهديد باستخدام البيانات الشخصية للضحية أو صورها والمتحصلة باستخدام الإنترنت هي من جرائم الإنترنت لذا لا نجد أى إشارة ولو من بعيد حول هذه الجريمة، فنجد المادة (12 ) من قانون جرائم الإنترنت تنص على أن: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين و غرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه، كل من حاز أو أحرز أو صنع أو أنتج أو استورد أو صدر أو تداول بأية صورة من صور التداول أي أدوات أو برامج مصممة، أو محورة، أو شفرات أو رموز، بغرض استخدامه في ارتكاب أو تسهيلا ارتكاب أية جريمة، أو إخفاء آثار أو أدلة أيمنا لجرائم المنصوص عليه في هذا القانون".
وبالنظر في نص هذه المادة نجد أنها تعاقب فقط على استخدام البيانات أو الأدوات لارتكاب أو تسهيل ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون فقط، وليس في قانون العقوبات بأكمله اى أنها لا تحمى البيانات الشخصية للضحية ولا تعاقب على انتهاك خصوصية المستخدم أو استخدام بياناته أو تحوريها كما يحدث مع صور الفتيات وتركيبها على صور أخرى لتصوير الفتاة الضحية على أنها من الباغيات، وحين حاول القانون التطرق لحماية البيانات الشخصية الخاصة بالمستخدم جاء بنصوص ناقصة ولا تضمن الحماية الحقيقية للبيانات أو لخصوصية المستخدم.
ثغرة عدم الحماية على البيانات الشخصية الموجودة على البريد الإلكتروني
ولم يقم القانون بحماية حقيقية ضد استخدام البيانات الشخصية في أمر يسئ لصاحبها بل اكتفى بحماية البريد الإلكتروني فقط وليس البيانات إلى يحويها البريد الإلكتروني أو البيانات الموجودة بالفعل على جهاز الضحية و التي يمكن اختراقه، فنص في المادة (11) يعاقب بالحبس وبغرامة لا تجاوز خمسة ألاف جنية كل من استخدم بريدا الكترونياً لا يخصه في أمر يسئ إلى صاحب البريد، أي أن استخدام البريد الالكتروني في أمر لا يسئ لصاحبه لا يدخل ضمن مجال التجريم و لكن المشرع حفظاً لماء الوجه وحتى يساير تشريعات معظم الدول العربية إلى أولت الجرائم الالكترونية الاهتمام الكافي.
وجاء بالنص في المادة (9) على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تجاوز 10 آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اتلف أو أبطأ أو عطل أو اخترق بريدا الكترونياً أو موقعاً خاصاً إذا كان البريد أو الموقع خاصا بآحاد الناس، أما إذا كان خاصاً بأحد الأشخاص الاعتبارية الخاصة تكون العقوبة الحبس وغرامة لا تجاوز 50 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وإذا كان البريد الإلكتروني يخص الدولة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة تكون العقوبة السجن وغرامة لا تجاوز 50 ألف جنيه.
أى أنه لا حماية على البيانات الشخصية الموجودة على البريد الإلكتروني، بل الحماية تشمل عدم استخدامه في أمر يسيئ لصاحبه وعندما تحدث المشرع عن اختراق البريد لم يتحدث عن حماية البيانات نفسها التي يحويها البريد، ولكنه عوضاً عن الحماية الكاملة للبيانات ضد اى اختراق من أي شخص قام المشرع بالنص في المادة (13) من نفس القانون على يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 3 آلاف جنيه ولا تجاوز 15 ألف جنيه كل مزود خدمة أفشى بغير إذن أو طلب من إحدى جهات التحقيق، البيانات الشخصية لأي من مستخدمي خدمته، أو أي معلومات أخرى تتعلق بالمواقع التي يدخل إليها، أو الأشخاص والجهات التي يتواصل معها، وتتعدد عقوبة الغرامة بتعدد المجني عليهم من مستخدمي الخدمة.
رأى محكمة النقض في الأزمةويستقر قضاء النقض على أن ركن التهديد في جريمة الحصول بالتهديد على مبلغ من النقود ليس له شكل خاص، فهو يتحقق بحصول التهديد كتابة أو شفاهه أو بشكل رمزي، وتتخذ الكتابة أي صورة كرسائل إلكترونية، بما يسمح بدخول وسائل التواصل الاجتماعي ضمن الركن المادي لجريمة التهديد باعتبارها من جرائم القالب الحر التي لا تستلزم أن يحصل التهديد من خلال وسائل محددة حصريا أو شكل بعينه بل يكفي وقوع التهديد بأي وسيلة.
ويكفي لتحقق القصد الجنائي أن يثبت للمحكمة أن الجاني ارتكب التهديد وهو يدرك أثره من حيث إيقاع الرعب في نفس المجنى عليه، وأنه يريد تحقيق ذلك الأثر بما قد يترتب عليه من أن يذعن المجنى عليه راغماً إلى إجابة الطلب، وذلك بغض النظر عما إذا كان قد قصد إلى تنفيذ التهديد فعلاً ومن غير حاجة إلى تعرف الأثر الفعلي الذى أحدثه التهديد في نفس المجنى عليه، كما لا يعيب الحكم إغفال التحدث عن أثر التهديد في نفس المجنى عليه و ما يقال من أن المتهم لم يكن جاداً فى تهديده، وذلك طبقا للطعن رقم 30 لسنة 39.
ويلاحظ أن المشرع قد غاير في عقوبة المادة 327 عقوبات على النحو التالي: أ-إذا كان التهديد جسيما وكان كتابيا، وكان مصحوبا بالطلب أو التكليف بأمر تكون العقوبة الحبس عامين، ب- إذا كان التهديد جسيما وكان كتابيا وكان غير مصحوب بطلب أو تكليف بأمر فعقوبته الحبس عامين، ج- إذا كان التهديد جسيما وكان شفويا فعقوبته الحبس مدة لا تزيد عن سنتين أو الغرامة التي لا تزيد عن 500 جنيه، ء-وإذا كانت التهديد بسيطا فعقوبة الحبس لمدة لا تزيد عن ستة أشهر أو الغرامة التي لا تزيد عن مائتي جنيه.