لكل قضية مفتاح يفك طلاسم ويكشف خيوط مرتكبها، فلازال الحديث عن مفتاح قضية الطفلة "أبرار"، يشغل الرأي العام، بعد أن قررت الدائرة الثالثة بمحكمة جنايات كفرالشيخ، حضوريًا وبإجماع الآراء، إحالة أوراق صاحب محل زيوت يقيم بقرية دمرو التابعة لمركز سيدي سالم، إلى فضيلة المفتي، لأخذ رأيه الشرعي حول عقوبة إعدام المتهم، قضاءً في إدانته بخطف وقتل طفلة صغيرة من أجل سرقة قرطها الذهبي، في القضية التي عُرفت إعلاميًا بـ"الطفلة أبرار". وحددت المحكمة جلسة 16 يناير 2021 للنطق بالحكم.
مرافعة النيابة العامة فى القضية المقيدة برقم 25887 لسنة 2020 جنايات سيدى سالم، التي ترافع فيها المستشار محمد سالم، مدير نيابة سيدي سالم الجزئية تابعة لنيابة كفر الشيخ الكلية، كان لها عظيم الأثر في قرار المحكمة بإحالة أوراق المتهم إلى فضيلة المفتى لأخذ الرأي الشرعي في إعدامه.
الطفلة أبرار
محامو كفر الشيخ يرفضون بالإجماع الدفاع عن المتهم
في البداية - شهدت أولى جلسات محاكمة قاتل الطفلة أبرار، البالغة من العمر 9 سنوات، المقيمة بقرية دمرو الحدادي، التابعة لمركز سيدي سالم في كفر الشيخ، رفض عدد من المحامين الدفاع عن المتهم، تضامنا مع الطفلة، وأسرتها، وأكد المتضامنون، أنه لا يمكن الدفاع عن المتهم، إدراكا منهم لبشاعة حادث قتل الطفلة، وأن هذه الجريمة تمثل انتهاكا لقيم المجتمع، وعقب حالة الرفض، قرر المستشار عبد الكريم شامخ، رئيس الدائرة الثالثة بمحكمة جنايات كفر الشيخ، انتداب محامي صاحب الدور للدفاع عن المتهم – والذى كان من خارج المحافظة - وذلك وفق الإجراءات القانونية الخاصة بسير التقاضي، بعد رفض العديد من المحامين الدفاع عن المتهم.
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على مرافعة النيابة العامة التي ترافع فيها المستشار محمد سالم، مدير نيابة سيدي سالم الجزئية تابعة لنيابة كفر الشيخ الكلية، والتي أبكت جموع الحاضرين داخل قاعة المحاكمة لما تضمنته من ألم وحسرة من سرد الأحداث، وكذا من نصح وإرشاد كالتالى:
بسم الله الحق العدل
بسم الله الرحمن الرحيم
"إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" |
صدق الله العظيم |
سيدي الرئيس الجليل ... حضرات القضاة الأجلاء ... أقف على عتبة محرابكم المقدس، فأرى نوراً قد انبعثْ، وضياءً قد انتشرْ، وظلاماً قد تبددْ، أرى أحكامكم أعطت للضعيفِ حقَه، فكانت للقوى زجرَهِ، أحكاما علمتنا المنطق وما هي دروبه وحججه، علمتنا القانون وماهى اجراءاته وفلسفته، علمتنا اللغة وكيف استقامت عليها ألسنتنا، فهذه بضاعتُكم قد ردتْ إليكم فزيدوناَ منها نميرُ أهلنا، ونحفظ عهدَنا، ونزداد قبساً من نور، وضياءً وسرور، وانتزاعاً لفجور.
المستشار محمد سالم
طفلة قُدر لها أن تقتل ولم تعش على الأرض سوى 9 سنوات
سيدي الرئيس الجليل ... حتى لا ينسحب الوقت من بين أيدينا قضيتنا تدورُ في ثلاث محاور لا نستطيع أن نحيدَ بأحدهم عن الأخر. أول هذه المحاور هى المجني عليها وثانيها الأدلة والشهود وثالثها المتهم.
الحق والحق أقول أننى وحال نظري للمتهم لا أستطيع أن أشيح بوجهى أبداً عن منظر المجنى عليها الطفلة الصغيرة وهي تنزف دما حتى فارقت الحياة، فاستمعُ إلى صوتِ ضميري يقول أن هذا المتهم مذنب أمام الله... مذنب أمام الناس ... مذنب أمام عدلكم .... ولا عذر له، ويتطلب ذلك عقوبةٌ رادعةٌ زاجرة، فالعدالة تقتضيها، والقانون ينص عليه، ومصلحة الهيئة الاجتماعية تتطلبها.
نعم... أطلب الرحمة لطفلة لم تعش سوى تسع سنوات، قُدر لها أن تقتل على يد المتهم، الذى لم يعرف للرحمةِ اسماً ولا للشفقةِ معنى، فكانت النهاية لطفلة لم تخط خطوات البداية، أطلب الرحمة لمجمتع يئن ويتعب وينتظر خارج قاعتكم حكمكم العادل الناجز.
فبقدر ما أنا مؤمن بأنى أؤدي واجبي المقدس حسبما أطلب منكم بتوقيع العقوبة القصوى فبقدر ما أنا مؤمن بأنكم تؤدون رسالتكم الساميه حينما تنطقون بها.
3 محاور للقضيةوقبل أن أستعرضَ هذه المحاورَ الثلاثَة على مسامعِ حضراتكم، أعرجُ عرجاً حثيثاً على وضعِ القضيةِ من قانون العقوبات، فقد أفرد لها المشرعُ عقوبةَ الإعدام جزاء وفاقا، فينظمُها نصوص المواد 230 ، 234 بفقرتيها الأولى والثانية، و 290 بفقراتها الثلاث الأول من قانون العقوبات، واجتمعت في الواقعة كل أركان الجريمة باعتبار المتهم تعمد قتل نسمة حباها الرحمن، بعد أن ظن أهلها أنها في أمان، بسبق إصرار أعياه الهوى وتخبط به الشيطان، بتفكير وتدبير ومكر ودهاء وترصد لغدو الطفلة ورواحها، ففاضت النسمة إلى بارئها وغادرت الزهرة دنيانا إلى جنان ربنا.
وبحسب "المرافعة": وقد اقترنت تلك الجناية بجناية أخرى تقدمتها انه وفى مكان ارتكابه لجرمه الأول وبذات زمانه، خطف المجنى عليها من اهلها وذويها حيلة، مستغلا لاستئناسها به، ومرتكنا لاطمئنانها إليه، ثم كرها عنها آخذ بذراعيها النحيليتين، معتمدا على شبابه وقوته وجثى على ركبتيه لكتم أنفاسها، طامعا فيما ملكه أبوها، وقد ارتكب جناية القتل العمد تأهبا لسرقة قرط الطفلة صغير الوزن من أذنيها، فنزفت الصغيرة فلم يرق قلبه ولم تدمع عينه.
خالف المتهم شرع رب من سن القانون
وقبل القانون فقد خالف المتهم شرع رب من سن القانون، فقد قال الرحيم الرحمن في كتابه المنزل القران "وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا" ونسى الاية الأخرى في سورة الفرقان "وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ".
المحور الأول: المجنى عليهاوأما عن المحور الأول من قضيتنا وهى المجني عليها فهي طفلة كأطفالنا، وبنت كبناتنا، اختار الله لها اسم اشتق من البر، فجمع البر فيها فكانت ابرارا، خرجت من بيتها في احدى قرانا لشراء بعض المخبوزات، خرجت بردائها الأبيض وضفائرها المنسدلة على ظهرها وجسدها النحيل، خرجت تترنح يمنة ويسرة وكأنها في نزهة، تألف أعين الناس فهم الأهل والجيران، مطمئنة لما اعتاد عليه ريفنا من مساعدة الصغير واغاثة اللهفان، ولم تعلم بان هنالك عين ترصدها، ويد تبغى البطش بها، وقلب ينوى النيل منها ، فقد ظنت أن البشريةَ على فطرتها، وأن القلوبَ على سجيتها، خرجت ولم تعلم ان النهاية قد اقتربتْ، وان بسمةَ الوجهِ قد أَفُلتْ، فكانت النهاية ان عثر على جسدها الطاهر بأحد المصارف، على يد متهم لم يعط للأمانة وزنَها ولا للطفولِة حقَها، جثى المتهم على ركبتيه لقتل الطفلة ونسى نهجا أحمدا من جثى على ركبتيه يواسى طفلا معضدا ومؤيدا – هكذا يقول المستشار محمد سالم.
المحور الثانى: شهادة الشهودوعن محور قضيتنا الثاني وعموده وذروةُ سنامه وهى الشهود والأدلة فقد كانت ساطعة سطوع الشمس في كبد السماء.
فقد بدأ غيث الأدلة قطرة، ثم تدفق سيلا منهمرا، فبمناظرة جسد الطفلة من قبل النيابة العامة في استهلال التحقيقات وقبل ضبط المتهم، اثبت في مناظرتها أن الطفلة ملفوفة بأجولة بلاستيكية عليها قطرات زيت للسيارات فمن اين جاء هذا الزيت؟ ومن احضره؟ ومن يستخدم زيتا في تلك المنطقة؟ فكشف الله لنا الغطاء ومن علينا بعد تواتر الانباء، أن المتهم لديه حانوت لتغيير زيوت السيارات ويستخدم اجولة مشابهة في عمله، ويبعد حانوته بضع مترات عن مكان العثور على الضحية، فمن قتلها غيره؟ ومن ألقاها إلا هو؟!
وجاءت شهادة الأب والأم في الأوراق تؤكد سابق تعرض المتهم للطفله بالمضايقات اللفظية الذي لم يراعى للجوار حرمة، بعد ان تاه في طريق الظلمة، واتهام الاب للمتهم وهو مستخدم الهاتف محل الفدية الحرام بارتكاب الواقعة وجاءت شهادتهما مستصرخة بكم، لترجعوا الحق لأصحابه بعد أن تتنزعوه من يد عصّابه.
أهلية الطفلة
وعن الشاهد الثالث وهو المدعو: "حسن. ح. س"، فكانت شهادته نكالا على المتهم، بردا وسلاما على الطفلة الضحية، فقد أكد بورود اتصال هاتفى من الهاتف محل استخدام المتهم في يوم ارتكاب الجرم بعد ان نفذ المتهم جريمته، وبعد أن انهى جريرته مهددا إياه بان الطفلة حوزته، طالبا فدية طامعا في مال الاب راغبا فيما ملكه غيره، والسؤال لماذا قام المتهم بذلك الاتصال؟ ولماذا أجري تلك المكالمة الكاذبة؟ فوقتها الطفلة منكبة على وجهها غارقة في دمائها ! لم يكن ذلك إلا لكسب بعض الوقت للتخلص من الضحية والهاء أهلها باعطائهم املا كاذبا ووعدا زائفا لابعاد الاتهام عنه، ولكن الله كان بالمرصاد، فقد هدى الله الشاهد الثالث بتسجيل جزء من المكالمة قدم بالتحقيقات، وبمواجهة المتهم به أقر أن الصوت صوته وأن التهديد تهديده.
وأكدت شهادة الشاهد الرابع وهو صاحب المخبز محل شراء مخبوزات الضحية وهو أخر من رأى الطفلة، وخاتم من تعهدها، من أن الطفلة قد حضرت اليه في ساعة مقاربة لارتكاب الواقعة، واشترت بعض المخبوزات ثم علم باختفائها وبحث أهلها عنها.
أقوال الضابط مجرى التحريات بالتحقيقاتوجاءت اقوال الضابط مجرى التحريات بالتحقيقات والذى جمع الأقوال من شتات، واتبعها ببعض التفصيلات، فقد أكد أن تحرياته السريه اكدت ارتكاب المتهم للواقعة بقتل الطفلة ابرار، بنية مبيتة مع سبق الإصرار، طامعا في مال ابيها فتواردت إليه الأفكار، فترصد طريقها بعد أن اختفى عن الأنظار، فتحايل عليها مستغلا قرب الجوار، فكتم أنفاسها ولم يرعى فيها الانكسار، ورطم رأسها فنزف الدم من الأوتار، ووارى جسدها فى فراش غير ممهد -اجولة زيت - متماديا في الاستكبار، وأضاف الضابط بأقواله بالتحقيقات ضبطه للمتهم وحوزته الهاتف محل الاتصال بالشريحة الخاصة به، وكذا ارشاده عن قرط الصغيرة والعثور عليه بمنزله ملفوفا بمدنيل عليه اثار دم الضحية .
الأدلة الفنية تساند الأدلة القولية
وجاءت الأدلة الفنية تساند الأدلة القولية يدا بيد وذراعا بذراع إذ أكدت جميعها ارتكاب المتهم للواقعة، فقد ثبت بالاستعلام من شركة المحمول أن الرقم محل الاتصال مسجل لدى الشركة باسم محمد عاطف سلامة حسين، وهو من سرق المتهم هاتفه، وأجرى منه اتصاله، واضيف بالاستعلام سالف البيان أنه تم من الهاتف مكالمة صوتية لهاتف الشاهد الثالث، مدتها دقيقة وثمان وثمانين ثانية بتوقيت يتوافق مع ما شهد به الشاهد الثالث بالتحقيقات.
تفريغ المكالمة الصوتيةكما ثبت بتفريغ المكالمة الصوتية المقدمة من الشاهد الثالث تهديد واضح البيان، وعصي عن النكران، اقر به المتهم بالتحقيقات اتبع بطلب فدية طمعا في مال والد الضحية دون مراعاة لجوار، أو أخذ لطفولة الضحية في الاعتبار.
وثبت بتقرير الفحص الفني للإدارة العامة للمساعدات الفنية بمنطقة وسط الدلتا للكاميرا محل الفحص، والمضبوطة بمعرفة النيابة العامة لمنزل موال لحانوت المتهم، ظهور الطفلة بتاريخ الواقعة في الساعة السابعة واحدى وعشرين دقيقة وست ثوانى مساء، مرتدية ردائها الأبيض خاوية اليدين، ويستغرق مرورها من كادر الكاميرا حوالى عشرين ثانية، ثم ظهرت تارة أخرى بعكس مواجهة كادر التصويربذات ردائها وبيدها كيس بلاستيكى شفاف، يظهر به ما يشبه المخبوزات، وذلك بذات اليوم في الساعة السابعة وثمان واربعين دقيقة وثلاث وعشرين ثانية ويستغرق مرورها حوالى ثلاثين ثانية ،ومرفق بالاوراق مقطع فيديو وكذا صور لظهور المجنى عليها ،وتلك الكاميرا هي اخر من تعهد الضحية في طريق عودتها لمنزلها مرورا بحانوت المتهم.
معاينة النيابة العامة لحانوت المتهم
كما ثبت من معاينة النيابة العامة لحانوت المتهم وجود آثار دم متجلط! نعم دم متجلط! أسفل مكتب خشبى بالحانوت، وكأن الله أراد ان يرد كيد الظالمين فنسى المتهم ان ينظف اثار الدماء، فأي دم هذا؟ ومن اراقه في حانوته وتحت مكتبه؟ إلا نفس طغت وقلب تحجر وتجبر.
وأرفق بالاوراق رسم كروكى من قبل النيابة العامة يوضح طريق غدو المجني عليها ورواحها من منزلها وصولا للمخبز محل شرائها للمخبوزات حتى حانوت المتهم.
تقرير الطب الشرعي
وعن الدليل الفني الجازم الذي لا عوار فيه ولا عله وهو تقرير الطب الشرعي، فقد ثبت فيه ثلاث نقاط عصفت بالمتهم عصفا، وساقته بين أيديكم في محاكمة الحق والعدل، فقد نطقت جروح الصغيرة معبرة عن نفسها لتدون الامها وآلام الصغيرة
أولا:ثبت وجود جروح رضية مشاهده بفروة الراس والوجه وهى جروح رضية حدثت من المصادمة بجسم صلب راض أيا كان نوعه من مثل الارتطام بالأرض او ما في حكمه.ثانيا:اعيت الاذن وجود جرح مشاهد بحلمة الاذن اليمنى على غرار ما يتخلف عن نزع القرط من اذنها بالقوة .
ثالثا:أنهى التقرير بنقطة فصلت القول، وأنهت الشقاق والنزاع، اذ ثبت في التقريران الواقعة في مجملها جائزة الحدوث وفق التصوير الوارد بمذكرة النيابة، وفى تاريخ معاصر للتاريخ المعطى للواقعة، وأن وفاة الطفلة حدثت جراء الجروح الرضية المشاهدة بيسار فروة الرأس، بما احدثته من كسور بالجمجمه، ونزيف خارج وتحت الأم الجافية فكان تفصيل تقرير الطب الشرعى مرا وكان المتهم مضرا، ليؤكد التقرير ارتكاب المتهم لجريرته .
اعترافات المتهم
وإذا عرجنا عرجا حثيثا الى محور قضيتنا الثالث والأخير وهو المتهم فقد أراد الله أن يرد كيد الظالمين، وكفانا شر العناء فقد نطق لسان المتهم بعد ان أعيته أفعاله بالحق – وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا – فقد أقر المتهم بارتكابه الواقعة دون إكراه أو تهديد، أو وعد أو وعيد، فقد حضر معه مدافعا وأبدى طلباته في نهاية التحقيقات.
فقد فصل المتهم القول تفصيلا واقر بمروره بضائقة مالية وتراكم الديون على كاهله حتى اغواه الشيطان، واخذ به في طريق الضلال، فأبصر زهرة تتهدى مارة بحانوته، ففكر وقدر وقتل كيف قدر، ثم نظر، نظر للزهرة بعد ان سولت له نفسه انه قد حان قطوفها، وهى من هي ! هي من لم تبلغ عامها العاشر، هي من تنتظر مستقبلا، تنتظر ريا لتكبر، واملا لتنضج، لم يفكر في نحالة جسدها، ولأصغر سنها، ولا قرب جوارها، نادها فاستانست به، لم يعبأ بلقيماتها الصغيرة، ولا كيسها المترنح، الطفلة في يديه كعصفور صغير وهو ارتكب فعلا تانفه الأسود، فالاسد – وهو الحيوان - لايستأسد بقوته على الضعيف، الطفلة ارتابت في أمرها فبدأت في صراخها، وهو يكمم فاهها يقعدها أرضا فخارت قواها.
المتهم يصر على جرمه
زاد الصراخ فرطم رأسها الصغير عدة مرات في أرض حانوته، حتى خرجت الأنفاس ومعها الحياة، انكبت على وجهها، لم يرق لحالها، ليرقدها على ظهرها، بل تسارع الى فك قرطها، فنجح في الأول وفشل في الأخر، انتظر..... انتظر محاولة أخرى للفك! لا ..... لا لن انتظر، نزع القرط نزعا والطفلة تنزف دما، اعد أجوله من حانوته واضعا الطفلة، وكأنها تناديه أحسن لى فراشى! ومهد لى كفنى! فلم يستجب قلبه بعد ان صمت الاذان عن طريق الحق، وهوت القلوب الى طريق الضلال، هاتف الشاهد الثالث مهددا بطلب فدية من أهلها، والقى الطفلة في الماء، والسؤال لماذا كل هذا التجبر وذاك العناد! امن اجل قرط صغير ثمنه بخس دارهم معدودات! أم من أجل قلب هوى ونفس تجبرت.
وقد ظهرت نية القتل من أقواله بالتحقيقات حال سؤاله بالصحيفة رقم 37 من تحقيقات النيابة العامة عن علة قيامه بكتم انفاس الضحية ورطم راسها بالأرض رغم إقراره أن قصده اقتصر على الخطف، فأجاب بلغتنا العامية: "اللى خلانى موتها أنى خفت أنها تروح لأهلها تقولهم انى أنا اللى خطفتها"، ويظهر من اجابته أن نية القتل متوافرة وقصد ازهاق الروح منسدل على أقواله.
وقد هالنى من أقواله ما ورد بالصحيفة رقم 36 من تحقيقات النيابة العامة حال سؤاله عما حدث بعد عودته لمنزله، فأجاب بلغتنا العامية: "أنا استحميت ونزلت جبت جاتوه علشان عيد ميلاد أخويا محمود وبعد عيد الميلاد أنا نمت "، ثم شيبنى من أقواله بذات الصحيفة قوله: " أنا نمت حوالي الساعة 12 صباحا لحد ثانى يوم الظهر ورحت صليت واتغديت وفتحت المحل".
فأساله.... اسأله برب التين والزيتون، ومنزل الإخلاص والماعون، كيف طاقت نفسه أن يشترى حلوى ويده ملطخة بدماء طفلة بريئة! كيف طاق قلبه أن يحتفل بعيد ميلاد والطفلة ملقاة في الماء! كيف نام ليلته حتى اليوم الثانى ظهرا ممارسا حياته المعتادة وزيادة، وراح يصلى ما فاته من صلاته!
والجواب لم يكن ذلك إلا من ضمير مات، وقلب في سبات، ونفس تحب اللذات.