"مارادونا مات".. خبر صدم عشاق كرة القدم في العالم، فقد انتهى عهد أحد عمالقة الساحرة المستديرة، لتعلن الأرجنتين (موطنه) الحداد لأيام ونكسوا الأعلام.
ولد الأسطورة فى 30 أكتوبر عام 1960 فى العاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس، وتحديدا فى حى فيلا فيوريتو أحد أفقر الأحياء بالعاصمة، بدأ مسيرته الكروية لاعبا فى فريق أرجنتينوس جونيورز عام 1976، ثم خاض موسما مع بوكا جونيورز 1981-1982 ومنه إلى برشلونة، حيث لعب بقميص الفريق الكتالونى بين عامى 1982 و1984 ومنه إلى نابولى، حيث سطر التاريخ وحده.
الكل حزين بالتأكيد، لكن هناك في نابولي الإيطالية حزن من طراز خاص، درجة أن أبناء المدينة بكوا منذ سماع خبر وفاة الأسطورة الأرجينتينة.
نادي نابولي علق على وفاة الأسطورة الكروية، بعبارات موجعة، فقال: إنهم لا يجدوا أى كلمات تصف حالهم، دعونا نحزن فقط سنتكلم عنه وعن تاريخه معنا فى وقت لاحق.
وقبلهم قال الأسطورة الإيطالية فابيو كانافارو، قائد المنتخب الإيطالى الفائز بمونديال 2006 ومدافع نابولى السابق: "مارادونا بمثابة الاله لسكان نابولي. لقد غير مجرى التاريخ.. عانينا على مدى 80 عاما من الكفاح لعدم الهبوط فى الدورى المحلى، لكن بتواجده فى صفوف النادى على مدى سبع سنوات، فزنا بالدورى المحلى مرتين وكأس الاتحاد الأوروبى مرتين وكأس إيطاليا مرتين".
"مارادونا إله فى نابولى".. حكاية بدأت في عام 1985، وقد أنهى دييجو مسيرته مع برشلونة سريعا بعدما قضى فى صفوفه موسمين كانوا كارثيين بالمعنى الحرفى للكلمة.
الفترة التي قضاها مارادونا في برشلونة كانت كارثية بالمعنى الحرفي، فلم تخل أبدًا من الإصابات والأزمات والانتقادات لحياته الليلية سواء من الصحافة أو رئيس النادى نفسه، ليشد الرحال نحو المدينة الإيطالية.
وعن هذه الخطوة قال دييجو "رحلت عن البلوجرانا ولم أفز سوى بكأس إسبانيا.. حقا لم أكن أعرف جيدًا مدينة نابولى أو النادى لكن لم يرد أحد شرائى سوى نابولى".
استقبال أسطورى لاقاه دييجو فى نابولي، حيث الآلاف يرحبون، بعدما أظهر قدرات خاصة فى نهائيات كأس العالم 1982 وأحرز 5 أهداف رائعة.
ولم تكن جماهير تلك المدينة تصدق أنها امتلكت لاعبا بحجمه فى ظل معاناتهم المادية خاصة أن سعر دييجو لم يكن بالقليل فقد كان الأغلى فى العالم وقتها.
عن إدارة نابولى يقول مارادونا "بعد تعاقدى قللوا من كل مطالبى أردت منزلا أعطونى شقة.. أردت فيرارى منحونى فيات.. لكن كان علىّ المضى قدمًا وإثبات أننى الأفضل فى هذا العالم".
مسيرة مارادونا مع نابولى امتدت لـ7 مواسم لم ولن تنسى فى تاريخ تلك المدينة، البداية لم تكن رائعة لكنها جيدة فقد احتلت النادى المركز السابع فى جدول الترتيب، وأظهر اللاعب رقم 10 مهارات خاصة.
وفي الموسم التالى بدأ دييجو يتوهج وقاد نابولى للفوز على العملاق يوفنتوس بهدف دون رد، فى مباراة لا تمحى من ذاكرة سكان المدينة، وقاد الفريق لاحتلال المركز الثالث.
كل شىء فى نابولى بدأ يتغير عقليتهم وطموحهم نحو الفوز، فقد كان في الماضى أقصى ما يتمنوه هو البقاء فى الدورى وعدم الهبوط، لكن التاريخ تغير منذ أن وطأت قدمى دييجو مدينة نابولي، الآن الأحلام يمكن تحقيقها وبالفعل تحققت وحقق الفريق لقب السكوديتو للمرة الأولى فى تاريخهم.. وهنا بدأت الاحتفالات الجنونية فى الانطلاق.
تحول مارادونا إلى رمز المدينة، فلم يكن غريباً أن يطلق اسمه على أغلب المواليد فى تلك الفترة، وصورته كانت فى كل منزل، وبجوار "المسيح".
لكن فى الوقت نفسه كانت لدى دييجو مشكلة أخرى فقد بدأت علاقاته تتطور حتى أنه أصبح صديقا لأباطرة المافيا بالمدينة، وبدأ مارادونا يعود لحياته الليلية الصاخبة مجددًا وازدادت مشاكله بسبب إدمانه لمخدر الكوكايين، ورغم هذا فإن موهبته أنقذته كثيرًا فقد كان اللاعبون يحتاجون للتدرب ليل نهار للوصول إلى مستوى جيد بينما مارادونا لا يحتاج إلى الكثير لقيادة فريقه إلى الانتصارات.
فى نابولى مرت حياة الأسطورة الأرجنتينية بمسارين الأول دييجو فتى الكرة الموهوب صباحا يصول ويجول فى الملاعب وليلاً مارادونا المحب للترف والسهر والشرب، وعن هذا يقول إن الكوكايين لم يؤثر على أدائه فى الملعب نهائيًا فقد كان من يتعاطون ذلك المخدر يصبحون ضعفاء بينما هو كان يصنع المجد.
مضت الأيام على هذا النحو حتى حان موعد اللحظة الفارقة فى مسيرة دييجو مع نابولى، فقد أقيم كأس العالم 90 فى إيطاليا، ويشاء القدر أن تواجه الأرجنتين إيطاليا فى الدور قبل النهائى.
ويخرج الإيطاليون على يد الأرجنتنيين بقيادة مارادونا وليس هذا فحسب إنما هو من أحرز ركلات الجزء الأخيرة التى قادت بلاده للفوز.
كل شىء يتغير
وعن هذا اللقاء يقول مارادونا: "ارتكب الاتحاد الإيطالى خطأ كبيرا بإقامة المباراة فى معقل نابولى.. فقد كانت هذه مدينتى قضيت فيها 6 سنوات ملكا متوجًا لم أتمكن حتى من السير فى الشوارع بسبب المعجبين"، والمثير للدهشة أن دييجو طالب جماهير نابولى بدعمه وقد استجاب بعضهم له، ورأوا أنهم يجب عليهم تشجيعه حتى ولو كان يلعب ضد منتخب بلادهم، وهذا ما تحقق بالفعل.
ولا عجب فى تشجيع بعض من جماهير نابولى للأرجنتين ورفع علمها فى المدرجات فقد فسر ذلك دييجو مسبقًا، قائلاً: "لقد كانت نابولى وسكانها من أفارقة إيطاليا يتعرضون للعنصرية أينما ذهبوا، يرفعون لافتات في المدرجات ضدنا يجب عليكم تنظيف أنفسكم، رائحتكم لا تطاق، لكن ردنا دومًا كان يأتى فى الملعب".
بعد خروج إيطاليا على يد مارادونا ورفاقه، لم تعد نابولى هى نفس المدينة التى احتضنت دييجو فقد تغير كل شىء، أصبح اللاعب الأرجنتينى الشخصية الأكثر كرهاً في إيطاليا، الكل يترصد له الصحافة والسياسين والشخصيات العامة.
وأثيرت وقتها فضيحة وجود ابن غير شرعى له -اعترف بصحة هذا الموضوع بعد 30 عامًا - إلا أنه سار فى طريقه المعتاد اللهو ليلاً واللعب نهارًا، إلا أن زوال الحماية عنه عرضه لكثير من الأزمات، فقد اتهم بحيازة المخدرات وتعاطيها، وقد اضطر لعقد صفقة قانونية مع الجهات القانونية بالمدينة، ليتم الإفراج عنه ويدفع غرامة مالية كبيرة.
تعقدت الأمور على مارادونا فى نابولى ووصلت إلى النهاية حينما تم عمل تحليل له، وظهرت النتيجة عن وجود آثار لمواد مخدرة، وهنا قرر الأسطورة الرحيل عن المدينة، قائلاً: "سجلت هدفى الأخير أمام سامبدوريا يوم 24 مارس 1991، حزمت حقائبى للرحيل لكنى رحلت كالمجرمين بعدما استقبلنى الآلاف فى هذه المدينة".
ورحل أسطورة كرة القدم بعد 7 مواسم، تعد الأفضل فى مسيرته، حيث خاض 259 مباراة، سجل خلالهم 115 هدفا، وتوج بلقب الدوري الإيطالي مرتين 1986 – 1987 و 1989 – 1990، وحصد لقب كأس إيطاليا مرة واحدة، وكأس أوروبا بجانب كأس السوبر الإيطالي.
ما سبق يؤكد أن دييجو كان خلطة عجيبة ولد فقيرًا.. وعاش ملكًا.. تمتع بكل شىء مثلما أمتع جمهوره.. لكن الثابت عنده كان شيئا واحدا فقط حبه لجماهيره.. فقد اعترف أنه أخطأ كثيرًا ووقع فى نزوات أكثر، لكنه لم يتبدل تصرف بعفويته المعهودة فى أى مكان يتواجد فيه.. لم يخشى شىء ابدًا.. فقد كان قدوته ابن موطنه الأشهر جيفارا.. ورأى فى الكوبى كاسترو قدوة له حتى أنه رسم على جسده صورتهما ليتذكرهم دومًا.