يوسف أيوب يكتب: دولة المؤسسات تُسقط أحلام «الكهنة»
السبت، 14 نوفمبر 2020 11:00 م
قانون دولة 30 يونيو رقم 1: مصر دولة مستقلة ذات سيادة لا تقبل لأحد مهما كان أن يفرض عليها مالا تقبله
بايدن لن يكون امتداداً لسياسة أوباما.. ومصر ليست دولة ضعيفة
تهنئة الرئيس السيسي المبكرة لبايدن كشفت استعداد مصر منذ فترة للتعامل مع أي نتيجة للانتخابات الأمريكية
محور القاهرة-واشنطن لا تحكمه الشخصنة ولا الأهواء «السوشيالية».. لغة المصالح والاستقرار ضمان الانتقال الآمن للعلاقة من ترامب إلى بايدن.. ولا عزاء للحالمين بتوتر العلاقات المصرية الأمريكية
مصر التي تعاملت مع إدارة أوباما الداعمة بشكل واضح للإخوان لن يهزها وصول بايدن الذي يعي تماماً أنه لن يكسب شيئاً من ضغطه على مصر بهذه الورقة
مصر حافظت على علاقتها مع الديمقراطيين في عهد ترامب.. ولم تخل زيارات الرئيس لأمريكا من مقابلات مع رفاق «بايدن».. واستقبلت القاهرة نواباً بالكونجرس عن الحزبين
بايدن لن يكون امتداداً لسياسة أوباما.. ومصر ليست دولة ضعيفة
تهنئة الرئيس السيسي المبكرة لبايدن كشفت استعداد مصر منذ فترة للتعامل مع أي نتيجة للانتخابات الأمريكية
محور القاهرة-واشنطن لا تحكمه الشخصنة ولا الأهواء «السوشيالية».. لغة المصالح والاستقرار ضمان الانتقال الآمن للعلاقة من ترامب إلى بايدن.. ولا عزاء للحالمين بتوتر العلاقات المصرية الأمريكية
مصر التي تعاملت مع إدارة أوباما الداعمة بشكل واضح للإخوان لن يهزها وصول بايدن الذي يعي تماماً أنه لن يكسب شيئاً من ضغطه على مصر بهذه الورقة
مصر حافظت على علاقتها مع الديمقراطيين في عهد ترامب.. ولم تخل زيارات الرئيس لأمريكا من مقابلات مع رفاق «بايدن».. واستقبلت القاهرة نواباً بالكونجرس عن الحزبين
القراءة السطحية دائما ما تقود إلى خطأ في التفسير والتأويل وتصل إلى نتائج غير واقعية، لأن هذه القراءة عادة ما تكون مبنية على قشور وليس أصولاً، وتنقصها الكثير من التفاصيل الضرورية لبناء أي رؤية شاملة وكاملة.
هذا هو ما ينطبق فعلياً على ما يقال اليوم من تفسيرات وتحليلات كثيرة بشأن العلاقات المصرية الأمريكية، بعد إعلان فوز الديمقراطي جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة.
على مدار الأيام الماضية اجتهد الكثيرون في نشر تحليلات تحمل في مجملها نظرة سطحية، تعتمد فقط على رؤى خاصة لمن يقولونها، ولا تعتمد على أي أسس علمي أو معلومات موثقة أو مواقف يمكن البناء عليها في هذه التحليلات، وكان من نتيجة ذلك أن رأينا من يكتب ويحلل ويقول أن بايدن سيكون امتداداً لسياسة إدارة باراك أوباما، خلال الفترة من 2008 حتى 2016، على اعتبار أن الرئيس المنتخب كان نائباً لأوباما، ومن هذه الزاوية قالوا إن العلاقات بين القاهرة وواشنطن تخاطر بالعودة إلى الأجواء الجليدية التي سادت خلال فترة أوباما، وذهب البعض منهم إلى تدعيم هذه الرؤية بالقول أن الشكل العام يسير في اتجاه استعانة بايدن بعدد من كبار مسؤولي أوباما في مناصب رئيسية بالإدارة الأمريكية الجديدة، بما في ذلك بعض الذين اتخذوا موقفا قويا ضد مصر، وكل أمل أصحاب هذا الرأي أو التحليل أن يروا في مستقبل الأيام ما يعتبرونه قطيعة في العلاقات أو على الأقل "شدة أمريكية" على مصر.
الحقيقة أن هؤلاء ومن سار في فلكهم لم يحاولوا أن يمنحوا انفسهم فرصة بسيطة لمجرد التفكير علهم يصلون إلى قراءة واقعية لما يحدث وسيحدث مستقبلاً، وأيضاً قراءة ما يحدث حولهم علهم يتوصلون إلى قراءة صحيحة للوضع، فحتى إذا اكتفينا بالشكل دون التطرق إلى مجمل العلاقات سنرى كم التغيرات التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية، وأيضاً تشعب العلاقات المصرية الأمريكية، وهو ما يدعم الاتجاه القائل بأن جو بايدن لن يكون امتداداً لأوباما، وهو ما يعني أن غداً لن يكون أبداً شبيها بأمس، ولا حتى اليوم.
إذا تحدثنا عن الوضع في مصر، فلن أكشف سراً عندما أقول أن هناك شخصيات مصرية كثيرة كانت مهتمة بفوز بايدن لأسباب متعددة، كلها مرتبطة بالرؤية المستقبلية المصرية لعلاقات أكثر مؤسسية مع الولايات المتحدة، ومرتبطة بشبكة المصالح المتشعبة بين البلدين، والتي لا تقتصر فقط على العلاقات الثنائية، وإنما تمتد للاهتمام المشترك حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية.
ما يغفله الكثيرون أن مصر تؤمن بدور المؤسسات في العلاقات بين الدول، وإذا أخذنا هذا المبدأ الذى تسير عليه مصر تحديداً بعد 2014، وطبقناه على العلاقة بين القاهرة وواشنطن، سندرك الحقيقة التي ربما تم تجاهلها طيلة الفترة الماضية، وهي أن هذه العلاقة تخضع فعلياً لرؤية المؤسسات في البلدين التي تكونت بناء على مجموعة من القناعات وطبيعة المصالح المتبادلة وإدراك أهمية الدور، إضافة إلى تعدد الرؤى المؤسسية التي تحكم تلك العلاقة ما بين وزارة الخارجية والبنتاجون وبقية المؤسسات ذات الاهتمام بالعلاقات الخارجية، حيث يعتبر التواصل الدائم والمباشر بين مؤسسات الدولتين هو ترمومتر قياس قدرة العلاقة على تجاوز أي عقبات واختلافات في وجهات النظر والسياسات؛ وقد تشكلت تلك العلاقة والدور نظرا لطبيعة منطقة الشرق الأوسط وما شهدته وتشهده من صراعات وحروب مستمرة حتى الآن، والدور القيادي لمصر على مدار العقود الماضية.
لذلك لم يكن مستغرباً في ظل العلاقة القوية التي تم بناؤها مع إدارة الجمهوري دونالد ترامب، أن مصر أبقت علاقتها القوية أيضاً مع الحزب الديمقراطي، فلم تخل زيارة للرئيس عبد الفتاح السيسي طيلة السنوات الأربع الماضية إلى العاصمة واشنطن، أو إلى نيويورك من لقاء قيادات ديمقراطية، وبالتوازي مع ذلك استقبلت القاهرة أعضاء ونواب بالكونجرس عن الحزبين، كما سارت العلاقات بين مؤسسات الدولتين في خط متوازي مع العلاقة القوية بين مؤسسة الرئاسة والبيت الأبيض، فلم تكن العلاقة القوية مع ترامب لاغية لدور المؤسسات، بل مكملة لها، وداعمة في أحيان كثيرة، أخذًا في الاعتبار أن مصر تدرك منذ البداية حقيقة الدور القوي للدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية، والذى تقوم به المؤسسات القوية هناك، لذلك لم يكن في تفكير صانع القرار المصري الاكتفاء فقط بخط التواصل مع ترامب والبيت الأبيض، بل تم التواصل والانفتاح على الجميع، حتى في ظل نظرة "ديمقراطية" لم تكن عادلة في كثير من الأحيان للأوضاع المصرية، لكن هذه النظرة بدأت تتغير وتتبدل شيئاً فشيئاً، وكان الأساس في هذا التغيير هو مصر ذاتها وليس أي شيء أخر، لأن الديمقراطيين ومن قبلهم ترامب نفسهم، لم يكن ليثق في مصر ورئيسها، إلا اذا كان مدركا لحقيقة الدور القوى الذى تقوم به الدولة المصرية في محيطها الإقليمي، وأيضاً، قوة هذه الدولة، وتخطيها لكافة العقبات التي تم وضعها أمامها علها تتعثر.
إذن القضية الحاكمة من وجهة نظري، لم تكن فقط لغة المصالح، بل كانت أيضاً وبالدرجة الأولى، طبيعة الدولة المصرية ذاتها، فلو لم تكن هذه الدولة قوية وقادرة على مجابهة كل هذه المخاطر والتحديات لما اهتم بها ترامب، ولما كان لها كل هذا التواجد الدولي، لذلك ليس منطقياً أن نتحدث عن خوف أو شكوك مصرية من مجرد صعود رئيس ديموقراطي في الولايات المتحدة، لأن المبدأ الأساسي الذي تسير عليه مصر منذ 2014 وحتى اليوم، ويعلمه الجميع في الداخل والخارج أيضاً، أن مصر دولة مستقلة ذات سيادة، ولا تقبل من أحد، مهما كانت قوته أن يفرض عليها مالا تقبله، أيا كانت الضغوط التي تمارس ضدها.
لكل ذلك أجد من الصعوبة الحديث عن حيرة أو قلق مصري من فكرة فوز بايدن في الانتخابات، لأن المؤكد الذى يجب أن يكون الجميع على اقتناع به أن مصر كانت تدير حساباتها منذ فترة، ولم تفاجئ بنتيجة الانتخابات، وهو ما أكده بيان التهنئة الذى أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسى بعد إعلان المؤشرات الأولية التي أكدت فوز بايدن، وتضمن البيان إشارة الرئيس السيسى إلى التطلع للتعاون والعمل المشترك مع الرئيس الأمريكي المنتخب من أجل تعزيز العلاقات الثنائية الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، بما فيه صالح البلدين والشعبين الصديقين.
وقد كان الرئيس السيسي أول رئيس عربي يهنئ بايدن، وهو ما لفت انتباه شبكة CNN الأمريكية التي أفردت تقريراً حول هذا المضمون، وهو ما يؤكد أن مصر لم تفاجئ أو ترتبك من النتيجة، بل كانت كما سبق وقلت تدرس كافة الاحتمالات، ولديها آليات مختلفة للتعامل مع كلاً منها، ولم ترتبك بخسارة ترامب.
لكل ذلك، أعيد مرة أخرى التأكيد على أن العلاقات بين الدول لا تتأثر بالشخصيات بقدر تأثرها بعلاقات "المؤسسات"، لذلك فإن مصر التي أعادت بناء مؤسساتها الدستورية والسياسية والأمنية بشكل محترف باتت أكثر "نضجاً" من أن تحكم الشخصيات علاقاتها الدولية، وأن مصر دولة مؤسسات قادرة على إدارة علاقاتها الدولية باحترافية واقتدار، حتى وإن كانت هناك محاولات خفية لتصدير صورة غير حقيقة عن الواقع المصري تجاه ما يحدث حالياً في واشنطن، لإن طبيعة الحال والوضع ليس في مصر فقط وإنما في كل دول العالم، أن ما حدث في الانتخابات الأمريكية ولا زال يحدث من خلاف حول النتيجة سيظل محور اهتمام الجميع، لذلك من الطبيعي وجود اهتمام من جانب المصريين بالانتخابات الامريكية، كما أنه من الطبيعي أن يكون هناك ميول لدى البعض، حتى وإن كانوا كثيرين لترجيح كفة ترامب، لأسباب كثيرة ومختلفة، لكن هذا الاهتمام أو ميول البعض ناحية ترامب، لا يمكن مطلقاً تفسيره على أنه ارتباك في الرؤية المصرية، بل هو في الأساس يمكن اعتباره اهتمام وقراءة واقعية لمجريات ما يحدث، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أنه لا يوجد شخص واحد في العالم يدرك إلى أين ستسير الأمور حاليا في واشنطن، وهل سيقبل ترامب في نهاية المطاف بالنتيجة ويسلم البيت الأبيض للرئيس الجديد في 20 يناير المقبل، أن سنكون أمام وضع مأساوي؟!
وحينما أتحدث عن بايدن وفوزه، فلا يمكن أن أغفل نقطة مهمة، المتعلقة بجماعة الإخوان الإرهابية، التي ظهرت في شكل يرثى له بعد إعلان فوز بايدن، من خلال بيان كشف الكثير من ضعفها وارتمائها تحت أقدام الحماية الأجنبية، ورغم هذه الحالة التي اعتدناها من هذه الجماعة الإرهابية، التي اعتادت تقديم فروض الولاء والطاعة لأى أجنبي، على أمل أن تحظى بلقب "العميل أو الخائن" لهذا الأجنبي، لكن رأينا كتابات وتحليلات سوشيالية تتحدث عن انفراجة قريبة في مستقبل الجماعة بعد فوز بايدن، وأنه من المتوقع أن يستخدم الساكن الجديد للبيت الأبيض ملف الإخوان للضغط على مصر، وهو ما سيزيد من فرص تعقد العلاقات بين القاهرة وواشنطن، وقد تناسى أصحاب هذه التحليلات "السوشيالية" عدة حقائق مرتبطة بهذا النقطة تحديداً، الأولى مرتبطة بمصر ذاتها، فكما سبق وقلت أن مصر بعد 30 يونيو 2013 تعاملت لثلاث سنوات مع إدارة أوباما التي كانت بمثابة المرشد الروحي للجماعة الإرهابية، وكان بايدن عنصر أصيل في هذه الإدارة، وفى نهاية المطاف لم يحدث شيء مما خططت له هذه الإدارة، وخرجت الدولة المصرية منتصرة، وهو أمر يدركه ويعمله جيدا بايدن، وكل منن سينضم لإدارته لاحقاً.
الأمر الثاني أنه في العرف السياسي، دولة المؤسسات لا يمكن أن تبني سياستها خاصة في محورها الخارجي علي مواجهة أوهام عودة جماعة إرهابية أو طائفية، وتعتبرها مقياسا لسلوكها أو علاقاتها مع الدول الأخرى، لأنه إذا حدث ذلك فأننا سنكون أمام دولة لا تقف علي أرض صلبة وأنها تنتظر دعما أو سندا من هذا أو ذاك، وهو أمر بطبيعة الحال لا ينطبق على مصر، كما أن مصر التي سبق وتعاملت مع إدارة أوباما بعد ثورة 30 يونيو 2013 وحتى تسلم ترامب الحكم في 20 يناير 2017، وهى فترة كانت شديدة الحساسية، حاولت خلالها إدارة أوباما فرض الكثير من القيود على القاهرة على أمل عودة الإخوان إلى المشهد مرة أخرى، لكن امتصت القاهرة كل هذه الضغوط، ولم تتراجع عن موقفها خطوة واحدة للوراء، إلى أن تأكدت إدارة أوباما أنه لا مفر من الاعتراف بالثورة المصرية ضد الفاشية الدينية الإخوانية، فالثلاث سنوات التي قضتها مصر مع إدارة أوباما لم تكن فقط رسالة لواشنطن، وإنما لكل القوى الكبرى، ان الدولة المصرية تغيرت ولم تكن كما كانت ذي قبل.
الأمر الثالث أن جماعة الإخوان الإرهابية انتهت فعليا ولم يبقى منها سوى مجموعة من "العرائس" التي يتم تحريكها من مخابرات دولية وأقليمية، ولم يعد لها أي تأثير، فضلاً عن أن دولة المؤسسات الأمريكية هي التي وضعت خلال العامين الماضيين مجموعة من الكيانات الإخوانية ضمن التصنيفات الإرهابية، بعدما اتضح لها خطورة هذه الكيانات على الأمن والسلم الدولى.
وبعيداً عن الملف الثنائى بين القاهرة وواشنطن، الذى يزداد قوة يوما تلو الأخر، في كافة المجالات السياسية والاقتصادية، هناك ايضاً عدد من العوامل المهمة التي تحكم العلاقة بين الجانبين، لا يمكن بأى حال من الإحوال إغفالها، وهى مرتبطة بالأوضاع الأقليمية والدولية أيضا، والمشاركة المصرية الأمريكية في مجابهة العديد من المخاطر التي تهدد الأمن والسلم الدوليين، وعلى رأسها قضية الإرهاب، التي باتت تؤرق ليس فقط الولايات المتحدة، وإنما كل دول العالم، ولعل المشاهد المنصف لمجريات الأحداث على مدار الأعوام القليلة الماضية سيتأكد أن هناك إيمان أمريكى اوربى بالدور القوى الذى قامت ولا تزال تقوم به مصر في هذا الملف، أمنيا وفكرياً أيضاً، لذلك لا يعقل أن تخاطر الإدارة الامريكية الجديدة بهذا الملف في سبيل دعم جماعة إرهابية!
وبجانب قضية الإرهاب، هناك أيضاً المشهد إقليمي الجديد الذى بالطبع له تأثيرات كبيرة على العلاقات المصرية الأمريكية، وكلنا تابعنا المناظرتين بين بايدن وترامب، وتركيزهما على وضعية روسيا والصين في العالم، لذلك لا يمكن فصل العلاقات المصرية الأمريكية عن هذا المشهد.
فمن واقع القراءة والمتابعة، سنجد أن السياسة الخارجية لجو بايدن تجاه مصر ستخضع لعدد من المتغيرات بالمشهد الإقليمي، منها نمو النفوذ الروسي، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، وهو ملف لن يغيب عن إدارة بايدن، وهنا أشير إلى تقرير أعدته آنا بورشفسكايا، زميلة "آيرا وينر" في معهد واشنطن، أشارت فيه إلى اهتمام الروس بالمنطقة سياسياً واقتصاديا، وقالت أن "مفهوم السياسة الخارجية" لروسيا في يناير عام 2000 حدد أولويات موسكو في الشرق الأوسط على أنها "استعادة المراكز وتعزيزها، لا سيما تلك الاقتصادية، كما أن أحدث نسخة من هذه الوثيقة، بتاريخ نوفمبر 2016، سلطت الضوء أيضا على أهمية الشرق الأوسط في السياسة الخارجية الروسية، واعتبرت أن "التدخل الخارجي" (في إشارة للولايات المتحدة ) هو سبب رئيسي لعدم الاستقرار في المنطقة، وتظهر هاتان الوثيقتان معا استمرارية في تفكير الكرملين حول دور كل من روسيا والغرب في المنطقة، وبالإضافة إلى ذلك استمالت موسكو المصلحة الذاتية لقادة المنطقة، الذين يشعرون بالراحة في التعامل مع بوتين، ويطمحون بالأسلحة الروسية، ويتحوطون في مواجهة السياسة الأمريكية غير المستقرة من سوريا إلى ليبيا مرورا بالسعودية ومصر، ودعمت موسكو علاقتها بدول المنطقة، ولا يتوقف الأمر على الشرق الأوسط، فقد أصبحت روسيا لاعب رئيسي في القارة الأفريقية، حيث حذر قائد القوات المركزية الأمريكية في أفريقيا توماس والدهاوزر لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ العام الماضي، من احتمال تصدير النموذج الأمني الروسي في جميع أنحاء القارة وبالتحديد إلى بلدان التي تواجه عدم استقرار واضطرابات مماثلة كتلك الموجود في جمهورية إفريقيا الوسطى، وهي الدولة غير الساحلية التي مزقتها الحرب، وحيث يعمل المدربون العسكريون الروس بموافقة مجلس الأمن الدولي.
وتشير العديد من التقارير الأمريكية إلى أنه لا يمكن لروسيا فقط أن تستخدم هذا لمصلحتها الخاصة وشركائها المستقبليين في أفريقيا، بل يمكن أن تكون ذات قيمة استراتيجية عالية للصين وكذلك المساهمة في توفير الطريقة الوحيدة المجربة والمحسوبة لحماية استثمارات مبادرة الحزام والطريق من محاولات التخريب الأمريكية، وقد يؤدي هذا بدوره إلى تحفيز الصين على السماح لبعض شركاتها المملوكة للدولة "بالانفتاح" على نظيراتها الروسية في الأسواق الأفريقية الكثيرة التي تهيمن عليها، حيث توجت روسيا سياستها في أفريقيا من خلال استضافة للقمة الروسية الأفريقية المشتركة في مدينة سوتشي عام 2019. وكان التركيز على مصر باعتبارها البوابة الرئيسة للقارة السمراء، وفي قلب الشرق الأوسط، وبجانب روسيا، توجد مبادرة الحزام والطريق الصينية، المستمرة في التوسع العالمي، بينما تعيد الصين صياغة لغة التعددية لبناء مؤسسات دولية جديدة تتناسب مع هدفها العالمي وغايتها. لا تهدد هذه المبادرة المصالح الاقتصادية الأمريكية في العالم بشكل عام وفي الشرق الأوسط وأفريقيا بشكل خاص فقط، ولكنها تحمل وجه عسكري يثير قلق الولايات المتحدة.
وفي العام الماضي، أشارت لجنة المراجعة الأمنية والاقتصادية الأمريكية الصينية وهي مسؤولة عن مراقبة تداعيات العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة على الأمن القومي، في تقريرها السنوي، أن في إطار مبادرة الحزام والطريق، تقوم الصين بتمويل جسور وشبكات رقمية في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط تعطي حكومتها ذريعة من أجل الاحتفاظ بوجود عسكري هناك. وكانت الصين افتتحت مؤخرا أول قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها في جيبوتي، وتعد هذه المبادرة عامل رئيسي لدفع أي إدارة أمريكية لعدم خسارة أيا من حلفائها خاصة في الشرق الأوسط أو إفريقيا.
هذه التغيرات التي تحدث في المطقة والأقليم ككل، وتظهر تصاعد النفوذ الروسى الصينى، والثقل الذى تلقيه موسكو وبكين على مصر، بالتأكيد سيجعل الإدارة الأمريكية الجديدة تعيد قراءة المشهد من زوايا مختلفة، كلها تصب في اتجاه واحد، وهو أنه لا غنى عن فتح حوار وعلاقة قوية مع القاهرة، حتى لا تفقد أحد مزايا واشنطن في سياستها الخارجية.
لكل ذلك وغيره الكثير يمكن القول أن العلاقة بين القاهرة وواشنطن ستظل على قوتها، لإنها ليست مرتبطة باشخاص وإنما تحكمها أسس واضحة، وزادت وضوحاً بعد 2014، وهو ما تستوعبه الإدارة الجديدة في البيت الأبيض جيداً.