رحيل أصدقاء الفيسبوك
الأحد، 08 نوفمبر 2020 04:02 م
اختصر الفيسبوك الحواجز والمسافات، ومن خلاله تتكون الصداقات المحلية وعابرة القارات، وتتوطد العلاقات، حتى لو لم تلتق الوجوه. بعض الصداقات الافتراضية أدوم من الواقعية. الصداقة بمعناها النمطى والكلاسيكى القائمة على إخلاص المودة صارت معنىً متحفيًا لا أثر ولا وجود له، مثل قيم ومعانٍ نبيلة اختفت قسريًا من واقعنا البائس، ولكن يبقى للموت، عند كل ذى بصيرة جلاله وسلطانه. لا يكاد يمر يوم دون أن يحمل لك الفيسبوك خبر وفاة أحد أصدقائك الافتراضيين، وحينئذٍ.. يجتاحك الحزن، وإن اختلفت درجته حسب علاقتك بالراحل، هل كانت وطيدة أم محدودة أم بينَ بينَ. قد لا يكون الحزن فى حد ذاته على رحيل صديق افتراضى بقدر ما يكون تذكيرًا لكل حى بأن الموت قادم لا مفر منه؛ فأحياء اليوم هم موتى الغد لا محالة، فكل حى وإن طالت سلامته، على آلة حدباء محمولُ. الموتُ باختصارٍ: "أنت هنا.. أنت لم تعُدْ هنا". لا ضيرَ أنْ يموتَ أحدُنا، طفلًا أو شابًا أو كهلًا، فالشمسُ والقمرُ لا يخسفانِ لموتِ أحد أو حياتِه، الكونُ كلُّه إلى زوالٍ، وليس للموتِ "كتالوج"؛ فأطفال يرحلون، وكبار يُعمرون ويشيخون، وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ، أَفَلَا يَعْقِلُونَ؟! و"أينما تكونوا يُدرككم الموتُ ولو كنتم في بروجٍ مُشيدةٍ". قلبى يذرفُ دمًا عندما أرى تابوتًا يحمل بين جنبيه من كان بيننا حيَّا منذُ ساعات قليلة، أو أقرأ خبر رحيله المباغت عبر منصات التواصل الاجتماعى، ولكن سرعانَ ما أتذكرُ قوله تعالى: "كلُّ مَن عليها فانٍ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام". المؤلمُ.. أننا لا نتدبرُ ولا نعتبرُ، نصطنعُ، في مواكبِ الجنائزِ والعزاءِ، الواقعية والافتراضية، دموعًا تُشبهُ دموعَ التماسيح، ونرتدى أقنعة بلاستيكية، ثم يعود كلٌّ منا إلى سيرته الأولى. اليوم مثلاً.. فقدتُ صديقًا افتراضيًا هو النائب السابق "حيدر بغدادى"، والذى كان مرشحًا لانتخابات مجلس النواب الحالية، ومن قبله بأيام قليلة رحلتْ الدكتورة "فرخندة حسن" صاحبة التاريخ الوطنى الحافل الممتد عبر نحو 6 عقود متصلة، ويبقى القوس مفتوحًا؛ حتى يرثَ اللهُ الأرض ومَن عليها، حيث تضم القائمة مسؤولين سابقين وأكاديميين وخبراء وفنانين وأدباء وزملاء صحفيين وغيرهم. بعيدًا عن عبارات التعزية وأيموشنات الحزن التى نرفقها بمنشورات رحيل أصدقاء الفيسبوك، فإنَّ العبرة قد تزول مبكرًا، والعظة قد تغيب سريعًا. كفى بالموتِ واعظًا يا عُمرُ، ولكنهم لا يتعظون يا عُمرُ. إنها لا تعمى الأبصارُ ولكن تعمى القلوبُ التي في الصدورِ. وإن لم نتعلم العظة من الموت فممن نتعلم، ومتى نعتبر؟!