بعدما قادت باريس الاتحاد الأوروبي لقطع الطريق أمام مؤامرات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان في الشرق الأوسط، لاسيما في ليبيا وشرق البحر المتوسط، وهو ما قاد لأخير للاستغلال أزمة الرسوم المسيئة للنبي بهدف تصفية حسابات مع فرنسا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي.
وفضحت الحملة التي يقودها نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضد الدولة الفرنسية قبل أسابيع، حالة الغضب التي تنتابه تجاه الدول الأوروبية بشكل عام وفرنسا بشكل خاص.
العداء التركي للدول الأوروبية لا ينبع من مواقف فرنسا وغيرها من الدول المناهضة لمؤامرات أردوغان في الشرق ، وإنما يأتي لأسباب عدة من بينها استضافة المعارضين الأتراك الذي هربوا من بطش نظام حزب العدالة والتنمية في تركيا، والتابعين لحركة الخدمة التي يرأسها المعارض الأبرز فتح الله جولن، وهو الأمر الذي ورط أردوغان في أنشطة تجسس مشبوهة استطاعت دوائر الأمن والاستخبارات الأوروبية رصد بعضها، إلا أن كثيراً منها لا يزال قائماً دون احترام لقوانين المجتمع الدولي.
وكانت بذرة عمليات تجسس التركي الكبرى على أراضى دول أوروبية، فضيحة التجسس التي كان أبطالها رجال دين جرت تفاصيلها على الأراضى النمساوية فى فبراير عام 2017، عندما أثبتت سلطات النمسا تجسسهم على هيئات ومؤسسات تابعة للمعارض التركى فتح الله جولن
وبعد دعم رموز الإرهاب وتمويل مليشيات العنف والدمار داخل دول الجوار، لجأ النظام التركى إلى حيلة جديدة وهى زرع جواسيس متسترين خلف عباءة الدين داخل الدول الأوروبية لاستهداف المعارضة التركية فى البلدان التى يقيمون فيها، ولتقديم تقارير دورية للسلطات التركية عبر سفاراتها بالخارج عن نشاطات مؤسسات وأنصار المعارض اللدود الداعية "فتح الله جولن"، وهو ما تسبب فى إحراج دولى لأنقرة، وقد يتسبب أيضا فى تشديد التوتر القائم بين تركيا وأوروبا، وعرقلة مفاوضات أنقرة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى.
فضيحة تجنيد الأئمة للتخابر داخل النمسا، كشفها نائب حزب الخضر النمساوى بيتر بيلز الذى وجه اتهامات صريحة لتركيا بتجنيد 200 جاسوس داخل بلاده تحت ستار الدين. وطالب النائب النمساوى وقتها سلطات بلاده بالتحقيق فى الواقعة، الأمر الذى دفع حسين مفتى أوغلو، الناطق باسم الخارجية التركية إلى النفى، والتأكيد فى تصريحات له الأسبوع الماضى على أن تلك التهم لا أساس لها وتضر بالعلاقات بين البلدين.
وبدأت حالة التوتر بين البلدين عندما كشفت النمسا فى سبتمبر 2017 صورة وثيقة صادرة عن الهيئة الدينية التركية، موجهة إلى الروابط والجمعيات الدينية التركية فى الخارج ـ ومن بينها النمسا ـ تطالب منها إعداد تقارير تفصيلية عن منظمات المجتمع المدنى والمؤسسات التعليمية والروابط القريبة من رجل الدين فتح الله جولن، ما يعنى أن النظام التركى بعد محاولات الإطاحة به العام الماضى، فى إطار حملة تطهير البلاد من المعارضة والقمع الممنهج، جنّد المؤسسة الدينية أيضًا لمراقبة المعارضة بالخارج.
وواصلت العلاقات التركية - النمساوية مسارها الصدامى، وتفاقم التوتر ببين الجانبين إلى درجة دفعت صحف النمسا إلى وصف رجال الدين الأتراك المقيمين على أراضيها، والبالغ عددهم 100 شخص بـ"الجواسيس".
النمسا لم تكن الأولى، فألمانيا هى الأخرى كشفت تجسس 6 أئمة تابعين لهيئة الشئون الدينية التركية على المعارضة التركية، وفى عام 2017، داهمت السلطات الألمانية منازل الأئمة الست بينهم 4 أئمة مساجد داخل ألمانيا على خليفة اتهامات بالتجسس على أنصار جولن لصالح الحكومة التركية، وتمت مصادرة وسائط تخزين بيانات ووسائل اتصال ووثائق من منازلهم، قبل أن تقدم أنقرة على استدعاء الأئمة فى محاولة للتستر على الفضيحة.
وكعادتها، حاولت تركيا فى ذلك الوقت التستر على القضية، ونفى مدير الهيئة الدينية التركية محمد جورماز أمس، تهم التجسس مكتفياً بالقول بأن الهيئة تتعرض لـ"حملة تشويه" على حد قوله، إلا أن وسائل إعلام ألمانية نقلت عن جورماز اعترافه بأن "هؤلاء الأئمة نقلوا لتركيا معلومات عن أشخاص يشتبه فى موالاتهم لحركة الداعية الإسلامى التركى فتح الله جولن فى ألمانيا"، وتابع: "كل من نقلوا فى خطاباتهم معلومات عن هؤلاء الأفراد تمت إعادتهم فوراً إلى مراكزهم الأصلية كإشارة على حسن النية"، مؤكداً أن ما تم لا يندرج تحت بند "أنشطة التجسس"، ورغم تنصل النظام فان فضيحة التجسس لاتزال حتى اليوم تطاله فى العديد من البلدان.