أمل غريب تكتب عن الأسباب الخفية لحملة أردوغان ضد فرنسا: ظاهرها نصرة الإسلام وباطنها ابتزاز أوروبا
الأربعاء، 28 أكتوبر 2020 08:48 مأمل غريب
اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي منذ مطلع الأسبوع الجاري، بالدعوة لحملة مقاطعة للمنتجات الفرنسية، نصرة لـ«النبي محمد صل الله عليه وسلم»، ردا على خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول الإسلام، والذي يراه البعض أنه إساءة للرسول الكريم، على خلفية حادث ذبح مدرس تاريخ فرنسي، على يد شاب متطرف في باريس، كان قد وقع مطلع الأسبوع الماضي، بعدما أعاد عرض رسم كاريكاتيري مسيء للرسول كانت نشرته مجلة شارل إبدو الفرنسية قبل سنوات.
من يقف خلف حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية
تبنت قناة الجزيرة القطرية، التابعة لتنظيم الحمدين، ومثيلاتها قنوات الشرق ومكملين، الممولتان من جماعة الإخوان الإرهابية، التي تبث من تركيا، حملة إعلامية شرسة دعت خلالها إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية في مصر!!!، سخرت لها كافة أذرعها الإعلامية وذبابها الإلكتروني المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي للحشد إلى تلك الحرب الاقتصادية وإشعال فتيلها في مصر فقط.
وفرضت عدة ملفات نفسها على المشهد السياسي والاقتصادي العالمي، خلال الـ 10 سنوات الأخيرة، فبقراءة سريعة ومدققة لما جرى طوال هذه الفترة، تكفي للتأكد من أن الأمر لا يعدو كونه حربا سياسية بصبغة دينية، تشنها أنقرة على باريس، ويحضر فيها التنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية بشكل كبير، فقد كانت فرنسا حاضرة بقوة، خلال العام الجاري 2020 وتصدت لوقف التمدد التركي في عدة ملفات شائكة، كان على رأسها ليبيا وسوريا ولبنان وملف غاز البحر المتوسط، والهجرة غير الشرعية، ومجابهة المؤسسات المتشددة التي تديرها تركيا وقطر، داخل فرنسا بشكل خاص، وأوروبا بشكل عام، وأخيرا الحرب الدائرة بين أرمينيا وأذربيجان.
وتشكل فرنسا، السد الأوروبي، الذي تريد تركيا، تحطيمه، فالصراع الدائر بين إيمانويل ماكرون، ورجب أردوغان، هو صراع على نفوذ ومصالح، حاول فيها الرئيس التركي، استثمار أزمة الرسوم المسيئة إلى النبي محمد، للضغط على الرئيس الفرنسي، كما حدث في وقت سابق خلال مذبحة مسجد نيوزلندا، الأمر الذي تفضحه فيه مواقف أنقرة، السابقة من وقائع حرق القرآن والإساءة إلى الرسول الكريم، في هولندا وألمانيا، والتي لم يخرج فيها بخطاب شجب أو تنديد للدفاع عن الإسلام والمسلمين، ولا بحملة مقاطعة منتجات كما فعلها مع فرنسا، وماكرون.
وقف ابتزاز أردوغان للاتحاد الأوربي
واجهت القيادة الفرنسية، بقيادة إيمانويل ماكرون، التمدد التركي داخل الاتحاد الأوروبي، بالشكل الذي أغضب أردوغان، وعصف بمخططاته، عبر تصدي باريس، المبكر لخطة أنقرة، في ابتزاز الاتحاد بملف المهاجرين غير الشرعيين، والذي نسقت فيه فرنسا، مع اليونان، كونها البوابة الأهم في الملف، علاوة على تشكيل قوات أوروبية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، الأمر الذي تسبب في ضياع ورقة المهاجرين الذي لطالما لعب بها أردوغان، والتي كان يعول عليها كثيرا في بداية الصراع السوري، واستطاع من خلالها جني أموالا طائلة في عمليات ابتزاز للاتحاد الأوروبي.
وعملت فرنسا، على مواجهة الجماعات والمؤسسات المتطرفة، بشكل دستوري وقانوني بالتنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي دفع استخبارات تلك الدول إلى التركيز على الملف الأخطر في أوروبا، والربط بين تلك الجماعات والتحركات التركية، والذي كشف عن تورط منظمات وجمعيات مشبوهة، تتبع جماعة الإخوان وتركيا، في تدعيم خطط تسفير شباب أوروبا لتركيا، ثم نقلهم عبر الحدود إلى العراق وسوريا، لاستخدامهم كوقود حرب انتهت بهم بين قتيل أو سجين، وكثير منهم سحبت منهم جنسيات بلادهم.
في الوقت ذاته، كشفت الأجهزة الاستخباراتية في الدول الأوروبية، عن تورط الجمعيات والجاليات التركية، وفي مقدمتها تنظيم الذئاب الرمادية، والاتحاد الإسلامي «ديتيب»، واتحاد «أتيب»، وحركة الرؤية الوطنية «ميللى جورش»، عن التعاون الوثيق بين هذه الجمعيات وجماعة الإخوان الإرهابية التي تلعب دوراً رئيسياً في عميات تجسس لصالح تركيا، وهو ما أبرزته ألمانيا، بتوجيه تهم بالتجسس لـ 19 إماماً تابعين لاتحاد «ديتيب»، وضلوعهم في عمليات تجسس وكتابة تقارير سرية لأنقرة، عن أعضاء حركة فتح الله جول في ألمانيا وسويسرا.
حرب ماكرون ضد الجماعات التركية المتطرفة في فرنسا
تعتبر فرنسا، أبرز البلدان الأوروبية التي واجهت توغل أئمة أتراك على أراضيها، وهو ما حدى بإيمانويل ماكرون، في فبراير 2020 بالإعلان عن فرض بلاده قيودا على إيفاد دول أجنبية لأئمة ومعلمين إلى فرنسا، ونهاية برنامج «الأئمة المبتعثين» في 2024، وتصريحه بأنه لن يسمح بتطبيق القانون التركي على تراب فرنسا.
التصدي الفرنسي لتدخلات تركيا في أزمة قره باغ
وقفت فرنسا، بشكل مباشر أمام التدخل التركي، في أزمة الحرب الدائرة بين قره باغ أرمينيا وأذربيجان، وتبنت اتفاق وقف إطلاق النيران بين البلدين وإعلان هدنة كاملة، علاوة على فضح عمليات تهريب مليشيات المرتزقة السوريين لساحة المعركة بين البلدين، علاوة على كشف النقاب عن الإمدادات العسكرية واللوجيستية التي يقدمها أردوغان، لأذربيجان، مما أشعل الصراع بين أنقرة وباريس، بشكل متصاعد، خاصة بعد إعلان كندا التي تربطها علاقات وثيقة مع فرنسا، عن وقفها تصدير بعض تكنولوجيا الطائرات المسيرة إلى تركيا، على خلفية تورطها في الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، الأمر الذي افتضح معه وهم أسطورة الصناعة التركية لطائرة «بيرقدار» المسيرة، ليفسر لنا بشكل أدق أبعاد سبب هجوم أردوغان على فرنسا واستغلال الرسوم المسيئة للنبي محمد، للمتاجرة بها واستخدام تنظيم الإخوان لتحقيق هذا الهدف.
ليبيا وكلمة السر في الحرب بين تركيا وفرنسا
تشكل ليبيا، الملف الأبرز في الصراع بين فرنسا وتركيا، إذ وقفت أنقرة، في صف جماعة الإخوان ومليشيات طرابلس وحكومة الوفاق، بينما دعمت باريس، الجيش الوطني الليبي ومجلس النواب برئاسة عقيلة صالح، واستطاع إيمانويل ماكرون، التصدي إلى التمدد التركي داخل الأراضي الليبية، من خلال اتفاق وقف إطلاق النار الذي دعت له باريس، برعاية الأمم المتحدة، وهو ما رفضته أنقرة، بطريقة غير مباشرة، لما يشكله الاتفاق من خسارة كبيرة لكافة الجهود التركية، الرامية إلى التمدد في ليبيا، والمغرب العربي ومن ثم أفريقيا.
ماكرون يحرج أردوغان من شوارع بيروت
يحاول رجب أردوغان، السيطرة على المنطقة العربية والشرق الأوسط بالكامل، تنفيذا لأطماعه الاستعمارية في إعادة إحياء الدولة العثمانية، وهو ما دعاه إلى محاولة التدخل بشكل مباشر في الملف السوري واللبناني، مما وضعه في صراع مباشر مرة أخرى مع باريس، إلا أن التحرك السريع الذي أجراه إيمانويل ماكرون في لبنان، فور اندلاع أزمة مرفأ بيروت، وحضور الرئيس الفرنسي، القوي في شوارع العاصمة اللبنانية، وجه لطمة قوية جديدة على وجه أردوغان، وكأنه يخرج لسانه لأنقرة من قلب بيروت.
الموقف الفرنسي من غاز المتوسط
يعد ملف غاز شرق المتوسط، من أكبر الملفات الشائكة التي شكلت أهمية استراتيجية واقتصادية كبرى لتركيا، وسعيها إلى التنقيب والاستيلاء على الغاز الطبيعي ومصادر الطاقة في شرق البحر المتوسط، غير أن تصدي فرنسا، للأطماع التركية، منع أردوغان، من تحقيق مخططاته بعد إعلان الموقف القوي بين التحالف الثلاثي «قبرص، واليونان، ومصر»، والدعم الاستراتيجي والعسكري والسياسي، الفرنسي إلى لليونان وقبرص، في هذا الملف الشائك.