ظاهرة فرعونية تتكرر منذ 30 عاما في مصر، مشهد نادر يحدث في العام مرتين، تتعامد الشمس على قدس الأقداس بمعبد الملك رمسيس الثانى بمدينة أبوسمبل السياحية أقصى جنوب مصر بمحافظة أسوان.
ومع الإجراءات الاحترازية ضد فيروس كورونا المستجد، حرص عدد من السائحين الأجانب من مختلف الجنسيات، على متابعة الظاهرة الفرعونية الفريدة، وسط إجراءات احترازية ووقائية مشددة.
ومع دقات الساعة الخامسة وخمسون دقيقة صباحاً بشروق شمس يوم 22 أكتوبر، تسللت أشعة الشمس إلى داخل معبد الملك رمسيس مخترقة مدخل المعبد وصولاً إلى قدس الأقداس، فى مسافة تصل لنحو مائتى متر تقريباً، حيث تعامدت الشمس على قدس الأقداس، الذى يتكون من منصة تضم تمثال الملك رمسيس الثانى جالسا وبجواره تمثال الإله رع حور أخته، والإله آمون، وتمثال رابع للإله بتاح، والجدير بالذكر أن الشمس لا تتعامد على وجه تمثال "بتاح"، الذى كان يعتبره القدماء إله الظلام.
وصل إلى معبد أبوسمبل نحو 160 سائحا أجنبيا و300 زائر مصرى وتوجهوا إلى المعبد قبل شروق الشمس حريصين على متابعة ظاهرة تعامد الشمس، والتى بدأت مع شروق شمس يوم الخميس، وسط إجراءات احترازية مشددة، للوقاية من انتشار فيروس كورونا المستجد، وحمل بعضهم أعلام مصر والبلونات الملونة فى أيديهم خلال الحضور إلى ساحة المعبد.
وشدد مسئولو المنطقة الأثرية بأبوسمبل على ارتداء الكمامات داخل المعبد، واصطفاف الزائرين فى مسافات تباعد آمنة لمنع التكدس والزحام بين المواطنين خلال متابعة ظاهرة تعامد الشمس.
وأكد الدكتور عبد المنعم سعيد، مدير عام آثار أسوان والنوبة، أن وزارة السياحة والآثار قررت هذا العام إلغاء الاحتفالات الخاصة بظاهرة تعامد الشمس على قدس الأقداس بأبوسمبل، فى ظل تطبيق الإجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19"، مؤكداً أن المعبد مفتوح أمام الزائرين الأجانب والمصريين لمتابعة الظاهرة.
وأوضح مدير عام آثار أسوان والنوبة، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، بأن أبوسمبل تشهد فى الفترة الحالية حركة سياحية لا بأس بها، فى ظل تحذيرات كورونا على مستوى العالم، موضحاً أن المعبد يشهد يومياً استقبال أعداد من السائحين من مختلف الجنسيات الأجنبية وخاصة من دول أمريكا اللاتينية وآسيا وبعض الدول الأوربية.
وتابع "سعيد"، بأن المنطقة الأثرية رفعت حالة الطوارئ واستعدت لظاهرة تعامد الشمس، خاصة الاهتمام بالإجراءات الاحترازية والوقائية أثناء عملية الدخول والخروج من المعبد، كما أنه تم التركيز على المنظومة الأمنية وتركيب كاميرات مراقبة وأجهزة الإنذار، وزيادة الرقعة الخضراء والمسطحات الخارجية، وتزويد جميع الخزانات بالمياه لتوفيرها ومواجهة انقطاع المياه، وذلك بالتزامن مع الظاهرة التى تشهد إقبالاً كبيراً، بالإضافة إلى تطوير منظومة الإضاءة بالكامل لمعبدى أبوسمبل، مع إصلاح "شفاطات" القبة الخرسانية.
وأشار الأثرى أسامة عبد اللطيف، مدير آثار أبوسمبل، إلى أن المنطقة الأثرية رفعت حالة الطوارئ استعداداً لتعامد الشمس ومهدت الطريق لمداخل ومخارج المعبد مع تهذيب الحدائق وإزالة مخلفات الأشجار، كما تم تزويد المنطقة بسيارات "جولف" كهربائية لنقل السائحين وكبار السن من مدخل المعبد إلى ساحته، بالإضافة إلى صيانة دورات المياه باستمرار وتعقيمها والتأكيد على تطبيق الإجراءات الاحترازية ادخل المعبد.
واستكمل، أنه تم رفع كفاءة المنطقة الأثرية من خلال توفير إضاءة داخلية لصالات المعبد وإضاءة خارجية للساحة وواجهة المعبد، لإضفاء نوع من الجمال باستخدام الإضاءة الليلية التى تشبه عروض الصوت والضوء على المعبد.
ومن جانبه، أوضح الأثرى أحمد عبد الظاهر، مدير صندوق إنقاذ آثار النوبة، أن الصندوق قام مؤخرا بعملية لتطوير نظام الإضاءة القديم للمعابد والذى تم تركيبه منذ قرابة العشرين عاما، وتمثلت عملية التطوير فى استبدال وحدات الإضاءة القديمة وإضافة وحدات إضافية بما يتوافق مع المتطلبات الحديثة كزيادة الشكل الجمالى والمحافظة على الأثر وتوفير الطاقة المستخدمة.
وقال "عبد الظاهر"، إن عملية تطوير الإضاءة ساهمت فى زيادة الشكل الجمالى عن طريق استخدام وحدات توفر إضاءة متصلة continues ذات لون موحد وبشدة إضاءة مناسبة، بالإضافة إلى تقليل درجة الحرارة الناتجة من وحدات الإضاءة عن طريق استخدام وحدات بدرجة حرارة أقل ما يسهم فى عملية الحفاظ على الأثر، فضلاً عن إبراز واجهة المعبدين ليلا عن طريق إضاءة الواجهة بشكل بانورامى أكثر جمالاً، علاوة على توفير الطاقة الكهربائية المستخدمة فى عملية التشغيل باستخدام وحدات موفرة للطاقة، مشيراً إلى أن عملية تطوير الإضاءة ساهمت فى زيادة عملية تأمين الموقع عن طريق استخدام وحدات كاشفة أعلى شدة إضاءة تساهم فى تعزيز الحراسة والمراقبة ليلًا، وإضافة روح جديدة للقبة الخرسانية بعد إضاءتها بالكامل بشكل يجذب زوارها.
فى السياق، قال الأثرى أحمد مسعود، كبير مفتشى آثار أبوسمبل: تتعامد أشعة الشمس على "قدس الأقداس" بمعابد أبوسمبل مرتين كل عام 22 فبراير و22 أكتوبر، حيث تتسلل أشعة الشمس داخل المعبد، وصولا أقدس الأقداس والذى يبعد عن المدخل بحوالى ستين مترًا، ويتكون من منصة تضم تمثال الملك رمسيس الثانى جالسا وبجواره تمثال الإله رع حور أخته، والإله آمون، وتمثال رابع للإله بتاح، والجدير بالذكر أن الشمس لا تتعامد على وجه تمثال "بتاح"، الذى كان يعتبره القدماء إله الظلام.
لحظة تعامد الشمس
وتابع "مسعود" لـ"اليوم السابع": يرجع السبب وراء تعامد الشمس على وجه رمسيس إلى سبب ذكر فى روايتين، أولاً هى أن المصريين القدماء صمموا المعبد بناء على حركة الفلك لتحديد بدء الموسم الزراعى وموسم الحصاد، وثانياً هى أن هذين اليومين يتزامنان مع يوم مولد الملك رمسيس الثانى ويوم تتويجه على العرش.
وأضاف كبير مفتشى آثار أبوسمبل، أنه تم اكتشاف ظاهرة تعامد الشمس فى شتاء عام 1874، عندما رصدت الكاتبة البريطانية "إميليا إدوارد" والفريق المرافق لها، هذه الظاهرة وقد سجلتها فى كتابها المنشور عام 1899 بعنوان "ألف ميل فوق النيل".
يذكر أن ظاهرة "تعامد الشمس" على تمثال رمسيس كانت تحدث يومى 21 أكتوبر و21 فبراير قبل عام 1964، إلا أنه بعد نقل معبد أبوسمبل بعد تقطيعه لإنقاذه من الغرق تحت مياه بحيرة السد العالى فى بداية الستينيات من موقعه القديم، الذى تم نحته داخل الجبل، إلى موقعة الحالى، أصبحت هذه الظاهرة تتكرر يومى 22 أكتوبر و22 فبراير.