حمدي عبد الرحيم يكتب
حرب أكتوبر وجمع القرآن
الأربعاء، 14 أكتوبر 2020 06:09 م
في العام الحادي عشر من الهجرة النبوية الشريفة، وقعت معركة اليمامة بين المسلمين بقيادة خالد بن الوليد وبين المرتدين بقيادة مسلمة الكذاب.
كانت المعركة غاية في الشراسة، حتى أن المسلمين كادوا يخسرونها، لولا ثبات خيرة الرجال الذين صاحوا في الجنود قائلين:" يا أصحاب سورة البقرة يا أهل القرآن زينوا القرآن بالفعال".
تلك الصيحة أدت إلى استبسال المسلمين الذين استطاعوا حسم العركة لصالحهم بعد أن قُتل من قوات العدو أربعة عشر ألف محارب، واستشهد من المسلمين ألف ومئتا مجاهد.
بعد أن هدأ غبار الحرب أحصى الفاروق عمر بن الخطاب خسائر المسلمين فوجد أن المسلمين قد مات منهم سبعون من حفظة القرآن الكريم، ففزع جدًا من ضخامة الرقم، والرقم ضخم جدًا قياسًا بعدد المسلمين أيامها.
ولأن الفاروق عمر كان من أفقه المسلمين فقد ذهب إلى الخليفة الصديق أبي بكر ليخبره بضرورة جمع القرآن.
يروي تلك الواقعة التاريخية الصحابي الجليل زيد بن ثابت فيقول: “أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبو بكر رضي الله عنه إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن.
قلت لعمر كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال عمر هذا والله خير فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر.
قال زيد قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه.
فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل على مما أمرني به من جمع القرآن قلت كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم "
حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر ثم عند حفصة بنت عمر".
موقف المصريين من حرب أكتوبر يشبه موقف المسلمين من جمع القرآن.
فكيف هذا؟
أكتوبر وقعت منذ سبع وأربعين سنة، والذي فاز بشرف المشاركة فيها كان عمره ـ في الحد الأدنى ـ واحد وعشرون سنة، فعمره الآن، يبلغ خمسًا وستين سنة، والأعمار بيد الله وحده، ولكن الموت هو سنة الله التي لا يقف أحد في وجهها، وكل ما نخشاه أن يرحل كل اللذين فازوا بشرف المشاركة في تلك الملحمة التاريخية وترحل معهم بطولات استثنائية خارقة سطرها العظماء بدمائهم.
لقد هب المسلمون وعملوا على قلب رجل واحد لجمع القرآن الذي تكفل الله بحفظه خوفًا من موت الحفاظ، فكيف لا نهب نحن لتسجيل وتوثيق بطولات بشرية، أسرارها وتفاصيلها في قلوب رجال يتقدمون في العمر.
الآن ونحن على مشارف مضي نصف قرن على تلك الحرب العظيمة، يجب علينا أن نهرع إلى توثيق أدق تفاصيلها نأخذها من أفواه الذين شاركوا وكانوا شهود عيان.
والتوثيق لا يكون بالكتابة فقط فهناك مجالات عديدة تقف الفنون على رأسها، وقد جربنا إنتاج فيلم مثل فيلم الممر الذي حقق نجاحًا ساحقًا جماهيريًا وماديًا بل وفنيًا، فالصفقة رابحة بدون شك، فمتى نبدأ؟