احترس.. أمامك فيس بوك
الأحد، 11 أكتوبر 2020 05:53 م
في العام 1948 ظهرت الرواية الشهيرة 1984 لكاتبها الروائي الكبير جورج أورويل.
في الرواية يتوقع أرويل أن العام 1984 سيشهد سقوط كل العالم القديم الذي عرفته البشرية وقيام عالم جديد يقوده ويسيطر عليه «الأخ الأكبر».
قراء الرواية لن يروا الأخ الأكبر ولو في مشهد عابر، ولكن مَنْ منا ينكر الظلمة لأنه لا يمسكها بين يديه؟
ومن منا ينكر مرارة التعاسة لأنه لا يأكلها بأسنانه؟
الأخ الأكبر قوة مهيمنة تحصي عليك أنفاسك.
قوة خارقة تفرق بين المرء وزوجه.
قوة ليس بها ملمح إنساني واحد فهي تراك من حيث لا تراها.
هل هذه رواية؟
لا والله إنها الحقيقة وقد تجسدت في الشبكة العنكبوتية المسماة بالأنترنيت، هذا الأنترنيت تفرع وتشعب وتعقد حتى أصبح صاحب الكلمة الأولى بل والأخيرة في حكم العالم كل العالم.
من تلك الأرضية ينطلق الكاتب الأستاذ أكرم القصاص راصدًا أحوال مواقع التواصل الاجتماعي في كتابه: «السيبراني.. اضغط هنا»، الذي نشره كتاب الهلال.
الذين يعرفون أكرم، يعرفون إنه كاتب ساخر يلتقط أدق تفاصيل حكاية ما ثم ينفخ فيها من روحه الساخرة فتصبح جدارية للضحك. في «السيبراني» لم يعتمد أكرم على سخريته، فبصراحة نحن أمام: «المسخرة ذاتها، فكيف كان سيسخر من المسخرة»؟
يبدأ القصاص كتابه بتحذير عام كاشف وموجع: «إذا أصبحت عضوًا في المجتمع الشبكي، ستفقد جزءًا من حريتك، وستخضع لقواعد التأثر الكاسحة والخوارزميات واللجان والأفراد والجماعات، ولن تعرف ما إذا كانت الآراء والأفكار والأخبار المعروضة عليك ضمن التدفق العادي أم أنها جزء من سياق لجهات أو أفراد أو شركات أو مسوقي إعلانات أو شائعات أو عقارات أو برامج أو تدريبات على الحياة والقدرات».
تحذير القصاص واضح وصريح لا لبس فيه ولا غموض، وهو بلغته الساخرة: «الفيس كالتدخين مسئولية كل مفيّس».
فإن أنت دخلت بقدميك فلا تلومين إلا نفسك، لأنك ستجد وقتك وقد تشظي وأيامك وقد تكدست على جنباتها الحيرة، ولياليك وقد ذهب عنها النوم لأن بالك مشغول بما قرأت أو شاهدت من فيديوهات لن تعرف حقيقتها أبدًا.
يبحث القصاص عن حقيقتك فيجدك قد أصبحت كائنًا أسطوريًا، فأنت على الفيس غيرك في الشارع، وأنت في تويتر غيرك في المسجد، وأنت على انستجرام غيرك في البيت، فأين توجد الأنا الحقيقة لك؟
أم تراها قد غابت وتوارت تحت أطنان من مساحيق الكذب والتجميل الادعاء والتزييف والتزوير والصراخ الملتاث بأنصاف الحقائق وأرباع الأكاذيب؟
يتلقط القصاص حالة تحير العقول والقلوب، تلك هي حالة ناشط مواقع التواصل الذي يكتب التعليق وعكسه في لحظة واحدة، فإذا عرف عنك أنك ـ مثلًا ـ ضد أردوغان التركي صب جحيم سخطه على كل ما له علاقة بتركيا في الماضي والحاضر والمستقبل!
ثم يذهب ذلك الناشط إلى حساب واحد من المتعاطفين مع أردوغان فيكتب مديحًا صافيًا في كل ما له علاقة بتركيا!
يشرّح القصاص تلك الحالة العجيبة التي أظن أننا ننفرد بها بين العالمين، تشريحًا وافيًا لتخرج بالنتيجة التي تجعلك تضحك بينما أن تريد البكاء، تلك النتيجة صاغها القصاص صياغة طيبة للغاية فجعلها تحت عنوان: «أنت مش أنت على الفيسبوك».
لو لم يكتب أكرم غير هذا الفصل التشريحي لكفاه، لأنه حقًا وضع يده على رأس الدمل، ورأس الدم هو الحقيقة الغائبة، فلا حقائق في ذلك السيرك الكوني، هي ألعاب مبهرة تخطف الأبصار وقد تخطف معها العقول والقلوب.
اللهم إن أكرم القصاص قد بلغ اللهم فاشهد