زمن العناتيل!
السبت، 10 أكتوبر 2020 05:02 م
عنتيل البراجيل ليس الأول، فقد سبقه عناتيل كثر، تم ضبطهم وفضحهم على رؤوس الأشهاد، وسوف يخلفه عناتيل آخرون. القانون المصرى يتعامل مع العنتلة بـ"خفة ودلع"، ومواده "تطبطب" على العناتيل.
المُشرِّع المصرى لم يذهب به خياله إلى وجود مثل هذه الظواهر القبيحة فى المجتمع المتدين بطبعه، مثلما لم يتخيل يومًا تفشى جرائم "تبادل الزوجات". الواقع فى مصر يتحدى الخيال.
ظاهرة العناتيل بالغة الخطورة فى دلالتها وجميع تفاصيلها. الأرقام أصدق أنباءً من الكلام المرسل والتنظير المتهافت. إذا كانت هناك نظرية تقول إن عدد الجرائم التى يتم ضبطها لا تزيد على 10% من الإجمالى العام لها، فإنه مقابل كل عنيل يتم توقيفه، هناك عشرة عناتيل على الأقل مما تعدون يمارسون أشد الجرائم فحشًا وقبحًا.
وإذا كان كل عنتيل يتم توقيفه يقر ويعترف بأنه ضاجع عشرات النساء، متزوجات ومطلقات ودون ذلك، فنحن إذن أمام كارثة أخلاقية واجتماعية ونفسية معقدة أشد التعقيد بكل المقاييس. قبل عنتيل الجيزة، كان هناك عنتيل المحلة، وعنتيل البحيرة، وكأن فى كل قرية ومدينة ومحافظة عنتيلاً.
الأزمة ليست فى هذا العنتيل السافل منزوع النخوة والكرامة، فهو مجرد شخص واحد فى المهزلة، ولكن الأزمة تكمن فى عشرات النساء اللاتى يتهافتن على مخدعه، ليتنازلن عن شرفهن بكامل إرادتهن. الكارثة الأعظم أن هذه الظواهر تسللت حتى توغلت فى مجتمعات ريفية، كان للكرامة والنخوة والعرض والشرف داخلها مكانة رفيعة وسامقة. قبل عنتيل الجيزة، كانت هناك فضيحة فيرمونت، وفضيحة طالب الجامعة الأمريكية، فضلاً عن جرائم جنسية تستعصى على الحصر.
دون مبالغة أو أدنى تعسف.. إن مطالعة تفاصيل وأسرار وكواليس هذه الجرائم تضعك أمام نتيجة صادمة حاسمة، وهى أن المصريين لا يؤمنون بأن الزنا حرام!! لا تندهش –عزيزى القارئ- ولا تتعجل الحكم، وإن اندهشت وتعجلت الحكم فسوف أريح دماغى وأحيلك على دراسة الدكتور أحمد المجدوب عن "زنا المحارم"، وتلك -وأيم الله- أكبر الكبائر وأعظمها وأشدها سُخفًا.
هل أسهم كل من: المنابر الخرساء والتعليم الأجوف والإعلام المتخاذل فى إفساد أخلاق المصريين، وعدم إيمانهم بأن "رذيلة الزنا"، بكل تنويعاتها وتشكيلاتها الكلاسيكية والمستحدثة، حرام.الأديانُ السماوية تشددتْ فى تحريم الزنا.
القرآنُ الكريمُ يقولُ: "ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساءَ سبيلاً"، والمسيحية تأمرُ: "لا تزنِ بحليلةِ جارك"، واليهودية تتوعدُ: "إذا زنى رجلٌ مع امرأة... فإنه يقتلُ الزاني والزانية".
رغم هذه النصوص الدينية السماوية القاطعة وغيرها إلا أنها لم تحققْ الردع الكافىَ لأهل الأرض. هذه الكبيرة تتوغلُ فى بلد موطن المساجد والكنائس توغُّلاً مُفزعاً ومؤلماً وخطيراً. الأمرُ لا يقتصرُ على فئةٍ دون أخرى، بين الفقراء والأغنياء، بين العامة والنخبة، بين المثقفين والأميين، بين رجال الدين ورجال المال. مشايخ ورهبان يُضاجعون النساء فى دور العبادة. مُعلمون يعبثون بأعراض تلميذاتهم فى المدارس وفى جلسات الدروس الخصوصية.
أكاديميون يتحرشون بطالباتهم داخل الجامعات ويرفعون شعار: "النجاح مقابل الحرام". آباءُ يهتكون أعراضَ بناتهم. وأمهاتٌ يتاجرن بصباياهُن فى سوق النخاسة. النفوسُ المستقيمة لا تحتاجُ نصوصاً سماوية تمنعُها عن اقتراف تلك الفاحشة.
ما كان حراماً فى العُرف العام صار مُباحاً مُستباحاً. جرائمُ الشرف تمضى بوتيرةٍ متسارعةٍ. المذابحُ الأسرية بسبب الخيانة تصل إلى حد الظاهرة.
معاملُ التحاليل الطبية تعيش أزهى عصورها فى ظل إقبال الأزواج على إجراء تحليل d-n-a، للتأكد من نسب أطفالهم. جرائمُ قتل الزوجات لأزواجهن بمساعدة العُشاق.. عرضٌ مُستمرٌ. الرشاوى الجنسية تختصرُ الزمنَ وتُحققُ المعجزاتِ وتنجزُ المستحيلات وتُغيِّرُ المسارات. الشخصية المصرية تعرضت لحالةٍ متقدمةٍ من التصحُّر الأخلاقى الرهيب.
الدول المتقدمة تتحدث عن احتلالها القمة فى الإنتاج والصناعة والتعليم، ونحن نُباهى الأمم بالمراكز الأولى فى البحث عن الفيديوهات الجنسية وفى الطلاق وزنا المحارم وفى كل مسلك مُتدنٍ و قبيح، ومُحرك البحث "جوجل" شاهدٌ على ما نفعله بأنفسنا.
لا أحدَ يجرؤ على مناقشة هذا العوار الأخلاقى الذى يضرب الشخصية المصرية فى العُمق، ويُحولُّها إلى شخصية بلا نخوةٍ أو كرامةٍ. الصمتُ عما يحدثُ جريمة يجعلنا كمن وصفهم القرآن الكريم بقوله: " كانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ، لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ"، والتغافل عنها يدرجنا فيمن وصفهم بقوله: " إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ".