تظل ذكرى نصر أكتوبر العطرة شاهدة على أعظم انتصار في تاريخ الأمة العربية على مر العصور، حيث شهد عام 1973 ملحمة لم يسبق لها مثيل جسدت مدى عظمة مصر وشعبها وجيشها، وأبرزت أصالة المصريين وبسالتهم ومدى ولائهم لوطنهم الأكبر واعتزازهم بمصريتهم وعروبتهم.
النصر الذي ظل على مدى 47 عاما مصدر إلهام لكل الفنانين والأعمال الفنية العديدة ما بين السينما والتليفزيون والمسرح وحتى المطربين الذين لطالما تغنوا بالنصر والفخر بتاريخ بلادهم البطولي، للأسف نجد أن كل ذلك لم يوفه حقه على أكمل وجه، وبالنظرة المتعمقة نجد أننا مازلنا مقصرين فى حق هذا النصر فلم نوف انتصارنا حقه فى التناول سينمائيا وتليفزيونيا ومسرحيا، ربما يكون الغناء قد تناول الحدث بشكل أفضل من الثلاثى الدرامى، ولذلك ما زلنا ننتظر المزيد من السينما والدراما التليفزيونية والإذاعية أيضا.
ابناء-الصمت
الجيش المصرى من أقدم الجيوش النظامية فى العالم فقد بدأ أول حروبه من أجل توحيد مصر على يد الملك مينا عام 3200 ق.م، وعلى مدى هذه القرون خاض العديد من الحروب والمعارك الكبرى بدءًا من العصر الفرعونى ومرورًا بالعصور البطلمية والرومانية والإسلامية وحتى العصر الحديث، ومع الاحتفال بالذكرى الـ47 لنصر أكتوبر المجيد، نتذكر بطولات القوات المسلحة، مصنع الرجال، درع الأمة الواقى، سيف مصر القاطع الذى يبتر يد كل من تسول له نفسه محاولة العبث بأمن واستقرار الوطن، فتاريخ الجيش المصرى ووطنيته لا تخفى على أحد، والمعارك التى خاضها من أجل الدفاع عن أمته سُطرت بحروف من نور فى كتب التاريخ العسكرى على مر العصور، وفى عام 2018 كشف تقرير لمنظمة «جلوبال فاير باور» الأمريكية لتصنيف قدرات الجيوش حول العالم، تصدر الجيش المصرى لصدارة أقوى الجيوش الأفريقية والعربية محتلا المركز 12 فى ترتيب أقوى جيوش العالم، هذا وتحرص القوات المسلحة على المضى بخطى متسارعة لمواكبة التطور العالمى فى نظم إعداد وتدريب الفرد المقاتل نظريا وعمليا، باعتباره الركيزة الأساسية لقدرة وكفاءة القوات المسلحة على تنفيذ مختلف المهام من خلال ضخ دماء جديدة مسلحة بالعلم العسكرى رفيع المستوى.
الرصاصه-لاتزال-فى-جيب
قيمة الحرب الحقيقية لم تظهر على شاشة السينما أو فى المسرح بشكل جيد وفيلم «الممر» ومسلسل «الاختيار» اللذان عرضا مؤخرا خطوة مهمة ومشجعة لكل صناع السينما والدراما التليفزيونية على التحرك سريعا لإنتاج أعمال فنية تبرز البطولات المصرية وتجسد ما حدث فى الحرب على المستوى الإنسانى، خاصة أنه ما زال على قيد الحياة الكثير من الأبطال الذين عايشوا الحرب ويمتلكون القصص والحكايات التى تصنع مئات الأفلام والمسلسلات ولدينا قصص مراسلين عسكريين عايشوا بطولات حرب أكتوبر ما زالوا أحياء يرزقون منهم الإعلامى القدير حمدى الكنيسى رئيس الإذاعة الأسبق فهو كان أحد أبرز المراسلين الحربيين أثناء حرب أكتوبر ومن أشهر البرامج التى عرف بها برنامج صوت المعركة وبرنامج يوميات مراسل حربى ولدينا أيضا قصص عبده مباشر وهو أحد المحررين العسكريين والمراسلين الحربيين المعروفين فى الوسط الصحفى والإعلام وغيره الكثيرون الذين قاموا بتغطية حرب أكتوبر المجيدة ونجحوا فى نقل صورة حية من البطولات والأحداث والمواقف التى حفلت بها الحرب، وفى جعبتهم الكثير من القصص والحكايات التى يجب استغلالها والاستفادة منها.
الطريفق-الى-ايلات
السينما العالمية قدمت ما لا يقل عن 300 فيلم عن الحرب العالمية الأولى و245 فيلما عن الحرب العالمية الثانية و122 فيلما عن «الحرب فى فيتنام» منها فيلم «عبر الكون» للمخرجة جوليا تيمور، وقدم 30 فيلما عن الحرب الأمريكية فى العراق منها فيلم «The Men Who Stare at Goats» «رجال يحدقون فى الماعز» بطولة جورج كلونى المأخوذ عن كتاب «جون رونسون» ونحن فى مصر لم نقدم سوى ما يقل عن 10 أفلام فقط عن أعظم حرب عرفتها البشرية وتدرس فى الكليات والمعاهد للطلبة فما زالت حرب أكتوبر لم تأخذ حقها فى الفن المصرى، فالأفلام والمسلسلات التى تناولت الحرب وما قبلها وما بعدها قليلة للغاية ولا تعبر عن عظمة الحدث ومنها مثلا فيلم «الوفاء العظيم» الذى أنتج بعد حرب أكتوبر مباشرة عام 1974 وفيلم «حتى آخر العمر» وفيلم «العمر لحظة»، ومن أفضل الأفلام التى أنتجت وقدمت بشكل جيد فيلم «الرصاصة لا تزال فى جيبى» بطولة محمود ياسين ونجوى إبراهيم ويوسف شعبان، حيث تناولت فترة كبيرة من الحروب التى مرت بها مصر بدءا من حرب 67 وحتى حرب أكتوبر 73 وكيف تكاتل الغرب ضد مصر متناولاً، وأيضا «أغنية على الممر» للمخرج على عبد الخالق الذى يعتبر من أكثر المخرجين تقديمًا لمثل هذه النوعية من الأفلام، و«أبناء الصمت» عام 1974 للمخرج محمد راضى.
الممر
وهناك العديد من الأفلام لم تتحدث عن حرب أكتوبر بصفة مباشرة وإنما تناولت الفترة ما قبل الحرب، وعن الدور المهم الذى قامت به المخابرات المصرية والحربية وقتها وكيف كانا لهما التأثير فى نجاحها؛ مثل فيلم «الصعود إلى الهاوية» للمخرج العبقرى كمال الشيخ عام 1978، و«بئر الخيانة» بطولة نور الشريف وعزت العلايلى و«إعدام ميت»، ونضم إلى الأعمال السينمائية السابقة التى تناولت الحرب أو فترة ما قبلها الأعمال الدرامية التليفزيونية التى شاركت فى تقديم صورة جميلة ونجحت أيضًا، ولاقت رواجًا كبيرًا لطول التيمة نفسها منها مسلسل «رأفت الهجان»، و«دموع فى عيون وقحة» للكاتب الراحل صالح مرسى، و«السقوط فى بئر سبع» و«وحلقت الطيور نحو الشرق» و«الثعلب» وغيرها.
أما المسرح المصرى فى مرحلة ما بعد الحرب مباشرة شهد كمًا من المسرحيات، لكنها جميعا لم تكن على مستوى الحدث وكانت أشبه بعروض انفعالية مناسبة لا تصلح للتقديم. وكشف الدكتور عمرو دوارة، الناقد والمؤرخ والمخرج المسرحى، أن مسرحنا المصرى ظل عبر مسيرته الفنية كعادته لسنوات طويلة مواكبا لجميع الأحداث السياسية، وبالتالى فقد تصدى لقضية «الصراع العربى الصهيونى» منذ نكبة فلسطين عام 1948، كما واكب بعروضه الحروب والمعارك المهمة التى خضناها معه وبالتحديد سنوات 1956،1967، 1973 ومن أهم ما قدم مسرحيا عن أكتوبر والحرب بشكل عام مسرحيات: أقوى من الزمن: تأليف يوسف السباعى وإخراج نبيل الألفى عام 1973، وصلاح الدين: تأليف محمود شعبان وإخراج كمال حسين عام 1973، وحدث فى أكتوبر: تأليف إسماعيل العادلى وإخراج كرم مطاوع عام 1973، وحبيبتى شامينا: تأليف رشاد رشدى وإخراج سمير العصفورى عام 1973، وسقوط خط بارليف: تأليف هارون هاشم رشيد وإخراج سناء شافع عام 1974، النسر الأحمر: تأليف عبد الرحمن الشرقاوى وإخراج كرم مطاوع عام 1975، وباب الفتوح تأليف محمود دياب وإخراج سعد أردش عام 1976.
العمر-لحظة
وقدم «المسرح الحديث» مسرحيات: مدد مدد شدى حيلك يا بلد: عام 1973، تأليف زكى عمر، وإخراج عبد الغفار عودة، و«رأس العش» عام 1974، تأليف سعد الدين وهبة، وإخراج سعد أردش، والعمر لحظة: عام 1974 تأليف يوسف السباعى، وإخراج أحمد عبد الحليم، والحب والحرب: عام 1974 تأليف شوقى خميس، وإخراج عبد الغفار عودة، كما شاركت فرقة «مسرح الطليعة» بتقديم ثلاثة عروض عام 1974 هى: القرار من تأليف سعيد عبد الغنى، وإخراج مجدى مجاهد، وجبل المغناطيس: تأليف سعيد عبد الغنى، وإخراج فهمى الخولى، وحراس الحياة: تأليف محمد الشناوى، وإخراج أحمد عبد الحليم، كذلك قام قطاع «الفنون الشعبية والاستعراضية» بتقديم عدة مسرحيات غنائية استعراضية من أهمها: حبيبتى يا مصر: عام 1973، تأليف سعد الدين وهبة، وإخراج سعد أردش، الحرب والسلام: عام 1974، تأليف يوسف السباعى، وإخراج محمود رضا ومحمد صبحى، مصر بلدنا: عام 1978، تأليف حسام حازم، وإخراج أحمد زكى، نوار الخير: عام 1979، تأليف توفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، وإخراج حسن عبد السلام.
مما سبق يتضح لنا أن المسرح المصرى قد انفعل بشكل لحظى استمر منذ اندلاع الحرب حتى عام 1979، لكن بعد ذلك ندر تقديم مسرح عن حرب أكتوبر، ولم تظهر مسرحية تجسد ما حدث فى الحرب حتى على المستوى الإنسانى.