متى نفلت من فخاخ الموت على الطرق؟
الأحد، 04 أكتوبر 2020 10:00 ص
يعرف الذين يسافرون إلى الصعيد ـ وما أكثرهم ـ الطريق الدائري الكائن فوق منطقة المعادي، وهو طريق بالنظر إلى غيره يعد جيدًا بل جيدًا جدًا، ورغم جودة الطريق من حيث اتساعه ومتانته، وغياب المعوقات من مطبات وغيرها فإنه يعد من الفخاخ الشهيرة التي تخطف حياة الناس، فكيف يكون هذا؟.
أحدث الوقائع جرت ظهيرة الثلاثاء الماضي، ويؤسفنا أننا لن نستطيع القول بأنها ستكون الواقعة الأخيرة.
جاءت الأخبار لتؤكد أن سيارة ميكروباص قادمة من أسيوط تحمل أربعة عشر راكبًا والسائق قد قطعت سيارة نقل عليها الطريق ليقع التصادم المعروف، وقد نتج عنه حتى كتابتي لهذه السطور مصرع عشرة ركاب، خمسة منهم ينتمون لأسرة واحدة وإصابة الآخرين، وبعض الإصابات حرجة للغاية.
من ناحيته لم يقصر الأمن وقام بنقل المتوفين والمصابين إلى المستشفيات وقام بإلقاء القبض على سائق سيارة النقل الذي كما قال الأمن قد تسبب في الحادث.
ثم ماذا بعد؟
كلنا نعرف الإجابة، نعم نعرف كل الخطوات القادمة، سيتم دفن جثث القتلى ونحتسبهم عند الله من الشهداء، وعلاج المصابين، نسأل الله لهم الشفاء التام الكامل، وتعويضهم بمبالغ رمزية، ثم محاكمة السائق المتسبب في الحادث، ثم العويل والصراخ الذي سرعان ما سيهدأ إلى أن يفجره حادث جديد.
أليس هذا ما يحدث في كل مرة وبكل التفاصيل؟
بلى، فكيف نوقف تلك الجرائم التي تحصد أرواح الناس وتغلق أبواب بيوتهم؟
لن نكسر هذا الحصار الجهنمي إلا بمواجهة الحقائق، لأن دفن الرأس في الرمال يضر ولا يفيد.
أولى الحقائق تقول: إن معظم الطرق شهدت تحسنًا ملحوظًا يجب البناء عليه واستثماره في تقليل معدلات الحوادث.
الحقيقة الثانية تقول: هل حقًا تم الفحص الطبي الحقيقي والجاد والعادل للسائقين؟.. هل حقًا تم القضاء على تلك النوعية التي لا تقود إلا وهى مغيبة عن الوعي بفعل المخدرات على مختلف أنواعها؟
الحقيقة الثالثة تقول: هل في معمعة مطالبتنا بتجديد الخطاب الديني نظرنا إلى ضرورة بل حتمية وجود اجتهاد فقهي يعالج آثار حوادث الطرق؟
حتى اللحظة فأن حوادث الطرق هي حوادث قتل خطأ، فأي الخطأ في سائق يتعمد القيادة وهو مغيب عن الوعي أو يتعمد القيادة بسرعة جنونية لا تراعي أبسط قواعد المرور أو في سائق حصل على ترخيص القيادة وهو أرعن أحمق لا يعرف أدنى قواعد مهنته ولا يحترمها؟
إن مجمعًا فقهيًا ببلد إسلامي عريق قد قرر التعامل مع حوادث الطرق التي تنتج عن سكر السائق أو تهوره بوصفها جريمة قتل عمد وليست جريمة قتل خطأ.
عن المنظومة المصرية التي يجب الآن وليس بعد يومه تعديلها قال الخبير القانوني شعبان سعيد: إن المتهمين في قضايا حوادث الطرق والقطارات يتم إحالتهم إلى محكمة الجنح بعد اكتمال أدلة الثبوت التي تُدينهم، بتهمة القتل الخطأ والإهمال أو التقصير في اداء وظيفتهم، وهى الاتهامات التي حددت عقوبتها بنصوص المواد 238 و244 من قانون العقوبات.
ويضيف "سعيد"، المادة 238 من قانون العقوبات نصت على الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر لمن تسبب في قتل شخص خطأ نتيجة إهماله، وترتفع مدة العقوبة من سنة إلى 5 سنوات في حالة خطأ الجاني خطأ جسيمًا أو كان متعاطيًا مواد مخدرة، وإذا تسبب الحادث في وفاة أكثر من 3 أشخاص ترتفع العقوبة من سنة إلى 7 سنوات، وقد تصل إلى 10 سنوات في حالة وجود ظرف مشدد للعقوبة.
انتهى كلام الخبير القانوني الذي يظهر مدى تراجعنا في معالجة كارثة تقع فوق رؤوسنا مرتين في الأسبوع على الأقل، وتكلفنا خسائر بشرية ومادية باهظة جدًا.
أعلم علم اليقين أن تغليظ عقوبة أي جريمة لا يعني القضاء التام والكامل عليها، ولكنه سيعمل على تراجعها والحد منها، والأمر يجب ألا يقتصر على تغليظ العقوبة، بل يجب ان يتسع ليشمل تبديل المنظومة كلها من جذورها بحفص طبي حقيقي وعادل لكل السائقين بداية بسائق السيارة الخاصة ونهاية بسائقي مقطورات الموت، ثم يجب ألا يحصل غير الكفء على رخصة قيادة، فما أكثر هؤلاء الرعناء الذين يتسمون بالتهور الشديد ذلك التهور الذي ندفع نحن ثمنه دولة وشعبًا.
أما احترام قواعد المرور وآداب الطرق فأمر حتمي، يجب التشديد فيه وعدم الاستهانة به، فما معنى السماح لسائق يقود سيارته بسرعة جنونية بمواصلة القيادة بعد تغريمه بغرامة يدفعها وهو يهز كتفيه ساخرًا؟
لو تم حرمان مجانين السرعة من القيادة مدى حياتهم لعلم الجميع أن القانون يقظ وباطش ولعلم الجميع أن احترام قانون المرور مقدس فوق أي مجاملات، وبغير تلك المواجهة الشاملة لكل جوانب المنظومة سنظل واقعين في فخاخ الموت التي تلتهم الأبرياء الذين لا ذنب لهم، سوى أنهم كانوا على نفس طريق قائد مخمور أو متهور.